يشكو سائقو سيارات الأجرة ومواطنون ومسؤولون محليون بمحافظة حجة (شمال غرب البلاد)، من خطورة الطريق الرئيس الذي يربط المحافظة بالعاصمة صنعاء، على حياة المسافرين؛ بسبب الحوادث المتكررة والازدحام المروري للناقلات والسيارات مع ضيق الطريق وتهالكه، وزيادة الحفريات، وتضاريسه الجبلية المخيفة.
غير أنّ هذه المعاناة تفاقمت بعد تحويل مسار ناقلات البضائع من طريق الحديدة (مناخة – صنعاء)، إلى طريق الحديدة (حجة – صنعاء)، رغم عدم أهلية الطريق من الناحية الهندسية لهذا النوع من المركبات التي تلائمها الطرق ذات المسارات المفتوحة من الجانبين، والتي تتحمل الأوزان الثقيلة.
طريق متهالك بلا حماية
بالنسبة لبسام جرم، الذي يعمل سائق سيارة أجرة من مدينة حجة إلى صنعاء، يعتبر عبور هذا الطريق مخاطرةً بالأرواح أكثر من كونه وسيلة لنقل المواطنين وكسب الدخل، ممّا يعكس مستوى الخطر الذي يواجهه سائقو المركبات والمسافرون على حدٍّ سواء عند المرور فيه دون أن تجد دعواتهم ومناشداتهم للجهات المعنية باتخاذ الحلول المناسبة بما من شأنه إنقاذ الأرواح، أيَّ استجابة!
مثل غيره من السائقين، يتعيّن على بسام (27 عامًا)، سلوك طريقٍ يصفه في حديث لـ"خيوط"، بالقول: "يعتبر طريق (حجة – صنعاء)، واحدًا من أخطر الطرق في البلاد، إذ يتعرّج على امتداد جبال شاهقة مليئة بالمنعطفات الخطيرة التي قد يقع في فخها كلُّ من ليس له دراية بها؛ وذلك بسبب افتقار الطريق للعلامات واللوحات الإرشادية، علاوة على خلوه من جدران الحماية التي تمنع سقوط الصخور على المركبات أثناء مرورها، خاصة أثناء الأمطار والظروف المناخية السيئة، فضلًا عن ضيق الطريق، وانتشار الحفر فيه بسبب رداءة الأسفلت وتدفق الأمطار، ويتزامن ذلك مع غياب شبه تام لأعمال الصيانة، وكلها عوامل تأتي على رأس السائق والمسافر في هذا الطريق، الذين شهدوا عشرات الحوادث المرورية، دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنًا".
يلفت بسام الانتباه إلى عوامل أخرى لا تقل خطورة عن العوامل سابقة الذكر، التي تجعل من هذا الطريق طريقًا للهلاك، إذ يتابع: "هناك عوامل أخرى تساهم بشكل كبير في التسبّب بحوادث مروّعة، مثل تهوّر بعض السائقين في تجاوز غيرهم دون استشعار خطورة ذلك على حياة البشر الذين يشاركونهم الطريق ذاتها، بالإضافة إلى إغلاق الطريق في بعض الأوقات جراء تعطُّل الناقلات أو تراجعها فجأة في المنعطفات؛ الأمر الذي يتسبّب بحوادث كارثية، كتلك الحوادث التي وقعت في نقيل حجة بمنطقة (الأمان)، وكذلك نقيل (عقبة الخذالي) في المحافظة نفسها. حوادث ذهب ضحيتها عشرات الأرواح".
لا يمر يوم دون كارثة
بجوار سيارته التاكسي، يقف الثلاثيني أحمد غالب، في "فرزة" بمدينة عبس، بانتظار اكتمال عدد الركاب ثم التحرك إلى صنعاء، وقد بدا وهو في طور استعداده للسفر كمن يحمل كفنه في يده تحسّبًا لكل احتمال سيئ؛ حد تعبيره.
يتذكر غالب بعض الحوادث المروّعة، بينما كان ينادي القادمين للفرزة: "هيا صنعاء"، ويدعو: "يا الله جنبنا مكاره السفر"، واصفًا تلك المشاهد، بالقول: "حوادث مفزعة للغاية زادت مؤخرًا إلى درجة أنه لا يكاد يمر يوم دون وقوع حادث يذهب ضحيته عشرات الأرواح، ويتسبب بالكثير من الخسائر".
نظرًا لزيادة الحوادث؛ يقول غالب في حديث لـ"خيوط": "أصطحب معي حقيبة تحتوي على مستلزمات الإسعافات الأولية، ولولا أن الله قدّر ولطف بي وبالمسافرين الذين معي، لكنت قضيت في حادث وقع معي مؤخرًا، إذ تعرّضت سيارتي لصدمة من مركبة كانت تحمل طنًّا من القات يقودها سائقها بسرعة كبيرة، رغم أنه كان في منعطف خطير في عقبة حجة، ما أدّى إلى أضرار لحقت بسيارتي، كلفتني حوالي 800 ألف ريال يمني، تقاسمت غرامتها مناصفة مع السائق الآخر بناء على حكم المرور".
ومن وحي تجربته، يُلقي غالب باللائمة على سائقي سيارات نقل القات الذين يتسبّبون بحوادث كثيرة؛ بسبب عدم التزامهم بالسرعات المحددة في هذا الطريق الخطِر، ولا يعفي غالب نفسه وغيره من سائقي الأجرة من مسؤولية التسبّب ببعض الحوادث نتيجة تحميل مركباتهم فوق طاقتها الاستيعابية، تحت مبرر أنهم لو التزموا بالعدد المحدد فلن يستطيعوا توفير أي شيء وسيكون عملهم مجرد نفقات على السيارة؛ على حد تعبيره.
الطريق أصبح متهالكًا، تأكله الحفر حتى ضاق، وكاد ينتهي في بعض الأماكن، نتيجة تعاقب السنين وكثرة الأمطار، وممّا زاد الطين بلة اتخاذُ قرار يسمح للمركبات الثقيلة بالمرور فيه بدلًا من خط (مناخة – صنعاء).
الخارج منها مولود
لا يتذكر يحيى دبأ، تاجر أقمشة، متى آخر مرة سافر إلى صنعاء عبر هذا الطريق منذ تركه نهائيًّا، لكنه يحتفظ بموقف سيئ حصل معه في آخر مرة سافر فيها عبر هذا الطريق، لم يفارق مُخيلته.
بحزن وألم يستحضر دبأ ذكريات ذلك اليوم، قائلًا: "يومها قمت بإسعاف خالي -رحمه الله- لكنني بدلًا من أن أصل به إلى المستشفى سريعًا، انتظرت ثماني ساعات متواصلة بسبب إغلاق الطريق إثر انقلاب مركبة نقل ثقيل تحمل أطنانًا من الدقيق في أحد المنعطفات الضيقة، فلم يكن أمامنا سوى الانتظار حتى وصول ونش إنقاذ لرفع المركبة. لقد كان طابور اصطفاف السيارات مهولًا، ولا يمكن لي نسيان تلك المعاناة في طريقٍ العابرُ فيها مفقود، والخارج منها مولود".
ساهم هذا الموقف بشكل كبير في دفع دبأ لاتخاذ قراره بالبحث عن طريق بديلٍ مهما كان بعيدًا، فكان طريق (مناخة – صنعاء)، وهو نفس الأمر مع غيره من التجار.
دبأ يشرح لـ"خيوط"، الأسبابَ التي تجعل الطريق غير صالح للعبور فيه بالمطلق، بالقول: "الطريق أصبح متهالكًا، تأكله الحفر حتى ضاق، وكاد ينتهي في بعض الأماكن، نتيجة تعاقب السنين وكثرة الأمطار، وممّا زاد الطين بلة اتخاذ قرارٍ يسمح للمركبات الثقيلة بالمرور فيه بدلًا من خط مناخة صنعاء، وهذا أدّى إلى ازدحام وزيادة الحوادث أضعافًا مضاعفة مقارنة بتلك التي كانت تحدث في السابق".
بنية تحتية غير مؤهلة
مدير المرور بمحافظة حجة، العقيد عبدالجبار تاج الدين، يشارك السائقين مخاوفهم ويتفق مع ما ذكروه بخصوص خطأ تحويل مسار مركبات النقل الثقيلة إليه، ويقول في حديث لـ"خيوط": "لا البنية التحتية للطريق ولا طبيعته الهندسية مؤهلة لمرور الأوزان الثقيلة، إضافة إلى أن الطريق لا يتحمل كثافة المركبات؛ كون الخط ذا اتجاه واحد ومنعطفاته ضيقة ويمر بمنحدرات خطيرة وأماكن كثيرة متهالكة".
ويتابع: "استمرار مرور مركبات النقل الثقيل في هذا الخط، أصبح همًّا بالنسبة لمعظم المواطنين والزائرين والمسافرين وروّاد الطريق، إذ يتركز جلّ تفكيرهم حول كيفية تفادي المركبات الكبيرة، التي يتعطل العديد منها لأسباب كثيرة؛ إما نتيجة للحمولات الزائدة وغير القانونية أو لأسباب متعلقة بالصيانة الدورية، أو حتى بالطريق نفسها، إضافة إلى أسباب أخرى، ما يدفع بعض المسافرين إلى السفر يوم الجمعة، اليوم الذي يندر فيه وجود مركبات نقل ثقيل تجنبًا للزحام".
وفي هذا السياق، انتقد تاج الدين الأشغال العامة والطرق لعدم اتخاذ حلول تحد من وقوع مثل هذه الحوادث؛ مثل توسيع الطريق ووضع إشارات تنبيه ولوحات توعية بالسلامة المرورية.
من جانبه، يؤكّد مدير عام مكتب الأشغال العامة والطرق بمحافظة حجة، محمد صفي الدين، ضرورةَ إعادة النظر في قرار تغيير خط سير مركبات النقل الثقيل، إلى جانب ضرورة تهيئة الطريق بالشكل المطلوب.
ويؤكّد في حديث لـ"خيوط"، أنّ مرور النقل الثقيل سوف يأتي على ما تبقى من طريق (حجة – صنعاء)، ومن ثم التسبب بخروجه عن الخدمة نهائيًّا؛ لأنّه صُمِّم لمرور المركبات الصغيرة، ولم يؤسَّس على قواعد متينة بحيث يتحمّل أطنانًا من البضائع، وهذا ما يُمكن ملاحظته في بعض المنعطفات التي تظهر عليها انخفاضات نتيجة ضغط المركبات.
ويضيف صفي الدين: "الطريق لا يتحمل هذه الحمولات الكبيرة، ولا تتسع منعطفاته لناقلات بذلك الطول، ولذلك تتكرر الحوادث وتتعاظم الإشكاليات في منعطفات محددة، مثل منعطف الأمان بداية عقبة حجة، وفي منعطفات الخذالي كحلان".