تحليل: ظاهرة تجنيد الأطفال في مأرب وشبوة
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية- الثلاثاء, 08 أكتوبر, 2024 - 08:50 مساءً
تحليل: ظاهرة تجنيد الأطفال في مأرب وشبوة

أصبحت ظاهرة تجنيد الأطفال سمة من سمات الحرب في اليمن، ووسيلة من وسائل رفد قوات الحوثيين (أنصار الله)، حيث يُستغل من خلالها الأطفال المجندون علناً في العمليات العسكرية.[1] تشترك جماعات يمنية مسلحة أخرى في هذه الظاهرة وإن على نطاق أصغر وبصورة أقل علانية. لفهم هذا التباين في توجهات الجماعات المسلحة لتجنيد الأطفال في اليمن والجوانب الأخرى لهذه الظاهرة، يسعى هذا الموجز السياساتي إلى استكشاف الأسباب وراء انضمام الأطفال إلى صفوف الجماعات المسلحة في مأرب وشبوة، وهما محافظتان تقعان على خط المواجهات وتتواجد في بعض مناطقهما قوات تابعة للحوثيين (وبشكل أبرز في محافظة مأرب)، والقوات التابعة للحكومة (المدعومة من السعودية)، والقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي (المدعومة من الإمارات).

لطالما استعر القتال بين الأطراف المتحاربة للسيطرة على مأرب وشبوة (محافظتان من أصل ثلاث محافظات مُنتجة للنفط والغاز الطبيعي في اليمن[2] وتزخر بموارد اقتصادية هائلة). من المفارقات أن الفرص الاقتصادية المحدودة في المحافظات دفعت العديد من سكانها، بمن فيهم الأطفال، إلى الانخراط في صفوف الجماعات المسلحة بحثا عن مصدر عيش.

خلصت الورقة إلى أن السعي لتأمين راتب أو دخل ثابت هو أحد الدوافع الرئيسية لانضمام الأطفال إلى الجماعات المسلحة في مأرب وشبوة، إلا أن عوامل أخرى تتداخل مع هذه الدوافع الاقتصادية، حيث يطمح بعض من أولئك الأطفال إلى الحصول على مكانة داخل أوساطهم باعتبارهم عناصر موالية لجماعة تُمارس السلطة[3] – حتى ولو كَجنود بِرُتب متدنية توكل إليهم مهام بسيطة ومتواضعة. هذا أمر أكثر جاذبية من مجرد العمل كمزارعين موسميين أو كعمالة يومية. بالنسبة لآخرين، كان الحصول على طعام يسد الرمق والجوع هو ما استقطبهم لهذا المعترك ، نظرا لارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي بين الأسر.[4]

فضلا عن ذلك، تلعب غريزة الثأر والشعور بالوطنية والتبعية الأيديولوجية والدينية والواجب القبلي ونقص فرص التعليم دورا أيضا في هذا التوجّه، [5] ناهيك عن غياب فرص العمل التقليدية في ظل استمرار اقتصاد الحرب، وحالة اللايقين تجاه مآل الصراع وما بعده. أصبح العديد من الطلاب لا يرون فائدة في مواصلة التعليم كمفتاح لمستقبل أفضل، [6] وتنامي هذا التوجّه مع تقويض الحوثيين فرص الالتحاق بالمدارس.[7]

من هذا المنطلق، تبرز أهمية خلق المزيد من الفرص الاقتصادية كعامل مساهم في تحييد الدوافع الرئيسية التي تحفز الفتيان دون السن القانونية للانضمام إلى الجماعات المسلحة.[8] ينبغي زيادة مرتبات المعلمين وغيرهم من المهنيين في قطاع التعليم لتثبيطهم عن الانضمام إلى الجماعات المسلحة، حيث أن تسرب المعلمين من مهنتهم يقوض جودة التعليم ويلعب عاملا في انقطاع الطلاب عن الدراسة. من المهم أيضاً تشجيع الطلاب الذين تسربوا بالفعل وانضموا إلى الجماعات المسلحة على العودة إلى مقاعد الدراسة أو إتاحة الفرص لهم لتعلم أنواع من الحرف تؤهلهم لدخول سوق العمل عند بلوغهم السن المسموح به.

أخيرا، يجب أن يأخذ أي اتفاق سلام في الاعتبار المقابل المادي الذي تقدمه الجماعات المسلحة حاليا للانضمام الى صفوفها، وأن يستكشف مصادر بديلة لتوفير الدخل لمثل هذه الشريحة وإعادة تأهيل المقاتلين الحاليين.

 

مأرب وشبوة: على خط المواجهات
تشهد محافظة مأرب – الواقعة على بُعد 175 كم تقريباً شرق العاصمة صنعاء – معارك قتالية على الجبهات منذ مارس/آذار 2015، نظرا لمخزوناتها الاستراتيجية من النفط والغاز. احتضنت مدينة مأرب مقر وزارة الدفاع التابعة للحكومة المعترف بها دوليا وقاعدة للعمليات العسكرية الساعية لاستعادة السيطرة على صنعاء، منذ استيلاء الحوثيين عليها في سبتمبر/أيلول 2014.[9]

مع مرور الوقت، أصبحت مدينة مأرب ملاذا رئيسيا للنازحين داخليا الفارين من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وهو ما أدى إلى نمو هائل في عدد السكان – من حوالي 55 ألف نسمة عام 2014، إلى عدد يتراوح ما بين 630 ألفا و 1.5 مليون نسمة بحلول عام 2020.[10] يتركّز غالبية سكان المحافظة (المقدر عددهم بين 1.5 و3 ملايين نسمة)[11] في مدينة مأرب الخاضعة لسيطرة الحكومة، ويعتبر حزب الإصلاح السلطة السياسية الرئيسية هناك.

يعتبر المجتمع المحلي في مأرب قبلياً إلى حد كبير؛ وتتبع معظم قبائل المحافظة (بما في ذلك قبيلتا مراد وعبيدة)، المذهب الشافعي السني. تاريخيا، ظلت المحافظة خارج نطاق السلطة المركزية وعلى هامش الصراعات على السلطة بين أئمة الزيدية والقبائل في المرتفعات الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون حالياً.[12]

تحسبا لتقدم الحوثيين عسكرياً إلى مأرب، بدأت قبائل مأرب أواخر عام 2014، بتشكيل قوات تعرف باسم مجالس/لجان المقاومة الشعبية (المعروفة محلياً بالمطارح)، [13] وتحالف مقاتلو القبائل مع قوات الجيش الموالية للحكومة لإحباط تقدّم قوات الحوثيين (المتحالفة آنذاك مع قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح) لإجبارهم على التقهقر إلى الحدود الفاصلة بين مأرب وصنعاء، حيث بقيت خطوط المواجهة ثابتة لمدة أربع سنوات تقريبا. في بداية يناير/كانون الثاني 2020، شَرَعت قوات الحوثيين بالتقدم إلى النصف الغربي من مأرب وتمكنت تقريبا من محاصرة مدينة مأرب طامحة للسيطرة على منشآت صافر للنفط والغاز شرقيّ المدينة. مع إبرام الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في أبريل/ نيسان 2022 ، ظلت حدود الجبهات ثابتة نسبياً رغم فشل جهود تمديد الهدنة في أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام.

يسيطر الحوثيون حاليا على كامل أو معظم المنطقة الجغرافية لـ 12 مديرية من أصل 14 مديرية في مأرب، في حين تسيطر الحكومة المعترف بها دولياً على مدينة مأرب (التي تعد مركز تجمع السكان الرئيسي) ومديرية الوادي (حيث توجد احتياطيات النفط والغاز الاستراتيجية). هذا وتدور المعارك على طول الجبهات بين قوات الحوثيين من جهة وقوات الجيش الوطني الموالية للحكومة والمقاتلين القبليين وعدد صغير من قوات محور سبأ الموال لألوية العمالقة المدعومة إماراتياً.

بذات السياق، اجتاحت قوات الحوثيين وصالح (المتحالفتان حينها) محافظة شبوة المجاورة في مارس/آذار 2015.[14] على غرار قبائل مأرب، شكلت القبائل في شبوة مجالس/ لجان مقاومة شعبية، إلاّ أن عناصر الجيش الوطني في شبوة كانت في حالة من الفوضى والتشرذم وغير قادرة على دعم مجالس المقاومة – على عكس الوضع في مأرب، مع ذلك، أزاح مقاتلو القبائل الشبوانية الخلافات الماضية جانبا وتكاتفوا لمحاربة هذا التهديد المشترك، لكن الافتقار إلى قيادة موحدة ونقص الأسلحة والتدريب أجبرهم على التقهقر في مواجهة غزو قوات الحوثيين وقوات صالح.

سرعان ما سقطت عتق (عاصمة شبوة) في أبريل/نيسان 2015، [15] وتراجع مجال المقاومة الشعبية المتمركزة هناك إلى جنوبي شبوة، واستغرق الأمر أكثر من عامين ونصف قبل أن تتمكن قوات الجيش الموالية للحكومة ومجالس المقاومة الشعبية والقوات المدعومة إماراتياً من طرد الحوثيين من كامل مناطق شبوة، وآخرها مديرية بيحان في شمالي غرب المحافظة في ديسمبر/كانون الأول 2017.[16] في محاولة لاحقة لاعادة سيطرتها، تقدمت قوات الحوثيين مجدداً إلى المحافظة قبل أن تطردها القوات التابعة لألوية العمالقة في يناير/كانون الثاني 2022.[17]

في غضون ذلك، أدى تشكيل جماعات عسكرية جديدة تتبع أيديولوجيات سياسية متعارضة إلى انقسامات عميقة داخل شبوة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. في منتصف عام 2016، بدأت الإمارات بتدريب وتمويل قوات محلية عُرفت باسم النخبة الشبوانية، ليتغيّر اسمها لاحقا إلى قوات دفاع شبوة.[18] سيطرت القوات المدعومة إماراتياً على كامل المحافظة تقريبا منذ أغسطس/آب 2022، بعد طردها الجيش وقوات الأمن التابعة للإصلاح من مدينة عتق والمديريات المحيطة بها.[19] في الوقت نفسه، أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي القوة السياسية المهيمنة في شبوة بدعم قوات دفاع شبوة الموالية له وقوات ألوية العمالقة المتحالفة معه.

 

المنهجية
يقدم هذا الموجز السياساتي أولا لمحة موجزة عن الأعراف القبلية وقوانين الدولة فيما يتعلق بتجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة في اليمن بشكل عام. يستكشف بعدها الأدلة المتوفرة والتي تثبت استغلال الأطفال كجنود في محافظتي مأرب وشبوة، ويُركز على العوامل التي تدفع الأطفال للانضمام إلى الجماعات المسلحة والتكتيكات التي تستخدمها الجماعات المسلحة في عملية الاستقطاب والتجنيد. بعد ذلك يتم تحليل التأثيرات الحالية والمستقبلية لتجنيد الأطفال في مأرب وشبوة وطرح مقترحات حول السبل المثلى للتصدي لهذه الظاهرة ومكافحتها.

أظهرت المراجعة المكتبية للمؤلفات والمنشورات المتعلقة بتجنيد الأطفال[20] في محافظتي مأرب وشبوة وجود عدد محدود من الدراسات التي تتناول هذه الظاهرة بتعمّق. على ضوئه، اعتمدت هذا الموجز على المقابلات التي أُجريت مع أشخاص من سكان المحافظتين، فضلا عن مقابلات مع باحثين يمنيين ونشطاء حقوقيين. لاعتبارات أمنية، رفض عدد من الأفراد، المتواجدون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة في مأرب وشبوة، إجراء مقابلات خوفا من استهدافهم بأعمال انتقامية من قبل الجماعات المسلحة أو السلطات المسيطرة هناك. على هذا الأساس، ونظرا لحساسية الموضوع، تم إخفاء هوية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم بما يسمح لهم بالتحدث والتعبير بحرية.

في محافظة مأرب، أجريت 12 مقابلة خلال شهر مارس/آذار 2024، مع أفراد يمثلون سبع مديريات، من بينهم طفل مُجند، [21] وأقارب لأطفال مُجندين، وجنود بالغون، وقادة عسكريون، وسياسيون، ونشطاء حقوقيون، ومعلمون ممن رصدوا حالات تجنيد أطفال.[22] بعض من هؤلاء هم من سكان مديرية حريب القراميش الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ بداية الحرب، وهي منطقة تجنيد رئيسية للجماعة، بينما ينتمي آخرون إلى مديرية صرواح التي تُعدّ جبهة نشطة منذ عام 2015 وتنقسم السيطرة عليها حاليا بين الحوثيين والحكومة، وتسكنها قبيلة جهم البارزة سياسياً (إحدى بطون قبيلة بني جبر).

أجريت أيضا مقابلات مع أفراد من مديريات الماهلية والجوبة والعبدية جنوبي مأرب، علماً بأن جميع هذه المديريات احتضنت جبهات نشطة في نقاط مختلفة خلال فترة الصراع. تعد مديريتا الجوبة والماهلية موطناً لقبيلة مراد – أكبر القبائل في مأرب من حيث عدد السكان – في حين تعتبر مديرية العبدية موطناً لقبيلة بني عبد. شملت المقابلات كذلك أفراد يقيمون ويعملون في مدينة مأرب الخاضعة لسيطرة الحكومة.

في محافظة شبوة، أجريت عشر مقابلات مع أفراد يمثلون أربع مديريات خضعت في فترات مختلفة خلال الحرب إما لسيطرة الحوثيين أو قوات ألوية العمالقة المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً أو القوات الموالية للحكومة والموالية تحديداً لحزب الإصلاح. شملت المقابلات طفل مُجند، [23] ووالد أحد الأطفال المجندين، وجنود بالغون، ومُتعهد عسكري مشرف على التجنيد، ونشطاء مجتمعيون، ومعلمون.

بعض من أجريت معهم المقابلات هم من سكان عتق (عاصمة المحافظة) ومديرية جردان المجاورة (التي تضم معظم حقول النفط في شبوة)، علماً بأن القوات الموالية لحزب الإصلاح فقدت السيطرة على كليهما في أغسطس/آب 2022، وتخضعان للقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي منذ ذلك الوقت. شملت المقابلات أيضا أفراد من مديرية الصعيد جنوبيّ شبوة، ومديرية بيحان شمالي غرب المحافظة، والتي خضعت لسيطرة قوات الحوثيين خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب.

تركز هذه الدراسة حصريا على الأطفال الذكور المجندين، كونه نادراً ما نشهد مجندات من الأطفال في اليمن رُغم أن جماعة الحوثيين تحشد طالبات لمراكزها الصيفية منذ عام 2019 على الأقل.[24]

 

الأعراف والقوانين المتعلقة بتجنيد الأطفال
توجد ثغرات في الإحصاءات المتعلقة بالأطفال المجندين في اليمن، حيث تنحصر المعلومات الموجودة غالباً في ممارسات الحوثيين[25] كون الجماعة تُجند الأطفال على نطاق أوسع بكثير مقارنة بالجماعات المسلحة الأخرى في اليمن، ولا يتوانى المسؤولون الحوثيون عن كشف الأرقام[26] بكل فخر.[27] أما في المناطق التي تسيطر عليها القوات المناهضة للحوثيين، فالصورة ضبابية نوعا ما فيما يتعلق بتجنيد الأطفال؛ ففي تلك المناطق – بما في ذلك مأرب وشبوة – تبدو القوات المتحالفة مع الحكومة أقل ميلا إلى تجنيد الأطفال، وأقل استعدادا للكشف عن هكذا ممارسات عند حدوثها.

يرجع ذلك إلى عدد من العوامل، بما في ذلك سعي الراعيتين الإقليميتين الرئيسيتين للجماعات المسلحة في هذه المناطق – أي السعودية والإمارات- بدرجات متفاوتة إلى بناء قوات عسكرية محترفة (ظاهرياً على الأقل) تلتزم بالأعراف الوطنية والدولية.

وقعت الحكومة اليمنية على معاهدات دولية وسنت قوانين وتشريعات وطنية تحظر استخدام الأطفال في المعارك القتالية.[28] مع ذلك، تبرز ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة غير الحوثية في كل من مأرب وشبوة، [29] بل وسهّل التحالف الذي تقوده السعودية بعض من ممارسات هذا التجنيد.[30] أدى ضعف آليات المساءلة فيما يتعلق بممارسات تجنيد الأطفال، مقترنا بدوافع سد النقص في القوة البشرية، إلى تفاقم وإدامة هذه الظاهرة.[31]

في بداية الحرب، بدأ الشباب من مختلف مناطق اليمن بالانضمام إلى الجماعات المسلحة على أساس الانتماء القبلي والسياسي والأيديولوجي والجغرافي. مثل الشباب المنتمون للقبائل اليمنية أكبر شريحة من المجندين في صفوف مختلف الجماعات المسلحة النشطة في مأرب وشبوة، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو الحكومة. تقوم الثقافة القبلية في اليمن على مفاهيم الشرف والتضامن داخل النسيج القبلي وحماية أفرادها ومناطقها بأي ثمن؛ وتتجذر في هذه الثقافة حمل الأولاد البنادق بمجرد أن تسمح لهم قوتهم الجسدية بحملها على أكتافهم. تأخذ الجماعات المسلحة في اليمن في الحسبان هذه الاعتبارات القبلية في معايير التجنيد المتبعة من قبلها.

بعكس الجماعات المسلحة الأخرى، أجبر الحوثيون القبائل على دعمهم بالمقاتلين، بمن فيهم الأطفال، في ظل جهود التعبئة العسكرية المتواصلة التي تبذلها الجماعة للحرب.[32] كما أدى فرض الإتاوات والضرائب الكبيرة، وانقطاع رواتب الموظفين العموميين، وتشديد الرقابة على النظام التعليمي إلى تنامي ظاهرة تجنيد الأطفال من خلال المراكز الصيفية لتلبية احتياجات التعبئة العسكرية للحوثيين. كما تشكل المصاعب الاقتصادية والمعيشية دوافع أخرى ساهمت في تعزيز هذه الظاهرة رغبة من المجندين في تلقي المساعدات الغذائية، أو توفير الدخل، أو ببساطة تجنب العقاب.

 

أهم الخطوات والقرارات المتعلقة بتجنيد الأطفال في اليمن

السنة

صدّقت اليمن على اتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، وتعهد بموجبها بالامتناع عن تجنيد أي طفل دون سن 15 عاما في صفوف القوات المسلحة الوطنية، والحد من تجنيد الأطفال دون سن 18 عاما.

1991

تنص المادة 149 من القانون اليمني رقم (45) لسنة 2002، بشأن حقوق الطفل على أن تعمل الدولة اليمنية على احترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة بحماية الأطفال في النزاعات المسلحة من خلال “حظر حمل السلاح على الأطفال [و] عدم إشراك الأطفال إشراكا مباشراً في الحرب [و] عدم تجنيد أي شخص لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة”.

2002

صدّقت اليمن على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، والتزم بالإبقاء على سن الثامنة عشرة كحد أدنى للتجنيد الطوعي في صفوف القوات المسلحة اليمنية، وكذلك الإبقاء على الحظر المفروض على التجنيد الإجباري أو الطوعي لأي شخص دون سن الثامنة عشرة. كما ينص البروتوكول الاختياري على أنه لا يجوز للجماعات المسلحة من غير الدول، في أي ظرف من الظروف، تجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية.

2 مارس/ آذار 2007

الرئيس عبد ربه منصور هادي يصدر قرارا يقضي بعدم تجنيد الأطفال في صفوف الجيش أو قوات الأمن.

27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012

رئيس الوزراء محمد باسندوة يوقع على خطة عمل مع الأمم المتحدة لإنهاء تجنيد واستخدام الأطفال من قبل القوات المسلحة في البلاد.

14 مايو/أيار 2014

الأمم المتحدة تُدرج جميع الأطراف المسلحة في حرب اليمن على القائمة السوداء بسبب الانتهاكات الممارسة ضد الأطفال، بما في ذلك التحالف بقيادة السعودية، وتنظيم القاعدة، وجماعة الحوثيين، والقوات الحكومية والقوات الموالية للحكومة. في عام 2020، رفعت الأمم المتحدة التحالف الذي تقوده السعودية من القائمة السوداء ، وفعلت الأمر ذاته مع الحكومة اليمنية في عام 2022.

5 أكتوبر/ تشرين الأول 2017

الحكومة المعترف بها دوليا تدشن أعمال اللجنة الفنية المشتركة بينها وبين منظمة اليونيسيف لمنع تجنيد الأطفال، والتي صادق عليها مجلس الوزراء.

6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018

التحالف الذي تقوده السعودية يوقع على مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة لتعزيز حماية الأطفال المتضررين من النزاع المسلح في اليمن.

25 مارس/ آذار 2019

جماعة الحوثيين توقع على خطة عمل مع الأمم المتحدة تستهدف حماية الأطفال ومنع الانتهاكات الجسيمة ضدهم خلال الحرب. أعلن الحوثيون لاحقا عن التحاق الأطفال بأعداد قياسية بالمراكز الصيفية في عامي 2023 و2024.

18 أبريل/ نيسان 2022

 

الجماعات المسلحة وظاهرة تجنيد الأطفال في مأرب
جماعة الحوثيين

رغم سيطرة الحوثيين حاليا على ما يقرب من نصف المساحة الجغرافية لمأرب، تواجه الجماعة مقاومة شديدة من السكان المحليين. في فترة اندلاع الحرب، تحالفت العديد من القبائل في مأرب – بما في ذلك قبيلتا مراد وعبيدة الأبرز في المحافظة – ضد الحوثيين ، بسبب معارضتهم تاريخياً لمحاولات الأئمة الزيديين فرض السيطرة على المنطقة من خلال وكلاء قبليين.[33] فرض حزب الإصلاح المناهض للحوثيين هيمنته سياسيا في مدينة مأرب؛[34] ومع ذلك، تمكن الحوثيون من استقطاب وتجنيد أطفال من مأرب في صفوفهم من خلال جهود مكثفة بذلها المسؤولون عن التعبئة والتجنيد والمشرفون[35] ووجاهات اجتماعية وقبلية محلية.

يعتمد الحوثيون منهجية متعددة الجوانب لتجنيد الأطفال، حيث تبدأ العملية عادة من خلال حملات التأثير في المدارس والمراكز الصيفية التي تقام خلال عطلة الصيف لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية. تهدف المراكز الصيفية الحوثية إلى تلقين الأطفال أيديولوجية الجماعة من خلال تشرّبهم محاضرات ذات صبغة طائفية، وعادة ما تكون متاحة أولا لالتحاق طلاب المرحلة الإعدادية (أي من هم دون سن الثالثة عشرة).[36]

تتطور عملية التجنيد بعدها إلى تلقين مكثف من خلال دورات تدريبية ثقافية وقتالية مغلقة تُعقد في منشآت ومرافق آمنة، حيث يتعلّم المجندون معتقدات متطرفة وأيديولوجيات ذات منظور طائفي، مثل مذهب الهادوية[37] الذي يفرض بشكل عام الخضوع والطاعة المطلقة لآل البيت (أي المنحدرين من سلالة النبي محمد)، وتحديداً زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. يتم تلقين المُجندين بأن جماعة الحوثيين وحدها هي من تتبع طريق الصلاح على خلاف الأطراف الأخرى الضالة؛

وبناء على هذه العقيدة، يتم غرس الاعتقاد لدى المجندين بأن الهاشميين – الذين يعتقد أنهم من نسل النبي محمد من ابنته فاطمة وزوجها الامام علي بن أي طالب – هم فقط من لديهم الحق في الحُكم وبأن الله اصطفى هذه السلالة لمهمة قيادة العالم الإسلامي.

يقوم الحوثيون بإعداد الأطفال للأنشطة العسكرية من خلال تمجيد مفاهيم الجهاد والشهادة، وتصويرها كغاية نبيلة عند قتال الخصوم والأعداء – بما في ذلك الجماعات “التكفيرية” و (المُشركون) والتحالف الذي تقوده السعودية وأمريكا وإسرائيل وحلفاؤهم – بهدف الدفاع عن اليمن وتحرير القدس في نهاية المطاف.[38]

يتم تدريب الأطفال في مخيمات عسكرية على استخدام مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مثل بنادق AK47 ، وبنادق القنص، والمدافع الرشاشة الثقيلة (DShK)، والقاذفات الصاروخية (RPG)، وكذلك كيفية زرع الألغام الأرضية. فضلا عن ذلك، تتألف التدريبات القتالية في المعسكرات من تمارين اللياقة البدنية ومسيرات لمسافات طويلة وتعليمات حول التكتيكات العسكرية، ويخضع الأطفال الأكبر سنا لدورات قتالية متخصصة ومكثفة تشمل تدريبات عسكرية ومناورات بالذخيرة الحية.[39]

منذ اندلاع الصراع في غزة، كثفت سلطات الحوثيين من جهود التعبئة وتجنيد البالغين والأطفال تحت شعار “طوفان الأقصى”، في إشارة إلى اسم العملية التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.[40] ذكر طفل مُجنّد يبلغ الـ 13 من عمره (من غربي مأرب) أنه انضم إلى صفوف المقاتلين الحوثيين في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد دعوة عبد الملك الحوثي لنصرة الفلسطينيين في غزة، قائلا: “أخذني المسؤول عن التعبئة والتحشيد في المديرية إلى معسكر تدريب في إطار حملة طوفان الأقصى، وتلقيت دورات ثقافية وعسكرية للتحضير للمواجهة المباشرة مع العدو الأمريكي – البريطاني – الصهيوني والمشاركة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”.[41]

زادت هيئة التعبئة العامة[42] التابعة لوزارة الدفاع في سلطة الحوثيين من اعتمادها على المراكز الصيفية في إطار الجهود المكثفة للتجنيد؛ ويعود معظم خريجي هذه المراكز إلى ديارهم كقوات احتياطية تحسبا لأي عمليات عسكرية قادمة. يتم بعدها إرسال عدد محدد منهم إلى مخيمات عسكرية لتلقي التدريب – كتلك التي تديرها القوات البحرية التابعة لسلطة الحوثيين – والتي تضم حاليا أكبر عدد من الأطفال المجندين.[43]

تُصعِّد الجماعة ضغوطها على الأُسر لحثِّها على إلحاق أطفالها بالمراكز الصيفية قبل أشهر الصيف. يتم ذلك غالبًا بحجة تقديم الدروس الدينية والثقافية، والأنشطة المُتَنوعة التي يُزعم أنها ستعود بالنفع على حياة الطُلاب.

حسبما أورد أقرباء أحد الأطفال المُجَنَّدين، بدأ الحوثيون في استهداف “م” البالغ من العمر 16 عامًا وأربعة من زملائه في المدرسة عام 2020، وذلك عن طريق البث الإذاعي المدرسي، والأنشطة الثقافية اليومية والأسبوعية، والفعاليات الجماعية الخاصة، والتغييرات في المناهج الدراسية.[44] خلال العطلة الصيفية، وافق والد “م” على مضض على طلبات أحد المشرفين المحليين الذي ينتمي لجماعة الحوثيين للسماح لـ “م” بالمشاركة في أحد المراكز الصيفية. لاحظ الوالد تغير ميول الطفل وأفكاره بعد عودته إلى المنزل من المركز الصيفي، حيث أخبر والده بأنه يعتزم الانضمام إلى “السيد (عبد الملك الحوثي) في مسيرة الجهاد في سبيل الله لمحاربة أمريكا وإسرائيل والدفاع عن البلاد من العدوان”.

بعد ذلك بوقت قصير، أرسل الحوثيون “م” وأربعة من زملائه – دون موافقة آبائهم – إلى مركز مغلق للتدريب الثقافي والعسكري في محافظة صعدة، حيث شاركوا في دورات تدريبية قتالية وخضعوا لتلقين إيديولوجي طائفي إضافي. في وقت لاحق من ذلك العام، أرسل الحوثيون “م” إلى إحدى جبهات القتال في المحافظة، حيث أصيب خلال المواجهات.

خلال عملية التجنيد، يطمئن الحوثيون عادةً الأطفال المجندين وأسرهم أنهم لن يشاركوا مباشرة في القتال على الجبهات، وستقتصر مهامهم على أدوار ثانوية مثل حراسة نقاط التفتيش، والمشاركة في إنتاج المواد الإعلامية، ومرافقة الشخصيات المهمة، وتأمين المرافق.[45] مع ذلك، ينتهي الأمر بالعديد من الأطفال على خطوط المواجهة، حيث يحفرون الخنادق، ويزرعون الألغام الأرضية، وينقلون الجرحى، ويعيدون إمداد الجبهات، وتعبئة الأسلحة بالذخيرة، أو المشاركة في القتال المباشر.

في أغسطس/آب 2019، كان “م. ت” البالغ من العمر 15 عامًا، قد أنهى للتو سلسلة من الدورات الدينية والطائفية والقتالية التي يقدمها الحوثيون دون موافقة والديه؛ وخلال الدورات التي عقدت في ذلك المركز الصيفي، أكد الحوثيون للطفل أنه لن يتم إرساله إلى الجبهات بل سيتم تكليفه بحراسة نقطة تفتيش أمنية. حاول والد “م. ت” الاتصال به وإقناعه بالعودة إلى المنزل، لكن الطفل رفض، مصرًا على أن والده كان عرضة للتضليل. مع اشتداد المعارك بين الحوثيين وقوات الحكومة في مأرب، أرسل الحوثيون “م. ت” إلى جبهة القتال، حيث تم تكليفه بتوزيع القات على المقاتلين؛ وفي يونيو/ حزيران 2020، لقى حتفه في قتال مباشر.[46]

مما لا شك فيه أن استغلال الفقر وتدهور الظروف المعيشية له دور كبير في تجنيد الحوثيين للأطفال في مأرب، إذ تعرض الجماعة رواتب شهرية تتراوح بين 15 ألف و 30 ألف ريال يمني لكل طفل مجند (أي حوالي 28-57 دولار أمريكي بحلول سبتمبر/أيلول 2024 – بسعر الصرف المتداول في مناطق سيطرة الحوثيين) ، بالإضافة إلى تقديم حصص غذائية يومية، والقات، والشمة (تبغ بدون دخان).

تشمل المزايا المادية الأخرى: مساعدة غذائية لأفراد الأسرة، وأسلحة للاستخدام الشخصي، وفي بعض الحالات، وعود بالحصول على رتبة عسكرية أعلى. مثال على ذلك، بعد فشل مسؤولي التجنيد بجماعة الحوثيين عدة مرات في تجنيد “أ. ر” البالغ من العمر 17 عامًا، تمكن أحد مشرفي الجماعة المنوط بالإشراف على عملية التعبئة والتجنيد في المنطقة من إقناعه بالانضمام بعد أن عرض عليه الحصول على رتبة ملازم أول وشاحنة صغيرة.[47] يلجأ الحوثيون أيضًا إلى استخدام مغريات سلبية لتشجيع الأطفال على الانضمام إلى الجيش، مثل التهديد بإزالة أسماء الوالدين من قوائم المستحقين للمساعدات الإنسانية إذا لم يسمحوا بتجنيد أطفالهم.[48]

بالإضافة إلى التغييرات الجوهرية في المناهج الدراسية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي تُمجد العنف، فرضت الجماعة رسومًا شهرية قدرها 2000 ريال يمني على الطالب الواحد للالتحاق بالمدارس الحكومية.[49] ومن ثم، فإن الطلاب الذين لا تستطيع أسرهم دفع هذه الرسوم يتم طردهم ويصبحون أكثر عرضة للانضمام إلى القوات المسلحة الحوثية لكسب المال من أجل دعم أسرهم الفقيرة.

يعكف المشرفون وسلطات الحوثيين الأخرى على تسهيل عملية تسرّب الأطفال من المدارس والانضمام إلى جبهات القتال من خلال تقديم وعود للطلاب بالحصول على درجات عالية ونتائج جيدة في الاختبارات إذا انضموا إلى الجيش، على الرغم من عدم حضورهم الدروس أو أداء الامتحانات النهائية.[50]

تؤدي العوامل الاجتماعية والفكرية والسياسية أيضًا دورًا كبيرًا في دفع الأطفال إلى الانضمام لجبهات القتال، حيث استحدث الحوثيون عددًا من العطلات الجديدة خلال الحرب، مثل يوم الشهيد، وعيد الغدير، وذكرى الصرخة، وينظمون فعاليات اجتماعية بصورة دورية، مثل التجمعات القبلية، وجلسات القات، وفعاليات في المساجد تركز على التعبئة والتجنيد. بالإضافة إلى العطلات والفعاليات الشخصية الأخرى، يهتم جهاز الإعلام التابع للجماعة بإنتاج برامج تلفزيونية[51] وإذاعية، فضلاً عن الاناشيد[52] والمجلات[53] الموجهة للأطفال؛ وتنشر الجماعة قصصا تظهر بطولات الأطفال الذين يقاتلون على الجبهات وتمجد أولئك الذين يقتلون في التغطية الإعلامية.[54]

 

الجيش الوطني التابع للحكومة
يعتمد الجيش الوطني التابع للحكومة بشكل أكبر على الحوافز المالية للتجنيد؛ ومع ذلك، تلعب مشاعر العداء والاستياء تجاه الحوثيين المنتشرة بين عدد كبير من النازحين الذين يعيشون في مدينة مأرب وحولها دوراً في تحفيز الأطفال أيضًا على الانضمام إلى صفوف الجيش. على سبيل المثال، قال “أ. س” إنه انضم إلى الجيش التابع للحكومة في مأرب عام 2021، وهو في سن السابعة عشرة بعد إصابة والده أثناء قتاله قوات الحوثيين التي شردت عائلته ونهبت منزلهم في جنوبي مأرب.[55]

على صعيد الجيش الوطني، تم تجنيد بعض الأطفال بناءً على انتماءات أسرهم السياسية أو تأثرهم بالأصدقاء أو القادة العسكريين والاجتماعيين والدينيين ممن ينتمون إلى مناطقهم. وكَغيرهم من الجنود، يحصل الأطفال المجندون في الجيش الوطني على وعود بتقاضي راتب كل شهرين قدره 60 ألف ريال يمني من وزارة الدفاع (أي حوالي 31 دولار أمريكي بحلول سبتمبر/أيلول 2024 – بسعر الصرف المتداول في مناطق سيطرة الحكومة)، بالإضافة إلى مكافأة إضافية كل عام من التحالف الذي تقوده السعودية.[56] مع ذلك، قدم الجنود وأسرهم شكاوى بشأن عدم انتظام دفع الرواتب.

انضم بعض المجندين القُصر الآخرين إلى الجيش الوطني وفاءً لشعاره المتمثل بالدفاع عن الشرف والأرض والدين ضد الحوثيين، وتحرير البلاد منهم. ذكر أحد الشيوخ القبليين من جنوبي مأرب: “لم يذهب أهل مأرب إلى صعدة لمهاجمة الحوثيين، بل الحوثيون هم من حشدوا البالغين والأطفال من المناطق الخاضعة لسيطرتهم لمهاجمتنا وتشريدنا وإذلالنا، وضم أراضينا، ومحاولة فرض أيديولوجيتهم علينا”.

عام 2021، التحق ابن الشيخ بالجيش الوطني وهو في سن الـ 16، للمساعدة في الدفاع عن أراضي القبيلة، وقال الشيخ القبلي إن ابنه تولى تقديم الدعم اللوجستي ونقل الذخيرة خلال المواجهات مع قوات الحوثيين.[57] عادة لا يشارك الأطفال المجندون في صفوف الجيش التابع للحكومة في مأرب في القتال المباشر على الجبهات، بل يُكلَّفون بمهام بسيطة مثل مرافقة القادة العسكريين أو حراسة نقاط التفتيش.[58]

بالإضافة إلى الجيش الوطني والمقاتلين القبليين، يتواجد أيضًا مقاتلو محور سبأ الموالِ لألوية العمالقة المدعومة من الإمارات في مأرب. تشكل محور سبأ بعد أن تمكنت قوات العمالقة من طرد الحوثيين من شمالي شبوة أواخر عام 2021، ويتمركز جنوده في مديرية حريب جنوبي محافظة مأرب، التي تحد شمال شبوة. يتلقى مقاتلو المحور راتبًا شهريًا قدره ألف ريال سعودي بتمويل من الإمارات (أي حوالي 266 دولار أمريكي بحلول سبتمبر/ أيلول 2024)، وينحدر غالبيّة الجنود والقادة في هذه القوات من قبيلة مُراد في مأرب، مما أدى إلى انضمام عدد كبير من أطفال القبيلة إلى صفوفها.[59]

 

مجالس (لجان) المقاومة الشعبية/القوات القبلية
لم تشجع القبائل في مأرب عادةً التجنيد القسري أو المنهجي للأطفال من أجل القتال لصالح أي طرف آخر؛ ومع ذلك، عندما تتعرض القبيلة أو مصالحها لتهديدات خارجية، فإنها تحشد جميع أبنائها القادرين على حمل الأسلحة واستخدامها وفقًا لعاداتها وتقاليدها القبلية. ترى القبيلة أن التعدي على أراضيها ومصالحها من قبل طرف خارجي دون موافقتها خطًا أحمر؛ وهكذا، اختارت معظم القبائل في مأرب مواجهة الحوثيين لأنهم يعتبرونهم تهديدًا وجوديًا، [60] وتحقيقاً لذلك، يشرعون في عملية التعبئة من خلال دعوة جميع أفراد القبيلة للاستعداد وتسليح أنفسهم، وهو عُرف قبلي يُعرف غالبًا باسم “النكف”.[61] لقد أدى انتشار ملكية الأسلحة بين رجال القبائل من جميع الأعمار إلى مشاركة العديد من الأطفال في جبهات القتال استجابةً للدعوات القبلية للتعبئة العامة.

 

الجماعات المسلحة والأطفال المجندون في شبوة
في شبوة، نجد أشخاصا تقل أعمارهم عن 18 عامًا، ينضمون إلى الجماعات المسلحة كنتيجة رئيسية للفقر وتدهور الظروف المعيشية بسبب اقتصاد الحرب. كما أدى تراجع جودة التعليم خلال الحرب وعدم وجود فرص عمل واعدة في المستقبل إلى تسرّب العديد من الطلاب من المدارس والالتحاق بمعسكرات التجنيد. يجني الأشخاص الذين حظوا بفرصة الحصول على وظيفة ثابتة، سواء في القطاع العام أو الخاص، رواتب شهرية لا تزيد عن 100 ألف ريال يمني (أي حوالي 53 دولار أمريكي أو 195 ريال سعودي – بسعر الصرف المتداول في مناطق سيطرة الحكومة). في المقابل، يحصل الجنود المنضمون لصفوف القوات المدعومة من الإمارات – ومنها قوات دفاع شبوة أو ألوية العمالقة – على ألف ريال سعودي شهريًا في المتوسط (أي حوالي 266 دولار أمريكي). فضلا عن تقديم رواتب عالية، يتم تزويد هؤلاء المجندين بالمأوى والأسلحة الشخصية والطعام اليومي وحصص القات والسجائر وبدلات يومية تبلغ حوالي 5000 ريال يمني.[62] كما أن تقاضي الجماعات المسلحة المدعومة من السعودية والإمارات في شبوة رواتب بالريال السعودي تعد ميزة إضافية للتجنيد، حيث تشجع بشكل أكبر البالغين والأطفال على تفضيل المهن العسكرية أو الأمنية على البدائل التي تتضمن عادة صرف رواتب بالريال اليمني – نظرًا لتراجع قيمته وقوته الشرائية باستمرار خلال الحرب.[63]

تمكنت الجماعات المسلحة الموجودة خارج شبوة أيضًا من تجنيد أطفال شبوانيين دون سن الثامنة عشرة، ومنها قوات المقاومة الوطنية (جماعة مسلحة أخرى مدعومة من الإمارات وتتمركز في مدينة المخا الساحلية على البحر الأحمر)، وقوات درع الوطن المدعومة والمُدرّبة من السعودية، والتي لها وجود في العديد من المحافظات الجنوبية، بما في ذلك حضرموت وأبين والضالع والحُدَيدة ولحج.[64]

 

أساليب التجنيد
يتم استدراج الأطفال للتجنيد غالبًا عبر وسطاء، كالأقران الذين التحقوا بمثل هذه الجماعات المسلحة. كما تلجأ بعض الفصائل إلى وسائل التواصل الاجتماعي[65] (ومن ذلك مجموعات واتساب محلية)[66] للإعلان عن حملات التجنيد أو من خلال الدعوات القبلية، أو في المعسكرات داخل المحافظة وخارجها. ففي هذه المعسكرات، يُبلغ القادة الجنود برغبتهم في توسيع صفوفهم وجذب المزيد من المجندين، ومن ثم يتولى هؤلاء بدورهم توجيه أصدقائهم ومعارفهم إلى هذه الفرص العسكرية.[67]

أفاد والد أحد الأطفال المجندين، “أ.ح”، الذي تم تجنيده في صفوف قوات دفاع شبوة، أن ابنه جرى إقناعه بالانضمام إلى هذه الجماعة المسلحة من قبل أصدقاء التحقوا بها مسبقًا وأخبروه بأن الجماعة تدفع مبالغ طائلة وتوفر الكثير من الطعام.[68] ذكر طفل مجند آخر “أ.غ”، ترك المدرسة في سن السادسة عشرة للالتحاق بقوات دفاع شبوة، قبل أن ينضم لاحقًا إلى قوات درع الوطن، أن التحاقه بالتجنيد يرجع إلى أسباب مالية، مؤكداً أن الرواتب والمزايا التي تقدمها الجماعات المسلحة محط طلب الجميع بسبب عدم توفر فرص العمل في شبوة.[69]

من الشائع أن ينضم الجنود الحاليون بشكل متزامن إلى قوات درع الوطن التي لا تشترط تواجد المجندين في المعسكرات، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، منها حداثة هذه القوات العسكرية والتحديات السياسية التي تواجهها في إنشاء قواعد عسكرية، وكذلك رغبة قوات درع الوطن في شراء الولاء داخل المجتمعات والمناطق القبلية.[70]

سعت القوات المدعومة من السعودية والإمارات، والتي كانت تجند مقاتلين من شبوة خلال الحرب، إلى تجنب خلق انطباع بأنها تستهدف تجنيد الأطفال، بما يتوافق مع الأعراف والقوانين الوطنية والدولية. أكد أحد المجندين في قوات دفاع شبوة أنه قام بتسجيل الأفراد الذين تخطوا سن الثامنة عشرة فقط، ورفض في عدة مناسبات تسجيل المتقدمين ممن هم دون سن الرشد؛[71] مع ذلك، يمكن للمجندين تلافي شروط السن الأدنى عن طريق تقديم شهادات ميلاد مزيفة إلى مصلحة الأحوال المدنية للحصول على بطاقات هوية تفيد بأنهم قد بلغوا الثامنة عشرة.

شاعت هذه الممارسة – أي تعديل العمر في الوثائق الرسمية – في اليمن من قبل اندلاع الحرب، وذلك لأغراض عدة منها على سبيل المثال أهلية التصويت في الانتخابات.[72] في ظل حيازة وثائق رسمية، يمكن للمسؤولين الادعاء بعدم مخالفة أي اتفاقات دولية أو قوانين وطنية صادرة في هذا الصدد. كما يصعّب ذلك العثور على إحصائيات موثوقة بشأن تجنيد الأطفال في اليمن.[73]

يؤكد أحد المجندين في قوات دفاع شبوة على الدور الهام الذي تلعبه السياسة في عملية التجنيد، وبصفته أحد العناصر الانفصالية والداعمة لإعادة تأسيس دولة اليمن الجنوبي السابقة، يسعى إلى تجنيد أشخاص يشاركونه الميول نفسها وأفراد من قبيلته. مع ذلك، وفقًا لتقديره فإن حوالي 80% من الشباب الذين طلبوا الانضمام للقوات يطمحون لتحقيق مكاسب مادية، خاصة وأن الراتب الأولي البالغ قدره 1500 ريال سعودي لكل جندي كان “مغريًا للغاية بحيث لا يمكن رفضه”.[74]

 

تداعيات تجنيد الأطفال على المجتمعات المحلية في مأرب وشبوة
تنعكس تداعيات تجنيد الأطفال في مأرب على نحو متباين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين والحكومة؛ ففي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تم تفكيك قطاع التعليم كجزء من الجهود الحثيثة لاستهداف الطلاب للتجنيد العسكري.[75] أدخلت الجماعة تغييرات في المناهج الدراسية على نحو يُمجد مبادئ العنف والشهادة، وفرضت رسومًا دراسية على الطلاب في المدارس الحكومية، وعادة ما كانت تمنح الطلاب درجات عالية ونتائج جيدة في الاختبارات إذا تسربوا من المدرسة رغبة في الانضمام إلى الجيش.

خارج الفصل الدراسي، يتوجه الأطفال إلى المراكز الصيفية التي تنظمها الجماعة، حيث يتم تلقينهم أفكارًا عقائدية واستهدافهم من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية والمجلات والاناشيد التي ينتجها الحوثيون وتشجعهم على الانضمام إلى الجماعة من أجل (الجهاد). بالإضافة إلى هذه العقبات التي تعيق حضور الطلاب إلى المدارس الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في مأرب، يواجه الطلاب ضغوطًا اقتصادية تدفعهم إلى الالتحاق بالجيش من أجل دعم أسرهم ماديًا، سواء من خلال المساهمة في ميزانية الأسرة أو التأكد من إضافة أسمائهم إلى قوائم المساعدات الإنسانية التي تقدمها سلطات الحوثيين مقابل الانضمام إلى المجهود الحربي.

تمثل الرواتب التي تتقاضاها العناصر العسكرية أحد مصادر الدخل الثابتة القليلة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ إذ توقفت الجماعة عن دفع رواتب موظفي القطاع العام الأخرى منذ سنوات.[76]

تعد إعادة صياغة القيم المجتمعية واحدة من الآثار الناجمة عن الجهود التي بذلها الحوثيون لتقويض التعليم وتعزيز الخدمة العسكرية، حيث يخضع الأطفال لتلقين عقائدي يجعلهم ينظرون إلى إيديولوجية الحوثيين بتقدير كبير. أورد أحد القادة العسكريين الموالين للحكومة قائلاً: “يحظى الشباب المتحمسون لحمل واستخدام الأسلحة بمكانة وفرصة للقاء قادة ومشرفين حوثيين؛ وفي المقابل يتعرض المتفوقون دراسيًا إلى التجاهل التام”. وأضاف: “يتم منحهم شعورًا بالانتماء، كما لو كانوا قد حصلوا على شهادة المخترعين أو المبتكرين”.[77]

يختلف الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في مأرب، ولا سيما مدينة مأرب (حيث يتركز غالبية السكان) نظرًا لأن اقتصاد المدينة يعد مستقراً نسبياً مقارنة بالمناطق الأخرى الواقعة اسمياً تحت السيطرة الحكومية. مع ذلك، وكما هو الحال في بقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، لا تزال قيمة الريال اليمني منخفضة للغاية مقارنة بقيمته في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فضلا عن عدم انتظام الحكومة في دفع الرواتب العسكرية والذي يؤدي إلى زيادة تقويض الأمن الاقتصادي لجنودها.

في شبوة، كان لانضمام الشباب إلى الجماعات المسلحة آثار اقتصادية وديموغرافية ستمتد لسنوات قادمة. قال أحد المعلمين إنه لم يشهد قط تغييراً جذرياً كهذا في مواقف الطلاب وحضورهم على مدى 20 عاماً من التدريس، [78] مردفاً: “يبدو الأمر وكأن كل ما يمكن لطلاب المدارس الثانوية التفكير فيه بعد التخرج هو الانضمام إلى جماعة عسكرية تتوافق مع الانتماء السياسي لأسرهم”، في إشارة إلى الجماعتين السياسيتين المهيمنتين في المحافظة – أي حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي.

منذ عام 2018، التحق حوالي 300 خريج من مدارسهم بجماعات عسكرية مختلفة، ويتطلع العديد من الطلاب الحاليين للقيام بالأمر نفسه، مضيفاً أن بعض المعلمين انضموا أيضًا إلى جماعات مسلحة. في خضم هذه الظروف الاقتصادية المزرية والمناخ السياسي الذي يسوده الاستقطاب، يخشى المعلم أن يؤدي التدهور السريع للنظام التعليمي والافتقار إلى الاهتمام بمواصلة التعليم العالي من قبل أعداد كبيرة من اليافعين في شبوة إلى ظهور جيل يصبح فريسة سهلة للأيديولوجيات الهدامة.[79]

أكد معلم آخر أن العديد من زملائه الذين ينتمون إلى منطقته انضموا إلى الجيش وقوات الأمن الخاصة، مما اضطر المدرسة إلى تعليق بعض الفصول الدراسية، بل وفي بعض الأحيان، إلغاء الدراسة تمامًا بسبب نقص المعلمين.[80]

نظراً لأن مختلف ألوية قوات دفاع شبوة تضم في الغالب أشخاصا بينهم صلات قرابة مختلفة وتتخذ من مجتمعاتهم المحلية مقرًا لها، فإن المعلم يخشى أن تتسبب الأخطاء التي قد تحدث خلال المهام العسكرية في اندلاع صراعات قبلية يوما ما، وأن تزداد حالات الأخذ بالثأر مع كل فرد قبلي يُقتل على يد جندي من قبيلة أخرى.[81] وأعرب المعلمان من شبوة عن قلقهما بشأن مستقبل طلابهما وماهية الصدمات والمشاكل الأخرى التي ستستمر بعد انتهاء الحرب، [82] ومع ذلك، في الوقت الحالي، تساعد ظاهرة انتشار الجنود الذين يتقاضون رواتب في دعم الوضع الاقتصادي.

وفقًا لما ذكره أحد المجندين في قوات دفاع شبوة، فإن تقاضي الرواتب بالعملة الأجنبية وتدفق الإمدادات العسكرية والبنية التحتية اللازمة لدعم القوات العسكرية كان له تأثير إيجابي قصير الأجل على الاقتصاد المحلي وسبل عيش الأسر في شبوة، وتساءل: “ماذا سيحدث عندما يتوقف تدفق هذه الأموال؟ كيف سيتأقلم كل هؤلاء الشباب، والأعمال التجارية المحلية التي تعتمد على رواتبهم، إذا لم يمتلكوا المهارات اللازمة لممارسة أي مهنة أخرى؟”.

لتجنب الاضطرابات الاجتماعية المحتمل حدوثها في إطار هذا السيناريو، دعا المجند إلى أن تنظر الفصائل السياسية المختلفة بشبوة في وضع برامج لاستيعاب هؤلاء الشباب بعد انتهاء الصراع ودعم الأعمال التجارية المحلية.[83]

 

الخاتمة
ساهمت العديد من العوامل خلال فترة الحرب باليمن في زيادة ظاهرة تجنيد الأطفال في مأرب وشبوة. في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحوثيين، يعد انعدام الأمن الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الأطفال إلى الالتحاق بالجماعات المسلحة التي غالبًا ما تعرض رواتب سخية، ورغم أن الظروف الاقتصادية السيئة تمثل أيضًا عنصرًا رئيسيًا في تجنيد الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلا أن الجماعة تعرض رواتب متدنية نسبيًا، معتمدة على أساليب أخرى لتجنيد الأطفال.

في بعض مناطق مأرب، كما هو الحال في مناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، أضفت الجماعة الطابع المؤسسي على عملية تجنيد الأطفال من خلال المراكز الصيفية التي ورد أنها استقطبت أكثر من مليون طالب من المدارس المتوسطة والثانوية سنويًا منذ عام 2022. في هذه المراكز، يتم تلقين الأطفال أفكار تُمجد مبادئ (الجهاد والشهادة)، والفكرة القائلة أن بعض أحفاد النبي محمد – بما في ذلك أسرة الحوثي، يحظون باصطفاء إلهي وحق خالص في حكم اليمن والعالم الإسلامي الأوسع.

بالإضافة إلى التلقين الأيديولوجي، فرضت الجماعة رسومًا على المدارس الحكومية بحيث أصبحت الأسر الفقيرة مضطرة إلى إخراج أطفالها من المدارس والبحث عن عمل لهم. يدر الالتحاق بقوات الحوثيين راتبًا شهريًا، بالإضافة إلى حصص غذائية يومية، والقات، والشمة (تبغ بدون دخان)، وجدير بالذكر أن بعض الأسر التي رفضت السماح لأطفالها بالانضمام إلى قوات الحوثيين تعرضت للتهديد بإزالة أسمائها من قوائم المستحقين للمساعدات الإنسانية.

تهتم سلطات الحوثيين بتنشئة الأطفال على نحو فعال من سن مبكرة لتبني مبادئ (الجهاد والشهادة)، فضلا عن تعبئة المجتمع بصورة مستمرة من قبل الجماعة لخوض صراعات بلا نهاية مثل “تحرير القدس”. يتولى جهاز الإعلام التابع للجماعة العمل على تعزيز هذه الأهداف من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية، وكذلك الأناشيد والمجلات الموجهة خصيصًا للأطفال.

على الجانب الآخر، تعتمد القوات الوطنية التابعة للحكومة والميليشيات القبلية وعدد صغير من قوات محور سبأ التابعة لألوية العمالقة المدعومة من الإمارات في مأرب، بشكل أكبر على الحوافز المالية لاستقطاب الجنود (بما في ذلك الأطفال)، وذلك على الرغم من أن الانتماء السياسي للأسرة والتأثير القبلي والمجتمعي والديني، بالإضافة إلى الاستياء من التوغلات الحوثية في المحافظة، له دور أيضًا في هذا الصدد.

في شبوة، التي أصبحت كلياً تحت سيطرة قوات دفاع شبوة وألوية العمالقة المدعومة من الإمارات منذ أغسطس/آب 2022، يعد الفقر والظروف المعيشية السيئة بسبب اقتصاد الحرب، من الأسباب الرئيسية التي تدفع الأشخاص دون سن الثامنة عشرة للانضمام إلى الجماعات المسلحة. تتلقى هذه القوات رواتب شهرية مجزية بالعملة الأجنبية، فضلا عن الحصول على المأوى والوجبات اليومية وحصص القات والسجائر، والبدلات اليومية.

غالبًا ما يتم تجنيد الأطفال من خلال أقرانهم الذين انضموا بالفعل إلى جماعة مسلحة معينة؛ كما يتم الإعلان عن حملات التجنيد على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مجموعات واتساب محلية، ومن خلال الدعوات القبلية، أو في المعسكرات. فضلا عن ذلك، تلعب السياسة دورًا مهمًا بالنظر إلى الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح في المحافظة.

من جهة أخرى، قامت جماعات مسلحة خارج شبوة، ومنها قوات المقاومة الوطنية المدعومة من الإمارات وقوات درع الوطن المدعومة من السعودية، بتجنيد أطفال من محافظة شبوة.

يستدعي التصدي لظاهرة تجنيد الأطفال بذل جهود على أصعدة متعددة، ومن ذلك العمل على تحسين الظروف الاقتصادية وتعزيز الفرص التعليمية (بما في ذلك مراكز التدريب المهني والفني)، ورفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر تجنيد الأطفال. من شأن توفر المزيد من الوظائف ذات الأجور الأعلى أن يتيح الفرصة لرب الأسرة لإدرار دخل كافٍ بحيث لا يحتاج الأطفال إلى الانضمام للجماعات المسلحة لسد الرمق والبقاء على قيد الحياة.

كما أن وضع قيود على تجنيد المعلمين وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على البقاء في مهنة التدريس سوف يساعد في الحيلولة دون تدهور جودة التعليم، وهو ما أشار إليه العديد من الأطفال كَسبب للانقطاع عن الدراسة من أجل الانضمام إلى الجماعات المسلحة. مما لا شك فيه أن خلق فرص تعليمية أو اقتصادية بديلة للأطفال المجندين حالياً يعد بداية مهمة لاجتذاب الأطفال بعيدًا عن القوات المسلحة؛ وفي حالة إبرام أي اتفاق سلام، لابد من الأخذ في الاعتبار التعويض المالي الذي تقدمه الجماعات المسلحة وتحديد مسارات لتوفير مصادر بديلة للدخل وإعادة تأهيل المقاتلين الحاليين.

بعد مرور ما يقرب من 10 سنوات من الحرب، نجد أن العديد من الأطفال الذين يتم استهدافهم حاليًا للتجنيد يتذكرون القليل – أو في بعض الأحيان لا يتذكرون شيئَا – عن الفرص التي كانت الحياة توفرها خلال أوقات السلم، مما يجعل من الصعب عليهم تخيل مستقبل لا يكون فيه الانضمام إلى مجموعة مسلحة أفضل خيار يتخذونه في الحياة المهنية. صحيح أن التصدي إلى ظاهرة تجنيد الأطفال – ولا سيما في المناطق التي يقطنها الغالبية العظمى من سكان اليمن والخاضعة لسيطرة الحوثيين – سيتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، إلاّ أن غض الطرف عن هذه المشكلة ليس خيارًا متاحًا، كونه سيساهم في إدامة وتطبيع ظاهرة استغلال الأطفال كجنود.

 


التعليقات