تحليل: نقطة ضُعف الحوثيين
تحليل: نقطة ضُعف الحوثيين

في الأشهر الأخيرة، بينما كانت الولايات المتحدة تكافح من أجل ردع الحوثيين وإضعافهم، عملت الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة على زيادة الضغط الاقتصادي على الجماعة بشكلٍ كبير.
يُعد الاقتصاد، ولا سيما الإيرادات والسيولة، نقطة ضعفٍ بالنسبة للحوثيين، إذ يُعتبر الأكثر عرضة للخطر بالنسبة لهم، وهو بالضبط ما تضغط عليه الحكومة في عدن. 
ومع ذلك، فإن هذا النهج ينطوي على مخاطر كبيرة. على المدى القصير، من المرجح أن يدفع الضغط الاقتصادي المتزايد الحوثيين إلى إعادة إشعال الهجمات على المملكة العربية السعودية، بينما على المدى الطويل قد يجعل إعادة توحيد اليمن في دولة واحدة أمرًا مستحيلًا.
لهذا السبب، ردت كل من المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة على الهجوم الاقتصادي الذي شنته الحكومة، وهذا هو المأزق في الصراع اليمني. وكما هو الحال مع الحملة العسكرية التي تقوم الولايات المتحدة بشنِّها ضد الحوثيين، فإن المجتمع الدولي عالق بين خيارين. فمن ناحية، تفتقر الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والأمم المتحدة إلى الإرادة السياسية أو القدرة العسكرية لإشراك الحوثيين بشكلٍ كامل في صراعٍ مفتوح لهزيمة الجماعة وتدميرها بشكلٍ حاسم، وحتى لو امتلكت الولايات المتحدة الإرادة السياسية، فإن هزيمة الحوثيين بشكلٍ حاسم لن تكون سهلة أو سريعة أو حتى مضمونة. ومن المرجح أن تؤول إلى حربٍ طويلة ودموية، وربما غير حاسمة.
ومن ناحية أخرى، لم تنجح نصف الإجراءات ضد الحوثيين. وينطبق هذا على الجانب العسكري، حيث فشلت الجهود الأمريكية لشنِّ حملة قصف محسوبة، كما ينطبق على الجانب السياسي، حيث حاول مبعوثو الأمم المتحدة الخاصون المتعاقبون جميعهم وفشلوا في استيعاب الحوثيين وإقناعهم بأن يكونوا جزءًا من التحالف والحكومة الوطنية.

ومن خلال الأخذ في الاعتبار الوضع الإنساني المتردي بالإضافة إلى التداعيات طويلة المدى على وحدة الدولة اليمنية، قامت الأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية بتمكين الحوثيين بشكلٍ أساسي وإضعاف حلفائهم الظاهريين في الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر أكثر وضوحًا مما هو عليه الحال في المملكة العربية السعودية وجهود الأمم المتحدة لتحييد الهجوم الاقتصادي الفعّال الذي تشنّه الحكومة ضد الحوثيين.

في 7 يوليو/تموز، ألغى البنك المركزي اليمني في عدن تراخيص ستة بنوك لفشلها في نقل مقرها الرئيسي من صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية. وكانت هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لعزل الحوثيين اقتصاديًا من خلال إجبار الشركات والكيانات التي تدفع الضرائب على الخروج من صنعاء، حيث يستولي الحوثيون على الإيرادات والضرائب، وإعادتها تحت مظلة الحكومة. في هذه الحالة، كان من الممكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى عزل البنوك عن نظام الرسائل المصرفية الدولي "سويفت"، وكان من الممكن أن يؤدي إدراج الحوثيين على قائمة "الإرهابيين العالميين المصنفين خصيصًا" إلى زيادة الضغط الاقتصادي عليهم بشكلٍ كبير. في أعقاب أمر البنك المركزي مباشرة، تم إيقاف جميع التحويلات المالية بين الأراضي التي تُسيطر عليها الحكومة والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

أما بالنسبة للحوثيين، الذين قاموا بتضخيم قيمة الريال اليمني بشكلٍ مصطنع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، يُعتبر هذا تصعيدًا كبيرًا، حيث رأت الجماعة بدقة أنه محاولة لزرع الفتنة وإثارة الاضطرابات بين السكان في المناطق التي يسيطرون عليها.

في الواقع، كانت هذه محاولة لتقويض وإضعاف سيطرة الحوثيين. يتم تداول الريال اليمني بما يتراوح بين 525 إلى 650 مقابل الدولار الأمريكي في مناطق الحوثيين، بينما انخفض الريال في المناطق الحكومية إلى 1895 مقابل الدولار الواحد. قبل الحرب، عام 2014، كان سعر الريال اليمني 250 مقابل الدولار. وكل هذا يعني أنه على الرغم من أن الرواتب ظلت على حالها -في المناطق التي تُدفع فيها- فإن ما يمكن شراؤه بتلك الرواتب قد انخفض بشكل كبير.

في 11 يوليو/تموز، أصدر عبد الملك الحوثي، زعيم حركة الحوثيين، خطابًا عامًا هدد فيه بالانتقام وتجديد الهجمات ضد المملكة العربية السعودية إذا لم يتم التراجع عن قرار البنك المركزي. وفقًا لمركز صنعاء، استجابت المملكة العربية السعودية بسرعة، وهددت بقطع المساعدة المالية للحكومة المعترف بها من قِبل الأمم المتحدة، والتي تعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات السعودية، واقترحت أنه إذا قام الحوثيون بمهاجمة الحكومة في عدن، فإن المملكة العربية السعودية لن تتدخل لمساعدة الحكومة اليمنية. 

في الوقت نفسه، الأمم المتحدة، التي تشعر بالقلق إزاء التأثير الإنساني لعزل مناطق الحوثيين عن النظام المصرفي الدولي وكذلك محاولة الحفاظ على وهم اتفاق السلام الذي سيعيد توحيد اليمن، ضغطت على الحكومة لإلغاء القرار. وليس أمرًا مُثيرًا للتعجب، نظرًا لشدة التهديدات، أن تتراجع الحكومة، ويتراجع البنك المركزي اليمني عن قراره، وتتم استعادة التراخيص.

من نواحٍ عديدة، توضح المواجهة الاقتصادية المشكلة الرئيسية التي تواجهها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في محاولة هزيمة الحوثيين. فالحوثيون موحدون ويعملون لتحقيق هدف مشترك، أما أعداؤهم ليسوا كذلك. عندما بدأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قصف اليمن عام 2015، كانت الولايات المتحدة، في أحسن الأحوال، شريكًا مترددًا. الآن، تقصف الولايات المتحدة الحوثيين في حملة لا تريد السعودية أن تشارك فيها. والتحالف المحلي المناهض للحوثيين، والمعروف باسم مجلس القيادة الرئاسي، يعاني من القتال ويضعفه ضغوط المجتمع الدولي للتراجع. من ناحية أخرى، فإن الحوثيين متحدون بطريقة تسمح لهم بإثارة أعدائهم ضد بعضهم البعض، واستخدام المدنيين الخاضعين لسيطرتهم كوسيلة ضغط سياسية، والاستمرار، ببطء شديد، في تحقيق هدفهم المتمثل في السيطرة الكاملة على اليمن.

الحوثيون يعانون من نقطة ضعفٍ حقيقية - ضعفهم الاقتصادي - لكن المخاطر والعيوب المحتملة لقطع العلاقات معهم بشكل كامل إلى جانب تهديدات الحوثيين بتجديد الهجمات المستهدفة للسعودية كبيرة جدًا، حتى إن الرياض والأمم المتحدة أجبرتا الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة على التراجع. وهذا هو تحدي الحوثي بشكل موجز، فالمجتمع الدولي غير مستعد لحرب شاملة مع الجماعة، ولكن أي شيء أقل من ذلك من غير المرجح أن ينجح. لذا، يحاول المجتمع الدولي اتخاذ إجراءاتٍ نصفية على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي باعتقاده أنه من الممكن أن تُلحِق القليل من الضرر بالجماعة، بينما يزداد الحوثيون قوةً بعد قوة.
الدور الذي يمكن أن تلعبه القوات اليمنية غير المتحالفة مع الحوثيين في تشكيل مستقبل اليمن أصبح أكثر صعوبة.


التعليقات