تحليل: الصفقة الاقتصادية الأممية خففت الضغط على الحوثيين
يمن فيوتشر - معهد الخليج العربي واشنطن- فاطمة ابو الاسرار ترجمة ناهد عبدالعليم: الثلاثاء, 06 أغسطس, 2024 - 10:39 مساءً
تحليل: الصفقة الاقتصادية الأممية خففت الضغط على الحوثيين

في 22 يوليو/ تموز الماضي، قامت الأمم المتحدة بتيسير اتفاقٍ بين الحكومة المعترف بها دوليًا في اليمن والحوثيين بشأن سلسلة من التدابير الاقتصادية يُشرف عليها البنك المركزي اليمني، ما أثار جدلًا كبيرًا في الداخل اليمني.
وفرض البنك المركزي اليمني في السابق قيودًا على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، الذين عارضون بشدة الإجراءات التي حظيت بتأييدٍ واسع من قِبل اليمنيين وقد رأوها ضرورية للحد من عدم الاستقرار الاقتصادي الذي تُثيره الجماعة الدينية. 
ومع ذلك، أثار الاتفاق الجديد من الأمم المتحدة، الذي يلغي هذه القيود، شعورًا بالخيانة بين هؤلاء الداعمين، الذين يرون الاتفاق تنازلًا لصالح الحوثيين. 
وفي صراعٍ عسكري طويل ودامٍ استخدم كل طرف الضغط الاقتصادي الذي يمكنه تجميعه لتعزيز الضغط العسكري على الطرف الآخر، ويبدو في هذه التطورات الأخيرة أن القوة العسكرية العامة والنفوذ الإقليمي للحوثيين مكنت الجماعة عمليًا من تقويض هذا التطبيق الاقتصادي من قبل منافسيها الذين يسيطرون على البنك المركزي اليمني.
وبعد يوم واحد فقط من إعلان الاتفاق التابع للأمم المتحدة، قدم (أحمد غالب المعبقي)، محافظ البنك المركزي اليمني، استقالته إلى مجلس القيادة الرئاسي؛ احتجاجًا. ومع ذلك، رفض مجلس القيادة الرئاسي بسرعة استقالته، ربما إشارة إلى أن اللوم لم يتوجه إلى البنك المركزي عن الحملة الفاشلة للضغط وأن القيادة الفعالة للبنك ستظل ضرورية.
ووفقًا للأمم المتحدة، يهدف الاتفاق إلى استقرار اقتصاد اليمن، وضمان دفع رواتب القطاع العام، وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، نظرًا للتهديد المستمر الذي يشكله الحوثيون، هناك مخاوف واسعة الانتشار بأنهم قاموا باستغلال هذه القضايا للهروب من الضغط الاقتصادي الذي كانوا تحته وقد يعرضون دفع الرواتب وتقديم المساعدات للخطر مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، يعمل الاتفاق على إضفاء شرعية غير مقصودة على الحوثيين، ويعرض سيطرتهم على الشمال ونفوذهم الإقليمي ضمنيًا، مما يكافئ فعليًا سيطرتهم على الأراضي الشمالية وربما يُعزز سلطتهم.

وسعى البنك المركزي في عدن لاستعادة السيطرة على النظام المالي في اليمن، عبر استغلال العقوبات الدولية والوصول إلى شبكة البنوك SWIFT للضغط على الحوثيين للتنازلات، لا سيما باستهداف استئناف صادرات النفط والغاز، التي كانت تعتبر يومًا مصدرًا حيويًا لاقتصاد اليمن. 
وتأتي هذه الصراعات من أجل السيطرة الاقتصادية التي اندلعت أوائل النزاع. ففي سبتمبر/ أيلول 2016، وسط تصاعد التوترات، قام الرئيس (عبد ربه منصور هادي) آنذاك بنقل بنك اليمن المركزي من صنعاء إلى عدن. وأحدث هذا الإجراء المثير للجدل إنشاء سلطتين منافستين للبنك المركزي -السلطة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في عدن وتلك التي يُسيطر عليها الحوثيون في صنعاء- مما أدى إلى اضطراب اقتصادي، حيث انتهج كل طرف سياسات مالية وعملة منفصلة. وفي تصاعد لهذه التوترات الطويلة الأمد، في 7 يوليو/تموز، ألغى بنك اليمن المركزي تراخيص ستة بنوك رئيسية مطالبًا بنقلها من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وتُعتبر محاولة البنك المركزي لفرض نقل البنوك الموجودة في صنعاء خطوة محسوبة لتقييد وصول الحوثيين إلى النظام المصرفي؛ ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لاستخدام هذا النشاط المصرفي في حملة الضغط الأوسع ضد الحوثيين فشلت في النهاية. 
وقبل الأمر الصادر من بنك اليمن المركزي في 7 يوليو/ تموز، كان الحوثيون يتفوقون بشكلٍ فعال على هذه الجهود المالية لممارسة الضغط؛ حيث كانت المجموعة تحتفظ بسيطرة كبيرة على العمليات المالية في مناطقها وقد قامت بإدخال عملتها الجديدة بقيمة 100 ريال يمني في أبريل/ نيسان، كما واصلوا اتخاذ خطواتٍ لمحاولة تقويض تأثير العقوبات وتهالك عملة اليمن.
ومن خلال ممارسة السيطرة على العملة وتفاقم أزمة الاقتصاد في البلاد، يهدف الحوثيون إلى إجبار الحكومة وحلفائها على التفاوض بشروط كانت سابقًا تعتبر غير معقولة. ويعتبر رفضهم لدفع رواتب الخدمة المدنية منذ عام 2014 عنصر رئيسي في هذه الاستراتيجية، وبدلًا من ذلك يضغطون على الحكومة والسعودية لتغطية هذه التكاليف، والتي ستشمل رواتب مقاتلي الحوثيين والمسؤولين.
والاتفاق الذي تسهله الأمم المتحدة، والذي شمل إلغاء العقوبات المالية من قبل بنك اليمن المركزي والتعهد بتجنب اتخاذ إجراءات مماثلة في المستقبل، قد قدم إغاثة اقتصادية للحوثيين. وهذا التخفيف من الضغط الاقتصادي يسمح لهم بإعادة توجيه الموارد التي كان من المفترض استخدامها للتعامل مع العزلة المالية نحو عملياتهم العسكرية والحفاظ على جيشهم الذي انتعش بالمجندين الجدد منذ بدء حرب غزة. وقد سمح لهم هذا باستخلاص مزيد الموارد من خلال الضرائب ورسوم التحويل لتغذية وتسليح قواتهم. وفي هذا السياق، عزز الاتفاق الذي تسهله الأمم المتحدة قدرتهم على توجيه القوة العسكرية، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي.

• استراتيجية الحوثيين الاقتصادية والضغوط الجيوسياسية:
ركّز الحوثيون استراتيجيًا على تعزيز سلطتهم الاقتصادية، من خلال فرض رسوم جمركية مزدوجة (رسوم جمركية بالإضافة إلى تلك التي تفرضها - وتتحكم فيها - الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة)، ورسوم جمارك متكررة تمكنهم من التحكم في عائداتها، بينما يوجهون الأموال والموارد نحو صناعتهم العسكرية، ما ترك المجتمع الذي يقع تحت سيطرتهم معتمدًا على الدعم الخارجي. 
وعدم قدرة الحوثيين على دفع رواتب الموظفين المدنيين، جنبًا إلى جنب مع الجهود المبذولة لتحميل هذا العبء المالي على حكومة اليمن المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والسعودية، أدى إلى تفاقم الاضطرابات الاقتصادية في البلاد. 
كما فرض حظر التصدير على النفط من قبل الحوثيين من خلال هجمات على الموانئ الجنوبية لوقف صادرات النفط، وزاد من ضغوط اقتصاد اليمن، مما أثر على المجتمعات في الشمال والجنوب. وبعد رفع القيود عن ميناء الحديدة، قام الحوثيون بأعمال حصار لتصدير الهيدروكربونات والاستيلاء على عائدات الجمارك، مما دفع حكومة اليمن إلى حافة الإفلاس. وبينما تعتمد الحكومة الآن بشكل كامل على المنح السعودية، فإنها تكافح لمواجهة هذه التكتيكات.

• الحسابات الاستراتيجية السعودية:
ومع شعورها بالتجاهل من جانب حليفتها السابقة الولايات المتحدة، ومواجهة رياح السياسة العالمية المتقلبة، وجدت المملكة العربية السعودية نفسها معزولة ومضطرة للعمل في مصلحتها الخاصة. ولمواجهة تهديد الحوثيين المتمثل في الإجراءات العسكرية ونقص الدعم الدولي القوي والفوري، قامت الرياض باتخاذ إجراءاتٍ حاسمة لتخفيف المخاطر وتعزيز الاستقرار. 
تُشير تسريبات من مصادر مجهولة إلى أن السعوديين مارسوا ضغطًا دبلوماسيًا وفرضوا رافعة اقتصادية على مجلس القيادة الرئاسي اليمني للامتثال لاتفاق الأمم المتحدة وعكس تدابير البنك المركزي.
وفي في هذا السياق، يمكن فهم قرار السعودية بممارسة هذا الضغط على أنه تحركٌ محسوب للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية مصالحها. وتؤكد هذه الخطوة التوازن المعقد للقوة والتأثير في المنطقة، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه السعودية في التنقل في منظومة جيوسياسية مضطربة دون حلفاء أو ضمانات للدعم الخارجي.

• الآثار على استقرار المنطقة:
بينما يوضح الضغط السعودي على حكومة اليمن المعترف بها من قبل الأمم المتحدة الحقائق وراء هذا الاتفاق الذي تم تسويته بوساطة الأمم المتحدة بشأن البنك المركزي، ثمة تأثيرات واسعة له. ومن خلال عدم تحمل الضغط الحالي أو فرض شروط جديدة كافية تتعامل مع الاعتداءات العسكرية للحوثيين ودورهم المخرب في المنطقة، يمكن أن يعرض الاتفاق الأممي السلام والأمان على المدى الطويل للخطر. 
وفي غضون ذلك، تتردد الشائعات باستمرار بأن المجتمع الدولي يسرع خطى اليمن نحو تسوية سياسية لإنهاء الصراع، وهو أمر يثير قلقًا بالغًا بالنظر إلى قدرة الحوثيين العسكرية ونفوذهم الإقليمي الذي قد يشوه مثل هذه المفاوضات لصالحهم.
لذا وبشكل مثالي، يجب أن تلزم أي مفاوضات الحوثيين بالحد من أنشطتهم العسكرية والتزامهم بإجراءات بناء السلام الحقيقية والقابلة للتحقق. وبدون مثل هذه البنود، قد يثبت أن أي اتفاق انتصارًا فارغًا، يقدم هدوءًا على المدى القصير مقيدًا بآفاق عدم الاستقرار على المدى الأطول.
وتحسب استجابة السعودية ببرودة، لكن المشكلة تسلط الضوء على صراعها لضمان الأمن الوطني في بيئة إقليمية أوسع حيث تتلاشى التحالفات التقليدية، مع تصاعد قوة ونفوذ الحوثيين إلى حد كبير والمدعومين من إيران، وتزايد حلفاء الرياض على المدى الطويل في المنطقة. ولم تكن التدابير القسرية للرياض تجاه الحكومة اليمنية مجرد مسألة عكس السياسات المالية بل كانت تتعلق بمواجهة تهديد وجودي أعمق، يتمثل بـ تحذيرات حوثية مرعبة بأنهم سيستهدفون السعودية إذا لم يتم تخفيف هذا الضغط الاقتصادي.
ونظرًا لما هو قادم، ينبغي على المجتمع الدولي النظر في استراتيجية أكثر قوة وتنسيقًا لحماية الشعب اليمني من السياسات التي قد تؤذيهم على المدى الطويل. وسيبرر النظر الكامل في احتياجات ورفاهية الشعب اليمني فرض عقوبات أشد على الحوثيين، وضمان الامتثال لاتفاقيات السلام، وتقديم الدعم الثابت لحكومة اليمن المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. 
وللأسف، لم يعد انتباه المجتمع الدولي مركزًا بشكلٍ كبير على اليمن، وتتشكل قرارات الفاعلين الإقليميين والدوليين بناءً على حسابات الواقع العسكري والسياسي الذي أصبح ظاهرًا الآن على الأرض -وبين الأطراف المتحاربة- في اليمن. 
وفشل المجتمع الدولي في تضاعف الجهود لفرض عقوبات على الحوثيين ودعم حكومة اليمن المعترف بها من قبل الأمم المتحدة -فشله يبدو أكثر توقعًا مع مرور كل أسبوع- من المحتمل أن يؤدي إلى استمرار توسيع نفوذ الحوثيين وسيطرتهم. 
وتشير تلك الواقعية إلى مزيد من عدم الاستقرار، في اليمن والمنطقة. ومن خلال جهد مشترك من المجتمع الدولي وحسب بإمكانه كسر دورة الصراع وتحقيق سلام مستدام. وعلى الرغم من الطابع العاجل، لا تبدو احتمالات نجاح مثل هذا الجهد واعدة.


التعليقات