الحياة في مدينة غزة: الحرمان، التقنين والخوف و اليأس
يمن فيوتشر - نيويورك تايمز-يسرى الحلو- ترجمة: ناهد عبدالعليم الأحد, 12 نوفمبر, 2023 - 08:11 مساءً
الحياة في مدينة غزة: الحرمان، التقنين والخوف و اليأس

لسنوات، عمل (محمد مطر) على بناء أنابيب لنقل المياه عبر قطاع غزة، من شمال بيت لاهيا إلى جنوب رفح، أما الآن، فهو بالكاد يستطيع الحصول على المياه لنفسه.
تم التواصل مع (السيد مطر) -وهو مهندسٌ مدني يبلغ من العمر 35 عاماً- عبر الهاتف مساء يوم الخميس في مدينةِ غزة، حيث يعيش هو وعائلته، على الرغم من استمرار القوات البرية الإسرائيلية في هجومها اللا هوادة على حماس.
و في مدينةٍ معزولة تزداد عزلتها عن بقية العالم، وصف (السيد مطر) أياماً مليئة باليأس والخوف.
و قال: "لقد شاهدت الكثير من أفلام الرعب، لكنني لم أشاهد فيلم رعب مثل هذا، أنا متأكد أن ما تراه على التلفزيون لا يمثل حتى 5% مما نُعانيه نحن".
و يقول (السيد مطر) أيضاً إن عائلته -مثل الكثير من العائلات في غزة- تواجه نقصاً في الطعام، حيث أنهم لم يحصلوا على خضروات منذ ما يقرب من ثمانية أيام، ولا يتذكر آخر مرة تناول فيها الدجاج أو اللحم. و في معظم الأيام، تطبخ عائلته الشعيرية الفورية على الفحم، وعلى الرغم من أن صندوق واحد عادة ما يكفي لمدة أسبوع، إلا أنه يقوم بتقنين الاستهلاك لكي يدوم كل صندوق حتى 20 يوماً.
و قال (مطر) : "نحاول الحفاظ على ما لدينا حتى تتغير الحالة و الوضع، و حتى تنتهي هذه القصة الحزينة".
و منذ أسابيع، قام الجيشُ الإسرائيلي بأمر سُكان شمال غزة بالمُغادرة لحمايتهم، وحذّر من أن الذين لا يفعلون ذلك "قد يُعتبرون عضواً في منظمة إرهابية".
و وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA)، ففي الأسبوع الماضي فقط -ومع بدء إسرائيل في تنفيذ توقفات يومية في القتال- فَرَّ نحو 50,000 إلى 80,000 من السُكان جنوباً سيراً على الأقدام.
كما تُظهر مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي عائلاتٍ، بعضها أيديهم مرفوعة، في طريقٍ رئيسي بينما يُراقبهم الجنود الإسرائيليون خلف المركبات العسكرية.
و وفقاً (لجولييت توما) -مديرة الاتصالات في الأونروا- قالت أن بعد فِرارهم، لا يزالون معرضين للخطر. 
وقالت في مُقابلة: “هذا الافتراض بأن الجنوب آمن هو افتراضٌ خاطئ”، واصفةً الأمر الإسرائيلي بأنه “تهجيرٌ قسري” حيث أدى إلى توجه جموع الناس بأعدادٍ كبيرة جنوباً سيراً على الأقدام و هم “يعانون من الجفاف والإرهاق والخوف”.
 وقالت السيدة (توما) : "لا يوجد مكان آمن في غزة".
و نتيجة للتواصل المحدود وانقطاعات في إمدادات المساعدات، قالت (السيدة توما) أنه من صعب جداً تقدير عدد الأشخاص الذين بقوا في مدينة غزة، مُضيفةً إن الشمال أصبح "أخطر منطقة في العالم".
في حين يشتبك جنود إسرائيليون في حرب شوارع مع حماس، وتلتهم هجماتهم المتواصلة المزيد من المدينة، حيث بقى السيد مطر وعائلته.
و قال: "هذا هو مصيرنا، ولكن نأمل أن يغير الله الوضع".
عمل السيد مطر لمدة 10 سنوات في مشاريع البُنية التحتية للمياه لشركة سقا وخضري للمقاولات، وهي شركة فلسطينية للبناء ومقرها في الضفة الغربية. وقال إن مشاريعه -بما في ذلك بناء خزانات المياه وأنظمة التوزيع المرتبطة بها- قد دُمِّرت الآن، ويُقدِّر أن أمر استعادة المياه لقطاع غزة سيستغرق عدة أشهر إلى سنة عند انتهاء القتال.
وفيما يتعلق بالوضع الحالي، قال: "تُعتبر محظوظ إذا استطعت أن تجد ماء لغسل يديك أو وجهك".
و في يوم الجمعة، صرح المفوض العام لـ UNRWA (فيليب لازاريني) أن حِصار إسرائيل لقطاع غزة -الذي يحُد من الوصول إلى الغذاء والمياه والأدوية والوقود لمليوني ساكن في القطاع- يحمل الإمكانية لإحداث "كارثة أكبر بكثير"، بما في ذلك المجاعة.
كما أنه لا يوجد وقود لتشغيل المضخات الأرضية في غزة. ونظراً لعدم وجود زجاجات ماء في المتاجر، يعتمد السيد مطر على احتياطات جيرانه.
و يقول: "أقوم بأخذ دلوٍ كبير وأطلب منهم ملء الدلاء بالماء، و لا نعرف حتى ما إذا كان هذا الماء صحياً أم لا".
و بالإضافة إلى الخوف من العطش والجوع، يشعر (السيد مطر) بقلق شديد بشأن سلامة زوجته وابنتيه اللتين تبلغان من العمر 3 و 8 سنوات، واللتين تتشبثان به وسط تيار الانفجارات. حيث يحاول تشتيت انتباههم بالألعاب والضحك، حتى وإن كان ذلك بشكل مؤقت فقط.
و قال السيد مطر: “عندما تسمع الصواريخ أثناء نومها، تقفز طفلتي البالغة من العمر 3 سنوات خائفة. و تسألني: لماذا يحدث هذا؟ ولكن بماذا يمكنني أن أُجيبها؟"
و يواجه السيد مطر صعوبة في النوم هذه الأيام، فهو غير متأكد ما إذا كان سيستيقظ في صباح اليوم التالي.
وقال: "أجلس وأصلي مع زوجتي طوال الوقت. و ما يحدث هو بالفعل خارجٌ عن المألوف" وأضاف: “أريد أن يصل هذا المقال إلى الأشخاص الذين لديهم القدرة على وقف هذه الحرب”.


التعليقات