تحليل: كيف يمكن إشراك القطاع الخاص في اليمن في بناء السلام وسط استمرار النزاع؟
يمن فيوتشر - Manara Magazine- ترجمة: ناهد عبدالعليم الجمعة, 23 أغسطس, 2024 - 12:25 صباحاً
تحليل: كيف يمكن إشراك القطاع الخاص في اليمن في بناء السلام وسط استمرار النزاع؟

ترك الصراع الدائر في اليمن آثار مدمرة على الاقتصاد، مما أدى إلى تمزقه على غرار الأطراف المتحاربة. فالبلاد منقسمة فعلياً بين الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تسيطر نظرياً على جزء كبير من الجنوب ولكنها تتمركز فعلياً في الرياض بالمملكة العربية السعودية، والمتمردين الحوثيين، الذين يسيطرون على الشمال، بما في ذلك العاصمة صنعاء. و يزيد المجلس الانتقالي الجنوبي من تعقيد المشهد من خلال سيطرته على معظم المحافظات الجنوبية.  وقد أدى هذا الانقسام إلى تعطيل النشاط الاقتصادي والتجارة وعرقلة توفير الخدمات الأساسية بشدة. 
وتكافح الحكومة لدفع الرواتب، في حين أنشأ الحوثيون مؤسساتٍ موازية وبنك مركزي منفصل. وقد أدى الاختلاف الناتج في السياسة النقدية، إلى تغذية التضخم وعدم استقرار أسعار الصرف. و تواجه الشركات تحدياتٍ هائلة في العمل عبر الخطوط الأمامية، وتتصارع مع عملات متعددة، وأسواق مجزأة، ولوائح متغيرة.  وعلى الرغم من هذه الصعوبات، أظهر القطاع الخاص مرونة ملحوظة، حيث وجد سُبلاً لمواصلة العمل، وإن كان بقدرة منخفضة.
و يمتلك القطاع الخاص في اليمن إمكانات كبيرة ولكن غير مستغلة لدعم جهود بناء السلام.  ومع ذلك، لا يمكن تحقيق كل هذا إلا من خلال سياساتٍ مصممة بعناية لتناسب سياق الاقتصاد السياسي الذي تعمل فيه الشركات. و من الضروري أن ندرك أن التحديات التي يواجهها القطاع الخاص في اليمن ليست فقط نتيجة للصراع المستمر.  و يمكن إرجاء جذور هذه المشاكل إلى فترة ما قبل الحرب، حيث استفادت النخب السياسية والتجارية من موارد الشركات لخدمة مصالحها الخاصة. وقد أعاقت الحوافز والشبكات المنحرفة لهذه النخب إجراء إصلاحات ذات معنى في اليمن.
و على الرغم من التأثير الشديد للنزاع على تنمية رأس المال البشري، مع وجود ما يقدر بنحو 4.5 مليون طفل خارج المدرسة، يمتلك سكان اليمن مهارات ومعارف قيمة، لا سيما في القطاع الزراعي، الذي كان يوظف جزءًا كبيرًا من القوى العاملة قبل النزاع. وقد أدى الصراع أيضًا إلى ارتفاع معدل البطالة، الذي يقدر بنحو 17.61% في عام 2022، و مع ارتفاع معدل البطالة بين الشباب بشكل ملحوظ إلى 33.05%، يشير هذا إلى وجود كتلة كبيرة من العاطلين عن العمل ولكن من المحتمل أن يكونوا من العمال المهرة الذين يمكنهم العمل و المساهمة في جهود الإنعاش الاقتصادي. و في حال تم توفير الحوافز والرقابة المناسبة، يمكن للشركات أن تتحول إلى شركاء في التعافي الاقتصادي والسلام الدائم من خلال الاستفادة من هذه الإمكانات وتنشيط الصناعات الرئيسية في اليمن، مثل الزراعة والمنسوجات والتصنيع.
و تتمثل أعظم موارد اليمن في سكانها الشباب، حيث أن 75٪ منهم تحت سن 25 عامًا. و قبل النزاع، أحرز اليمن تقدمًا في توسيع نطاق الوصول إلى التعليم. و وفقًا لمعهد اليونسكو للإحصاء، وصل إجمالي معدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي في اليمن إلى 84.17% في عام 2016. ومع ذلك، أدت الحرب إلى تعطيل نظام التعليم بشدة، حيث تضررت أو أغلقت آلاف المدارس، ولم يتمكن العديد من الأطفال من الالتحاق بسبب الظروف الصعبة، مثل: النزوح أو الفقر أو انعدام الأمن. و على الرغم من هذه التحديات، أظهر اليمنيون قدرة ملحوظة على التكيف وروح المبادرة، حيث انتقل الكثير منهم إلى أنشطة القطاع غير الرسمي من أجل البقاء.
 و تتمتع البلاد أيضًا بتقاليد غنية في الحرف اليدوية، لا سيما في قطاعات مثل الزراعة وصيد الأسماك والصناعات الحرفية، والتي يمكن الاستفادة منها لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وفي الوقت نفسه، تواصل منظمات التنمية الدولية العمل في اليمن، حيث تقدم المساعدة الإنسانية الأساسية وتدعم جهود التعافي الاقتصادي حيثما أمكن ذلك. كما يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على استعادة سبل العيش والخدمات الأساسية، من خلال مشاريع تركز على التوظيف الطارئ، ومنح الأعمال الصغيرة، وإعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية في مناطق مثل عدن والحديدة وصنعاء. وقد وصل البنك الدولي، من خلال المؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، إلى أكثر من 3 مليارات دولار منذ عام 2016 لدعم مشاريع في مجالات الصحة والتغذية والتعليم والمياه والطاقة، مع التركيز على المجتمعات الأكثر ضعفًا في جميع أنحاء البلاد. و تدعم منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) سبل العيش الزراعية والأمن الغذائي، لا سيما في المناطق الريفية، وذلك من خلال توزيع المدخلات، والخدمات البيطرية، وبرامج المساعدات النقدية. و تعمل اليونيسف على توفير خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، فضلاً عن التعليم وحماية الطفل، في كل من المناطق ضمن نفوذ الحكومة والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
و قد تسبب الصراع في أضرار و خسائر فادحة في البُنية التحتية المحدودة بالفعل في اليمن.  وتعرضت شبكة الكهرباء لأضرار بالغة، مع انقطاع التيار الكهربائي المتكرر الذي يؤثر على الشركات والأسر. كما عانت شبكة الطرق أيضًا من نقص الصيانة والأضرار الناجمة عن الغارات الجوية والقتال، مما أعاق حركة البضائع والأشخاص. ورغم أن قطاع الاتصالات يعتبر أكثر مرونة نسبيًا، فإنه يواجه تحديات من حيث التغطية والقدرة على تحمل التكاليف. و إعادة بناء هذه البنية التحتية وتطويرها يعد أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز القطاع الخاص وإرساء أسس التنمية المستدامة.  وسيتطلب هذا استثمارات كبيرة وتنسيقا ضخمًا بين الحكومة والجهات المانحة الدولية والقطاع الخاص نفسه. علاوة على ذلك، يمكن لبرامج التعليم والتدريب المستهدفة أن تساعد في سد فجوة المهارات وتزويد القوى العاملة بالمعرفة اللازمة للمساهمة في جهود التعافي الاقتصادي.
و يرى النُقاد أن الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية المؤقتة وحدها يهدد بالفشل بسبب سيطرة النخبة المحلية، مما يستلزم حلولًا مستدامة من خلال شراكاتٍ طويلة الأمد مع القطاع الخاص. ومع ذلك، فإن هذه الفرصة في حد ذاتها تتوقف على الإبحار عبر المخاطر، وديناميكيات السلطة، والحوافز المنحرفة التي تعيق التقدم والإصلاحات تاريخياً. و في اليمن، تنطوي ديناميكيات القوة على العلاقات المعقدة بين الحكومة وزعماء القبائل المؤثرين ونخب الاقتصادية القوية.  على سبيل المثال، كانت عائلة الأحمر، وهي سلالة قبلية وتجارية بارزة، تتمتع بنفوذٍ كبير على المشهد السياسي والاقتصادي في اليمن، وغالبًا ما استغلت موقعها لتأمين صفقات مواتية والحفاظ على سيطرتها على الصناعات الرئيسية. و هذا التركيز للسلطة بين أفرادها قد أدى عدد قليل من عائلات النخبة إلى حوافز غير متوازنة بين الطبقة الحاكمة والسكان على نطاق أوسع، حيث تعطي هذه النخب الأولوية لمصالحها الخاصة على النمو الاقتصادي الشامل والتنمية.  علاوة على ذلك، أدى الصراع المستمر إلى تفاقم اختلال توازن القوى، حيث تتنافس فصائل مختلفة للسيطرة على الموارد والأراضي، مما يزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى تعزيز بيئة اقتصادية أكثر إنصافًا واستدامة.
وقامت النخب السياسية والتجارية القوية في اليمن تاريخيًا بعرض سلوكيات ريعية تعمل على تحويل الموارد لخدمة مصالح ضيقة. وهناك عدد قليل من العائلات ذات النفوذ والتحالفات القبلية المتحالفة مع النظام، والتي استولت على الأصول بعد توحيد البلاد في عام. وشملت الأصول الأراضي القيّمة والعقارات والمؤسسات المملوكة للدولة التي تمت خصخصتها وتوزيعها على النخبة الحاكمة. و كانت عائلة الأحمر، المتحالفة مع الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، تمتلك حصصًا كبيرة في جميع أنحاء البلاد، منها الاتصالات، والخدمات المصرفية، والنفط، والغاز، مما مكّنها من التأثير السياسي. و استفادت شخصيات بارزة أخرى، مثل (شاهر عبد الحق)، من علاقاته الوثيقة مع النظام، حيث حصل على عقودٍ مربحة واحتكارات في مختلف الصناعات. و قد امتلك شاهر عبد الحق حصصًا في قطاعي البنوك والعقارات.
وسمح تركيز القوة الاقتصادية لهذه الفصائل النخبوية بتشكيل قرارات السياسة والحفاظ على هيمنتها. وكثيراً ما تؤدي الحوافز المنحرفة لمثل هذه الشبكات النخبوية إلى عرقلة الإصلاحات.
كما تؤثر التحالفات القبلية المحلية والنخب الاقتصادية وسماسرة السلطة بشكلٍ كبير على السياسات الاقتصادية وتعطلها لخدمة مصالحهم الخاصة في العديد من الدول المتأثرة بالصراعات. و غالبًا ما تفشل الإصلاحات دون مراعاة حوافز أصحاب المصلحة المحليين. وعلى وجه التحديد، يؤثر اعتداء النخبة واستبعادها على الفئات المهمشة وسط الأزمات.
 علاوة على ذلك، حققت مبادرات الاعتراف السابقة جاذبية محدودة بسبب مقاومة النخبة المتغيرة، وفجوات التحالف، ونقاط الضعف المؤسسية.
 وبعد مؤتمر الحوار الوطني في اليمن عام 2013 والانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثيين عام 2014، لم يتغير شيء في المشهد اليمني من حيث تحول القطاع الخاص إلى شريك وطني، بل استمر في كونه شريكاً للقوى السياسية المتحاربة في اليمن.  وأدى الصراع إلى انقسام القطاع الخاص، حيث اضطرت الشركات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى التنقل عبر شبكة معقدة من اللوائح والضرائب التي تفرضها الجماعة المتمردة، في حين واجهت تلك الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة تحديات تتعلق بالفساد وعدم الاستقرار والفوضى و محدودية الوصول إلى الموارد. و زاد هذا الانقسام من تعقيد الجهود الرامية إلى تعزيز بيئة اقتصادية أكثر شمولاً واستدامة، حيث أعطت الشركات على جانبي النزاع الأولوية لبقائها ومصالحها على الاهتمامات الوطنية الأوسع.
 بالإضافة إلى ذلك، أدت الحرب في اليمن إلى ظهور قطاعاتٍ خاصة جديدة يسيطر عليها قادة الحرب. على سبيل المثال، أدى تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن إلى ظهور اقتصاد حرب مزدهر، حيث استفادت الشركات المرتبطة بالتحالف من العقود المربحة في قطاعات الأمن والخدمات اللوجستية وإعادة الإعمار. و في تعز، المدينة التي في قلب الصراع، قامت كتيبة أبو العباس، بقيادة (عادل عبده فارع) (المعروف أيضًا باسم أبو العباس)، باحتكار سوق الوقود في المدينة، مستخدمة سيطرتها على أجهزة الأمن المحلية لاستخراج النفط والتلاعب بالأسعار. وبالمثل، في عدن، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو مجموعة انفصالية تدعمها الإمارات العربية المتحدة، على الأصول الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك الميناء والمطار، مما مكنه من توليد الإيرادات وتعزيز مكانتها. و على نطاق أوسع، تستفيد النخب السياسية والتجارية من موارد الشركات لخدمة المصالح الضيقة. و في حال لم تتم معالجتها، فقد تؤدي ديناميكيات مماثلة إلى إعاقة التقدم مرة أخرى.
ومع ذلك، توجد فرص ناشئة للمؤسسات لقيادة المبادرات المستهدفة التي تعالج احتياجات المجتمع الملحة إذا أمكن تخصيص المساحة الأولية. و كما يشير ماكسويني، "تمتلك الشركات الخاصة قدرات لوجستية فطرية يمكن أن تكون رائدة في توفير السلع المؤقتة حتى في ظل ارتفاع حالة الشكوك الكبيرة".

• إمكانات بناء السلام للأعمال التجارية في اليمن:
 تسخير البناء للقوة والموارد وقدرات التوزيع لدى الشركات المحلية في اليمن يمكن أن يكمل الحلول السياسية من خلال تمكين المجتمعات اقتصاديًا بطريقة مستدامة.
و أحد العوامل الأكثر أهمية في تسخير إمكانات القطاع الخاص لبناء السلام هو الاعتراف بأن الشركات لديها مصالح ربحية في مؤسسات مستقرة وعاملة. و تحتاج الشركات إلى أطر اقتصادية وقانونية وتنظيمية يمكن التنبؤ بها وموثوقة للعمل بفعالية. وفي البيئات المتأثرة بالصراع مثل اليمن، حيث المؤسسات ضعيفة أو غير فعّالة، يكون لدى القطاع الخاص حافز قوي لدعم الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار والحكم الرشيد.  ومن خلال مواءمة المصالح التجارية مع أولويات بناء السلام، يستطيع صُناع السياسات والجهات الفاعلة في مجال التنمية الاستفادة من هذا المحرك القوي للتغيير.
و تحفيز مساهمات القطاع الخاص في إصلاحات الحوكمة وعمليات السلام يعتبر استراتيجية رئيسية للاستفادة من هذا التوافق. و يمكن أن تشمل هذه العملية تقديم دعم مستهدف، مثل الإعفاءات الضريبية والتمويل المفضل وعقود الشراء، للشركات التي تشارك بنشاط في أنشطة بناء السلام. و تشجيع هذه المكافآت لا يشجع الشركات على المشاركة في الجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار وحسب، ولكنه أيضًا يساعد في خلق بيئة أكثر ملائمة لنمو الأعمال والاستثمار. و مع تزايد الشركات التي تدرك فوائد دعم مبادرات بناء السلام، من الممكن أن يصبحن مؤيدات ذو أهمية كبيرة للتغيير، وذلك باستخدام تأثيرها ومواردها للدفع نحو الإصلاحات وتعزيز التقدم نحو سلام دائم.
أولًا، تقوم الشركات بإنشاء وظائف إنتاجية وسبل عيش. و تعتمد توليد الوظائف المستدامة على المدخلات والتدريب والوصول إلى التمويل، ولكنها تقلل أيضًا من اليأس والاستياء. ثانيًا، يمكن للشركات توفير السلع والخدمات الأساسية من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية وريادة نماذج التوزيع. و يُحسن التعاون مع المؤسسات الاجتماعية أيضًا من قدرة التوزيع. 
ثالثًا، قد تعيد الشركات توجيه الموارد نحو تلبية الاحتياجات الاجتماعية العاجلة من خلال المسؤولية الاجتماعية للشركات. حتى المبادرات الصغيرة تظهر توافقًا مع المجتمعات على عكس الجهات المتصارعة.
 بالإضافة إلى ذلك، التعامل البناء مع جمعيات الأعمال يوجه الشكاوى الاقتصادية بعيدًا عن العنف. تنشر هذه الجماعات أيضًا المعايير التعاونية.
و استغلال هذه الفرص الواعدة للشركات اليمنية الكبيرة والصغيرة لتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الأساسية والتوظيف بما يتماشى مع بناء السلام يتطلب تعديلات في السياسات من قبل أصحاب المصلحة المحليين والدوليين.  وتعتمد الاستفادة من المشاركة التجارية في الدول الهشة على الإصلاحات التي تحفز الترسيخ المجتمعي على النهب من خلال عقود الشراء الإقليمية، وتوسيع نطاق الوصول إلى تمويل التجارة، وتخفيف تكاليف البنية التحتية، وإعادة تركيز حاضنات الشركات الناشئة على العوائد الاجتماعية. وبالتالي فإن إشراك الأعمال التجارية بشكلٍ استراتيجي يُعد مكملاً لمشاركة الجهات الفاعلة في الاقتصاد السياسي. و يجب أن تركز الحلول المستدامة على تحفيز المشاريع المحلية بدلاً من الاعتماد على المساعدات.

• سياسات لجذب الأعمال في بناء السلام:
على الرغم من وجود فرص للقطاع الخاص لدعم الاستقرار، إلا أن صانعي السياسات يواجهون صعوبة في استخراج الإصلاحات في ظل القدرة المستنزفة والصراعات النشطة. ومع ذلك، تستمر البرامج المستهدفة التي تعزز مساهمة الأعمال التدريجية في الحفاظ على قيمة متماشية مع الشكوك في نتائج المبادرات الدبلوماسية. و لجذب القطاع الخاص في اليمن بفعالية لبناء السلام، يجب أن تكمل السياسات التفاعل الأعمق مع أصحاب المصلحة المؤثرين في الاقتصاد السياسي.
• تحفيز المساهمات من خلال الإعفاءات الضريبية والتمويل وعقود الشراء لأنشطة بناء السلام التي يمكن التحقق منها.
• تسلسل السياسات تدريجيًا بناءً على القدرات الاستيعابية، بدءًا بالمبادرات الجزئية على المستوى الجزئي.
• ربط المساعدات بمتطلبات الشفافية وآليات الرقابة المجتمعية.
بالإضافة إلى ذلك، يساعد توفير الدعم الفني وإمكانية الوصول إلى الائتمان للمؤسسات الصغيرة في التعافي وتوليد فرص العمل. لكن التنمية غير السياسية لا ينبغي أن تعفي الدولة من واجباتها الأساسية. و من خلال العملية الواقعية، يمكن للقطاع الخاص بناء بدائل وسط الصراع المعقد في اليمن.
ويمكن أن يشمل تمكين المشاركة الأساسية إنشاء منتديات صناعية محلية للحوار حول القيود، ونشر المساعدة الفنية في جيوب الشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر أمانًا، والحد الأدنى من تمويل الشركات الناشئة المرنة، في حال اقترن ذلك بالرقابة. و يتيح إضفاء الطابع الرسمي المتزايد تبادل المعلومات وتجميعها، ودعم المبادرات التجارية المستقلة التي تلبي الاحتياجات العاجلة.
إضافةً إلى ذلك، يمكن للرسائل الدبلوماسية أن تردع ممارسات الشركات الكبيرة مثل تهريب الوقود من خلال الوعي بمخاطر السمعة فيما يتعلق بتصورات المستثمرين بعد أي تسوية. و أصحاب المصلحة في القطاع الخاص، وخاصة العاملين في صناعات مثل النفط والغاز والتصنيع، لديهم مصلحة راسخة في الحفاظ على الوصول إلى الأسواق الدولية وجذب الاستثمار الأجنبي. 
ومن خلال الانخراط في ممارسات مثل تهريب الوقود، تخاطر هذه الشركات بالإضرار بسمعتها وفقدان إمكانية الوصول إلى الموارد والشراكات الحيوية.  ومن ناحية أخرى، يمكن لأصحاب المصلحة في القطاع الخاص، من خلال التعاون مع الحكومة ومواءمة ممارساتهم مع المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، أن يضعوا أنفسهم كشركاء جذابين للمستثمرين الأجانب الذين يسعون إلى دخول السوق اليمنية بعد انتهاء الصراع.
علاوة على ذلك، يمكن لأصحاب مصلحة القطاع الخاص أن يحققوا الكثير من الفوائد من التعاون مع الحكومة لإنشاء بيئة عمل أكثر استقرارًا وتنبؤًا. يمكن للتعاون مع الحكومة مساعدة الشركات على:
• تقليل المخاطر التشغيلية: من خلال العمل مع الحكومة لمعالجة مخاوف الأمن، وتحسين البنية التحتية، وتبسيط التنظيمات، حيث يمكن للشركات تقليل المخاطر المرتبطة بالعمل في بيئة تتأثر بالصراع.
• تحسين الوصول إلى التمويل: يمكن بالتعاون مع الحكومة مساعدة الشركات على الوصول إلى مصادر تمويل جديدة، مثل القروض المدعومة من الحكومة، والمنح، أو الضمانات، والتي يمكن أن تكون حاسمة للنمو والتوسع.
• توسيع فرص السوق: من خلال توجيه ممارساتهم وفقًا لأولويات الحكومة والمساهمة في جهود استعادة الاقتصاد، يمكن للشركات أن تتمكن من الاستفادة من فرص السوق الجديدة، مثل عقود الحكومة أو الشراكات مع شركات دولية.
• تعزيز السمعة والشرعية: يمكن بالتعاون مع الحكومة وإظهار الالتزام بالشفافية، والمساءلة، والمسؤولية الاجتماعية، مساعدة الشركات على بناء الثقة مع المجتمعات المحلية وتعزيز سمعتها على الصعيدين المحلي والدولي.
إشارات توجيه حوافز النخب الاقتصادية للأعمال مع شفافية الحوكمة يمكن أن تعزز التحولات الواسعة في المواقف، حيث يدرك قادة القطاع الخاص الفوائد طويلة الأمد لدعم إطار اقتصادي أكثر استقرارًا وشمولًا واستدامة. و يعتمد التقدم على تثليث الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة الدوليين لإنشاء نظام متبادل تعزيزي من الحوافز والمساءلة.
كما يمكن أن يركز التنفيذ على المناطق الجنوبية المستقرة نسبياً حيث تقل التهديدات وتبقى البنية التحتية فعالة. و تتفاوت القدرة الاستيعابية بشكل غير نسبي؛ حيث يمكن للسياسات المتدرجة أن تأخذ هذا بعين الاعتبار. و تفوق مخاطر المساهمة من قبل الشركات الكبيرة على الإمكانات حتى تُعد آليات المراقبة. لكن المحادثات حول القيم الاجتماعية تبدأ.

• دور المجتمع الدولي:
ينبغي للجهات المانحة الدولية ووكالات المعونة تخصيص التمويل للبرامج التي تعزز تنمية القطاع الخاص بما يتماشى مع أولويات السلام. ويشمل ذلك تقديم المساعدة للشركات وخلق بيئة صديقة للأعمال. ويمكن للمانحين أيضًا تسهيل الاتصالات بين الشركات والشركاء الدوليين المحتملين.
 علاوة على ذلك، يحتاج الدبلوماسيون إلى التفكير في دمج أصوات ووجهات نظر الشركات في مبادرات حل النزاعات وعملية السلام.  وكثيراً ما يتم التغاضي عن مصالح القطاع الخاص خلال هذه المفاوضات.
أخيرًا، يجب على برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ووصندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، بالإضافة إلى منظمات متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF)، تعزيز خبرتها وقدرتها الاستشارية عند التعامل مع القطاع الخاص في الدول الهشة مثل اليمن. و قد شاركت هذه المنظمات بنشاط في تقديم المساعدة الإنسانية ودعم استعادة الاقتصاد وتعزيز جهود بناء السلام في اليمن. على سبيل المثال، عملت الUNDP على استعادة سبل المعيشة وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية، بينما قدم البنك الدولي دعمًا ماليًا لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية. ومع ذلك، لاستغلال الإمكانات بفعالية للقطاع الخاص للمساهمة في هذه الجهود، يجب على هذه المنظمات تطوير فهم أكثر دقة للسياق والتحديات الخاصة التي تواجه الشركات التي تعمل في المناطق المتضررة من النزاع. و يتطلب ذلك الاستثمار في الخبرة المتخصصة وتعزيز قدرتها على تقديم نصائح مستهدفة ودعم للجهات الخاصة التي تتنقل في المناظر السياسية والاقتصادية المعقدة. و تعزيز هذه القدرة سيكون له تأثيرات ليس فقط على اليمن ولكن أيضًا على الصراعات الأخرى في جميع أنحاء العالم، حيث يمكن تطبيق الدروس المستفادة وأفضل الممارسات التي تم تطويرها على سياقات مماثلة.
و لا يمكن التقليل من دور المجتمع لأنه يوفر التمويل والتيسير ونقل المعرفة. ومن خلال هذه الجهود، يمكن لواضعي السياسات المحليين إشراك القطاع اليمني بشكلٍ فعال في بناء سلام دائم وتعزيز التعافي.

• تحديات ومخاطر إشراك الأعمال:
 تشمل العوامل التي قد تعيق إصلاحات سياسات القطاع الخاص وتعرقل المشاركة البناءة حول بناء السلام وسط الصراع المستمر الديناميكيات المؤسسية التي تستبعد المجموعات الجديدة، ومخاطر آثار ردود الفعل العكسية غير المقصودة، والحوافز المقدمة للجهات الفاعلة المؤثرة للاستحواذ بدلاً من التعاون، وتسلسل الإصلاحات قبل إنشاء المؤسسات.
 في حين أن إشراك القطاع الخاص في اليمن ينطوي على إمكانات بناء السلام، إلا أن المخاطر لا تزال قائمة فيما يتعلق بالتنفيذ في سياقٍ غير مستقر.  أولاً، تزيد تدفقات المساعدات من مخاطر الاستيلاء من قبل النخب، كما لوحظ في الحالات من أفغانستان إلى العراق. و يجب أن تتصدى الرقابة الصارمة لفرص الفساد الناجمة عن تدفقات التمويل الجديدة. 
ثانياً، يؤدي الاعتماد على الشركات في توفير الخدمات الأساسية بدلاً من الدولة غير الفعالة إلى تآكل الثقة المدنية والعقود الاجتماعية. وينبغي أن تركز الشراكات على بناء القدرات بدلاً من الإحلال.
ثالثًا، يمكن أن يتجاهل الدعم المركز على الشركات الكبيرة و الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم غير المسيسة والعمال الذين يحتاجون إلى مساعدة عاجلة. و التفاعل مع الشركات الصغيرة، خاصة تلك التي تعمل في قطاعات مثل الزراعة والتجزئة والخدمات، يمكن أن يوفر عدة فوائد في سياق جهود بناء السلام. 
أولاً، تكون الشركات الصغيرة والمتوسطة غالبًا متشابكة بشكل أعمق في المجتمعات المحلية ولديها فهم أفضل للاحتياجات والتحديات الخاصة التي تواجه تلك المجتمعات. و من خلال العمل مع هذه الشركات، يمكن لمبادرات بناء السلام ضمان أن تكون تدخلاتها أكثر استهدافًا واستجابة للواقع المحلي.
 ثانيًا، تكون الشركات الصغيرة والمتوسطة عادة أقل ارتباطًا سياسيًا من الشركات الكبيرة وقد تكون أكثر استعدادًا للمشاركة في جهود بناء السلام دون عبء المصالح المتعارضة أو الفساد. و يمكن أن يساعد ذلك في تعزيز بيئة عمل أكثر شمولًا وشفافية، وهو أمر أساسي لبناء الثقة وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة. و يمكن أيضًا أن يساعد دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في خلق فرص عمل وتحفيز النشاط الاقتصادي وهو أمر حيوي لمعالجة العوامل الدافعة الكامنة للصراع وتعزيز الاستقرار على المدى الطويل. و يتطلب التفاعل المتوازن عبر الفئات العديدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يقلل تسلسل الأولويات استنادًا إلى مستويات المخاطر، والتركيز على المساعدة في برامج شفافة مع قبول المجتمع، وربط المساعدة بشروط معينة تتجنب المخاطر الناتجة عن جهود بناء السلام في القطاع الخاص.


التعليقات