في سياق تقييم الوضع في البحر الأحمر وخليج عدن أوائل أبريل/نيسان، ربما يمكن القول بأن عمليتي “حارس الازدهار” و”آسبيدس”، اللتين شنهما التحالفان بقيادة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لحماية حركة السفن التجارية في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين، قد حققتا أهدافهما المعلنة. فقد انخفضت وتيرة الهجمات على السفن، لدرجة أن مسؤولين في البنتاغون افترضوا بأن نفاذ مخزون أسلحة الحوثيين هو السبب وراء ذلك.
لكن عند تقييم الأحداث والتطورات التي جرت في نهاية يونيو/حزيران، نجد أن الوقائع ترسم صورة مختلفة تماما على الأرض، فقد تصاعدت وتيرة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لتبلغ أعلى مستوياتها على الإطلاق، وتتبجح الجماعة بامتلاكها ترسانة متطورة للغاية ساعدتها في شن هجمات أكثر دقة وفتكًا.
في غضون ذلك، صرّح مسؤولون أمريكيون يشرفون على مختلف السفن الحربية الموكلة بحماية الممرات المائية حول اليمن – لصحيفة وول ستريت جورنال عن شعورهم بالقلق من أن هذا الوضع “لا يمكن أن يستمر” وذلك بعد أكثر من سبعة أشهر على العمليات الرامية لحماية الممرات المائية، وإنفاق مليار دولار أمريكي على العتاد والذخائر اللازمة لذلك، وهو موقف يتناقض مع النبرة الحماسية التي يعتمدونها أمام الرأي العام. إذن ما الذي تغير في الأشهر الثلاثة الماضية، وكيف تمكن الحوثيون من تغيير المعادلة؟
أحد أسباب هذه المعضلة هو وجود استراتيجية أمريكية مختلة منذ فترة طويلة فشلت في إدراك خطورة المعركة غير المتكافئة، وفي التصدي لطرق تهريب الأسلحة المعروفة من السواحل الأفريقية إلى الموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
هدوء نسبي في بداية شهر أبريل/ نيسان
في بداية شهر أبريل/نيسان، شهدت المناطق البحرية المحيطة باليمن هدوءاً يعد الأطول منذ استهداف قوات الحوثيين لأول سفينة شحن تجارية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. رغم أن هذا الهدوء أبعد ما يكون عن الحل، ظهرت بوادر بعد توقف الهجمات لمدة 12 يومًا في الفترة بين 7 و19 أبريل/نيسان، تُشير إلى احتمال خفض التصعيد على المدى المنظور. كما أن مغادرة السفينة الإيرانية بهشاد (المشتبه بكونها سفينة تجسس) لخليج عدن في 4 أبريل/نيسان، بَعد ما يقرب من ثلاث سنوات من وجودها هناك، أعطى الانطباع بأن الممرات المائية الاستراتيجية قد تشهد فترة ممتدة من الهدوء النسبي. حتى خطابات زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي نفسه أعطت المراقبين بارقة أمل في تراجع حدة التوترات في هذه الجبهة، حيث أعلن في 18 أبريل/نيسان، بأن السفن الأوروبية المتجهة الى وجهات أخرى غير إسرائيل بات بإمكانها المرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن “بأمان وسلام”.
في الأسابيع التالية، زعمت الجماعة استهداف سفن، رغم عدم التحقق من صحة هذه المزاعم ولم تؤكد أي جهة مستقلة وقوع أي هجوم حتى تاريخ 24 أبريل/نيسان، عندما سقط صاروخ في المياه بالقرب من سفينة ميرسك يوركتاون. في الأسبوع التالي، تبنى الحوثيون هجمات على مدمرتين أمريكيتين وأربع سفن تجارية، حيث أصابوا سفينتين من السفن الأربع.
إطلاق «المرحلة الرابعة» من التصعيد تُعيد التوترات إلى الواجهة
بعد أسبوعين بالضبط من خطاب عبد الملك الحوثي الذي قدم فيه ضمانات لعبور السفن غير المتجهة لإسرائيل بأمان، تطرق مرة أخرى إلى العمليات التي تستهدف البحر الأحمر في خطاب ألقاه في 2 مايو/أيار، ولكن هذه المرة بنبرة مختلفة تماما. فقد أعلن أن الجماعة ستبدأ على الفور تنفيذ “المرحلة الرابعة” من التصعيد، حيث لن تكتفي باستهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل فحسب، بل وأي سفينة مملوكة لشركة تستخدم الموانئ الإسرائيلية. كما ذكر بأن الهجمات ستتوسع لتشمل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي.
في الأسبوع التالي، كانت النبرة أشد حدة مع تلميحات غامضة عن المرحلتين الخامسة والسادسة ووعود بأن الجماعة ليس لديها “أي خطوط حمراء“. في 23 مايو/أيار، أعلنت الجماعة عن تنفيذ أول عملية استهدفت سفينة في البحر الأبيض المتوسط؛ وفي حين لم يتم التحقق عملياً من الهجوم المزعوم على السفينة إسيكس وعلى الأغلب غير صحيح في ظل وجود تقارير تفيد بأن السفينة لم تغادر الساحل المصري بعد، إلا أن الإعلان بدا وكأنه يثبت نية الجماعة الوفاء بوعودها في توسيع رقعة المعركة.
في الأشهر التي تلت ذلك، أعلن الحوثيون استهداف 11 سفينة في البحر الأبيض المتوسط أو في ميناء حيفا الاسرائيلي – سبع منها كانت سفنًا لا تحمل أسماء – في حين لم تؤكد أي جهة أخرى وقوع أي من الهجمات المزعومة. ورغم أنه من الصعب تبيّن ما إذا كانت الجماعة تمارس الخداع أو أن السفن ببساطة لم تُبلّغ عن استهدافها بتلك الهجمات (غالبًا لأسباب تتعلق بالسلامة أو لمخاوف لدى الشركات المالكة لها من تضرر أنشطتها التجارية)، لا بد من القول بأن الحوثيين لديهم تاريخ معروف من التضليل.
في الأسابيع الأخيرة، بدأت الجماعة بتعزيز التنسيق والتعاون مع المقاومة الإسلامية في العراق، وهي شبكة من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، لشن “عمليات عسكرية مشتركة” ضد السفن التجارية في البحر الأبيض المتوسط وأهداف إسرائيلية، وخصوصاً ميناء حيفا. ومرة أخرى، لم تؤكد القوات الاسرائيلية أو تنفي وقوع هذه الهجمات المزعومة.
تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين عبر أفريقيا
العامل الرئيسي وراء تجدد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر لا يكمُن في فشل القوات الأميركية والأوروبية في التصدي لها، بل في عجزها عن منع تهريب الأسلحة إلى الجماعة. والواقع أن الحرب غير المتكافئة الناجمة عن هذا الوضع، والتي يتم فيها استخدام العشرات من الطائرات المسيرة والصواريخ والقوارب الرخيصة بشكل متزامن ضد هدف واحد، لم تكلف الحكومة الأميركية مئات الملايين من الدولارات فحسب، بل وأيضاً الوقت والقوى البشرية في ظل استمرار التوترات في الممرات المائية الأخرى.
أوائل أبريل/نيسان، كشف مصدر أمني لمركز صنعاء أن إيران بدأت تهريب الأسلحة إلى إريتريا، ومنها إلى الحديدة وجزر البحر الأحمر الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ وتؤكد هذه المعلومات الشكوك السابقة لدى السكان المحليين في المناطق الساحلية حول مصدر بعض الأسلحة القادمة بالقوارب. في مارس/آذار، توصلت سلطات صنعاء إلى اتفاق مع البحرية الإريترية يسمح للمراكب الشراعية اليمنية الكبيرة بالصيد في المياه الإريترية، وتبع ذلك بدء السلطات الإريترية بإصدار التصاريح اللازمة وفقًا لمصادر محلية. وبحسب ما ورد، أبحرت عشرات المراكب الشراعية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى ميناء مصوع الإريتري لاستكمال الأوراق اللازمة لهذه التصاريح، وفي المقابل تواجد ممثلون عن البحرية الإريترية في مدينة الحديدة.
في مايو/أيار، كشف مصدر أمني آخر لمركز صنعاء عن وجود طريق منفصل وأكثر أهمية لعمليات تهريب الأسلحة ونقل المقاتلين، بين بورتسودان وميناء الصليف الذي يديره الحوثيون شمال الحديدة. يبدو أن الطريق يصل إلى بندر عباس في إيران ويشرف عليه فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، واستخدمه الحوثيون غالباً لنقل الأسلحة وتخزينها، من أجل استخدامها لاحقاً في عملياتهم المرتبطة بالحرب في غزة.
أكد سكان محليون هذه المزاعم، حيث أفادوا عن دخول سفن شحن تحمل أسلحة ومراكب شراعية عدة مرات إلى رصيف الشحن البحري شمال مدينة الحديدة . بتاريخ 27 مايو/آيار، أفادت مصادر محلية وعسكرية مركز صنعاء أن سفينة الحاويات التي تحمل العلم الإيراني ديزي رَسَت في بورتسودان، وبقيت لمدة يومين قبل الإبحار باتجاه جنوب البحر الأحمر، حيث رَسَت مجدداً بمحاذاة عدد من قوارب الحوثيين بالقرب من جزيرة جبل الطير وأرخبيل فرسان.
بقيت السفينة هناك حتى 30 مايو/آيار قبل إيقاف تشغيل نظام التعريف الآلي (AIS) الخاص بها. وتشير أصابع الاتهام إلى أن السفينة ديزي – التي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشركة المالكة لها -تتولى تهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان من ميناء بندر عباس الإيراني من خلال التوقف سرّاً في مرفاً اللاذقية السوري، قبل أن تواصل رحلتها التجارية العادية إلى موانئ مدن أوروبية .
هذا ولم يغفل المسؤولون المحليون والمراقبون الدوليون عن تدفق الأسلحة إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث قال وزير الدفاع (التابع للحكومة) محسن الداعري للأمم المتحدة إن عددا من شحنات الأسلحة الإيرانية وصلت إلى الحديدة دون خضوع السفن التي كانت تحملها للتفتيش، في حين أفادت المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد لمجلس الأمن الدولي أن ما يصل إلى 500 شاحنة محملة بمواد دخلت موانئ الحوثيين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، دون أن تخضع للتفتيش في جيبوتي بموجب آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة. هذا ويرى خبراء أن الحوثيين لا يزالون يمتلكون قدرات كبيرة لتصنيع الطائرات المسيرة والصواريخ محليا؛ حيث بثت الجماعة مقاطع فيديو ترويجية مفصلة تكشف ما تزعم أنها صواريخ باليستية تم تصنيعها حديثًا.
تصاعد حدة الهجمات الحوثية وعودة حاملة الطائرات الأمريكية إلى الولايات المتحدة
أدى تدفق الأسلحة لأيدي الحوثيين إلى تنفيذ المزيد من الهجمات، وزاد من احتمالية إصابة الأهداف بشكل أدق، ولعلّ الهجوم على سفينة الشحن “ توتور” التي ترفع علم ليبيريا “ واستهدفت في 12 يونيو/حزيران بزورق مسير، ثم بقذيفة جوية (غالباً طائرة مسيرة)، يعكس هذا الأمر. أسفر الهجوم المشار إليه عن مقتل أحد أفراد طاقم السفينة من الجنسية الفلبينية، وتسبب في غرقها نهاية المطاف، مما يجعلها السفينة الثانية التي تغرق بعد السفينة روبيمار أوائل مارس/آذار. كما تعرضت سفينة أخرى، فيربينا، لأضرار كبيرة في اليوم التالي للهجوم على توتور، بعد استهدافها بثلاثة صواريخ، حيث أصيب بحار واحد بجروح خطيرة، واضطر الطاقم إلى إخلاء السفينة التي ظلت عائمة في البحر الأحمر لأسابيع حسبما ورد، قبل أن يتم إنقاذها في النهاية وفقًا لما ذكرته وكالة رويترز.
في الأسابيع الماضية، أعلن الحوثيون استهداف عدة سفن في وقت واحد، ووصل العدد في بعض الأحيان إلى عشر سفن في أسبوع واحد، إلا أن غالبية تلك الهجمات غير مؤكدة، مما يشير إلى أن الجماعة تعلن عن هجمات غير حقيقية على الأرجح أو تدعي نجاح ضربات صواريخها وطائراتها المسيرة التي أسقطتها القوات الأمريكية وقوات التحالف الغربي.
زعمت الجماعة بشكل متكرر ومضلل استهداف حاملة الطائرات من فئة نيميتز، يو إس إس دوايت دي أيزنهاور، التي كانت متمركزة في البحر الأحمر وخليج عدن منذ بداية عملية حارس الازدهار، حيث أعلنت قوات الحوثيين عن شن هجومين منفصلين على أيزنهاور، في 1 يونيو/حزيران ومرة أخرى في 22 يونيو/حزيران. بينما نفت البحرية الأمريكية كلا الهجومين. كما تحقق صحفيو أسوشيتد برس من أن حاملة الطائرات كانت في حالة جيدة، باستثناء بعض التآكل في هيكلها وهو أمر متوقع بسبب مهامها القتالية. مع ذلك، غادرت حاملة الطائرات أيزنهاور ــ إلى جانب ثلاث طرادات بحرية في المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأمريكية وهي يو إس إس فيليبين سي، ويو إس إس جرافيلي، ويو إس إس ماسون ــ البحر الأحمر في 22 يونيو/حزيران، مُنهية بذلك تواجدها في المنطقة والتي تم تمديد فترتها في مناسبتين.
كما عادت يو إس إس كارني، وهي مدمرة أخرى لعبت دورا نشطا في التصدي لهجمات الحوثيين، إلى الولايات المتحدة في 14 مايو/أيار، بعد تواجدها لمدة سبعة أشهر في المنطقة أسقطت خلالها 45 صاروخاً وطائرة مسيرة أطلقها الحوثيين. هذا وحلت يو إس إس ثيودور روزفلت محل حاملة الطائرات أيزنهاور، والتي وصلت إلى المنطقة في 12 يوليو/تموز بعد اجراء مناورات عسكرية مشتركة قبالة سواحل كوريا الجنوبية.
تسببت الفترة الفاصلة بين مغادرة مجموعة القوة الضاربة لحاملة الطائرات أيزنهاور “Ike” ووصول روزفلت بحالة من التوتر لدى القوات البحرية الأوروبية وسفن الشحن التجارية ــ حيث كانت المنطقة بدون حماية مجموعة القوة الضاربة لحاملة الطائرات لأكثر من أسبوعين. جاء ذلك تزامناً مع عودة المدمرة البريطانية إتش إم إس دايموند مؤخرا إلى المملكة المتحدة وهو ما أثار شواغل لدى القوات البحرية الأوروبية التي ظلت في المنطقة لحماية السفن التجارية أثناء عبورها. وفي هذا الصدد، أعرب قائد عملية أسبيدس عن قلقه من قدرة الحوثيين على الصمود في وجه الغارات المُستهدفة لمواقع في مناطق سيطرتهم، في ظل قدراتهم العملياتية حالياً، قائلاً إن الجانب الغربي بحاجة إلى مضاعفة قوتهم البشرية لضمان نجاح وتأثير الغارات ضد الجماعة.
مع استعداد أسطول جديد من القوات البحرية الأمريكية للوصول إلى المنطقة قرب السواحل اليمنية، من المرجح أن تعيد البحرية الأميركية تقييم مهامها ومهام شركائها الأوروبيين. فالعمليات العسكرية الحالية لم تجدِ نفعًا بعد ما يقرب من تسعة أشهر من المواجهات في البحر الأحمر، حيث تستمر هجمات الحوثيين المتكررة ومعنوياتهم عالية، بينما ارتفعت تكاليف التأمين على الشحن البحري.
سيكون من الحكمة أن تركز القوات البحرية الغربية على حقيقة تدفق الأسلحة المستمر إلى موانئ الحوثيين ــ وبغض النظر عن عدد مواقع إطلاق الصواريخ التي تستهدفها قوات التحالف الغربي في مناطق سيطرة الجماعة، لا يُمكن وقف الهجمات طالما تستمر الأسلحة الجديدة بالتدفق والوصول إلى الجماعة بشكل منتظم. ومستقبلاً، ستحتاج القوات الأميركية والأوروبية إلى إجراء تقييم لا يشمل فقط وضع خطة فورية للحد من الهجمات التي يشنها الحوثيون، بل وأيضاً وضع استراتيجية طويلة الأجل للتعامل مع الجماعة التي تُعيد تخزين ترسانتها بأسلحة أكثر تطوراً.
استئناف الغارات الجوية الأمريكية بوتيرة مطردة
تباينت حدة الغارات الجوية الأمريكية المستهدفة لمخازن الأسلحة والمواقع الاستراتيجية للحوثيين خلال الأشهر الأخيرة، حيث عمّ هدوء نسبي في الجبهة البحرية خلال شهر أبريل/نيسان، لتعاود الغارات الجوية الاستئناف مع تصاعد حدة هجمات الحوثيين في البحر خلال منتصف شهر مايو/أيار.
تراجعت وتيرة الغارات الأميركية على مناطق الحوثيين في منتصف أبريل/نيسان، وشهد النصف الثاني من الشهر ما أُعتبر أطول فترة هدوء توقفت فيها الضربات ضد أهداف الحوثيين لمدة أسبوع واحد في الفترة بين 17 و24 أبريل/نيسان. خلال الثلاثين يوماً التالية، شنت القوات الأمريكية غارات في أربعة تواريخ فقط (25 و30 أبريل/نيسان، و2 و13 مايو/أيار)، لتُصعّد القوات الأميركية من هجماتها بنهاية الشهر، والتي بلغت ذروتها في 30 مايو/أيار حين انضمت القوات البريطانية إلى حلفائها الأميركيين في استهداف 13 موقعا في صنعاء والحديدة وتعز.
كانت هذه الجولة من الغارات الجوية غير عادية لدرجة دفعت الجانب الحوثي إلى الإعلان عن عدد الضحايا ــ حيث تميل الجماعة عادة إلى التكتم عن التفاصيل فيما يتصل بالأضرار والإصابات. فقد أعلنت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي يديرها الحوثيون مصرع 16 شخصا وإصابة 42 آخرون نتيجة للغارات، منهم عسكريون ومدنيون؛ وقالت مصادر طبية محلية لمركز صنعاء إن عددا من القتلى والجرحى كانوا من جنسيات غير يمنية، مشيرة (أي المصادر) إلى احتمال سقوط خبراء عسكريين أجانب من بين الضحايا. في 3 يونيو/حزيران، أقامت قوات الحوثيين في الحديدة مراسم تشييع 15 ضابطا قيل إنهم قتلوا في الغارات الجوية.
بعدها بأسبوع، شنت القوات الأمريكية 19 غارة في إطار جولة جديدة من القصف المكثف في الفترة ما بين 7 و14 يونيو/حزيران ضد أهداف في محافظات صنعاء والحديدة وريمة. في هذه الجولة، استهدفت سلسلة من الغارات في 13 يونيو/حزيران مبنى الاذاعة في المجمع الإداري في مديرية الجبين بمحافظة ريمة، مما أسفر – حسبما ورد – عن مقتل خمسة مدنيين. في اليوم التالي، دمرت القوات الأمريكية سبعة أنظمة رادار حوثية كانت تساعد الحوثيين في استهداف السفن بالبحر.
جنوباً، تظهر دلائل تُشير إلى احتمال استمرار العمليات الحوثية بالقرب من جبل الكور الواقع على الحدود بين مديرية مكيراس في محافظة البيضاء ومديرية لودر في محافظة أبين. وأفاد سكان محليون هناك عن نشاط عسكري منتظم، حيث سُمعت أصوات طائرات يشتبه في أنها عسكرية في المنطقة يومي 25 أبريل/نيسان و5 مايو/أيار، واشتبه في إطلاق الحوثيين صواريخ في 8 و13 و21 يونيو/حزيران. وعلى الرغم من إبلاغ السكان المحليين عن هذه الأنشطة بانتظام، لم تؤكد القوات الأميركية أو الحوثية وقوع ضربات في محافظة البيضاء خلال الأشهر الأخيرة.
اشتعال جبهات القتال في لحج، واستمرار المعارك في جبهات أخرى
اندلعت معارك عنيفة على عدة جبهات بمحافظة لحج، مع وصول تعزيزات عسكرية حوثية لمواجهة القوات الموالية للحكومة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المتمركزة في المحافظة. وشهدت جبهة كرش – الواقعة في مديرية القبيطة في لحج على طول الحدود مع تعز، والتي تضم جبهة حمالة وحوامرة في أقصى الشمال، وجبهة شيفان السحي، وسلسلة مرتفعات الضواري، وجبهة الدبي جنوباً – تصاعدًا في وتيرة العنف خلال الأشهر الأخيرة، حيث حاول الحوثيون الاستيلاء على مرتفعات استراتيجية وقطع خطوط الإمداد. اشتدت المعارك لدرجة ذكرها من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرج في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي بتاريخ 15 أبريل/نيسان.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، قُتل ما مجموعه 41 جنديا من الموالين للحكومة وللمجلس الانتقالي الجنوبي، وأصيب 215 آخرون على طول جبهة كرش؛ وفي المقابل، قُتل ما يقدر بنحو 155 مقاتلا وجُرح 326 من قوات الحوثيين، حسبما أفاد جنود مناهضون للحوثيين ومصادر قبلية ونشطاء محليون.
في منطقة طور الباحة القريبة – الواقعة عند تقاطع حيوي يطل على مديرية حيفان في تعز ومديرية القبيطة في لحج – تسلمت قوات درع الوطن مواقع عسكرية من اللواء الرابع حزم في 27 أبريل/نيسان، حيث تم الاتفاق مع قوات التحالف بقيادة السعودية (والتي تعمل قوات درع الوطن تحت مظلتها) على عملية التسليم من جانب القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
في 9 و10 مايو/أيار اندلعت أولى الاشتباكات الكبرى بين الجنود المدربين من قبل السعودية وقوات الحوثيين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مقاتلين حوثيين وإصابة سبعة آخرين، فضلا عن إصابة خمسة من جنود قوات درع الوطن. ظلت الجبهة مشتعلة في الأسابيع التالية، حيث وقعت اشتباكات بشكل أسبوعي. في 16 مايو/أيار، استهدفت قوات درع الوطن بكمين مجموعة من المقاتلين الحوثيين كان بحوزتهم مبالغ مالية كبيرة (على الأرجح رواتب) وقوائم بأسماء مقاتلين بالقرب من الجبهات في مديريتي القبيطة وطور الباحة. هذا ولقى 12 جندي من جنود قوات درع الوطن حتفهم على خط المواجهة منذ اندلاع الاشتباكات في شهر مايو/أيار، بينما أصيب 45 آخرون. بالمقابل، قُتل 26 مقاتل حوثي وأصيب 57 آخرون، حسبما أفاد جنود مناهضون للحوثيين ومصادر قبلية ونشطاء محليين.
في السياق، شهدت جبهات أخرى في الحديدة وتعز ومأرب والبيضاء والضالع معارك منتظمة منذ بداية شهر أبريل/نيسان. كانت الجبهات في الحديدة نشطة بصفة خاصة، وهو أمر قد لا يكون مستغرباً نظرا لنشاط الحوثيين على طول الساحل هناك. بحسب ما ورد، كانت قوات الحوثيين تعمل على حفر وتحصين سلسلة من الأنفاق على طول الخطوط الأمامية في جنوب الحديدة، ومنها في منطقة الحجروفة الواقعة جنوب مديرية التحيتا ومنطقة بيت الحشاش في مديرية حيس، وذلك وفقا لمصادر عسكرية محلية. وفي تعز، أفاد المحور العسكري الموالي لحزب الإصلاح عن إحباط عمليات تقدم متعددة لقوات الحوثيين على جبهات كلابة وعصيفرة باتجاه الجزء الشمال الشرقي من مدينة تعز، والتي تشهد معارك منتظمة.
شمالاً، ذكرت تقارير بأن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي يتابعون عن كثب التوترات في مأرب، حيث يخشون أن يلجأ الحوثيون إلى التصعيد العسكري مع تزايد الضغوط عليهم في إطار أزمة البنوك التي اشتعلت بين فرعي البنك المركزي في صنعاء وعدن. ورُغم أن حدة القتال لم تتجاوز الاشتباكات المعتادة بين قوات محور سبأ التابعة لألوية العمالقة المدعومة إماراتياً، ومقاتلي الحوثيين على طول الحدود بين مديريتي حريب والعبدية، إلا أن هناك العديد من نقاط التماس في غرب وجنوب مأرب التي يمكن للحوثيين اختبار التصعيد فيها.
التطورات الأخرى في سطور
12 مايو/أيار: سُمح لفريق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن بالصعود على متن سفينة جالاكسي ليدر التي اختطفتها قوات الحوثيين في 19 نوفمبر/تشرين الثاني. كان الحوثيون قد رفضوا مراراً التفاوض بشأن إطلاق سراح أفراد الطاقم، قائلين إن إطلاق سراحهم مرتبط بشكل مباشر بوقف الحرب الإسرائيلية في غزة..
17 مايو/أيار: أعلن اللواء 35 مدرع الموالي للحكومة عن القبض على خلية تجسس حوثية مكونة من 16 فردا في مديرية المواسط بتعز، وانتقد بعض الناشطين الاعتقالات واصفين إياها بغير المبررة.
28 مايو/أيار: خلال اجتماع مع وزير الخارجية المعين حديثاً بالحكومة شايع الزنداني في بكين، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي الحوثيين إلى التوقف عن مهاجمة السفن التجارية. جاء ذلك بعد عشرة أيام من استهداف الحوثيين لناقلة نفط كانت متجهة من روسيا إلى الصين، على الرغم من التوصل لاتفاق معهم بعدم استهداف سفن شحن لأي من البلدين.
11 يونيو/حزيران: أعلنت المنظمة الدولية للهجرة غرق قارب يحمل نحو 260 مهاجرًا صوماليًا وإثيوبيًا في خليج عدن، وأسفر الحادث عن مقتل 49 شخصًا على الأقل وفقد 140 آخرين.