أشارت حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا إلى أنهما تدرسان الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة بعيد انتهاء النزاع الحالي.
في زيارة إلى لبنان في الأول من فبراير/ شباط، صرّح وزير الخارجية البريطاني (ديفيد كاميرون)، أن خطوة من هذا النوع ستكون مستحيلة ما دامت حماس تُسيطر على قطاع غزة، لكن منح الفلسطينيين فرصة الحصول على دولة ستكون "ضرورية للغاية من أجل تحقيق السلام والأمن على المدى الطويل في المنطقة".
ومن جانبه، أعلن وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن)، لوسائل الإعلام الأمريكية أكسيوس بأنه قد كلف وزارة الخارجية بمراجعة الخيارات المُحتملة للاعتراف الأمريكي والدولي بدولة فلسطين، حيث كانت السياسة الأمريكية في السابق تعتمد بما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين بأن هذه مسألة يتم التفاوض حولها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
الاعتراف الدولي من شأنه أن يفتح مرحلة جديدة لتحقيق الدولة الفلسطينية، وبالتالي سيتوسع الإطار القانوني للتعامل مع الوضع ليشمل بذلك مزيد الهيئات الدولية التي تتعامل مع حقوق الإنسان الدولية والمساءلة.
أول ما يجب التأكيد عليه هو أن الاعتراف والدولة قضيتان منفصلتان.
بموجب القانون الدولي، فإن الدول تُجري علاقاتها الخارجية على أساس الاعتراف الثنائي والمتعدد الأطراف بسيادة بعضها البعض كدول ذات سيادة، مما يُشكّل هذا الاعتراف أيضًا الأساس لسلوك الدول ويفرض العديد من الالتزامات القانونية القابلة للتطبيق والواجبات بموجب المعاهدات الدولية.
وتم الاعتراف بفلسطين بوصفها دولة مستقلة من قِبل 139 من أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193. لكن، وبشكلٍ حاسم، لم تعترف بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى من مجموعة الدول السبع الكبرى بما فيها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا.
ومنذ عام 2012، أصبحت فلسطين "دولة مراقبة غير عضوية" في الأمم المتحدة. وانضمت إلى عديد معاهدات حقوق الإنسان عام 2014، ويشمل ذلك العهود الدولية للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW).
وتعكس عضوية فلسطين في هذه المعاهدات وضعها كدولة ذات سيادة في القانون الدولي، بجميع التزامات وواجبات هذا الوضع.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن فلسطين عضو في مجموعة متنوعة من المنظمات الدولية الأخرى، بما في ذلك حركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمحكمة الجنائية الدولية (ICC).
• الحصول على الاعتراف:
هناك عملية مفصلة ومعقدة تتبعها الدول الجديدة للحصول على الاعتراف بموجب القانون الدولي، تم تأسيسها عام 1933، من خلال اتفاقية مونتيفيديو بشأن حقوق وواجبات الدول.
تحوي المادة الأولى أربعة شروط لا بد من استيفائها ضمن القانون الدولي، "وجود سكان دائمين"، و"وجود إقليم محدد"، إلى جانب "وجود حكومة"، و"القدرة على التعامل مع الدول الأخرى".
ويبقى السؤال ما إذا كانت فلسطين في الواقع تمتلك "إقليمًا مُحددًا" و"حكومة فعالة"؟!
وكان موقف المملكة المتحدة في عدم الاعتراف بقضية استقلال فلسطين قويًا وثابتًا، حيث امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، عندما منحت الكيان الفلسطيني صفة المراقب غير العضو في الأمم المتحدة. لذلك، الاعتراف الآن سيكون خطوة مهمة.
ومع ذلك، فإن الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة يتجاوز مجرد إيماءة سياسية، إذ يمتلك القدرة على فتح مجالاتٍ قانونية أوسع للمساءلة عن الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان، استنادًا إلى التزامات الدول تحت قوانين النزاعات المسلحة الدولية.
وفي الوقت الحالي، يُنظر إلى الاشتباكات المستمرة في قطاع غزة على أنها نزاع بين دولة (إسرائيل) وجماعة غير حكومية (حماس)، لكن في حال تم الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، فقد يتغير هذا السياق بشكلٍ كبير، إذ ستتحول الحالة إلى نزاع مسلح دولي يشمل دولة واحدة أو أكثر تلجأ إلى السلاح ضد دولة أخرى.
• إنشاء المُساءلة:
أصبحت فلسطين عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية منذ انضمامها إلى ميثاق روما عام 2015. وفي 2021، قام مدعي المحكمة الجنائية الدولية البدء بتحقيقات عن "الحالة في دولة فلسطين".
جاء ذلك عقب قرار من غرفة ما قبل المحاكمة بأن المحكمة يمكنها ممارسة الولاية الجنائية، وفي هذه الحالة (يُستخدم مصطلح "الحالة" من قِبل المحكمة الجنائية الدولية للإشارة إلى الإطار القضائي الذي يتم فيه التحقيق). وفيما يتعلق بالنطاق الإقليمي لهذه الولاية القضائية والتحقيق، فإنه يمتد إلى قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تلقى مُدعي المحكمة الجنائية الدولية إحالة دولة طرف لفلسطين وهي جنوب أفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي، ما يعني أنهم طلبوا من مدعي المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم ترتكب في فلسطين وفقًا لميثاق روما.
• التزامات فلسطين:
يتضمن الاعتراف بفلسطين كدولة التزاماتٍ معينة من جانبها، سواء من حيث القانون الدولي أو حقوق الإنسان. وتتحمل الدول التزامات وواجبات ملموسة بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بكيفية التعامل مع النزاعات المسلحة. كما يلزمها أيضًا الالتزام بالقانون الدولي في الاعتراف بحقوق الإنسان وحمايتها في الأراضي التي تخضع لسلطتها.
ومثال على تطبيق هذه الفكرة، القرار الصادر عام 2023 في قضية مانجيستو والسيد ضد دولة فلسطين، والتي تتعلق بانعدام ظهور مواطنين إسرائيليين اثنين في قطاع غزة، حيث صدر الحكم من قبل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، نظرًا لأنه تم الاعتراف بأن الإسرائيليين اللذين اختفيا يعانيان من إعاقات نفسية اجتماعية أثرت على قرارهما بالعبور إلى قطاع غزة، على الرغم من المخاطر المرتبطة بهذا القرار، حيث اختفيا هناك.
وعلى الرغم من عدم وجود حكومة فلسطينية تتحكم بشكل فعال في قطاع غزة والضفة الغربية، إلا أن الكيان القانوني لدولة فلسطين كان له التزام قانوني بأن يحترم ويحمي حقوق الأشخاص كما تنص عليه اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
لذلك، الاعتراف بفلسطين كدولة هو أكثر من مجرد اعتراف سياسي. إنه ينطوي على آثار قانونية تستدعي أهميتها أيضًا عندما يتعلق الأمر بالتفاوض على السلام ومستقبل الشعب الفلسطيني والمساءلة عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجانبان.