أغلب العاملات في تصنيع المنظفات في المنازل هن نساء لم يكملن تعليمهن الأساسي، ويجدن صعوبة في القراءة والكتابة، مما يصعب عليهن قراءة أسماء المواد الكيمائية التي تدخل في صناعة تلك المنظفات وأضرارها، وأخذ معايير ثابتة تتطلب فهمًا جيدًا للأضرار، والالتزام بمعايير السلامة، وتصنيع المنظفات في أماكن جيدة التهوية، وعدم تعريضها لأشعة الشمس القوية.
مرام ناصر (اسم مستعار) كادت أن تصاب باختناق جراء استخدامها لمواد تنظيف الحمامات والبلاط المباعة على أحد ارصفة الشوارع بسعر زهيد، لا يتجاوز ألف ريال يمني (أقل من دولارين في صنعاء،) إذ حاولت اغتنام الفرصة بالنظر إلى ارتفاع أسعار المنظفات الخارجية المستوردة التي تفوق قدراتها المالية.
تقول لخيوط: "قررت تجربة المنظف المحلي، خاصة أن سعره يناسبني، وكميته كبيرة، ستكفي لفترة طويلة، فهو في الأخير منظف للحمام، ما فكرت أنه قد يضرني أو يضر أسرتي."
تضيف: "صحيح المنظف يباع في دبات "عُلب" معدنية بدون اسم أو مكونات، لكن أول ما استخدمته لغسيل الحمام والبلاط شعرت بالدوران والاختناق واحمرار في عيوني، وهذه الأعراض لأول مرة تواجهني."
توجهت مرام لأقرب عيادة طبية قريبة لمنزلها، لتلقي إسعافًا طارئًا. فقد احتاجت للأوكسجين لكي تستعيد نفسها، وكذا إبرة "حقنة" مضادة للتحسس الذي عانت بشدة منه. غير أنها، كما تقول، "أدركتُ كم جازفت بصحتي لأجل التوفير."
الكيماويات التي تحتوي عليها المنظفات تحدث تهيجات للأغشية المخاطية المسؤولة عن تحديد مسار الهواء الداخل إلى الرئتين، ما قد يلحق أضرارًا بالغة بوظائف الرئتين. وفي الحالات الشديدة التي تحتوي على مواد كيميائية قوية، قد يُصاب الشخص المتعرض لهذه المواد بانخفاض شديد في ضغط الدم، أو صعوبة في التنفس، وألم في الصدر، ما قد يؤدي إلى الوفاة.
تواجه العديد من النساء في اليمن تحديات اقتصادية تدفعهن للبحث عن مصادر دخل إضافية، وهذه واحدة من المبادرات التي تدعمها المنظمات المحلية والوكالات على شكل مشاريع منزلية صغيرة، كصناعة المنظفات وغيرها. ورغم أنها تعتبر مصدرًا مهمًا للدخل، فإنها قد تنطوي على مخاطر صحية وبيئية لكل من المصنعين والمستهلكين.
من خلال الاستبيان الذي قامت به معدتا التحقيق، والذي شمل 42 سيدة حول موضوع المنظفات المنتجة محليًا، عبر المشاريع المنزلية، فقد فضلن المنظفات المنتجة محليًا بنسبة 20.5%، لكونها ذات سعر مناسب لميزانيتهن، وتشجيعًا للمنتج المحلي، وانعدام البدائل.
مجازفة وقلة خبرة
أغلب العاملات في تصنيع المنظفات هن نساء لم يكملن تعليمهن الأساسي، ويجدن صعوبة في القراءة والكتابة، ما يصعِّب عليهن قراءة أسماء المواد الكيمائية التي تدخل في صناعة تلك المنظفات وأضرارها، وأخذ معايير ثابتة تتطلب فهمًا جيدًا للأضرار، والالتزام بمعايير السلامة، وتصنيع المنظفات في أماكن جيدة التهوية، وعدم تعريضها لأشعة الشمس القوية.
منار العرامي، مختصة بعلم الكيمياء، تؤكد لخيوط أن أغلب المواد المستخدمة في صناعة المنظفات خطيرة مثل (الفورمالين،) (الصودا الكاوية،) والأحماض، كحمض "السلفونيك،" وتزداد خطورةً خاصةً عند الجهل بكيفية التعامل معها. لذا يجب أن يتعامل مع هذه المواد فنيون متخصصون، يفهمونها بشكل دقيق، فبعض المواد السائلة الشفافة متشابهة إلى حدٍ كبير. كذلك يجب أن تكون لديهم معرفة بالمعادلات الكيميائية، بالنظر إلى الأخطاء التي قد تنتج عن زيادة المكونات.
تضيف أن تصنيع المنظفات في المنزل، دون تخصيص مكان مناسب لذلك، يعرض أهله للخطر، بسبب الانبعاثات. لذلك من الضروري أن تتم عملية التصنيع في أماكن خاصة، وجيدة التهوية.
وتتراوح أسعار المنظفات للحمامات، والبلاط، وتلميع الجدران، والسجاد الخارجي المستورد، بين 3 و5 ألف ريال يمني، بينما لا تتجاوز أسعار المنظفات المصنوعة محليًا تحت اسم مشاريع صغيرة أكثر من 1500 ريال يمني.
ذلك ما يجعل ربات البيوت يفضلن المنظفات المصنوعة بمشاريع صغرى لتوفير المال. وأصحاب المطاعم، والفنادق، والمشاريع التجارية، أيضًا، كانوا حريصين على شراء تلك المنتجات، بدلاً من المنظفات الخارجية المستوردة لتوفير المال دون الالتفات للأضرار والنتائج.
يتفق باسم العريقي، رئيس قطاع الصيادلة الفنيين بنقابة ملاك صيدليات المجتمع، في حديثة لخيوط، مع ما طرحته العرامي، بأن إنتاج المنظفات دون امتلاك علم ومهارة يعد خطرًا على كل من المنتجين لتلك المواد والمستخدمين لها. ذلك أنها مواد كيميائية شديدة الخطورة، وتحتاج الانتباه والحذر عند التعامل معها. فقد تسبب تهيجًا في الجلد أو العين أو الأنف أو الحنجرة، وقد تصل حتى إلى حد أنها تسبب التسمم.
أخطار صحية متعددة
تفاجأت سندس، إحدى المستخدمات لهذه المنتجات، بغازات منبعثة من الكلور الذي اشترته من إحدى جاراتها التي نصحتها به، وقد تم إنتاجه في معمل زوجها. يحدث ذلك حين تضيف الكلور إلى الماء، الأمر الذي يؤدي إلى تصاعد أبخرة منه تكتم أنفاسها، لكون ذلك لم يحدث معها من قبل في المنتجات التي كانت تستخدمها.
تصل نسبة اللواتي أصبن بمشاكل صحية وآثار جانبية، كالتحسس والاختناق، بحسب نتائج الاستبيان، إلى نحو 28.4%، بينما من أصبن بوجع البطن والغثيان ووجع العينين تصل نسبتهن، بحسب نتائج الاستبيان أيضا، إلى 23.5.
الطبيب المتخصص بأمراض الصدر والجهاز التنفسي، الدكتور حمود يحيى، يشرح لخيوط أن الكيماويات التي تحتوي عليها المنظفات تحدث تهيجات للأغشية المخاطية المسؤولة عن تحديد مسار الهواء الداخل إلى الرئتين، ما قد يلحق أضرارًا بالغة بوظائف الرئتين. وفي الحالات الشديدة التي تحتوي على مواد كيميائية قوية، قد يُصاب الشخص المتعرض لهذه المواد بانخفاض شديد في ضغط الدم، أو صعوبة في التنفس، وألم في الصدر، ما قد يؤدي إلى الوفاة.
نحو 18.8 من النساء اللواتي أجبن على الاستبيان كانت إجابتهن أنهن جربن هذه الأصناف من المنتجات المصنعة محليًا بشكل غير دقيق، وأدت لمشاكل في أثاثهن. فإذن لم يعد الضرر مقتصرًا على المنتج والمستهلك فقط من تلك المنظفات المصنوعة بدون معايير دقيقة، بل إنه أيضا طال المواد التي تتلامس معها، كالملابس، والأثاث، والمراحيض، والبلاط.
تقول زينب إنها استخدمت منتجًا محليًا من المنظفات، لكنها تفاجأت بعد الاستخدام بأن حوض المطبخ وأنابيب المياه أصبحت سوداء وفقدت لمعانها، في حين ترجع العرامي، المختصة بعلم الكيمياء، ذلك إلى زيادة تركيز الأحماض في المنتج، مؤكدةً أن زيادة الخلاطات قد يكون لها مفعول قوي على النظافة، لكنها تؤدي لخسائر مادية في نفس الوقت.
بحسب توفيق الحكيمي، وهو عضو لجنة الرقابة في الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس بصنعاء، تحدث لخيوط، فإن اللجنة تتلقى بلاغات من الجيران المتضررين بخصوص الأماكن التي تصنع مثل هذه المنظفات، بسبب الغازات المنبعثة والتي لا تنطبق مع الشروط والمعايير التي تحددها اللجنة لاستمرار العمل.
خطوة توثيق السجل التجاري للمنتج تأتي بعد استخراجه من قبل وزارة الصناعة والتجارة، وبعد أن يكون مستوفي الشروط التي حددتها هيئة المواصفات والمقاييس وضبط الجودة. يأتي ذلك في الوقت الذي تضع فيه الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس اليمنية عدة اشتراطات لقياس جودة المنتج المصنع محليًا، من بينها ألا يسبب أي أثر سلبي على الأسطح عند استخدامه، حسب تعليمات الاستعمال.
ويبين الدكتور علي الكوماني، أخصائي أمراض جلدية، لخيوط، أن المنظفات التي تُباع في الشوارع، دون أي معلومات عن المواد الكيمائية، غالبًا ما تكون سببًا لأمراض جلدية عدة، أهمها التحسسات، والأكزيما، والطفح الجلدي، وقد تسبب مرضًا جلديًا مزمنًا، خاصة تلك المستخدمة في غسيل الصحون، بسبب أن المواد قد تكون زائدة، أو مغشوشة.
تمكين غير مدروس
بمخاطرة كبرى تقحم الجهات الحكومية بصنعاء النساء اللواتي فقدن معيليهن في الحرب بدورات قصيرة المدى، لا تكاد تتجاوز 10 أيام، تتم في عدة مراكز ومؤسسات في العاصمة. الأمر ذاته ينطبق على وزارة الصناعة والتجارة التي تتبنى تلك الدورات التدريبية في صناعة المنظفات والمطهرات والمعقمات، فيصل الأمر إلى تنظيم دورات عن بعد عبر تطبيق الواتساب والتيلغرام والفيسبوك. إذ إن بعض من يتلقين تلك الدورات لا يمتلكن الخبرة والمهارة. حتى الشهادة الأساسية لا يمتلكنها.
تحكي "س.ل،" مالكة أحد مشاريع المنظفات الناشئة محليًا في صنعاء، لخيوط، عن بدايتها في إنشاء مشروعها الخاص بالمنظفات، فتقول إنها أخذت دورة لمدة أسبوع لدى إحدى الجهات التي دعمتها وساعدتها، على الرغم من كونها ليست متخصصة بهذا المجال، ولم تكمل حتى تعليمها الثانوي.
تتابع حديثها: "بعد أن أخذت الدورة، بدأت العمل في المنزل، وشراء المواد الخام، عبر تجار، لإنتاج المنظفات، وبعدها سجلت المنتج في الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، وتم فحص بعض المنتجات، وتم منحي السجل. وعلى الرغم من أني للآن لم أفتح معملًا خاصًا، فإنني أبيع بشكل كبير وبأسعار رمزية."
وتوضح ميعاد القليصي، عضو الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة صنعاء، لخيوط، أن خطوة توثيق السجل التجاري للمنتج تأتي بعد استخراجه من قبل وزارة الصناعة والتجارة، وبعد أن يكون مستوفي الشروط التي حددتها هيئة المواصفات والمقاييس وضبط الجودة.
اشتراطات يتم مخالفتها
تضع الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس اليمنية عدة اشتراطات لقياس جودة المنتج المصنع محليًا، من بينها ألا يسبب أي أثر سلبي على الأسطح عند استخدامه، حسب تعليمات الاستعمال.
كما يحب أن يُعبأ المنتج في عبوات مناسبة، لا تؤثر في المنتج ولا تتأثر به، وأن تكون محكمة الإغلاق، ويحفظ بعيدًا عن ضوء الشمس المباشر. وكذا يجب أن تكتب على كل عبوة باللغة العربية، أو باللغتين العربية والإنجليزية، (ويستثنى من ذلك المكونات، فهي يمكن أن تكتب باللغة الإنجليزية فقط،) وبخط واضح وبطريقة تصعب معها إزالته، اسم المنتج ونوعه (بالمطهر أو بدون، اسم الصانع و/أو العلامة التجارية، إن وجدت، والمكونات الأساسية الداخلة في التركيب، والمواد المحسنة، والمواد الحافظة إن وجدت،) وتاريخ الإنتاج وتاريخ الانتهاء، وتعليمات الاستعمال، وتحذيرات الاستعمال.
لكن على الرغم من هذه الاشتراطات المطبقة في مختبر المواصفات والمقاييس، فإن هناك منتجات عدة وصفت بالمخالفة لتلك الشروط، وهو الأمر الذي يتطلب إيقاف مواقع وأماكن إنتاجها غير المصرح بها، والتي لا تتوافق مع المقاييس، وغير المعروفة، والتي لا تخضع لمعايير السلامة.