تحت شمس حارقة وأمام أبنية غير مكتملة، يقف أطفال صغار يبيعون المناديل الورقية في شوارع المدينة الجنوبية. ليسوا مجرد بائعين، بل ضحايا ظروف قاسية فرضت عليهم العمل منذ نعومة أظافرهم.
في ظل النزاع المستمر وانهيار الخدمات الأساسية، يعاني هؤلاء الأطفال من ظروف معيشية صعبة، حيث تتنازعهم رغبة التعليم مع الحاجة الملحة لإعالة أسرهم. تعكس قصصهم معاناة يومية تتجاوز حدود الفقر لتكشف عن أزمة اجتماعية أعمق تهدد مستقبلهم.
مقابل 500 ريال يمني
يحكي "مراد عبده" عن قصة نزوحه رفقة أخيه قبل خمس سنوات من منطقة حيس في الحديدة، غربي اليمن، إلى مدينة عدن الجنوبية.
"أعمل أنا وأخي منذ كان عمري 8 أو 9 سنوات، نذهب إلى الجولات والسواحل وتقاطعات الشوارع، لأجل أن نبيع المناديل الورقية فنواجه الكثير من المتاعب، ونسمع كلمات غير لائقة من المتعالين والاستغلاليين"، يقول.
أضاف، "كانت بعض الدوريات توقفنا، لتأخذ مننا المناديل والفلوس (الأموال) التي جمعناها، وأحيانا تضربنا وتهددنا بالسجن، دون رحمة".
وعادة ما كان يذهب مراد "بين كل فترة وفترة لشراء عشر دزينات، في كل دزينة عشرة أكياس"، يبيع الكيس الواحد منها "بألفين ونربح خمسمائة ريال"، أي أنه يربح ما يقارب ربع دولار أمريكي على كل كيس، وسط قلق دائم من الدوريات الأمنية التي يهرب منها، وهي "من الأشياء التي تصعب علينا عملنا".
أخرجها أبوها من المدرس: "لازم تشتغلي"
"كنت أحب المدرسة"، بهذه الكلمات بدأت الطفلة عبير، ذات العشر سنوات، حديثها حول عملها المضني ببيع المناديل الورقية.
الحياة بالنسبة لها هي تلك النقود التي تقدمها لأهلها كل يوم. أخرجها أبوها من المدرسة بعد التحاقها بسنة واحدة فقط.
"مع أنني كنت أحب المدرسة، لكن أبي أخرجني منها، وقال لي لازم تشتغلي وتساعدي البيت"، قبل أن تصبح رفقة أخيها واثنتين من أخواتها جميعًا ضمن العاملين في بيع المناديل.
مجتمع لا يحمي الطفولة
تقول الباحثة النفسية، المقيمة في الأردن، آلاء العولقي: "بيع الأطفال للمناديل الورقية يحرم الطفل من فرص اللعب والتعلم والتفاعل الاجتماعي الطبيعيين لأقرانه، بالذات وهو يحمل مسؤولية كبيرة لا تليق بعمره، وقد يُستغل الطفل بأي شكل من الأشكال في مجتمع لا يحمي الأطفال كمجتمعنا".
أضافت العولقي، التي تخرجت من جامعة عدن وعملت في واحدة من المؤسسات المختصة بحالات الداون، أن الطفل قد يعاني من اضطرابات نفسية بالذات وهو يعمل عملًا شاقًا كبيع المناديل في الطرقات.
"بعض الأطفال قد يعاني من القلق والاكتئاب والتوتر، وتظهر هذه العوارض كل ما كبر في العمر، بالذات في انخفاض تقدير الذات، فتنمو مع الطفل اهتزاز الشخصية وعوارض كثيرة سيئة وسلبية تؤثر مباشرة على الصحة النفسية وتحد من قدراته"، تقول.
فساد المنظومة المجتمعية
"الواقع يوجع القلب"، وفقًا للاخصائي الاجتماعي محمد الديني، الذي يرى أن الفقر المدقع وانهيار الأسر هو من أبرز الاشياء التي تدفع بالأطفال إلى مثل هذه الأعمال، ومنها بيع المناديل الورقية، "بالذات وأن السوق مليء بالثعابين"، حد وصفه، في إشارة إلى حالات التعدي على الطفولة.
وقال الديني، الذي سبق وتخرج من جامعة عدن أيضًا: "هذه القضية من أهم القضايا، بالذات في ظل غياب شبكات الأمان الاجتماعي وغياب حقوق الأطفال"، موضحًا استغلال البعض حالة الفقر ما بات يوقع عديد الأطفال في حالة من المضايقات والتحرش التي قد تصل حد الاغتصاب، "دون أدنى خوف من المحاسبة، لأن الطفل خائف".
"ظاهرة أطفال الشوارع الذين يعملون في بيع المناديل هي مؤشر على فساد المنظومة المجتمعية، بالذات وأن الأطفال يبيعون المناديل مجبرين من أهاليهم ومن الأوضاع التي يعيشونها"، قال.
الأولى عربيًا في عمالة الأطفال
وتحظر التشريعات اليمنية تشغيل الأطفال دون سن الخامسة عشرة بموجب قانون حقوق الطفل رقم 45 لسنة 2002، الذي يمنع أيضًا عمل الأطفال في المجالات الصناعية، قبل أن يؤدي انهيار مؤسسات الدولة إلى تفشي الظاهرة، ما جعل القوانين أقل فعالية جراء ضعف تنفيذها.
وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في يونيو/حزيران 2021، تصدرت اليمن قائمة الدول العربية في نسب عمالة الأطفال بنسبة 13.6%، تليه السودان والعراق بنسب أقل.
وتظل جهود الحماية القانونية في ظل هذه الأوضاع غير كافية، ما يستدعي تعزيز دعم المؤسسات الحكومية والمجتمع الدولي للتصدي لهذه الأزمة المؤرقة بحق الطفولة إبان النزاع.