عدن: سوق البلدية يطلق نداءه الأخير
يمن فيوتشر - محمد جسار السبت, 26 أكتوبر, 2024 - 04:18 مساءً
عدن: سوق البلدية يطلق نداءه الأخير

يقف سوق البلدية في قلب مديرية كريتر كأحد أقدم معالم عدن، تحت وطأة إهمال طويل الأمد أوصله إلى حافة الانهيار.
خلال زيارة ميدانية لفريق "يمن فيوتشر"، رصدنا إحدى حلقات هذا الانهيار المتسارع بسقوط جزء من سقف الطابق الأول. مشهد مألوف للبائعين الذين اعتادوا على انهيارات روتينية نتيجة غياب الصيانة.

إهمال حكومي وعائلات مقيمة
يقول جلال أحمد، بائع الأسماك: "الإهمال الحكومي المتواصل أدى إلى تدهور السوق. في الطابق الثاني الذي كان مخصصًا لعمال مؤسسة الأسماك، تقيم حاليًا عدة عائلات، مما زاد من حدة التدهور." 
ويضيف، "نعمل وسط مخاطر متزايدة؛ فالحجارة تتساقط فوق رؤوسنا، ولا خيار آخر سوى مواجهة المخالفات إن باع أحدنا خارج السوق."

تداعيات بيئية واقتصادية
التحديات تتعدى السقوط المتكرر؛ فغياب الصيانة أدى إلى تراكم النفايات وتلوث السوق، كما أوضح الباحث في الإعلام البيئي أحمد موسى، محذرًا من تهديد مباشر للصحة العامة واحتمال انتشار الأمراض. 
يشير موسى إلى أن إهمال السوق لا يهدد فقط الهوية الثقافية لعدن، بل يفقد المدينة فرصة لتنشيط السياحة المحلية والاستفادة الاقتصادية من هذا المعلم التاريخي.

ضرورة اجتماعية وثقافية
إعادة تأهيل سوق البلدية ليست ضرورة اقتصادية فحسب؛ بل هي خطوة للحفاظ على تراث المدينة وإعادة ربط السكان بتاريخهم، كما يؤكد موسى، الذي يرى في إحيائه مشروعًا تنمويًا يعيد للسوق حيويته ويربط ماضي عدن بحاضرها، فيستعيد شيئًا من بريقه المفقود.

شاهد على تاريخ عدن
منذ تأسيسه في خمسينيات القرن الماضي، مثّل سوق البلدية محورًا اقتصاديًا واجتماعيًا في عدن، حيث توزعت فيه الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم في كل زاوية. 
اليوم، يعكس السوق مشهدًا من الصراعات والإهمال المتراكم، كما يصفه الإعلامي عمر حسن، الذي يرى في غياب الاهتمام بالأسواق والمباني التاريخية سببًا رئيسيًا لتدهور حالة السوق.

الفوضى وغياب التنظيم
غياب الرقابة الحكومية أسهم في انتشار الفوضى والبائعين المتجولين، ما شوه صورة المدينة المعروفة سابقًا بالنظام وحسن التنظيم. 
يشير حسن أيضًا إلى أن المواد الأساسية المستخدمة في بناء السوق قد استنفدت عمرها الافتراضي، مما يعزز مخاطر انهياره في أي لحظة.

نداء عاجل للسلطات
ويعبر الحاج إبراهيم حمدي، الذي شهد تأسيس السوق أثناء الحقبة البريطانية، عن حزنه: "كان سوق البلدية القلب التجاري لعدن، واليوم يُعد دخوله أمرًا مرعبًا بفعل وضعه المتدهور. السوق بحاجة إلى ترميم عاجل قبل وقوع الكارثة."
أضاف، "انهيار السوق سيكون كارثة لعدن كلها، وليس فقط لكريتر."
وفي الجانب السكني، يوضح وجدي الجمرة، أحد سكان الطابق الثاني في السوق: "في البداية، كانت مكاتب هذا الطابق مخصصة لشركة التجارة للأقمشة والكهربائيات، لكن منذ حرب 94، سُمح لبعض العائلات بالإقامة فيه، واليوم تقيم نحو عشرين أسرة، ما يزيد الوضع تعقيدًا."
وعن حركة الباعة، يقول الجمرة: "يوجد اليوم 28 بائعًا، 11 منهم يعملون على سور السوق، وخمس محطات لبيع السمك، و12 بائعًا آخر للخضروات والفواكه داخل السوق."

معمارٌ عدني أصيل
يرجع تصميم السوق إلى المهندس العدني علي غانم كُليب، الذي أشرف على بنائه حين كان رئيسًا لبلدية عدن الصغرى. ويظل هذا الإرث المعماري شاهدًا على مهارة أبناء المدينة الجنوبية، لكن خطر الانهيار يهدد بزواله إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.
...
سوق البلدية، بما يحمله من تاريخ وقيمة ثقافية، بحاجة إلى تدخل فوري من السلطات المحلية لترميمه؛ لإنقاذ جزء من هوية المدينة الساحلية على خليج عدن، وإعادة الحياة لقلبها التجاري.


التعليقات