بدأت جماعة الحوثيين المتمردة المدعومة من إيران في توسيع قوتها محليا وإقليميا؛ إلا أن سياساتها بعيدة كل البعد عن الحكم الرشيد، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني والأزمة الاقتصادية في جميع أنحاء اليمن.
انتهى الهدوء الذي دام أسبوعين من توقف هجمات المتمردين الحوثيين في اليمن، باستئناف الضربات الصاروخية التي استهدفت سفن البحر الأحمر المرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة أو الدول الداعمة للتحالف البحري الدولي المناهض للحوثيين في تلك المياه.
وتأتي هذه الهجمات، التي نفذها الحوثيون منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في محاولة لإظهار التضامن مع الفلسطينيين في غزة.
ومع ذلك، في حين أن الجماعة المدعومة من إيران لم تتمكن فعليا من التأثير في مسار الحرب بين إسرائيل وحماس، فإن هجماتها المستمرة زادت شعبية الجماعة إلى مستوى غير مسبوق.
والآن، بعد حوالى خمسة أشهر من الهجمات، بدأ الحوثيون في الاستفادة من تعزيز القوة في جميع أنحاء اليمن.
•الحوثيون يستغلون شعبيتهم
ينقسم اليمن إلى مناطق يسيطر عليها الحوثيون في الشمال والغرب، وعاصمتها صنعاء، ومناطق خاضعة لسيطرة مجلس القيادة الرئاسي اليمني المعترف به دوليا، وعاصمته (المؤقتة) عدن.
الحكومتان الفعليتان هما نتيجة حرب أهلية بدأت في العام 2014، عندما أطاح الحوثيون بالحكومة اليمنية.
وبعد مرور عام، تصاعد الصراع أكثر عندما أتى تحالف دولي بقيادة المملكة العربية السعودية لمساعدة الحكومة المعترف بها دوليا.
وأدت سنوات الحرب إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، وتسببت بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة.
بعد اتفاق السلام الذي توسطت فيه الأمم المتحدة بين الحكومتين المتنافستين في أبريل 2022، أصبح الحوثيون لا يتمتعون بشعبية متزايدة، "بسبب سوء إدارتهم وفسادهم وقمعهم وحقيقة أن الاقتصاد كان في حالة يرثى لها"، كما يقول هشام العميسي، محلل الصراعات. ومدير سابق لمركز موارد المعلومات الخاص باليمن في وزارة الخارجية الأمريكية، قال لـ DW.
لكن الآن، وبعد خمسة أشهر من مهاجمة سفن الشحن في البحر الأحمر دعماً للفلسطينيين، "يستفيد الحوثيون أساساً من الشعبية التي اكتسبوها محلياً وإقليمياً، حيث يقدمون أنفسهم على أنهم طليعة الدول الإسلامية والعربية".
وأضاف العميسي: "وهم يستفيدون من هذه الشعبية لتوسيع سيطرتهم، ولكن أيضا لترسيخ حكمهم داخل الأراضي اليمنية، حيث أطلقوا حملة تجنيد واسعة النطاق تحت ستار دعم غزة".
•لا حكم جيد لليمنيين
لم تُترجم شعبية الحوثيين المتزايدة إلى حكم رشيد في جميع أنحاء البلد الذي مزقته الحرب.
وقال توماس جونو، محلل شؤون الشرق الأوسط والأستاذ بجامعة أوتاوا الكندية، لـ DW: "إن الطريقة التي يعاملون بها اليمنيين تحت حكمهم تتعارض مع الموقف الإنساني أو الأخلاقي الذي يزعمون أنهم يتخذونه تجاه القضية الفلسطينية".
وينطبق هذا بشكل خاص على تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، وسكانها البالغ عددهم حوالى 940,600 نسمة.
وتظل تعز تحت الحصار منذ حوالى ثماني سنوات، ويواصل الحوثيون إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة التي تسيطر عليها الحكومة في عدن.
كما لا تزال المياه والسلع الأساسية نادرة.
وقالت فاطمة (20 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال وتعيش في تعز: "لم نحصل على أي تنازلات أو مبادرات لتخفيف معاناة الناس في تعز منذ أن أطلق الحوثيون دعمهم للفلسطينيين". ولم يتم نشر اسمها الأخير خوفا من الانتقام.
•العملة اليمنية الجديدة
في المستقبل القريب، من المرجح أن يتدهور الانقسام الاقتصادي، وبالتالي الوضع الإنساني، ليس فقط في تعز، ولكن في جميع المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وفي أبريل/نيسان، أصدر البنك المركزي الذي يديره الحوثيون في صنعاء فئة جديدة من العملة المحلية، وهي عملة معدنية بقيمة 100 ريال يمني.
وقال البنك المركزي الذي يديره الحوثيون، في بيان، إن العملات الجديدة ستحل محل الأوراق النقدية التالفة من نفس الفئة.
ومع ذلك، شجب البنك المركزي التابع للحكومة في عدن على الفور العملات الجديدة ووصفها بأنها "مزيفة".
إن التقلبات الاقتصادية آخذة في الارتفاع بالفعل
وبحسب وكالة الأنباء اليمنية (الحكومية)، بلغ سعر الدولار الأمريكي في عدن هذا الأسبوع 1683 ريالاً يمنياً، في حين ظل سعر صرف الدولار ثابتاً عند 530 ريالاً يمنياً في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.
"مع العلم أن غالبية اليمنيين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وحقيقة أن لديهم سيطرة أقوى من المعسكر المعارض، فإن الحوثيين يستعرضون عضلاتهم ويقولون للحكومة اليمنية إنهم يتعاملون بشكل أساسي مع السياسات المالية والنقدية من الآن فصاعدا. قال المحلل العميسي.
وتبقى أهداف الحوثيين دون تغيير. يوافق توماس جونو. وأضاف أن "الهدف الداخلي الرئيسي للحوثيين هو الظهور كسلطة حاكمة وشرعية في اليمن"، مضيفا أنه "بسبب ما يفعلونه في البحر الأحمر، فإنهم يشعرون أنهم في وضع يسمح لهم بانتزاع المزيد من التنازلات" من منافسيهم المحليين، وخاصة الحكومة المعترف بها دوليا، ولكن أيضا من منافسيهم الإقليميين، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وكان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، صريحا بشأن رغبته في الخروج من الحرب المكلفة في اليمن، لكن المحادثات تعثرت في ضوء الحرب في غزة.
ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن الخروج من الحرب في اليمن، عاجلاً أم آجلاً، سيأتي على حساب قبول الحوثيين كسلطة رئيسية في اليمن، رغم سنوات من دعم الحكومة المعترف بها دولياً.
ويشكك هشام العميسي في قدرة الحكومة اليمنية على كبح صعود الحوثيين.
وقال: "للأسف، لم تجتمع الحكومة اليمنية والحركة المناهضة للحوثيين بشكل صحيح حول رسالة وطنية موحدة أو خطة عمل تتجاوز مجرد معارضة الحوثيين". وأضاف: "إذا كنا صادقين، فالأمر عبارة عن بيت من ورق، وسيحتاجون إلى توحيد جهودهم من أجل تكوين جبهة قوية يمكنها في الواقع كبح حماس الحوثيين وطموحاتهم للتوسع".