تقرير: عندما يكون المشرع رجلا.. المرأة تدفع الثمن
يمن فيوتشر - أزهار فؤاد: الجمعة, 22 ديسمبر, 2023 - 10:22 مساءً
تقرير: عندما يكون المشرع رجلا.. المرأة تدفع الثمن

أمضت سحر حيدر (اسم مستعار) قرابة عام، وهي تكافح أمام القضاء من أجل الإنفصال عن زوجها الذي تقول بانها عانت معه على مدى ثلاثة عشر عاما أصنافا من العنف الأسري وسوء المعاملة وعدم الاحترام.

وعلى خلاف الرجل الذي لا يحتاج لفك رباط الزوجية سوى التلفظ بكلمة الطلاق، يتوجب على المرأة قانونا اللجوء إلى المحكمة لطلب فسخ الزواج، مهما كانت تملك من مبررات ومسوغات منطقية.

وتنص المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية اليمني على أنه " لا يفسخ الزواج إلا بحكم من المحكمة".

 تقول سحر، وهي أم لثلاثة أطفال، ولدان وبنت، تتراوح أعمارهم بين (5- 11) عاما " كان يختلق مشاكل من العدم، ويمد يده علي ويسبني ويسب أهلي، وكنت اتحمله من أجل اطفالنا ".  

تابعت المرأة التي تقطن مديرية الشمايتين جنوبي محافظة تعز، بصوت مخنوق: " لكن ما عاد قدرت، كرهني بحياتي، هربت عند أهلي، ما رضيت أرجع له، لأنه ليست المرة الأولى ولا الثاني ولا الثالثة".

لم تفلح كل المساعي في إقناع سحر بالعودة إلى بيت زوجها، الذي بدوره رفض تلبية طلبها بالطلاق، حتى بعدما قبلت أن تعيد له المهر المدون في عقد الزواج كاملا.

ما رضى يطلقني

"قلت لأهلي، إذا اجبرتوني أرجع له والله بأقتل نفسي، خلاص كرهتوه وكرهت اليوم اللي عرفتوه"، قالت سحر التي كانت تتحدث عبر الهاتف.

 تؤكد بأنه لم يكن أمامها من خيار سوى اللجوء للمحكمة،" لانه مارضى يطلقني، بإحترام"، على حد تعبيرها.

وتقضي المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية اليمني بأنه" إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية وجب على القاضي أن يتحرى السبب، فان ثبت له عين حكما من أهل الزوج وحكما من أهلها للإصلاح بينهما وإلاَّ أمر الزوج بالطلاق، فان امتنع حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر ".

وفقا لسحر عقدت المحكمة أكثر من سبع جلسات قبل أن يحكم القاضي لصالحها بفسخ عقد الزواج.

وعادة ما تأخذ اجراءات التقاضي وقتا طويلا قبل البت بالحكم، حتى في هذا النوع من القضايا لأسباب كثيرة، من بينها ما يعود للمتاخصمين، وكذا من بينها ما يعود للقاضي، ورغبته في إفساح المجال لمساعى الصلح بين الطرفين، كما يقول المحامي باسل عبدالله فارع.

يضيف "بعض القضايا تأخذ ثلاث سنوات، لكن هناك قضايا أخرى قد لاتستغرق ثلاثة أشهر وخاصة عند غياب الزوج وانعدام الطلبات المقابلة من الزوج تسير القضية أسرع".

وأطلعت معدة التقرير على خمسة أحكام تتعلق بقضايا طلب فسخ زواج صادرة من محاكم إبتدائية في محافظات لحج وتعز والضالع، حيث حكم القضاء في أربعة منها بفسخ عقد النكاح لتوفر أسباب الكراهية، والتمرد على النفقة، فيما خلص الحكم الخامس إلى إنهاء السير في الدعوى المرفوعة من الزوجة، بسبب التصالح بين الطرفين.  

  ومن خلال ماهو مدون من تواريخ على تلك الاحكام، تراوحت فترة بقاء هذه القضايا أمام تلك المحاكم منذ تقديم الدعوى حتى صدور الأحكام فيها بين سبعة أشهر وخمسة عشر شهرا.

إطالة أمد التقاضي

 وفضلا عن تقديم الدعوى وتوثيقها، تشمل الاجراءات تحديد موعد المثول أمام القاضي، وإعلان الزوج بالحضور إلى المحكمة، و تمكينه من الإطلاع والرد على ادعاءات الزوجة، إضافة لجلب شهود الإثبات وشهود النفي، وتعيين حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة في محاولة للإصلاح بينهما، وصولا للمرافعات الختامية وتحديد موعد النطق بالحكم.

 ويذكر المحامي باسل فارع أيضا أسبابا أخرى لإطالة أمد التقاضي، من بينها المباعدة بين الجلسات، أو تعطيل انعقادها بسبب الإضرابات، أو لعدم حضور القاضي، وكذا منح مساحة لبعض الاجراءات الشكلية.. لافتاً إلى عديد الثفرات القانونية التي تكفل كذلك للرجل إطالة أمد النزاع، وحرمان المراة من الزواج بالغير نظرا لعدم اعطائها الحق في الزواج بمجرد الفسخ، إذ يلزمها القانون بأن تنتظر حتى صيرورة الحكم نهائي، أي إلى بعد صدوره من محكمة الاستئناف.

 يرى أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق جامعة عدن الدكتور هادي المنصوري أن " الخلع هو الطريق الأسرع في إنهاء العلاقة الزوجية بالنسبة للمرأة"، لكنه اوضح بأن الخلع في القانون اليمني يستوجب موافقة الزوج على الطلاق "نظير العوض الذي تقدمه له المرأة".

ويرجع الدكتور المنصوري إطالة فترة التقاضي في دعاوى الفسخ، لعدة اعتبارات، يتشارك المسؤولية عنها الأطراف والمحكمة والمحامون، لكنه يرفض القول بأن هناك تمييزا على أساس النوع الاجتماعي في اجراءات الفسخ والطلاق، خلافا للمحامي باسل فارع الذي يؤكد بأن "التمييز واضح وضوح الشمس في كبد السماء"، حد قوله.

تمييز قانوني

ويعرف القانون اليمني الطلاق بأنه "قول مخصوص أو ما في معناه، به يفك الإرتباط بين الزوجين".

 وفي حين لايحق للمرأة فسخ عقد النكاح إلا بحكم قضائي بات، قد تمتد اجراءاته في بعض القضايا لسنوات، لا يلزم الرجل لإنهاء العلاقة الزوجية سوى أن يقول لزوجته "أنت طالق"، من الناحية الشرعية، وأما من الناحية الاجرائية، فهو لا يحتاج سوى التقدم مع "شاهدي عدل عاقلين بالغين إلى قلم التوثيق في المحكمة المختصة، أو إلى الأمين المختص لتحرير وثيقة إشهار الطلاق".

تحكي زبيدة صالح( 55 عاما) بنبرة يختلجها شعوراً بالقهر كيف أنهى زوجها سنوات طويلة من العشرة بينهما

بكل بساطة بكلمة واحدة، بعدما حرضه أبناؤه على الطلاق ، خشية أن تحصل على الفتات من تركة الرجل الثمانيني المريض الذي يوشك أن يحتضر.

 كان الرجل في منتصف الستينيات عندما تزوجها، عقب وفاة زوجته الاولى، بينما كانت هي لاتزال في مطلع الثلاثينيات من العمر.

"قضينا مع بعض أكثر من 22 سنة، لم نرزق بأطفال، لكن ظل أبناؤه من زوجته الأولى يحرضوه على أن يطلقني من أجل الإرث، حسبي الله عليهم جميعا "، أضافت زبيدة، بينما كانت تمد لي بنسخة من ورقة الطلاق.

كتب الأمين الشرعي في وثيقة إشهار الطلاق "وبعد محاولة إصلاح الشأن بينهما أصر الزوج على إجراء الطلاق وتلفظ قائلا أشهد الله وأشهدكم أن زوجتي( .. ) طالق من عصمة عقد نكاحي، وهي الطلقة الأولى بحسب إفادته وعليها أن تعتد العدة الشرعية ".

 وبينما تفرض بلدان عربية ووإسلامية، كما هو الحال في تونس، قيودا على الطلاق، بحيث "لا يقع إلا لدى المحكمة"، يقول الدكتور هادي المنصوري بأن"الطلاق بيد الرجل فقها وقانونا، ومن الناحية الفقهية غير جائز وضع قيود على الطلاق إذا توافرت فيه شروطه وهو ما ينص عليه القانون اليمني"

 وبموجب نص الفصل (31)من مجلة الأحوال الشخصية التونسي، يحكم بالطلاق في ثلاث حالات: بتراضي الزوجين، او بناء على طلب أحدهما بسبب ما حصل له من ضرر، او بناء على رغبة الزوج إنشاء الطلاق، أو مطالبة الزوجة به، بحيث يقضى لمن تضرّر من الزوجين بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الناجم عن الطلاق.

أعيدي له حديقته

ولايجد المحامي باسل فارع مانعا في مساواة الرجل والمرأة في اجراءات الطلاق والفسخ، قائلا" أن الشريعة الإسلامية قد حطمت تلك الاجراءات الطويلة والمعقدة في اجراءات الفسخ او الطلاق، حيث اختصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "اعيدي له حديقته" ، في اشارة إلى حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنه قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا.

 وأوضح المحامي باسل فارع بأن ذلك "كان بنفس اللحظة بعيدا عن كل الاجراءات المعقدة والتي تمر بها دعوى الفسخ حاليا في المحاكم والتي تاخذ بعضها سنتين إلى ثلاث سنوات.

قانون ذكوري

 وهو يعتقد بأن حرص المشرع على تعقيد إجراءات الفسخ بالنسبة للمرأة، جاء انطلاقا من" منظور أن النساء ناقصات عقل ودين".. مؤكدا أن قانون الأحوال الشخصية اليمني هو "قانون ذكوري قام بصياغته الذكور، وقد غلبوا فيه مصالحهم على مصالح النساء".

وتتفق في ذلك أيضا الناشطة الحقوقية بلقيس اللهبي وهي باحثة مختصة في قضايا الجندر بمركز صنعاء اللدراسات الاستراتيجة حيث تذهب إلى القول بأن التشريعات لا تثق في رجاحة قرارات المرأة،" إذا لا تعطيها حق القرار في فصم وثاق مؤسسة هامة وحيوية كالزواج". 

تابعت "هذا جزء لا يتجزأ من ثقافة التقليل من شأن النساء في اتخاذ القرارات وعلى رأسها القرارات المصيرية، حيث يعتبر الذكور هم القائمين والقوامين على إدارة شئون المجتمع وبالاساس شئون الاسرة وعليه فان إبرام عقد الزواج أو إنهائه هي مهمة منوطة بهم أساسا".

حلول ومعالجات

الناشطة بلقيس اللهبي تقول من وجهة نظري يجب التعامل مع الزواج كشأن يهم المجتمع والدولة وان لا يتم فض المؤسسة الا بعد التأكد من أهلية الشريكين لإتخاذ هذا القرار دون أن ينال الضرر أحدها والتعويض عن الضرر إن كان لابد من وقوعه والاطمئنان لمصير الأطفال أن وجدوا والتقسيم العادل لمكتسبات الاسرة التي حازتها أثناء قيام تلك الشراكة بين الزوجين، وذلك على مبدأ لا ضرر ولا ضرار.

المحامي باسل عبدالله يؤكد أن ما تضمنها قانون الأحوال الشخصيه من اجراءات في موضوع الفسخ هي بمثابة سيف مسلط على المرأة، وعليه فهو يرى ان العمل علي تعديل نصوص مواد القانون واعطاء مثل تلك القضايا صفة الاستعجال وتحديد الفصل فيها خلال مده معينه لايجوز تجاوزها سلبا سيحد كثيرا من تراكم مثل تلك القضايا امام المحاكم.

أما المحامية أسمهان وهي محامية متخصصة بالمرافعة في قضايا الفسخ والطلاق فهى ترى أن الحل يكون في إجراء تعديلا ينص على أنه متى ما أعادت المرأة المهر، أو قامت بتسليمه إلى خزينة المحكمة يكون الفسخ وجوبيا أو خلعيا بقوة القانون وبلا استئناف.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.


التعليقات