تحليل: صعوبة الاستراتيجية السعودية للبحر الأحمر رغم اتضاح الرؤية
يمن فيوتشر - معهد دول الخليج العربي في واشنطن- ترجمة: ناهد عبدالعليم الإثنين, 20 مايو, 2024 - 07:59 مساءً
تحليل: صعوبة الاستراتيجية السعودية للبحر الأحمر رغم اتضاح الرؤية

منذ منتصف 2010، كان البحر الأحمر في قلب السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، نتيجة لتداخل الديناميات المحلية والإقليمية والدولية. وتعكس المشاريع الاقتصادية بموجب رؤية 2030 أهداف الرياض في البحر الأحمر وكيفية تصور المملكة لمستقبل المنطقة التي تربط شبه الجزيرة العربية بأفريقيا. ومع ذلك، على الرغم من أن السعودية لديها رؤية اقتصادية للبحر الأحمر، إلا أنها تواجه صعوبة في صياغة استراتيجية شاملة عابرة للمناطق، للتخفيف من التوتر المتزايد من البحر الأحمر إلى مضيق باب المندب وخليج عدن.
وبينما تتطلب الرؤية الاقتصادية السعودية منطقة مستقرة لضمان استدامتها ونجاحها، فإن التركيز على الاقتصاد وحده غير كافٍ للتعامل مع العوامل المختلفة التي تسبب في عدم الاستقرار في البحر الأحمر والتي كانت موجودة منذ فترة طويلة، قبل أن تتفاقم بسبب حرب غزة. 
وعلى الرغم أيضًا من تحسين السعودية لقدراتها الدفاعية والأمنية البحرية، إلا أن عدم التنسيق السياسي مع الدول المحاذية للبحر الأحمر يكشف عن عدم وجود استراتيجية شاملة للمملكة.

• رؤية اقتصادية أولوية للبحر الأحمر:
في السنوات الأخيرة، رأت الرياض البحر الأحمر من منظور الاستثمار الاقتصادي والبنية التحتية. وعديد المشاريع المرتبطة برؤية 2030 تقع على الساحل الغربي للمملكة النفطية، مثل مدينة نيوم المستقبلية ومينائها الموسع، بالإضافة إلى منتجعات مشروع البحر الأحمر، وتحديث ميناء جدة وميناء الملك فهد الصناعي في ينبع، وخطط أرامكو لزيادة طاقة نقل النفط لخط الأنابيب بترولاين، الذي يربط حقول بقيق بمحطة ينبع.
كما يعتبر الاقتصاد أيضًا في قلب العلاقات الدولية للمملكة خاصة فيما يتعلق بمنطقة البحر الأحمر، مع تكامل الاستثمارات السعودية على ساحلها الغربي. على سبيل المثال، بلغت الاستثمارات السعودية في مصر في مختلف القطاعات ما يقدر بـ 6.3 مليار دولار عام 2023. كما تعتبر الرياض أحد أهم المستثمرين في القرن الأفريقي، خاصة في إثيوبيا والسودان والصومال وجيبوتي. وتقدم عملية التطبيع الهادئة بين السعودية وإسرائيل (التي تعثرت بسبب حرب غزة) فرصة كبيرة للتعاون بين البلدين، والذي من المفترض أن يكون له عنصر اقتصادي ملحوظ.

• تزايد عدم الأمان:
تحتاج المملكة العربية السعودية إلى استقرارٍ في البحر الأحمر؛ لتنفيذ إصلاحاتها الاقتصادية بنجاح. ولم يكن بمحض الصدفة أن المدير العام لحرس الحدود السعودي -الذي يتولى أيضًا مهامًا بحرية- هو عضو في الهيئة السعودية للبحر الأحمر، التي تأسست عام 2021 لتنظيم السياحة البحرية الساحلية في المنطقة. 
وبالنسبة للمملكة، يساهم استقرار البحر الأحمر في دعم هذه التنمية الاقتصادية الحرجة، لكنه ينطوي أيضًا على تداعيات بخصوص الأمن الوطني والدفاع عن الحدود، وهي مصالح تتعرض للخطر عندما تتفاقم التهديدات الأمنية المتعددة في المنطقة الواسعة: حيث يرتبط العديد منها بشكل مباشر أو غير مباشر باليمن (حربه وتشظيه المؤسساتي)، وقد تتفاقم تلك التهديدات بسبب الآثار الإقليمية لحرب غزة.
ومنذ كان التدخل العسكري السعودي بقيادة السعودية في اليمن عام 2015، استهدف الحوثيون بشكل متكرر الأراضي السعودية والنشاط البحري للرياض. 
ومنذ وقف إطلاق النار في اليمن عام 2022 –المنتهية مدته في العام ذاته- وكذلك هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على إسرائيل والعملية العسكرية الإسرائيلية التالية، تحول الحوثيون المدعومون من إيران؛ "تضامنًا مع غزة" إلى استهداف السفن التجارية والبحارة الغربيين المنتشرين كجزء من التحالفات المتعددة الجنسيات لتعزيز الأمن البحري.
وقال الأميرال الخلفي (فاسيليوس جريباريس)، القائد المشرف على عملية الاتحاد الأوروبي أسبيدس: "منذ بدء عملية أسبيدس في 19 فبراير/شباط 2024 وحتى الآن، يظل مستوى التهديد ثابتًا، مع استمرار الحوثيين في تنفيذ هجماتٍ متنوعة."
وإلى ذلك، تستهدف هجمات الحوثيين على السفن التجارية، مصر بشكل كبير، حيث يتم تجاوز قناة السويس في غالب الأحيان في طرق التجارة الحالية لتجنب نقطة التوتر في جنوب البحر الأحمر، ما يقلل من إيرادات كبرى الدول العربية من قناة السويس بنسبة تقرب من 50% من يناير/كانون الأول حتى نهاية فبراير/شباط. وعلاوة على ذلك، مع تركيز العمليات البحرية الدولية الآن على جنوب البحر الأحمر، تتزايد القرصنة قبالة القرن الأفريقي، وهي مشكلة تتفاقم بسبب عدم الاستقرار في الصومال.
وتضيف الحرب في السودان، الذي يمتلك أكثر من 450 ميلًا من ساحل البحر الأحمر، طبقة أخرى من انعدام الاستقرار والأمن. ومنذ ذلك الحين تم تفادي المدينة الساحلية الرئيسية بورتسودان من الصراع إلى حد كبير، مع اندلاع اشتباكات هناك، سبتمبر/أيلول 2023، التي من الممكن أن تتجدد مرة أخرى.
وعلاوة على ذلك، أثارت اتفاقية بين إثيوبيا وصوماليلاند، وُقّعت في يناير/كانون الثاني، والتي تسمح لإثيوبيا ببناء منشأة مينائية في صوماليلاند وربما الاعتراف باستقلالها، غضب الصومال وأشعلت التوترات.
ويعتبر التهريب مصدر آخر لعدم الاستقرار في البحر الأحمر. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2023، توجد شبكة تهريب أسلحة منسقة بشكل وثيق بين اليمن والصومال والسودان، حيث تتلقى الجماعات المسلحة "الأسلحة من مصدر مشترك"، وهو إيران، مما يساهم في تصعيد النزاعات الإقليمية. علاوة على ذلك، يحاول المهربون تهريب المخدرات، مثل الكبتاغون، إلى المملكة العربية السعودية عبر موانئ ضبا وجدة.

• صياغة استراتيجية شاملة:
إذا ما تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، فإن هجمات الحوثيين على الشحن قد تتراجع، ومعها التهديدات الأمنية المرتبطة بها. ومع ذلك، يمكن للحوثيين استئناف الهجمات في المستقبل لمتابعة أجندتهم السياسية الواسعة، والتي تعتبر القوة الدافعة الرئيسية وراء هجومهم على البحر الأحمر. ومن هذا المنظور، لن يكون وقف إطلاق النار في غزة حاسمًا في حل مشكلات أمن البحر الأحمر أو ضمان الاستقرار طويل الأجل في المنطقة. 
ونظرًا للمصادر والعوامل المختلفة التي تسبب عدم الأمان، فإن السياسة المركزة على الاقتصاد التي تتبعها المملكة العربية السعودية غير كافية لتأمين المنطقة، إذ لا تزال بعيدة عن تنفيذ استراتيجية شاملة في البحر الأحمر للتعامل مع القضايا الاقتصادية والأمنية.

ومع ذلك، لدى الرياض الأدوات اللازمة لصياغة استراتيجية شاملة.
 أولًا، تحسنت قدرات الدفاع والبحرية للمملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بأسطولها البحري الغربي وقوات الحرس الحدودي البحرية. ومنذ 2010، ركزت البحرية السعودية على تحديث أسطولها الغربي، المقر في جدة، وذلك من خلال زيادة المشتريات من الأنظمة للتصدي للتهديدات الحوثية غير التقليدية (سواء الجوية أو البحرية) وللدفاع عن السواحل والبنية التحتية. وتحسن قدرات البحرية السعودية لا يرجع إلى توريداتها الدفاعية وزيادة مشاركتها في التمارين متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة وحسب، بل أيضًا إلى عملية الإجلاء المعقدة التي نظمتها في السودان عام 2023. وقد انعكست هذه القدرات في قيادة السعودية غير المسبوقة للفرقة المشتركة 152 في قوات البحرية المشتركة وفرقة المراقبة التابعة للتحالف الأمريكي بقيادة الولايات المتحدة للأمن البحري الدولي، على حد سواء في العام ذاته. علاوة على ذلك، حسّنت قوات حرس الحدود التي تشمل حرس السواحل، قدرتها على وقف التهريب البحري والتسلل، إذ قامت على سبيل المثال بشراء قوارب التصدي بسرعة عالية وزيادة حجز المضبوطات في مناطق الموانئ بالتنسيق مع الجهات السعودية الأخرى.
ثانيًا، قادت المملكة العربية السعودية في إنشاء مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن العربية والأفريقية. حيث يضم المجلس، المشكل عام 2020، مصر والأردن وإريتريا واليمن والسودان وجيبوتي والصومال، لتعزيز التعاون في الجهود "لمكافحة القرصنة والتهريب والتهديدات الأخرى في البحار". ويمكن للمملكة العمل من خلال المجلس كأداة سياسية لوضع استراتيجية للبحر الأحمر قادرة على تحقيق توازن بين الأمن الإقليمي ودفع المملكة نحو التنمية الاقتصادية الإقليمية. ويمكن للسعودية على سبيل المثال أن تقود قوة بحرية للبحر الأحمر مكونة من أعضاء المجلس، للتعاون مع الدول الساحلية في تعزيز الأمن البحري ودعم تدريب حراس السواحل المحليين، على غرار فرقة المهام المشتركة 154 بقيادة الولايات المتحدة التي تم إنشاؤها عام 2023.
وفي الوقت نفسه، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تبدأ في إطلاق مجموعة عمل لمجلس البحر الأحمر لدراسة كيفية منع وربما التخفيف من التهديدات الأمنية في البحر الأحمر.
حتى الآن، لم يكن إطار مجلس البحر الأحمر بعيدًا عن تكوين هيكلية متعددة الأطراف فعالة للأمن الجماعي، باستثناء بعض التمارين المشتركة بقيادة السعودية، مثل "الموجة الحمراء" في مياه البحر الأحمر السعودية.
وعام 2020، أكدت المملكة العربية السعودية هدف المجلس في "التنسيق الجماعي"، بنطاق طموح يهدف إلى تحقيق "التكامل بيننا في جميع المجالات". ومع ذلك، فإن الحروب الإقليمية والتوترات السياسية، بالإضافة إلى استبعاد الدول ذات التأثير الكبير في شؤون البحر الأحمر، بشكل رئيسي الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا، جعلت من الصعب على الرياض بناء آلية فعالة للتنسيق السياسي في القضايا الاقتصادية والأمنية. 
وتشجيع إشراك أبو ظبي وأديس أبابا والقيادة في تنفيذ مبادرات جديدة سيؤكد القيادة الإقليمية للمملكة العربية السعودية في صياغة استراتيجية للبحر الأحمر. 
والأهم من ذلك، سيسهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة، وتوفير بيئة أكثر أمانًا لدعم المبادرات الاقتصادية والتنموية الواسعة للرياض.


التعليقات