أثار اشتعال مناطق الصراع حول العالم، وفي قلب ذلك حرب غزة وتبعاتها مع اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، تساؤلات بشأن التمهيد لدخول حرب عالمية جديدة، وتزامن ذلك مع تحذيرات متعاقبة من قادة ومسؤولين صدرت مؤخرا، بأننا على "شفا الحرب العالمية الثالثة".
ويعتقد محللون عسكريون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن العديد من التوترات في العالم باتت تُرشح للدخول في حرب إقليمية، أو حتى عالمية، واسعة جنبا إلى جنب مع الحديث عن النظام العالمي الجديد، مع تباعد مصالح الدول الكبرى واحتدام النزاعات من الشرق إلى الغرب، متخوفين من حدوث ذلك وفق نظرية "البجعة السوداء"، لكنهم في ذات الوقت رجحوا ألا يكون ذلك في القريب العاجل، بالنظر لتخوف القوى الدولية من خروج الأمور عن السيطرة في عصر الأسلحة النووية.
* مؤشرات مقلقة
حذر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة قريبا، بعد تصاعد القلق في الشرق الأوسط في أعقاب الهجوم على قاعدة عسكرية أميركية قبل أيام.
كما أشار مدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، إلى أن "الشرق الأوسط مقبل على انفجار كبير لم يحدث منذ عقود"، موضحا في مقال له في مجلة "فورين أفيرز" أن المنطقة ازدادت تعقيدا وخطورة بعد هجوم السابع من أكتوبر، حيث لم يشاهد منذ 4 عقود أوضاعا قابلة للانفجار في الشرق الأوسط كما هي اليوم، محذرا من مخاطر التصعيد على جبهات أخرى في الشرق الأوسط.
على نفس المنوال، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن الوقت الراهن يمثل لحظة خطيرة في الشرق الأوسط، لكن واشنطن ستعمل على تجنب اتساع نطاق الصراع.
في ذات الصدد، حذر وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس من انتقال بلاده "من عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب الجديدة"، وقال إنه في السنوات الخمس المقبلة قد تكون هناك حروب تشمل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.
ثارت حالة من القلق في الداخل البريطاني من جراء تصريحات رئيس الجيش الجنرال السير باتريك ساندرز، بأن المدنيين البريطانيين سيحتاجون إلى الاستعداد لخوض حرب مستقبلية ضد روسيا.
كما جرى الإعلان عن اعتزام الولايات المتحدة نشر أسلحة نووية في بريطانيا لأول مرة منذ 15 عاما، مع تزايد المخاوف بشأن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة مع روسيا.
وفق صحيفة "ذا ميرور"، يشعر مسؤولون بريطانيون بقلق متزايد بشأن انجرار المملكة إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط.
سار على النهج ذاته وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الذي حذر من تصاعد مفاجئ في الصراع العالمي، لكنه قال لصحيفة ألمانية: "علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين قد يهاجم إحدى دول الناتو في يوم من الأيام"، لافتا إلى أنه رغم أن مثل هذا الهجوم غير مرجح في الوقت الحالي، فإن هناك خطرا لحدوثه في غضون 5 إلى 8 سنوات.
كما يضغط الناتو على دول الحلف بضرورة الإنفاق على الدفاع بنسبة 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، لمواجهة التهديدات المستقبلية.
حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن الفشل في التصدي للقوات الروسية سيتحول إلى حرب عالمية ثالثة، حيث قال لبرنامج حواري ألماني إن "بوتين المنتصر يمكن أن يحول انتباهه إلى ألمانيا أو دول البلطيق، ويخاطر بمواجهة مع الناتو، وهذا يعني بالتأكيد الحرب العالمية الثالثة".
بالنظر إلى الشرق الأوسط، جاء هجوم 7 أكتوبر وما تلاه ليعيد الأنظار العالمية مجددا تجاه هذه البؤرة الساخنة، بعد عدة أشهر كان الاهتمام منصبا على الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس لأكثر من 120 يوما ينذر بتفاقمه، مع توسع جبهات القتال في المنطقة لتمتد إلى لبنان حيث حزب الله، وهجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، والعمليات التي تشنها الفصائل العراقية، مما يعني تصاعد دور "وكلاء إيران" في المنطقة.
* نظرية "البجعة السوداء"
في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أشار محاضر الاستراتيجيات العسكرية بجامعة بورتسموث البريطانية فرانك ليدويدج، إلى أن هناك الكثير من المخاوف حول العالم من تزايد الصراعات المختلفة، وتصاعد أي منها إلى حرب إقليمية، سواء حرب غزة أو أزمة إيران أو صراع الغرب وروسيا في أوكرانيا أو الوضع في تايوان.
وأضاف ليدويدج، وهو مؤلف كتاب "خسارة الحروب الصغيرة" الذي حقق مبيعات كبيرة، أن "هناك الكثير من التقارير والمحللين الذين يخشون كون هذه النزاعات يمكن أن تنتقل إلى صراع أكبر بكثير لأنها مترابطة، لكن شعوري الخاص أن هذا غير مرجح، فلا أعتقد أن أيا من الصراعات سوف يتصاعد إلى حروب إقليمية".
لكنه عاد ليشير إلى أن "تصعيد هذه الحروب دائما، أو أي حرب، يتوقف دائما على أحداث غير متوقعة، إما من الأحداث التي قد نعتقد أنها معقولة، أو تلك التي قد تعتبر غير عادية للغاية".
وذكر أن تلك الحالة تسمى أحداث "البجعة السوداء"، وهي نظرية تشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة، و"هذه الأحداث لا يمكن التنبؤ بها".
ويعتقد ليدويدج أن الحرب التي تمثل الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي ليست أوكرانيا أو غزة أو حتى التصعيد بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران وأذرعها من جهة أخرى، بل تايوان.
وقال: "أعتقد أنه حتى أدنى مستوى للصراع هناك، الذي سيتخذ شكل حصار، سيتصاعد بسرعة، وحتى لو لم يحدث ذلك فإن التأثيرات على التجارة العالمية ستكون أكبر بكثير وستتأثر سلاسل التوريد والاقتصاد العالمي، بسبب تورط الصين في الأزمة التي ستكون أكبر بكثير حتى من صراع الشرق الأوسط أو حرب أوكرانيا نفسها".
ومع ذلك أكد الأكاديمي البريطاني أنه "لا يمكن التنبؤ بهذه الأشياء، إذ قد يصبح العالم أكثر استقرارا، رغم أن مرور كل شهر يحمل المزيد من مخاطر التصعيد ليس محليا فقط لكن أيضا على الصعيد العالمي".
* الشرق الأوسط.. الأكثر قلقا
واعتبر نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الشرق الأوسط هو الأكثر إثارة للقلق من بين النزاعات الدولية الراهنة، إذ بات أخطر مما كان عليه منذ عام 1973".
ويعتقد ملروي الذي سبق أن عمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، أن هناك العديد من التوترات العالمية التي يمكن أن تؤدي إلى حرب إقليمية أو حتى حرب عالمية، لكنه اتفق مع ليدويدج في أن هذه الحرب العالمية الثالثة "ليست حتمية".
وأشار إلى أن الصراعات في كل مكان في العالم باتت معقدة بطريقة مشابهة للوضع قبل الحرب العالمية، متابعا: "نرى الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية تعمل معا بشكل وثيق، وبالتالي يجب أن يهتم بقية العالم ونأمل في مواجهة ذلك من خلال بناء تحالفاتهم الخاصة".
وأضاف: "هناك دائما فرصة أن شيئا ما يمكن أن يؤدي إلى حرب قد تكون غير مقصودة، هذا هو السبب في أنه من المهم للغاية الحفاظ على الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية".
* حروب هجينة
في المقابل، قال الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية محمد حسن لموقع "سكاي نيوز عربية": "نسير بالفعل في خضم حرب عالمية ثالثة، لكن اختلاف أساليب الحرب والقتال هو ما قد يجعلنا لا نراها بوضوح".
وأشار إلى أن الحرب العالمية الثانية كانت آخر الحروب الكبرى التي تجري رحاها بين الجيوش النظامية الكبرى، فيما يختلف الأمر كثيرا الآن مع تقدم أجيال الحرب ووصولها إلى الجيل الخامس الذي بدوره جعل الحروب الكبرى عبارة عن "حروب هجينة"، تعتمد بالأساس على تشكيلات شبه عسكرية من شركات الأمن الخاصة وجنود الأقاليم الانفصالية.
ولفت حسن إلى أن "هذه التشكيلات شبه العسكرية يتم وضعها في الصفوف الأمامية من الجبهات، والحروب الروسية الأوكرانية تقدم كل يوم أوضح نماذج هذه الحرب الهجينة التي امتزج بها تكتيكات الحرب السيبرانية والنفسية والمعلوماتية بمعارك الاصطدام التقليدي للقوات، حيث يشهد ميدان الحرب في أوكرانيا إطلاق الآلاف من القذائف المدفعية في اليوم الواحد، وهذه هي معدلات حرب عالمية وليست حربا بين دولتين فقط".
وأوضح أن ما يميز هذه الحرب العالمية الثالثة، أنها توفر الظروف المناسبة لنظام عالمي متعدد الأقطاب، بعكس الحربين العالميتين السابقتين التي أسست لنظم أحادية وثنائية الأقطاب، لذلك "نرى اختلاف الاستجابات العسكرية لكل قوة دولية وإقليمية، فالصين لا تسمح لنفسها بالدخول للحرب وفق استفزازات واشنطن، وتؤكد أنها ستضم تايوان في المستقبل"، متسائلا: "هل سيكون ذلك بالقوة العسكرية أم ستفوت الصين على الولايات المتحدة الوقوع في فخ الحرب مبكرا بما قد يعصف باقتصادها واقتصاد العالم وتباعا يعرقل بزوغ نظام عالمي متعدد الأقطاب؟".
ويحذر المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة ساسكس البريطانية ديفيد ويرينغ، من أن الوضع الحالي أصبح "أكثر خطورة بكثير" مما كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى عام 1914 وقبل الحرب العالمية الثانية عام 1939، قبل أن تمتلك القوى الكبرى الآن أسلحة نووية.
ويقول ويرينغ إن توفر الأسلحة النووية يعني أن "خطر التصعيد قائم إذا بدأ أحد الأطراف خطوة أساء تفسيرها طرف آخر، ثم بدأ تبادل هجمات نووية وسط تصاعد التوترات الدولية في عدة مناطق بالعالم".