في يوم ما، وفي زمن بعيد، كان لمملكة سبأ (اليمن اليوم) ملكة بارزة. كانت المرأة، بحضور الرجال، تشغل مناصب أعلى بشكل حرفي، قبل أن تتغير المعادلة التي كانت لصالح النساء اليمنيات، اللواتي أصبحن يعشن تحت نظام قبلي قوي.
وسط حرب دامت ثماني سنوات بين الحكومة والحوثيين التي أحضرت أزمة إنسانية تُعتبر واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، هناك قصة جيدة صغيرة. فبينما كان الصراع المسلح يُبقي الرجال اليمنيين مشغولين في الجبهات، اكتشفت بعض النساء اليمنيات فرصة اجتماعية واقتصادية، نابعة من الحاجة الوطنية لتوليد دخل لأنفسهن وعوائلهن للبقاء على قيد الحياة.
(ذكرى أحمد الجبري)، المديرة التنفيذية في مؤسسة الأمل، تشيد بارتفاع نساء في العديد من المهن والقطاعات التجارية، على الرغم من أنها "مرتبطة بأنماط محافظة أنشأها المجتمع، مثل الخياطة وتصفيف الشعر، والطهي، وصنع الحرف اليدوية، وإنتاج البخور والعطور وملابس النساء."
• غياب النظام المتكامل والتمكيني:
تعتقد (نجاة جمعان)، عميدة كلية التجارة والاقتصاد، وعميدة كلية الإدارة والتمويل في جامعة الرشيد الذكية، وعضوة في مجلس إدارة شركة جمعان للتجارة والاستثمار، أن النساء اليمنيات يقمن بتنفيذ مشاريع هنا وهناك، "لكنهن لسن مُعرضات لنظام متكامل يمكنهن ويشجعهن منذ سن مبكرة على أن يكُنَّ عنصرًا فعّالًا في العملية الاقتصادية والإنتاجية."
ومع ذلك، تحررت بعض النساء اليمنيات من القيود الثقافية ودخلن إلى مجالات تقليديًا يهيمن عليها الرجال، مثل البرمجة والهندسة.
توضح الجبري أنه "خلال الصراع الدائر، تحولت النساء إلى التجارة الإلكترونية، والتسويق الإلكتروني، والخدمات المهنية للاستشارة والتدريب."
والجانب المشرق الذي رأته نساء الأعمال في الوضع المظلم في اليمن هو وجودهن في سوق مغلق يعرفنه جيدًا.
تقول (إيمان المقطري)، المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لسوق مواهب مسند: "أستطيع التنقل فيه وإيجاد حلول لعدة من مشاكله، وعندما تحقق الأشياء بطريقة أكثر طبيعية وعضوية، فإنك بذلك تجذب الاعتراف العام وتحقق تعرضًا إضافيًا."
وتؤكد أهداف التنمية المستدامة (SDGs) لتحقيق المساواة بين الجنسين في اليمن، على ضرورة "مشاركة النساء بشكلٍ كامل وفعّال وتوفير فرص متساوية للقيادة على جميع مستويات اتخاذ القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة."
ومع ذلك، هناك نقص في الأرقام الرسمية والموثوقة حول مدى مساهمة النساء الفعلية في الاقتصاد. ووفقًا لجمعان، "مشاركة النساء محدودة جدًا وهن أفقر بالمقارنة مع الرجال في اليمن."
وتؤكد تصريحاتها إحصاءات البنك الدولي التي تضع مشاركة النساء في سوق العمل عند 5.1% مقارنة بـ60.4% للرجال عام 2023. ولاحظت الدراسة نفسها عدم وجود إحصاءاتٍ رسمية لحصص النساء في الشركات. فقط 5.4% من النساء لديهن حسابات بنكية مقارنة بنسبة 18.4% من الرجال.
• العقبات ونعمة وسائل التواصل الاجتماعي:
العقبات الطويلة الأمد متأصلة في ثقافة المجتمع وتستمر عبر الأجيال، مثل فصل الرجال عن النساء وتقييد حركة النساء إلا بوجود (الـ"محرم" المفروض). وقد تتغلب بعض الاستثناءات الفردية على بعض الحواجز كما في حالة المقطري، التي تنتمي لعائلة أكثر انفتاحًا، لكن تواجه الغالبية "سقفًا زجاجيًا يمنعهن من التقدم والنمو والاستمرار وتحقيق الأرباح"، كما تقول جمعان.
ولتفاقم الأمور، ظهرت عقبات تتعلق بالحرب، إذ تم إغلاق مطار صنعاء لفترة طويلة وعرقل مشاركة النساء في الاجتماعات والمؤتمرات. بالإضافة إلى ذلك، تجد المقطري أن جنسيتها اليمنية عطلتها عن "دخول بلدان أخرى للمشاركة في الفرص المتاحة للنساء الأخريات حول العالم، مما ينتج عنه إقرارًا غير عادل."
وقالت: "لو كنت في بلد آخر، لكانت الجهود التي بذلتها قد حققت عائدًا أكبر بمرتين إلى ثلاث مرات."
وجاءت النجدة البديلة من وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت آفاقًا لرائدات الأعمال اليمنيات للترويج لأعمالهن وعرضها. ومع ذلك، لم تحل مشكلة عدم الوصول الإقليمي وتردد المستثمرين الأجانب في الانضمام إلى السوق اليمنية الهشة والمتقلبة والتوسع فيها.
• الحوافز ولكن المستقبل غير واضح:
يستثمر المجتمع المدني والمنظمات المانحة، والقطاع المصرفي، والحكومة في "العديد من الحوافز والمبادرات وأشكال الدعم لرائدات الأعمال من خلال برامج تدريبية، وورش عمل، وتمويل، وقروض، وشبكات مهنية، واستشارات"، كما وضحت الجبري.
ويلعب الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة في اليمن دورًا هامًا -على الرغم من عدم بروزه بشكل كبير في ظل الأزمة- لدعم القطاع الاقتصادي والتجاري في البلاد.
واستفادت المقطري من برامج الإرشاد والتدريب لفهم الأعمال وبدء أعمالها الخاصة.
قالت: "تلقيت دعمًا من مرشد هندي في مجال تكنولوجيا المعلومات، ساعدني كثيرًا عندما كنت أظهر كخبير رقمي، ووجدت منصة لبناء مشاريع وصنعت لي اسمًا."
ومع ذلك، تصف الوضع الحالي في اليمن بأنه "غامض"، مع مستقبل غير واضح لرائدات الأعمال في بلدٍ معقد بعقبات متعددة تقف في طريق النساء.
أضافت جمعان، "حتى الاقتصاديين غير قادرين على الإجابة على السؤال حول مستقبلنا. ولا يمكننا التخطيط سنويًا أو حتى ربع سنويًا، كل ما نملكه خطط عمل قصيرة المدى جدًا. وعلى الرغم من جميع التحديات، تنمو الآمال للنساء اليمنيات. ففي حال تم توفير شروط وأُسس النجاح، والعديد منها مرتبط بالنساء واعتقادهن وتطوير قدراتهن، يمكنهن بلوغ قوتهن الاقتصادية عندما تُتاح لهن الفرصة للتعليم، والتعلم، والتأهيل، واكتساب الخبرات والمواهب".