تهدد التغيرات المناخية مختلف مناحي البيئة والحياة الإنسانية، لاسيما في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأشد تضررا من بين دول العالم، رغم كونها الأقل تسبباً في انبعاثات الوقود الأحفوري من المصانع والمنشآت ومحطات توليد الكهرباء ووسائل النقل وغيرها من الملوثات التي تتسبب بها الدول الصناعية بدرجة أولى، والتي لا تعتمد طرق وأساليب مستدامة لتخفيف التلوث بدلا من الطرق التقليدية.
وتعتبر اليمن من بين الدول الأكثر تضررا في المنطقة والعالم، ما أدى إلى تراجع مؤشرات التنمية والمشاريع المستدامة. وتعاني اليمن أضرارا جسيمة، فاقمتها الحرب والحصار منذ تسع سنوات، خصوصا في ظل تراجع أو شلل دور المؤسسات والجهات الحكومية الفاعلة في هذا الإطار، والمنوط بها -بالاشتراك مع منظمات المجتمع المدني والجهات الداعمة والمانحة الدولية، إعداد استراتيجيات وخطط لإيجاد حلول ومشاريع مستدامة للتكيف مع ومواجهة التغيرات المناخية التي تلقي بظلالها على التنمية المستدامة في البلاد.
•المياه
يقول المهندس الجيولوجي يوسف النهمي، والذي يعمل في هيئة الموارد المائية، بأن الأحواض المائية اليمنية كلها مهددة بالجفاف، خصوصاً حوض صنعاء، مشيرا إلى أن من أنجح الحلول لإنقاذ الأحواض المائية إنشاء السدود والكرفانات و"حفر التغذية"، والتي تم تنفيذ عدد منها عام 2012 في صنعاء، وأثرت إيجابا في تغذية حوض العاصمة، لافتا إلى أهمية تغذية المياه الجوفية في تحسين الإنتاج الزراعي وزيادة الغطاء النباتي، وبالتالي تحسين الوضع المعيشي لشريحة كبيرة من المزارعين، إضافة إلى تقليل مخاطر التلوث.
ووفقا لتقرير موقع "حلم أخضر"، فقد شغل القطاع الزراعي حتى أواخر التسعينيات أكثر من 75 بالمئة من الأيدي العاملة في اليمن، وبلغ الإنتاج المحلي من الحبوب والفواكه والخضروات 96 بالمئة من حاجة البلد، وبلغت مساحة الأراضي المزروعة 1.2 مليون هكتار بنسبة 82 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وبلغ عدد العاملين في الزراعة قرابة 1.9 مليون عامل، وفقا لتقارير حكومية (2005). وحاليا، بحسب تقرير المستجدات الاقتصادية لوزارة التخطيط (2018) بات القطاع الزراعي يوفر 15 بالمئة فقط من إجمالي الاكتفاء الذاتي.
غير أن ذلك كله شهد تراجعا حادا ساهمت فيه بشكل رئيسي التغيرات المناخية وظروف الحرب والحصار وزيادة معدل السكان والهجرة إلى المدينة وغياب الاهتمام والدعم الحكومي وفقا لـ"حلم أخضر"... وعوامل أخرى عديدة، أدت إلى شحة الموارد المائية وانجراف التربة وعدم استغلال الأمطار الموسمية...
تفيد تقارير دولية بأن حصة الفرد في اليمن من مياه الشرب سنويا تبلغ 86 مترا مكعبا، أقل بكثير من الحد الأدنى للفرد في العالم وهو 500 متر مكعب سنويا.
كما كشفت أبحاث أجرتها جامعة صنعاء عام 2010، أن 70-80% من النزاعات في اليمن تدور حول المياه. وعادة ما يعاني الفقراء والأكثر ضعفا من تلك الصراعات، مما يجعلهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي .
•التصحر
يعد التصحر من أخطر المشاكل البيئية التي تواجه اليمن نتيجة التغيرات المناخية. ونتيجة للتغيرات المناخية فقد فقدت التربة خصوبتها وتقلصت مساحة الغطاء النباتي في مقابل حدة زحف التصحر، وتدهور الأراضي الزراعية والمراعي وتراجع التنوع البيولوجي وانقراض الأنواع، نتيجة الجفاف والتملح والزحف العمراني.
ووفقا للتقرير الوطني لمكافحة التصحر في اليمن الصادر (2004) فإن 97 بالمئة من الأراضي اليمنية تصحرت بدرجات متفاوتة. وإلى جانب التغير المناخي فإن النمو السكاني مثّل أحد أسباب زحف التصحر واستنزاف الموارد الطبيعية نتيجة الزيادة في الطلب على الغذاء والأعلاف والتحطيب وخشب البناء.
ويفيد الدكتور المختص بشؤون الطاقة والجيولوجيا، حسين جغمان، في ورقة عمل منشورة على موقع "حلم أخضر"، نقلا عن دراسات مختصة بأن التغيرات المناخية وشحة الأمطار تسهم في زيادة العنف بنسبة 4٪، والصراع بين المجموعات بنسبة 14٪.
وتحتل اليمن المرتبة 174 في قائمة مؤشر (ND-GAIN - مؤشر نوتردام للتكيف العالمي، وقد استخدم لتصنيف أداء التكيف مع المناخ في 177 دولة على مدى الأعوام السبعة عشر الماضية) من حيث القدرة على التكيف والاستعداد لمواجهة التغيرات المناخية، وهو ما يهدد بمفاقمة انكماش الاقتصاد المنكمش أساسا بنسبة 50 بالمئة، والتضخم بنسبة 30.6 بالمئة في 2021 وفقا للأمم المتحدة.
كما وتحتل اليمن المرتبة 12 بين الدول التي تعاني إجهادا مائيا شديدا، حيث تستخدم اليمن 80 بالمئة من إمداداتها المائية المتاحة. وحذر تقرير لمعهد الموارد العالمية في آب/ أغسطس 2023 من اليمن واحدة من الدول المهددة بإجهاد مائي بنسبة 100 بالمئة في العام 2050. ومن أسباب ذلك، زراعة نبتة القات واستخدام أنظمة الري التقليدية (الغمر) إلى جانب تزايد تأثير انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، التي تقلل فرص هطول الأمطار أو الأمطار غير المتكافئة وتتسبب بالفيضانات، خصوصا مع عدم وجود استراتيجيات حكومية فعالة لإدارة مصادر المياه وترشيد استهلاكها.
وللحفاظ على البيئة في اليمن يقترح الجيولوجي يوسف النهمي، العمل على زيادة التوعية بخطورة المشاكل البيئية وتلويث المياه الجوفية بالمبيدات والصرف غير الصحي وغيرها، وأهمية استخدام الطاقة المتجددة البدائل وتقليل الاعتماد على الوقود الاحفوري، والحفاظ على التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر وزيادة مساحة الغطاء النباتي، كذلك مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي والاهتمام بمشاريع دعم المحميات الطبيعية والالتزام بالحفاظ على التنوع البيولوجي فيها.
•الصحة
تقول وفاء السنيدار، الباحثة اليمنية في الصحة العامة، بأنها لم تجد أي معلومات أو إحصائيات رسمية، من وزارة الصحة أو أي جهة حكومية أخرى، لتدعيم بيانات بحثها الذي تعده عن الأوبئة المرتبطة بالتغير المناخي.
وأشارت إلى ضرورة وضع خطط تأهب واستجابة طبية للتصدي للكوليرا، من خلال كلورة المياه والاهتمام بالصرف الصحي ومشاريع نظافة مجتمعية، لافتة إلى تفاقم انتشار أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك والأمراض التنفسية وتحسس البشرة والكوليرا والإسهالات وغيرها، نتيجة تلوث مياه الشرب.
وطالبت السنيدار بتفعيل هيئة الكوارث والطوارئ وإنشاء مركز معلومات إلكتروني يتيح للمهتمين والمختصين الحصول على المعلومات، وتفعيل الترصد المناخي والترصد الوبائي، وتحديد الاحتياجات الوطنية وإيلاء الأولوية للمشاريع التنموية ودعم وتوفير البذور للمزارعين للتقليل من سوء التغذية الحاد، وتنسيق عمل مشاريع أسبوعية ومناقشات لوضع حلول التأهب للتغيرات المناخية.
•جهات دولية
ترى منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أن التغيرات المناخية "تهدد عقوداً من التقدم الصحي، ويحتمل أيضا أن يعكس اتجاه هذا التقدم"، في إشارة إلى حجم التأثيرات السلبية المهددة لصحة الإنسان والنظم الطبيعية والبشرية، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، نتيجة ما يتسبب به التغير المناخي من عواصف وارتفاع درجة الحرارة وفيضانات وجفاف وحرائق الغابات... وغير ذلك من الظواهر التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على صحة الإنسان البدنية والعقلية.
ولفت تقرير المنظمة الأممية إلى أن تغير المناخ يؤثر بطرق عدة على الصحة، بسبب تعطل النظم الغذائية وزيادة الأمراض الحيوانية والأمراض المنقولة بالأغذية والمياه ومشاكل الصحة النفسية، إضافة إلى تقويض سبل العيش وغير ذلك مما يمس أكثر المجتمعات والفئات ضعفا وفقرا والمهاجرين والنازحين.
من جهتها تشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن 600 مليون إنسان يعانون من الأمراض المنقولة بالغذاء سنويا، وأن 700 ألف حالة تعاني من الأمراض المنقولة جراء تغير درجة الحرارة وهطول الأمطار، وأن 770 مليون إنسان يواجهون خطر الجوع، مشيرة إلى تأثيرات مباشرة وفورية لتغير المناخ على الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب التالي للصدمة، متوقعة ارتفاع حالات الوفيات بسبب التغيرات المناخية إلى 250 ألف بحلول العام 2030.
وعن التغيرات المناخية وآثارها في اليمن، يقول طارق حسان رئيس "مجلس الشباب العالمي-اليمن" الذي نظم مؤتمر المناخ الأول في اليمن (LCOYYemen)، ونقل توصيات الشباب اليمني والمختصين إلى مؤتمر "كوب28"، بأن دور الجهات المسؤولة في اليمن ضعيف جدا، مؤملاً أن تحصل اليمن على الدعم المالي من "صندوق الأضرار والخسائر"، كونها من أكثر البلدان تضررا جراء التغيرات المناخية، نتيجة الكوارث الطبيعية من بينها الأعاصير والفيضانات.
ويلفت حسان إلى ضرورة تفعيل دور المؤسسات الحكومية اليمنية لتتمكن من استيعاب الأموال المخصصة لليمن من صناديق مثل المناخ الأخضر ومرفق البيئة العالمي وغيرهما، وهذا يتطلب مؤسسات حكومية قوية وفعالة لاستيعاب الأموال وتنفيذ المشاريع المستدامة لمواجهة التداعيات المناخية الكارثية التي تلحق بالبيئة في اليمن.
وبخصوص التعهدات المالية الدولية لليمن، يقول حسان بأن هناك تعهدات مالية ضخمة لليمن، بعضها موجود وموثق لدى الصناديق الدولية، مستدركا بأن المشكلة تكمن في عدم قدرة المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني على استيعاب تلك الأموال، وغياب الرقابة والشفافية والتقييم المالي والإداري لدى المؤسسات الحالية.
وبشأن صوت اليمن في المفاوضات، يشير رئيس مجلس الشباب العالمي -اليمن إلى ضرورة إعداد فريق وطني للعمل ضمن التحالفات الدولية التي تشارك بها اليمن وهي تحالف منظمة التعاون الإسلامي و"مجموعة الـ77 والصين" والمجموعة العربية، فمن خلال تلك التحالفات يمكن لليمن التأثير في المؤسسات الدولية للموافقة على مشروع قرار يصب في صالحها كإحدى الدول النامية، غير أن دور اليمن بهذا الصدد يكاد يكون منعدما؛ إذ يمثلها في تلك المفاوضات المصيرية ثلاثة أو أربعة مفاوضين، في حين أن دولاً مثل السعودية ممثلة بـ150 مفاوضاً، والصين 300 مفاوض من أبرع المفاوضين لطرح وجهات نظر بلدانهم ورعاية مصالحها ومطالبها.
ويضيف أن من غير العادل أن تكون اليمن إحدى الدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، وتمثل تمثيلاً هزيلاً للغاية في المفاوضات أمام المؤسسات الدولية والدول المانحة والملزمة بدفع التعويضات.
يذكر أن "كوب28" قد خرج بقرار وصف بالتاريخي، وتمثل في إنشاء "صندوق الأضرار والخسائر"، والذي جاء ثمرة محاولات عديدة منذ طرح قبل ثلاثة عقود، بهدف دفع تعويضات للدول الأكثر تضررا (بينها اليمن) جراء التغير المناخي وما يسببه من عواصف وجفاف وفيضانات...
وفي هذا السياق، يقول أمير شانع، مندوب منظمة "اليونجو" في اليمن، وهي ممثل مقعد الشباب في طاولة مفاوضات مؤتمر الأطراف (كوب28)، بأن مهام "اليونجو" (إحدى المنظمات الشبابية الرسمية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ) هي جمع أفكار ومطالب الشباب من مختلف دول العالم لمناقشتها في مؤتمر (كوب28) من قبل ممثل الشباب، بحكم أن الشباب هم الشريحة الأكثر تضررا مستقبلا من تداعيات تغير المناخ، موضحا أن من الضروري على الجهات الرسمية والحكومية القيام بدورها في وضع استراتيجيات وطنية للعمل على تحقيق أهداف التأقلم مع التغير المناخي، مشيرا إلى أن المنظمات الدولية والمنظمات المحلية لا يمكنها الدخول في اختصاصات ومهام الجهات الحكومية بشأن وضع الأهداف والخطط والاستراتيجيات، ويكمن دورها في العمل على ضوء الخطط التي تقدمها الجهات الحكومية، ومساعدة ومساندة تلك الجهات في تحقيق الأهداف، وهو ما لم يتحقق في اليمن بسبب غياب الرؤية الوطنية.
ولفت شانع إلى ضرورة الأخذ بالمقترحات المطروحة بأنه في حال توقفت الحرب وبدأت مشاريع إعادة الإعمار فيجب أن تكون موائمة لأهداف التنمية المستدامة، والاستفادة من تجارب بعض الدول في هذا الإطار بحيث يتم تحقيق أقصى استفادة بيئية من تلك المشاريع.