جذبت أزمة البحر الأحمر اهتماما كبيرا في الأشهر الأخيرة نتيجة التحديات التي فرضتها على سلسلة التوريد العالمية. ويُعد البحر الأحمر، الذي يوفر وصولا إلى المدخل الجنوبي لقناة السويس، واحدا من أهم وأكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، حيث تُسافر حوالى 19,000 سفينة بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط سنويا، وتقلل قناة السويس المسافة البحرية بين آسيا وأوروبا بنسبة تقارب النصف. ويمر حوالى 12% من التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، بما في ذلك 30% من حركة الحاويات العالمية، وقيمة تصل إلى تريليون دولار من البضائع سنويا، وفقا لتقرير لـ"رويترز".
وأصبحت هذه المنطقة محور اهتمام بسبب التوترات والصراعات المتصاعدة في المنطقة، والتي تنبع جذورها من المنافسات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية ومخاوف الأمن البحري. كما يسهم الصراع المستمر في اليمن ووجود الجماعات المسلحة في المنطقة، والأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب وقناة السويس، في زيادة التوترات.
• ما هي تأثيرات إعادة توجيه الشحنات بسبب الصراع؟
ثبت أن تهديد الأمن البحري هو التهديد الرئيسي، إذ إن خطر القرصنة والصراع المسلح والهجمات على السفن التجارية جعل الشحن عبر البحر الأحمر أكثر خطورة. وقد اضطرت شركات الشحن إلى إعادة تقييم طرقها وتدابير الأمن، مما أدى إلى تأخيرات وزيادة في التكاليف.
ووفقا لتقرير لـ"الجزيرة"، قد تستغرق إعادة توجيه السفن حول رأس الرجاء الصالح بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس ما يصل إلى أسبوعين إضافيين في رحلة الشحنة، وبين 3000 و6000 ميل بحري (ما بين 3452 و6904 أميال).
وقد حسب فريق بحوث النفط والشحن التابع لمجموعة بورصة لندن (LSEG) أنه يكلف زيادة بنسبة 35%، ويستغرق ثمانية أيام إضافية لسفينة حاويات كبيرة تسافر من شانغهاي في الصين إلى روتردام في هولندا عبر رأس الرجاء الصالح، مقارنة بالمسار عبر البحر الأحمر.
• كيف أدى ذلك إلى زيادة أسعار الشحن؟
بالإضافة إلى الزيادة في تكلفة تغيير الطرق، أدى عدم اليقين المحيط بالوضع في البحر الأحمر إلى مواجهة شركات الشحن تحديات التأمين وتقييم المخاطر. وتفرض شركات التأمين أقساطا أعلى لتوفير التغطية بسبب ارتفاع مخاطر القرصنة وسرقة البضائع وتلف السفن، مما يسهم في الزيادة العامة في الأسعار.
ويستدعي تهديد القرصنة والصراع المسلح والهجمات على السفن التجارية اتخاذ تدابير أمنية إضافية، مثل توظيف موظفي أمن على متن السفن وتعزيز أنظمة المراقبة. وتترتب على هذه التدابير الأمنية تكاليف إضافية لشركات الشحن، والتي يتم تحميلها في النهاية على العملاء من خلال زيادة أسعار الشحن.
ويمكن لتعطلات التشغيل، مثل تأخير تحميل وتفريغ البضائع، وتحويل المسارات، وإغلاق الموانئ، أن تسبب زيادة في استهلاك الوقود، ووقت خمول السفن، وتكاليف التعامل الإضافية، وكل ذلك يزيد تكلفة الشحن.
وأخيرا، قامت شبكة (CNBC) بجمع البيانات التي تُظهر أن العبور الطويل حول رأس الرجاء الصالح عندما يتم تحويل السفن من البحر الأحمر بالفعل يؤثر بشكلٍ كبير على السفن المتاحة لاستلام الحاويات في الموانئ. ونظرا لتقليص عدد السفن طوال فترة الأزمة، فإن إضافة سفن إلى تدفق التجارة يمكن أن يُساعد في تخفيف أزمة الحاويات المحتملة التي تُثير قلقاً لدى العديد من مديري اللوجستيات. كما تسبب السفن المتأخرة ردود فعل متسلسلة؛ حينما تتأخر السفن، يتأخر بالتالي تجهيز وإعادة استخدام الحاويات، مما يؤدي إلى تأخير الصادرات من أوروبا إلى الولايات المتحدة، ومن آسيا إلى الولايات المتحدة والعالم.
• ماذا يمكن لشركات الشحن فعله لتخفيف المخاطر والتكاليف المتزايدة؟
يمكن لشركات الشحن أن تتوقع استمرار ارتفاع التكاليف لفترة من الوقت. وتشير نورا سينتيفاني، كبيرة الاقتصاديين في "جي بي مورغان، إلى أنه "كلما طالت مدة هذه التعطيلات، زادت احتمالية استمرار ارتفاع أسعار الشحن، إن لم تزد أصلاً عن ذلك. والنقطة المشجعة الوحيدة هي أن هناك فائضاً في العرض من سفن الحاويات على مستوى العالم، والعديد منها تم طلبه خلال جائحة كوفيد-19 وتستمر في الخدمة. وبالتالي، يبدو أن من المحتمل أن تنخفض أسعار الشحن بسرعة نسبية بمجرد انتهاء التعطيلات".
وإحدى التوصيات الرئيسية هو لشركات الشحن أن تقوم بتغيير طرقها واستكشاف خيارات النقل البديلة. عن طريق تجنب المناطق عالية الخطر واستخدام مسارات بديلة، يمكن لشركات الشحن تقليل تعرضها للتعطيلات المحتملة.
بالإضافة إلى تغيير الطرق والتعاون، ينصح الخبراء أيضا شركات الشحن بالاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة وتدابير الأمن لحماية البضائع والسفن. ويشمل ذلك استخدام أنظمة تتبع الأقمار الصناعية، وتوظيف موظفين أمن على متن السفن، واستخدام قنوات اتصالٍ آمنة لمراقبة وحماية الشحنات أثناء النقل.
ويُشكل الصراع في البحر الأحمر تحديا كبيرا لسلسلة التوريد العالمية، مع تأثيرات على الأمن البحري والتأمين وعمليات اللوجستيات. ومع ذلك، يمكن لشركات الشحن المضي قدما في سلسلة التوريد من خلال الاستفادة من التكنولوجيا والتعاون وأفضل ممارسات إدارة المخاطر. ومع استمرار تطور الوضع، يجب على الأطراف المعنية أن تبقى يقظة ومحترزة من أجل التعامل مع المخاطر.