الموت حرقا
يمن فيوتشر - خيوط الاربعاء, 23 يونيو, 2021 - 03:44 مساءً
الموت حرقا

خلال السنوات الماضية جرب المهاجرون الإثيوبيون كل أنواع الموت في كل بقاع العالم، إلا الموت حرقًا، فحادثة الاحتراق الأخيرة التي حدثت في مركز الاحتجاز في صنعاء، تعد واحدة من أوجه بشاعة الموت.
إلى حوش مستشفى الجمهوري في العاصمة اليمنية صنعاء وصلت الشابة العشرينية من أصول أثيوبية (س. م. و) مع رفيقتها، صباح الثلاثاء 16 مارس/ آذار الماضي، تبحث عن قسم الجراحة العامة والمكان الذي يرقد فيه ضحايا احتراق مركز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، في مصلحة الهجرة والجوازات، في 7 مارس/ آذار الماضي. 
ليس لدى الشابة الإثيوبية أي قريب تربطها به صلة الدم والرحم من بين الضحايا المتواجدين في المشفى الحكومي، كما أخبرت خيوط.
“القلب… هم إثيوبيون، ونحن من بلاد واحدة” تقول الشابة بابتسامة ممزوجة بالحزن. مضيفةً: “هذه جراح ودم، فمن الواجب علينا التكاتف مع بعضنا، خاصة ونحن في بلد غير بلدنا”. 
في سبتمبر/ أيلول من العام 2018، غادرت الفتاة إقليم أوروميا في أثيوبيا، وركبت البحر لتجد نفسها على شواطئ عدن، كواحدة من أعداد غير معروفة تتدفق من القرن الأفريقي بشكل مستمر إلى اليمن بهدف الوصول إلى السعودية، “كان هدفنا دخول السعودية، لكن المهرب طلب من زوجي مبلغًا كبيرًا مقابل تهريبنا”، تقول الشابة التي قرر زوجها لأسباب اقتصادية السير مع المهربين وحيدًا دونها. فبعد أشهر وصلتها أنباء بإلقاء القبض عليه من السلطات السعودية التي أعادته إلى الحدود اليمنية مع آخرين يتشابهون في المصير نفسه.
بعد نحو يومين من الحادثة، زار معد التحقيق مبنى المستشفى الجمهوري بصنعاء الذي خُصص طابقه الخامس لضحايا حادثة الحريق، صعدنا برفقة الفتاتين وطفليهما إلى قسم الجراحة، كان هناك 30 مصابًا موزعون على أسرة الغرف المخصصة لهم، وهو ما أكده حديث مصدر طبي في المستشفى، تتوزع جراح الحروق على كامل أجسادهم. ولفت المصدر إلى أن مركز الحروق في الجمهوري استقبل ضحايا الحروق الكبيرة والمتوسطة، أما الجروح الطفيفة استقبلتهم مستشفى الكويت إلى جانب القتلى الذين وضعوا في ثلاجتها.
خلال السنوات الماضية جرب المهاجرون الإثيوبيون كل أنواع الموت في كل بقاع العالم، إلا الموت حرقًا، فحادثة الاحتراق الأخيرة التي حدثت في مركز الاحتجاز في صنعاء، تعد واحدة من أوجه بشاعة الموت
لم يكن الدخول إلى هذا المكان والحديث مع المصابين بالأمر السهل، كان أحد رجال الأمن يجلس بجانبهم، مهمته حراسة الغرفة. منعنا من الدخول، أخبرناه أننا جئنا لزيارة الضحايا من باب إنساني فقط، ونريد الحديث معهم، لكنه أمر إحدى الممرضات بإقفال باب الغرفة. 
بحسب مهاجرين التقيناهم في صنعاء 16 مارس/ آذار الماضي، كانوا على تواصل مع رفاقهم المحتجزين في مصلحة الهجرة والجوازات، سمعوا تفاصيل حادثة الحريق الأخيرة منهم، كان هناك ما يقارب الألف شخص، ضاقت بهم ظروف الاحتجاز القهرية، خاصة أنهم لم يتمكّنوا من دفع المبالغ المالية التي فرضتها السلطات على المحتجزين مقابل ترحيلهم وفقًا لروايتهم، وتتفاوت هذه المبالغ من شخص لآخر، موضحين في حديثهم لـ”خيوط” أن المحتجزين أضربوا عن الطعام، وقاموا بحركة تمرد احتجاجًا على احتجازهم، وتدخلت على إثره القوات الأمنية، و“أطلقت قنابل أدت إلى احتراق الهنجر” وفقًا لشهادات أثيوبيين أكدتها أيضًا منظمات دولية.

حملات تجميع غامضة
وفق معلومات حصل عليها معد التحقيق، دعمتها شهادات إثيوبيين مقربين من الناجين من الحريق التقتهم “خيوط” في عدن، قالوا في شهاداتهم أن حملات تجميع المهاجرين غير الشرعيين واحتجازهم تزايدت خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، لأسباب مجهولة وغير واضحة، رغم ما يثار من معلومات تتحدث عن ارتباط هذه الحملات بعمليات تجنيد تقوم بها السلطات التي تنفذها.
في السياق، كانت شخصيات إثيوبية مستقلة عقب حادثة الحريق قد اتهمت السلطات الأمنية في صنعاء بفرض مبالغ مالية على المهاجرين الإثيوبيين مقابل ترحيلهم مما اضطرهم إلى الإضراب عن الطعام والاشتباك لاحقًا مع أفراد الحراسة. وقال رئيس شبكة مستقبل أوروميا للأخبار ومقرها كندا، جمدا سوتي، في تصريحات لبي بي سي إن “لديه شهادات موثقة بأن “الحوثيين يساومون اللاجئين كي ينضموا لقواتهم لمقاتلة القوات المتحالفة بقيادة السعودية”. مؤكدًا بأن “هذا ما أغضب المحتجزين ودفعهم للإضراب عن الطعام”، وهو ما أكده ناجون من الحادث فضلوا عدم ذكر أسمائهم.
مسؤول أمني في وزارة الداخلية التابعة لحكومة صنعاء تحفظ على ذكر اسمه، نفى بشكل قاطع صحة هذه المعلومات. وأوضح في حديثه لـ”خيوط” أن الحملات التي تقوم بها السلطات الأمنية لتجميع المهاجرين ليست وليدة اللحظة، بل منذ بداية الحرب يتم تجميعهم على هيئة مجموعات في مراكز الاحتجاز لتقوم بترحيلهم من صنعاء. مؤكدًا أن السلطات خلال الأسابيع الماضية كانت قد جمعت مئات المهاجرين في مراكز الإيواء في صنعاء. المعروف بسجن الهجرة والجوازات.
لم نكتفِ بهذا الرد، بل عرضنا على مصدر أمني آخر صورًا لقتلى من الجنسية الإثيوبية، قتلوا في المعارك ضمن صفوف قوات أنصار الله (الحوثيين)، كانت صور القتلى الإثيوبيين ضمن قوالب الصور التي تنشرها الجماعة لمقاتليها الذين يسقطون في المعارك، إضافة إلى مقطع فيديو بثته قناة المسيرة الناطقة باسم أنصار الله، في 27 أغسطس/ آب 2020، لتشييع جثمان أحد الإثيوبيين في محافظة حجة. المصدر الأمني أنكر قاطعًا تجميع المهاجرين للمشاركة في أغراض عسكريّة مع جماعة أنصار الله (الحوثيين). موضحًا في حديثه لـ”خيوط” أن تجميع المهاجرين هو بغرض الترحيل. ويلفت إلى أن ترحيل المهاجرين يتم أسبوعيًّا، الى آخر نقطة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، مؤكدًا أن السلطات تقوم بترحيلهم مع دفع مبالغ مالية لهم.
بحسب المنظمة الدولية للهجرة فإن عمليات “النقل القسري” للمهاجرين زادت من محافظات اليمن الشمالية التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى مناطق في جنوب البلاد الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا.
أحمد علي أحد المهاجرين الإثيوبيين الذين كانوا في مركز إيواء المهاجرين بصنعاء أثناء حادثة الحريق في 7 مارس/ آذار الماضي، ونقلتهم سلطات صنعاء إلى حدود المناطق الجنوبية، يتحدث لـ”خيوط”، عن ترحيله من صنعاء مع مجموعة من المهاجرين ممن كانوا بمركز الإيواء، في ظروف صحية ونفسية سيئة بعد نجاتهم من الحادثة.
أجساد متفحمة 
خلال السنوات الماضية جرب المهاجرون الإثيوبيون كل أنواع الموت في كل بقاع العالم، إلا الموت حرقًا، فحادثة الاحتراق الأخيرة التي حدثت في مركز الاحتجاز في صنعاء، تعد واحدة من أوجه بشاعة الموت، مقاطع الفيديو والصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت أبشع مشاهد الموت وأكثرها وحشية من حوادث أخرى تعرض لها المهاجرون في كل متاهات العالم. كالغرق في البحر وانتهاء الأجل على حدود البلدان البعيدة. في تلك المنشأة المكتظة بالمهاجرين كانت ألسنة اللهب تلتهم كل شيء أمامها، بشر عجزوا عن مغادرة المكان، ولم يغنهم صياحهم من النار شيئًا إلا بعد ربع ساعة، بعد أن تم التدخل من خارج الهنجر وكسر الجدران والأبواب، وقد تفحمت أجساد العشرات منهم، بحسب المنظمات الدولية، فيما تم نقل الناجين منهم إلى مستشفيات المدينة، وكانت هيومن رايتس ووتش قد حللت مقاطع فيديو تؤكد روايات شهود تحدثوا إليها، بما فيه فيديو التُقط بعد الحريق مباشرة يُظهر عشرات الجثث المتفحمة في وضعيات تشير إلى أنهم كانوا يحاولون الفرار لكن الدخان والنار تغلبا عليهم، بحسب المنظمة الدولية.
وفق رواية السلطات في صنعاء، فقد كان ذلك بسبب الباب الوحيد للعنبر، الذي لا يسمح سوى بخروج شخص واحد وزاد من حدة التدافع، وهو ما ضاعف من سقوط ضحايا من ذوي البنى الضعيفة، بالإضافة إلى حصول حالات إغماء طالها الحريق.
وأظهر مقطع فيديو جثثًا متفحمة لعشرات الضحايا، معظمهم من الإثيوبيين، ويمكن سماع السعال والصراخ بينما يتجول المهاجرون في الفرش المحترقة المبللة بالطين وبقايا البشر.
ما الذي حدث؟
في السابع من مارس/ آذار الماضي عند الساعة الثانية مساء، نشب حريق في إحدى عنابر احتجاز المهاجرين في مصلحة الهجرة والجوازات في العاصمة اليمنية صنعاء، لم يعرف حتى سكان الأحياء المجاورة سبب تصاعد الدخان من المكان إلا بعد ساعة واحدة، وبحسب شهادات السكان، فإنهم اعتبروا بأن الدخان كان ناتجًا عن احتراق مشتقات نفطية، ولكن تبين لهم حقيقة الحادثة مع كثرة تدفق عربات الإطفاء وسيارات الإسعاف، والانتشار الأمني الكثيف في المنطقة.
بعد مرور أسبوعين من وصول المهاجر الإثيوبي أحمد علي إلى مكان الاحتجاز، وتدهور الأوضاع، طالب مع باقي المهاجرين إخراجهم من السجن، وقوبلوا بالرفض، قام 358 مهاجرًا محتجزًا في العنبر رقم (1) كما أسمته الجهات الرسمية، بالإضراب عن الطعام وإحداث فوضى وشغب داخل المكان لاستمرار احتجازهم وترحيلهم إلى بلدهم، وفقًا لرواية الشاب، الذي أوضح أن أفراد الحراسة حاولوا إجبار المهاجرين على تناول الطعام.
وواصل الرجل الذي قابلناه في مدينة عدن حديثه بالقول: “ثاني أيام الاحتجاج جاءت العساكر وقالوا لازم نأكل بالغصب، وعندما رفضنا و”رجمنا” بالصحن حق الأكل، خرج العساكر ورجعوا وكان عددهم خمسة أشخاص، أحدهم طلع السلم لفوق الحوش، رمى بالقنبلة واحترق الهنجر”.
“مات 400 شخص، والباقيون كسروا البوابة وخرجوا للخارج”، يتذكر الشاب بحسرة مشاهد الرعب التي عاشها ذلك النهار. ويضيف قائلًا: “الباقون حملوهم بدينات وسيارات، خرجنا من صنعاء إلى حدود عدن إلى أن وصلنا لحدود عدن مشينا أربعة أيام، ما كُنا نعرف أحدًا هنا”.
مدير الإعلام الأمني في صنعاء نجيب العنسي، يوضح في حديثه لـ”خيوط” أن الموقف دفع رجال الأمن للتدخل والسيطرة عليه، لافتًا إلى أن المهاجرين قاموا بضرب الأمنيين، وهو ما استدعى طلب تدخل قوات مكافحة الشغب، رغم نفي ناجين من الحادث، ذلك. 
يضيف العنسي أن القوات اضطرت، وفق حديثه، لرمي (3) قنابل، أكد أنها دخانية مسيلة للدموع تحتوي على مادة (Cs) أدت إلى احتراق العنبر. مؤكدًا كذلك “وفاة 47 مهاجرًا من الجنسية الإثيوبية، و6 أشخاص من رجال الأمن”.
 في مدينة عدن جنوبي اليمن قابلت “خيوط” بعضًا من المهاجرين الإثيوبيين. بحزن شديد تحدثوا عن حادثة الحريق الأخيرة في صنعاء، “حرّقوا شبابنا وأزواجنا وإخواننا..، حرّقوهم كلهم مثل الحطب” تقول السيدة فاطمة – لاجئة من إثيوبيا تقيم في عدن
وفقًا لإحصائية الداخلية في صنعاء فإن عدد المهاجرين المحتجزين في سجن الهجرة والجوازات كان (862) محتجزًا، منهم (358) في العنبر الذي شب فيه الحريق، توفي منهم (44)، و(202) جرحى، لتكون حصيلة الحادثة (246) محتجزًا، وما يزال مصير 112 مجهولًا، ولكن بيان الداخلية أوضح عن عدد (111) محتجزًا تمكنوا من الخروج دون إصابات لينضموا إلى بقية زملائهم من العنابر الأخرى وعددهم (504) محتجز، قالت وزارة الداخلية إنه تم إخراجهم، دون التوضيح إلى أي مكان.
ويعتبر مدير الإعلام الأمني أن هذه الواقعة كانت حدثًا عرضيًا خارجًا عن إرادة السلطة، مشيرًا إلى أن بيان الجاليات قد اعترف بأن هذه الحادثة تحدث مثلها للمهاجرين في كل مكان، مثل حوادث الغرق وفق حديثه. ونفى المسؤول الأمني حقيقة أن بيان الجاليات جاء وفقًا لإملاءات السلطات في صنعاء.
غموض الواقعة
ظلت الحادثة لأيام دون ظهور تفاصيل عنها أو أسبابها، بعد أسبوع من الغموض والتكتيم أعلنت السلطات المسيطرة على صنعاء عن 44 قتيلًا، ضحايا الحريق في مركز الاحتجاز، وقد جرى تشييعهم إلى مثواهم الأخير في مقبرة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر جنوبي العاصمة، دون الكشف عن أي نتائج أخرى. بالرغم من أن المنظمات الدولية كشفت أن المنشأة كانت تضم فيها ما يقرب من 900 مهاجر، معظمهم من الإثيوبيين المحتجزين من قبل أنصار الله (الحوثيين)، منهم أكثر من 350 مهاجرًا بداخل العنبر الذي اشتعلت فيه النيران، وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية (IOM)، والتي قالت إن موظفيها كانوا في ذلك الوقت متواجدين في الموقع. وعجزت المنظمات الدولية والمحلية وكذلك وسائل الإعلام من الوصول إلى موقع الحادثة، كذلك اللقاء بالضحايا الناجين من الحريق. واعتبرت وزارة الداخلية تأخير بيان التوضيح الذي ظل لأيام بعد الحادثة حتى لا يتم استغلاله مقابل التفرغ لعلاج الضحايا، أشارت إلى أن الحقائق التي جاءت على لسان قادة المهاجرين في بيان صحفي، أوضح إن عدد المهاجرين في مركز الاحتجاز، كانوا موزعين على 5 عنابر، احترق منها العنبر رقم 1 مخلفًا 44 قتيلًا و202 جرحى، جميعهم غادروا المستشفى عدا 21 ما يزالون يتلقون العلاج، بينهم 4 حالتهم حرجة. وفي يوم 13 مارس/ آذار، أفادت أنه تم ترحيل 468 مهاجرًا بصورة رسمية عقب الحريق، بعد أخذ صورة وبصمة لكل فرد منهم، كما تم تشييع 44 متوفى بصورة رسمية بعد أخذ عينات الحمض النووي للتعرف عليهم لاحقًا، فيما فّر عدد غير معروف منهم وفقًا للبيان. لافتةً إلى أن السلطات في صنعاء “أفرجت بعد الحادثة مباشرة عن 193 مهاجرًا، وصرفت لكل فرد منهم 100 ألف ريال يمني (165 دولارًا أمريكيًّا) وتجاوزت العمل بالقانون مراعاة لوضعهم الإنساني”. وقال ممثل الجالية السودانية عبدالله الليثي أنه “لا يوجد في صنعاء مراكز متخصصة لاستقبال المهاجرين وإيوائهم وحمايتهم إلى أن يتم تحديد وضعهم”.
وحسب وزارة الداخلية في صنعاء في بيان رسمي اطلعت عليه “خيوط”، فقد كان يتواجد في العنبر رقم (1) الذي جهزته منظمة الهجرة والذي وقع فيه الحريق نحو (358) نزيلًا توفي منهم (44) مهاجرًا، وبلغ من تم إسعافهم من المصابين إلى المشافي حوالي (202) محتجزًا. 
باحثون عن رفات أقاربهم
في مدينة عدن جنوبي اليمن قابلت “خيوط” بعض من المهاجرين الإثيوبيين. بحزن شديد تحدثوا عن حادثة الحريق الأخيرة في صنعاء، “أحرقوا شبابنا وأزواجنا و وإخواننا، حرّقوهم كلهم مثل الحطب” تقول السيدة فاطمة – لاجئة من إثيوبيا تقيم في عدن. وتضيف في حديثها لـ:” خيوط”، أن هناك أقارب لها (كان الحديث معها في مارس/ آذار الماضي) ما يزالون داخل المستشفى في صنعاء، والذي وصفته بـ”السجن”، إلى جانب مهاجرين تعرفهم عن قرب، جميعهم مصابون وما زالوا يخضعون للعلاج. 
ثلاثة أسابيع من القلق والحيرة والانتظار القاتل تعيش فاطمة وتترقب أي نبأ عن أقاربها، لكن الجانب الأشد ألمًا جاء بخبر أن أحد أقاربها توفي في حادثة الحريق بصنعاء، ولم تستطع أن تلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة. أما صفوان جابو- مهاجر إثيوبي في مدينة عدن، تختلف حكايته عن فاطمة، لكنهما يتشاركان وجع الهجرة سويًّا. قضى جابو أكثر من عام ونصف في سجن الهجرة والجوازات في صنعاء، قبل أن يتم ترحيله إلى مدينة عدن قبل نحو عام من الآن، بعد قيام أحد أقاربه بدفع مبلغ مالي مقابل الإفراج عنه بدون ذكر أي تفاصيل عن المبلغ الذي تم دفعه. ويصف في حديثه لـ”خيوط” عن أكثر أيامه قسوة في السجن. وبوجع تحدث عن إحراق رفاقه المهاجرين في صنعاء، والمعاناة التي يتعرض لها الإثيوبيون، وعن عزيمته للعودة إلى بلاده، والتي يصف أن الموت فيها أخف وطأة مما يتعرضون له في اليمن. 
قصة صفوان واحدة من قصص كثيرة لمهاجرين أفارقة لقوا جحيم الهجرة أكبر من الموت داخل أوطانهم، وقرروا العودة لكن كان عائقهم الوحيد إلى جانب الحرب، أنه لا يتوفر لديهم المال الكافي. ويؤكد جابو أن معظم المهاجرين الذين كانوا معه في السجن بصنعاء لم يستطيعوا دفع المبالغ المالية التي فرضتها السلطات مقابل ترحيلهم. ونقل عن مهاجرين وصلوا مؤخرًا إلى مدينة عدن أن السلطات في صنعاء رحلت مئات المهاجرين الذين كانوا محتجزين في سجن الهجرة إلى مدينة عدن، عقب حادثة الحريق الأخيرة. كما حاول معد التحقيق الوصول إلى الجهات الإثيوبية، لكن حتى نشر هذا التحقيق لم يتم التمكن من الوصول إليهم لمعرفة ردهم عن هذه الحادثة.


كلمات مفتاحية:

التعليقات