منذ اختطاف سفينة شحن "جالاكسي ليدر" في البحر الأحمر الأسبوع الماضي، قام الحوثيون -بحسب التقارير- بإطلاق صواريخ بالستية سقطت على بُعد عشرة أميال بحرية من "يو إس إس ميسون" يوم الأحد.
وجاء إطلاق الصواريخ رداً على تدخل المدمرة البحرية الأمريكية في محاولة اختطاف سفينة أخرى، وهي ناقلة تحمل اسم "سنترال بارك" في خليج عدن.
ونفى الحوثيون مسؤوليتهم عن هذا الاختطاف الذي يبدو أنه تم تنفيذه على يد قراصنة صوماليين.
وبالإضافة إلى ذلك، يواصل الحوثيون -الذين يسيطرون على معظم شمال غرب اليمن- إطلاق صواريخ مُجنّحة وطائراتٍ بدون طيار مسلحة باتجاه إسرائيل.
لا توجد خيارات جيدة عند التعامل مع الحوثيين، فهم جماعة قوية و قريبة من الدولة، تطورت وتم اختبارها مِراراً خلال ما يقرب من عقدين من الحرب، ابتداءً من عام 2014 -عندما استولوا على العاصمة اليمنية صنعاء- عمل الحوثيون على فحص و دمج العديد من أفضل المهندسين والفنيين والضُباط من الجيش اليمني ووكالات الاستخبارات اليمنية في منظمتهم الخاصة.
و حوّل هذا التوظيف -جنباً إلى جنب مع المساعدة الإيرانية- تحول الحوثيون من قوة متمردة متشددة إلى مجموعة عسكرية متطورة تمتلك الآن -على مستوى منخفض- دوراً مهماً في المنطقة.
كما تدرك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي شنتا تدخلاً عسكرياً في اليمن عام 2015، مدى عِناد وعزم الحوثيين كعدو. و بعد تكرار التسللات الحدودية من قِبل الحوثيين والضربات بالصواريخ والطائرات بدون طيار على أراضيها، قامت المملكة العربية السعودية بتحويل استراتيجيتها من الحرب إلى المفاوضات.
و بدلاً من مواصلة السعودية لسياسة مستوحاة من النهج العسكري الأمريكي الحركي، عادت السعودية إلى سياسةٍ خارجيةٍ حذرة ومُتزنة خدمتها لعقودٍ عديدة. فمنذ نهاية عام 2022، شاركت السعودية في محادثاتٍ ثنائية مع الحوثيين، كجُزءٍ من جهود مُصمَمة بعناية لتخفيف التوترات وتحقيق الاستقرار في المناطق على طول الحدود السعودية اليمنية التي تمتد لأكثر من 800 ميل.
و كانت هذه المحادثات -التي ساعدت فيها الصين وإيران- تقترب من الانتهاء قبل أن يعلن الحوثيون حرباً فعلية على إسرائيل.
أما الآن فإن هذه المحادثات تتعرض لخطر التعثر بسبب الأفعال المثيرة التي يقوم بها الحوثيون.
كما أشارت الولايات المتحدة إلى أن إدارة بايدن تُفكر في إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمةٍ إرهابيةٍ أجنبية. و قامت إدارة ترامب سابقاً بتصنيف الحوثيين كمنظمةٍ إرهابية أجنبية في يناير/ كانون الثاني 2021، ثم عادت في وقتٍ لاحق بإلغاء هذا التصنيف. و على الرغم من أن التصنيف مُبرَراً أكثر الآن مما كان عليه عند فرضه لأول مرة، إلا أنه سيكون له تأثير ضئيل أو غير ملموس على الحوثيين أو قيادتهم.
حيث أن أعضاء الحوثيين البارزين لا يُغادرون اليمن ولا يمتلكون أصولاً خارجية قابلة للمصادرة. بل في الواقع، ستحتفي صنعاء بهذا التصنيف كدليل على أن الحوثيين "يفوزون". ومع ذلك، سيؤثر التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية سلباً على المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية والتي يجب أن تتعامل مع الحوثيين.
على الرغم من أن الغارات العسكرية، التي تكاد تكون في مرحلة التخطيط المتقدمة بلا شك، ليست خياراً جيداً أيضاً للتعامل مع الحوثيين. إلا أن المجموعة المتشددة نجحت ليس فقط في البقاء على قيد الحياة خلال سنوات الغارات التي نفذتها السعودية والإمارات خلال تدخلهما في اليمن، بل ازدهرت عسكرياً وسياسياً.
حيث أن الغارات الجوية التي قادتها السعودية والإمارات أثارت غضب الجمهور وعملت كلاصق يحافظ على تماسك المنظمة الحوثية الواسعة.
و في خلال تلك الفترة، عملت الجماعة على تحسين قدرتها على إخفاء الأسلحة والمرافق داخل متاهة الجبال والأودية الضيقة في شمال غرب اليمن، وفي المناطق الحضرية الكثيفة بالسكان. و في الوقت نفسه، استمروا في شنِّ هجماتٍ عابرة للحدود بواسطة قواتهم البشرية والطائرات بدون طيار والصواريخ في عمق الأراضي السعودية.
و بشكل مشابه لفرض تصنيفها كتنظيم إرهابي أجنبي، ستُعتبر الهجمات من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل على أهداف في اليمن انتصاراً من قبل العديد من قادة الحوثيين. وهذا ينطبق خاصة على أولو القوة المسلحين الذين ينتصرون. كما أن من المرجح أن تعزز الضربات دعم الحوثيين بين اليمنيين، و الضربات العسكرية، التي ستكون على الأرجح محدودة الطبيعة، لن تؤثر كثيراً في قدرة الحوثيين على تنفيذ هجمات في البحر الأحمر أو في أماكن أخرى.
وما يزيد من القلق، أن هذه الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية، حتى لو كانت محدودة، قد تشعل ردود فعلٍ تصاعدية و لها تداعيات إقليمية وحتى عالمية. حيث أن الحوثيون لديهم القُدرة على عرقلة الملاحة في البحر الأحمر، على الأقل لفترات قصيرة. كما يمكنهم استهداف البنية التحتية الحيوية لإنتاج الطاقة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. و هذه الهجمات، حتى لو كانت ناجحة بشكل متواضع، يمكن أن تؤثر بشكل ملموس على أسعار الطاقة العالمية.
كما يجب أيضًا أن يُلاحظ أن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على ناقلة البديل لـ FSO Safer، والتي ترسو بالقرب من ميناء الحديدة في البحر الأحمر. حيث نجحت الأمم المتحدة في نقل أكثر من مليون برميل من النفط المتدهور من الناقلة الصدئة إلى ناقلة جديدة تُدعى "MOST Yemen" في أغسطس/ آب من هذا العام. و تتمتع قيادة الحوثيين بفهم فطري للحرب غير المتماثلة، وإذا تم تقييدهم، فقد يلحقوا ضرراً بالناقلة أو يقوموا بتفجيرها في البحر الأحمر لتسبب الفوضى.
و يعتبر الكثير من اليمنيين وعالم المسلمين الأكبر أن الحوثيين "يدافعون" ضد العدوان الإسرائيلي المفترض، على الرغم من أن صواريخ وطائرات الحوثيين تمت اعتراضها جميعها. حيث أظهرت الهجمات -بما في ذلك اختطاف سفينة "جالاكسي ليدر"، التي يمتلك جزء منها الملياردير الإسرائيلي (أبراهام أونغار)- قدرة المجموعة العسكرية. والأمر الأهم بالنسبة للحوثيين، فإن الهجمات على أهداف مرتبطة بإسرائيل، كما كان مقصوداً، زادت من دعم الكثير من اليمنيين لهم.
فقبل بدء حرب إسرائيل وحماس، كان الحوثيين يواجهون عقباتٍ فيما يتعلق بالدعم الداخلي. و كانت البطالة ونقص فرص العمل، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وقمع الحوثيين الوحشي للمعارضة يبدأون في تآكل الدعم للمجموعة، خاصة بين بعض القبائل الرئيسية. وليس القصد من ذلك أن الحوثيين كانوا في خطر فقدان السيطرة على شمال غرب اليمن.. لم يكونوا كذلك. ولكن التصدعات كانت تتسع وحسب.
أما الآن، حتى أعداء الحوثيين القُدامى يعبرون عن دعمهم لهجماتهم على إسرائيل. حيث التقى أعضاءٌ بارزون في حزب الإصلاح اليمني، وهو فرع الإخوان المسلمين في اليمن، والمتحالف مع الحكومة المعترف بها دولياً، مؤخراً بمسؤولي الحوثيين في صنعاء. وهذا يستحق الاهتمام بالنظر إلى أن الإصلاح كان مشاركاً في معارك دموية مع الحوثيين منذ عام 2015. و ستزيد الهجمات على الحوثيين -حتى لو كانت مبررة- هذا الاتجاه فقط وتعزز دعم المجموعة.
ولكن هذا الدعم سيكون ذو فترة قصيرة. فبسبب اختطافهم لسفينة "جالاكسي ليدر" وتهديدهم المستمر، ارتفعت أسعار التأمين على السفن التي تعبر البحر الأحمر، وخاصة السفن التي ترسو في ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون. كما أن هناك مؤشرات على أن بعض السفن التي كانت مقررة للرسو في الحديدة قد غيروا مسارها نتيجةً لتصرفات الحوثيين. و إذا كان هناك استفزازات أخرى، فمن الممكن أن يتم إغلاق الميناء، الذي يتم من خلاله معظم إمدادات الغذاء في اليمن، أمام الملاحة الدولية.
و سيتعرض حينها الشعب اليمني، الذي يعاني بالفعل من مستويات متزايدة من عدم الأمن الغذائي، لضغط هائل نتيجة لذلك.
و لا توجد خيارات جيدة للتعامل مع الحوثيين. ولكن الحقيقة البسيطة هي أنهم لن يختفوا قريباً، ولن يتم هزيمتهم بواسطة الوسائل العسكرية وحدها.
فالمملكة العربية السعودية، التي أعادت تشكيل نفسها كوسيط قيّم في عدد من الصراعات، بما في ذلك اليمن، هي الأكثر ملائمة لمحاولة تهدئة سلوك الحوثيين من خلال مواصلة المفاوضات الصعبة. و يفهم المسؤولون السعوديون أن هناك معتدلين داخل قيادة الحوثيين لديهم مصلحة أكبر في الأعمال والتنمية من الحرب. حتى الحوثيون المتشددون الآن لديهم ثروات وإرث يرغبون في حمايته وتمريره. كما أن هناك أيضاً تقنيون داخل منظمة الحوثيين يفهمون أن سيطرة الحوثيين على شمال غرب اليمن لن تتحمل بسهولة استمرار التدهور الاقتصادي.
و يعتقد المسؤولين السعوديين أن النهج الذي يعزز المعتدلين من خلال جهود التنمية وإعادة الإعمار سيكون أكثر نجاحاً على المدى المتوسط والطويل من العودة إلى الحرب. صحيح أن الحوثيون يزدهرون في الحرب، ولكن السلام يشكل تحدياً أكبر بكثير بالنسبة لهم. ومع ذلك، فإن استفزازات الحوثيين المتصاعدة تضمن بالكاد استجابة عسكرية من الولايات المتحدة وحلفائها. و مثل هذه الاستجابة مبررة، ولكنها ستمنح الحوثيين، أو على الأقل الجناح الصارم بينهم، بالضبط ما يريدونه، وهو الحرب.