تُشير المعلومات إلى أن القصف الجوي الذي نفذته إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل خمسة ضباط من الحرس الثوري الإيراني في دمشق، 20 يناير/ كانون الثاني، ردت عليه طهران عبر وكلاء عراقيين بإطلاق صواريخ على قاعدة الأسد الجوية في العراق.
وعلى الرغم من أنه تم اعتراض معظم الصواريخ، إلا أن بعضها تمكن من تجاوز الدفاعات الجوية واستهدف القاعدة، ما تسبب في إصاباتٍ بالدماغ لثلاثة على الأقل من أفراد الخدمة، وفقًا للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM).
وعقب وقوع حوالي 160 هجومًا على القوات الأمريكية في العراق وسوريا منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول، ما حدث لم يكُن سوى مسألة وقت قبل أن يتغلب أحدهم على الدفاعات الأمريكية. وكانت آخر هجمة استهدفت المجمع السكني في نقطة تمركز عسكري أمريكي في شمال شرق الأردن، أسفرت عن مقتل ثلاثة أفراد من الخدمة الأمريكية وإصابة حوالي 40 آخرين في 28 يناير/ كانون الثاني. وفي الوقت نفسه، تشمل رسائل المسؤولين في إدارة بايدن قبل الاستجابة المناسبة، عناوين حديثة مثل "تقديرات مسؤولي المخابرات الأمريكية تُشير إلى أن طهران ليست لديها السيطرة الكاملة على مجموعاتها الموالية"، ما يوحي بمزيد من الحصانة لإيران.
• سوء التفاهم في واشنطن:
بعد مرور خمسة وأربعين عامًا على ثورة إيران، فبراير/ شباط 1979، ومرور 71 عامًا منذ أطاحت الحكومة الأمريكية برئيس الوزراء (محمد مصدق)، يواصل المسؤولون الأمريكيون الكفاح من أجل فهم هذه الأمة التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 90 مليون نسمة. ومن ناحية أخرى، فإن اختيار إيران للأهداف بعد أحدث هجوم على أفراد الحرس الثوري الإيراني في سوريا يشير إلى أن طهران تفسر الخطوط الحمراء بشكل أفضل مما يفعل غيرها.
قد تكون إيران ربما مستعدة للحرب، لكن ليس لحربٍ قد تؤدي إلى سقوط النظام. حيث يدرك قادتها أن الرد المباشر على إسرائيل قد يُثير استجابةً شديدة من هذا القبيل، بينما يتوقعون بالمقابل تأثيرًا ضئيلًا في حال تعرضت الولايات المتحدة لهجومٍ آخر. ويمكننا توقع أن إيران ستستمر في تجاوز الحدود دون توقف بغض النظر عن كيفية حل الحرب في غزة.
ومع ذلك، استغلت إيران الحرب في غزة لأهدافها السياسية الخاصة، وسمحت الولايات المتحدة لطهران بالسيطرة على الوضع إلى حدٍ ما من خلال تسوية الهجمات ضد قواتها في العراق وسوريا. كما أن هجمات الحوثيين اليمنيين على السفن التجارية والعسكرية الأمريكية في البحر الأحمر قد تسببت في ارتفاع أسعار النفط وتضاعف رسوم شركات الشحن لنقل الحاويات من آسيا إلى أوروبا. ووفقًا لمؤسسة JPMorgan Chase، من المتوقع أن ترتفع أسعار المستهلكين للسلع حول العالم بنسبة إضافية تبلغ 0.7٪ في النصف الأول من هذا العام إذا استمرت التعطيلات.
وبدلًا من محاولة حل أزمةٍ تهدد بجذب الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع إيران، يبدو أن إدارة بايدن أكثر تركيزًا وعزمًا على ما تُديره وتقوم به، إذ أن حرب غزة والصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يوفرانِ العناصر الأساسية لتوترات العلاقة الأمريكية الإيرانية، لكنهما بالتأكيد عوامل تسريعية والتي بدورها قد تزيد من الأسباب المتفاوتة التي تدفع واشنطن إلى بذل مزيد الجهود لتعزيز حل دائم وعادل وواقعي يقبله جميع الأطراف. لكن بالنسبة لإعلان البيت الأبيض أن إيران ليس لديها رغبة في الحرب، لا يوجد ما يؤكد على أن حُكامها يعملون لنفس المذكرة ونفس الرغبة. ومع ذلك، قد يؤدي اعتقاد الرئيس (جو بايدن) -الذي يبدو أنه يؤمن بهذا الافتراض- بأن خياراته لتخفيض التوتر وتجنب حرب، ربما لا ترغب بها إيران، قد تؤدي في النهاية إلى إثارة حدوث حرب بالفعل.
كما أن الضربات الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين في اليمن ستقلص إلى حدٍ ما قدرات هذا الوكيل الإيراني العسكرية، لكنها لن تؤثر في استعدادهم أو قدرتهم على استهداف الشحنات العسكرية والتجارية الأمريكية. وستستمر إيران في تشجيع ومساعدة وتزويد الحوثيين، وتعويض خسائرهم، حيث يخدم الحوثيون أهداف طهران السياسية في الداخل والخارج. وأمر ضرب الحوثيين من خارج المنطقة لا يبرهن على قوة أمريكا أو يرهب إيران، ناهيك عن الحوثيين. لذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تسبب المزيد من الألم والضعف للحوثيين للتأثير على تفكيرهم، حيث إن التكاليف المدمرة لعشر سنوات من الحرب، بما في ذلك مئات الآلاف من الوفيات والمجاعة الواسعة النطاق، لم تؤثر عليهم. وبدلًا من ذلك، فإن الضربات الدقيقة الأمريكية ضد اليمن، رغم كل التقنيات المدهشة، تشبه طحن الرمل، حيث يتضاءل تأثيرها وتُستغل في الدعاية لتظهر أمريكا أضعف بدلًا من كونها قوية، ومثالية.
ويبدو أن الولايات المتحدة وإيران تعرفان وتنفذان الحرب بطرق مختلفة أيضًا. نظرًا لإيران وطبيعتها كنظامٍ ثوري، يرون قادتها أنفسهم في حالة حرب في الوقت الحالي، وهي حرب وجودية لا تترك مجالًا كبيرًا، إن وجد أصلًا، للتسوية، والتوصل إلى حل وسط. وهذا لا يعني أن الزعيم الأعلى (علي خامنئي) وأنصاره المتشددين في الديانة والحرس الثوري الإيراني متهورون. على العكس، كما قال الجنرال المتقاعد (فرانك ماكينزي)، القائد السابق للقيادة المركزية (CENTCOM)، في تعليقه على قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (قاسم سليماني)، في يناير/ كانون الثاني 2020: "اتخاذ القرارات الاستراتيجية الإيرانية معقول. ويفهم قادتهم تهديد العنف وكيفية تطبيقه".
• ثورة دائمة:
الهدف الأساسي للقيادة الإيرانية هو الحفاظ على الثورة الهشة وترسيخها وتوسيعها في الداخل، حيث يُكرّس كامل الجهاز العسكري والاستخباراتي وأجهزة الأمن الوطني جهوده أولًا وقبل كل شيء لحماية النظام، بدلًا من الدفاع عن الأمة. كما أن الثورة الدائمة التي تجلب المعاناة والحرمان الدائم بحاجة إلى وجود عدو للحفاظ على شرعيتها، مما يستبعد أي عالم تكون فيه إيران على استعداد للتعايش مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. ووفقًا لتقرير حديث من صحيفة وول ستريت جورنال، يبدو أن إيران قررت تجاهل التحذير الذي قدمته الولايات المتحدة سرًا بشأن هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في 3 يناير/ كانون الثاني في كرمان، الذي أودى بحياة أكثر من 80 إيرانيًا. وقال مسؤولون أمريكيون مجهولون إن المعلومات الاستخباراتية كانت "محددة بشأن الموقع بما فيه الكفاية للتصدي للهجوم" أو "على الأقل تخفيف حصيلة الخسائر".
والاستراتيجية التي اعتمدتها القيادة الإيرانية للحفاظ على سيطرتها تتألف من مكونات داخلية وخارجية مترابطة. وداخليًا، استغل النظام المراقبة والقمع والتعاون للسيطرة على المجتمع والتصدي للقوى المعارضة المناهضة للثورة. وفي البداية، تعاون قادة الثورة مع العناصر العلمانية واليسارية للإطاحة بالشاه، وقاموا بدمج مؤسساتٍ ديمقراطية مكملة للحكم الديني، إن لم تكن تابعة له في نهاية الأمر، وذلك في تأسيس هيكل سياسي يعرف باسم "النظام".
هناك دستور وسلطات شبه منفصلة مع فروع تنفيذية وتشريعية وقضائية، في حين تُعد السلطة النهائية المُرشد الأعلى كرئيس للدولة والقائد للقوات المسلحة. وعلى مر السنين، تضعف العناصر الدينية تدريجيًا وتقضي في نهاية المطاف على أي تأثيراتٍ ديمقراطية، في كثير من الأحيان بالعنف، كما حدث ضد اليساريين والعناصر العلمانية، وبالتحقق فقط من المحافظين الدينيين المختارين لشغل المناصب المنتخبة. وفي بعض النواحي، حققوا هدف تطهير النواة الثورية والدينية في البلاد، على الرغم من التضحيات التي قد يكلفها التقدم الاقتصادي.
والجانب الخارجي للأمن في إيران هو "محور المقاومة"، والذي عمليًا يمثل شكلًا من أشكال الردع والدفاع الاحترازي ضد التهديدات الخارجية التي قد تثير وتغذي العناصر المعارضة الداخلية. ويُعَد استخدام إيران للوكلاء في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل على ساحات المعركة خارج حدودها الخاصة وتوجيه تهديدات إرهابية عالمية كما يفعل مع حزب الله اللبناني، عبارة عن عمود خامس.
كما أن استخدام إيران الأخير للصواريخ ذات المدى الطويل في استهداف أهداف في باكستان والعراق وسوريا، وما يرتبط به من كلام شديد اللهجة، كان مدروسًا ومستوحى سياسيًا من الاعتبارات الداخلية بدلًا من الفعالية العسكرية، وكان موجهًا بشكلٍ ضمني للولايات المتحدة وإسرائيل. ويحتاج قادة إيران إلى إظهار القوة واللا شفقة وعدم الضعف لردع أولئك في الداخل والخارج الذين يأملون في أن تُسقط الولايات المتحدة أو غيرها النظام. ويشمل ذلك بناء سمعة دولة قوية من الدرجة الأولى بالنسبة لشعبها، والتي لن تسمح للقوى الداخلية أو الخارجية بالتلاعب بها.
ومع ذلك، يُمكن أن تجلب هذه المواقف، التي تتخذها إيران في المساهمة في حرب روسيا ضد أوكرانيا وضرب جيرانها الباكستانيين والعراقيين بشكل منفرد، تداعياتٍ جديدة وقد تخلق ظروفًا يمكن للولايات المتحدة استغلالها بشكل غير متماثل. ولا تتفق أيًا من هاتين العمليتين مع الصورة التي تحاول إيران تصويرها، وقد يتعرض الحكام المحافظين في إيران لعواقب سياسية من قبل الأشخاص الذين يعانون اقتصاديًا في الداخل، فضلًا عن الدول غير الولايات المتحدة وإسرائيل والتي قد تتحرّك لإظهار قوتها الخاصة. واختارت باكستان الاستجابة لاستهداف إيران المزعوم لمقاتلي جيش العدل المرتبطين بالهجمات على قواتها الأمنية بضرب أعداء التمرد الخاصة بها على الجانب الإيراني من الحدود في بلوشستان.
• الديناميات الداخلية:
تشترك إدارتا بادين وترامب، كما فعلت سابقتيهما، في اعتقادٍ أساسي خاطئ بأن الشعب الإيراني في النهاية سيثور ضد قيادته القمعية والفاشلة. ويُعد هذا الاعتقاد -على الرغم من جهود مجتمع المخابرات الأمريكي لتعزيز فهم صانعي القرار- غير صحيح. وهو منظور تشكل، بتأثير مجموعات المصالح الخاصة والمحللين المتشددين الذين ينظرون إلى الشعب الإيراني من خلال المنظور الضيق للطبقة المتوسطة والمثقفة، والتي تتأثر بشكل أكبر اقتصاديًا واجتماعيًا بقمع النظام والفساد وسوء إدارة الاقتصاد. وبعد كل شيء، يأتي الجزء الأكبر من المغتربين الإيرانيين من هذه الفئة السكانية، وبالمثل فإنها الفئة التي كان للأمريكيين تاريخيًا أكبر قدر للتفاعل معها.
ومع ذلك، فإن الطبقة الوسطى والمثقفة في إيران ليست الفئة الحاسمة التي يحتاجها الأئمة الحاكمون ويخشونها وبالتالي يتعاونوا معها، على الرغم من أنها الأكثر نشاطًا سياسيًا منذ الثورة. وعلى الرغم أيضًا من أنها كانت القوة المحركة وراء حركة الخضراء عام 2009 والاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت بسبب وفاة (مهسا أميني) البالغة من العمر 22 عامًا في 16 سبتمبر/ أيلول 2022 أثناء احتجازها بتهمة انتهاك قواعد الحجاب الإلزامية الصارمة في إيران، وتم قمع هذه الاحتجاجات وغيرها من الانتفاضات المماثلة التي نشأت في الطبقة الوسطى بسهولة من قبل النظام.
كما كانت الطبقة الفقيرة والعاملة في إيران أساس نجاح الثورة، وذلك من خلال توفير حشود غفيرة من المحتجين المستعدين للاستمرار في الإضرابات العامة المكلفة وتحمل وحشية قوات الأمن التابعة للشاه. وتُعد أساسية اليوم، حيث أن أكثر من 50% مما يُقارب 90 مليون نسمة في إيران تحت سن الـ 24 في بلد يعيش فيه 12 مليون تحت خط الفقر، وثلث سكان المناطق الحضرية يعيشون في الأحياء الفقيرة، و50% من القوى العاملة لديهم وظائف غير منتظمة. ويدرك قادة إيران قدرة قوات الأمن لديهم، في حال خرج الملايين إلى الشوارع للاحتجاج.
وربما لم يقم قادة إيران بفعل ما وعدوا به للفقراء والمحرومين عام 1979، لكنهم كما يبدو قاموا بما يكفي لمنع اندلاع شرارات عدم الرضا الاقتصادي المؤقتة من التحول إلى تهديد كبير. وحتى مع جميع المحن القائمة بين الفقراء والمناطق الريفية في البلاد، والتي تميل إلى أن تكون أكثر تدينًا واحتشامًا اجتماعيًا، يمكن القول إنهم يعيشون اليوم بشكل أفضل مقارنة بعام 1979.
وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد قوات الأمن بشكلٍ كبير على المجندين من هذه المجتمعات الفقيرة. وبالتالي، يكون النظام حذرًا في استخدام حرس الثورة في قمع الاحتجاجات، وهو الباسيج الذي يعد منظمة تطوعية شبه عسكرية تعمل تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني، ويتمتع أعضاؤها بتأهيلٍ شامل وتدقيق بشكل تام، وغالبًا ما يتم نشرهم بشكل متعمد بعيدًا عن مسقط رأسهم، حيث قد يكون لديهم ممانعة أقل لاستخدام القوة.
واحتجاجات الفقراء في الغالب تكون ذات طابعٍ اقتصادي وتندلع بسبب ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار البنزين. وبينما يردد بعض المتظاهرين هتافاتٍ ضد خامنئي والقيادة الإيرانية، إلا أنهم لم يعبروا عن دعم لبدائل سياسية أو السعي للحصول على حريات ديمقراطية واجتماعية أكبر كما هو الحال مع الطبقة الوسطى. ويُشير هذا إلى وجود بعض السخرية في كيفية تأثير العقوبات الأمريكية، وعلى الرغم من أنها كانت شديدة، إلا أنها تؤثر بشكل لا نسبي على الطبقة الوسطى والمثقفة التي طالما أمل المسؤولون الأمريكيون في أن تنهض وتقيم ديمقراطية موجهة نحو الغرب.
ومع ذلك، لا يزال هناك أمل لئلا تكون هناك حاجة لحرب حتمية. وفي حين لا يمكن للولايات المتحدة أن تأمل تطبيع العلاقات مع النظام الحالي، إلا أنها لا تزال قادرة على التأثير في سلوك طهران وتقليل التهديد الذي يواجهه العديد في المنطقة، بالإضافة إلى التهديد العالمي المتعلق بالإرهاب الإيراني. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى إلى تغيير إيران، ولكن أن تقلل من التهديد الذي تشكله خارجيًا، وأن تكشف عن ضعفها، وأن تقوض التبرير الذي تختبئ خلفه فيما يتعلق بالمحن الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها في الداخل، وأن تترك الخيارات المتعلقة بمصيرها السياسي لشعبها.
ولتحقيق ذلك والتركيز على مصالح الأمن الأمريكي، يحتاج البيت الأبيض إلى إعادة ضبط حسابات المخاطر الإيرانية من مستوى مرتفع. ويتطلب القيام بهذا أن تعمل الولايات المتحدة على تحديد الخطوط الحمراء وفرضها بشكل أكثر اتساقًا. وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة التفكير والتصرف بشكل غير تقليدي أكثر في استغلال نقاط الضغط الإيرانية فيما يتعلق باقتصادها وصورتها من خلال العمليات السيبرانية التي يمكن إنكارها واستهداف البنية التحتية الإيرانية والجهود السرية للتأثير على السرد الشامل والمتفوق الذي تتبناه إيران.
• نهج أكثر استفزازية:
لم يكن من المفاجئ أن تستجيب إيران وتختار نهجًا أكثر استفزازًا بعد انسحاب الولايات المتحدة في مايو/أيار 2018 من الاتفاق الشامل المشترك وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية في أبريل/ نيسان 2019. ومع ذلك، فإن القوة الفتاكة المتزايدة لطهران في مواجهة الولايات المتحدة تلت أحداثًا ربما استوعبتها بمثابة بيئة أكثر تساهلًا وتزامنت مع تغيير رئيسي في الدائرة الداخلية لخامنئي.
وفي عام 2016، عين خامنئي الجنرال (محمد حسين باقري) -وهو ضابط شاب في الحرس الثوري الإيراني- رئيسًا جديدًا للأركان العامة للقوات المسلحة (AFGS)، وهي أعلى هيئة عسكرية في البلاد. وحل باقري محل (حسن فيروزآبادي)، الذي تولى هذا المنصب لمدة 27 عامًا. وشارك باقري في احتجاز السفارة الأمريكية عام 1979 وقاتل ضد المتمردين الأكراد قبل أن يشارك في الحرب مع العراق، وكان شقيقه حسن بطلًا عسكريًا أسطوريًا، مما يمنحه نسبة ثورية مرموقة.
ويُعد باقري –وهو غير معروف غربيًا- في الأساس استراتيجي وضابط استخباراتي، وهو شخصية نوعًا ما عدوانية، قام بتأسيس فرع المخابرات العسكرية للحرس الثوري الإيراني. وحتى وقت قريب، كان يحافظ على مستوى أقل ظهورًا مقارنة بقائد قوة القدس في الحرس الثوري سليماني، والذي يزعم النظام أنه كان على علاقة وثيقة به، واستكمل استراتيجيته للنشاط التشغيلي لسليماني. كما يبدو أن باقري يظهر بشكل أكثر في الأيام الحالية، مما يشير ذلك إلى دور أكثر علنية أو سياسية عندما تفكر إيران في خلافة خامنئي والمنافسة في الدائرة الداخلية للنظام. وقد قدم تصريحاتٍ عامة بعد قتل المستشار العسكري الأعلى والمنسق في الحرس الثوري الإيراني (سيد راضي موسوي) في سوريا في ديسمبر/ كانون الأول 2023، وعلى ما يبدو أنه تم على يد إسرائيل، حيث وصف ذلك بأنه "خطأ استراتيجي" لن يمر دون رد.
ومن المرجح ألا يكون الموقف الإيراني الأكثر عدوانية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل في السنوات الأخيرة محض صدفة. حيث كان تردد الولايات المتحدة في معاقبة إيران على دورها في هجمات الطائرات المُسيّرة والصواريخ التي شنتها جماعة الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2019 وأثرت وأغلقت بشكل مؤقت منشآت أرامكو النفطية في السعودية نقطة تحول. ولم تنظر إيران إلى تقاعس الولايات المتحدة عن اتخاذ اجراءاتٍ بالمقابل كدعوة للعدوانية المتصاعدة، بل كانت أيضًا إنذارًا للسعودية والإمارات العربية المتحدة بشأن مدى موثوقية الولايات المتحدة في توفير مظلة أمنية ضد إيران. وقد تلا انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وشمال غرب سوريا، وتقليل وجودها العام في العراق، وبذلك تقليص التهديد العسكري القريب الذي كانت إيران تعتقد أنها تواجهه من القوات الأمريكية.
لذا فإن النهج المتماثل والمنضبط لإدارة بايدن تجاه إيران، من خلال الرد على الحوثيين والتنظيمات الشيعية المسلحة في العراق، سيشجع بدلًا من أن يردع المزيد من الاستفزازات الممكنة بدعم وتيسير من إيران. وبدوره، سيستغل خامنئي، مستشهدًا بمستشاره العسكري العدواني باقري ومجموعة من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، الذين يأملون جميعًا في إبهار الآخرين بحماسهم المواجه، ويستغلون ما يرونه بيئة تسمح لهم حتى يتبين أن حساباتهم خاطئة. ولسوء الحظ بالنسبة لأولئك الذين سيتحملون التكلفة، فإن التقييم الحالي للبيت الأبيض والتدابير التي يتخذها لمنع الحرب والتي تؤكد للعامة أن كلا الطرفين لا يريدانها، قد يوفر ظروفًا مغايرة وسوء تقدير والذي قد يؤدي إلى اندلاع الحرب.