تحليل: حرب إيران على إسرائيل تبرز في مرحلة جديدة ومميتة
يمن فيوتشر - ذاناشونال انتريست- ترجمة: ناهد عبدالعليم الاربعاء, 08 نوفمبر, 2023 - 01:02 صباحاً
تحليل: حرب إيران على إسرائيل تبرز في مرحلة جديدة ومميتة

ألقى يوم الجمعة 3 نوفمبر/ تشرين الثاني زعيم حزب الله (حسن نصر الله) خِطاباً طالَ انتظاره، و اعتقد البعض في الشرق الأوسط أنه قد يُقرر زيادة الهجمات على إسرائيل. قبل ذلك كان وزير الدفاع الإسرائيلي قد حذّر الجماعة اللبنانية المدعومة من إيران من التصعيد. 
بدا نصر الله في خطابه وكأنه قد يلوذ من حربٍ كبرى. ومع ذلك فإن التهديد الذي يواجه إسرائيل من حزب الله وغيره من الجماعات في الشرق الأوسط أصبح عاملاً مُهماً في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس.
و تمكنت إيران من تشكيل عدة مجموعاتٍ وكيلة في المنطقة و ذلك لمهاجمة إسرائيل في أعقابِ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وشمِل ذلك الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وكذلك حزب الله وجماعات الميليشيات في العراق وسوريا.  وركزت الميليشيات في العراق وسوريا هجماتها على القوات الأمريكية، حيث نفذت ما يقرب من ثلاثين هجوماً في الشهر الأول منذ هجوم حماس. وتَظهر إيران الآن أنها قادرة على توحيد القِوى المتباينة في المنطقة، عبر آلاف الأميال، لتنفيذ هجمات عدة. وبينما لعبت إيران دوراً في دعم هذه الجماعات لعقود من الزمن، فقد وصل دعمها الآن إلى قمة التنسيق العملياتي. وعلى الرغم من أن إيران حاولت القيام بذلك في الماضي، إلا أن هجوم حماس أدى إلى ظهور معضلة إقليمية جديدة.
هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأرسلت المئات من مُقاتليها لمهاجمة 29 نقطة على طول حدود غزة. ثم أعقبت الهجوم الأولي بموجتين من الهجمات، وشجّعت الناس العاديين على دخول إسرائيل والنهب والقتل. وقُتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، و كثير منهم من المدنيين. كما تم اجتياح المجتمعات الحدودية الإسرائيلية، وهوجمت حفلة موسيقية، كما تم اجتياح مواقع عسكرية على طول الحدود، و قُتل مئات الجنود الإسرائيليين، كما قُتل ثمانية وخمسون شرطياً.
و يُعد هذا هجوماً غير مسبوق، حيث كانت له تداعيات خطيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.  فقد سحبت تركيا سفيرها، ورفضت روسيا والصين إدانة مذبحة حماس، وانتقدت دول مثل الأردن إسرائيل بسبب ردها.  بدأت إسرائيل ردها الانتقامي بقصف أهداف لحماس في غزة لمدة ثلاثة أسابيع ثم شنت هجوماً برياً.
و كان أحد القرارات الأولى التي قامت إيران باتخاذه هو إرسال وزير خارجيتها إلى الدوحة، حيث يقيم زعيم حماس (إسماعيل هنية) لعقد اجتماعات، وتعهدت إيران بمزيد من التعاون مع حماس. و خلال الأسبوع الأول من الحرب، بدأ حزب الله أيضاً بتنفيذ هجماتٍ على إسرائيل. وكانت آخر حرب خاضها حزب الله وإسرائيل في عام 2006. وفي ذلك الوقت، أطلق حزب الله آلافَ الصواريخ على إسرائيل. ومنذ تلك الحرب، شهد الشمال سلامٌ غير مُستقر.  
في خلال الحرب الأهلية السورية، بدأ حزب الله العمل في أجزاءٍ كثيرة من سوريا.  وأدى ذلك إلى توترات بالقرب من مرتفعات الجولان. كما كانت هناك عدة حوادث قُتل فيها أعضاء من حزب الله، الذي كان يهدد إسرائيل، ثم بعد ذلك هدأت تلك التوترات.
وفي عام 2022، وقّعت إسرائيل ولبنان اتفاقية حُدودٍ بحرية، واستخدم حزب الله هذا كذريعة لتهديد إسرائيل. كما بدأ بتمكين حماس وجماعاتٍ أخرى من العمل في لبنان.
 و في خلال الحرب القصيرة التي استمرت عشرة أيام بين حماس وإسرائيل في عام 2021، تم إطلاق الصواريخ من لبنان.  كما تم إطلاق طائرة بدون طيار من العراق مستهدفةً إسرائيل.  وفي أوائل أبريل/نيسان 2023، أُطلقت صواريخ أيضاً من لبنان.  وهذا يوضح أن إيران قادرة على توحيد مجموعات مختلفة، مما يخلق تهديدات أمامية متعددة لإسرائيل.
كما تدربت إسرائيل استعداداً لحرب متعددة الجبهات. ورأت إيران في استخدام وكلاء مختلفين -من لبنان إلى اليمن، عبر العراق وسوريا- كوسيلة لجلب بيادق متعددة للقتال في ساحة المعركة، وهو ما قد يؤدي الآن إلى توسيع خط المواجهة الإسرائيلي.  وهذا يعني أن إيران يمكنها أيضاً تشجيع الجماعات في الضفة الغربية، مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، على مهاجمة إسرائيل. كما يمكنها أيضاً أن تستخدم حماس، التي دعمتها لسنوات عديدة. وهذا بدوره يمكن أن يعوض عن حقيقة أن أياً من هذه الجماعات لا يمكن أن يكون في حد ذاته نداً لإسرائيل.

يعتبر امر استغلال إيران لهذه الظاهرة أمراً ضرورياً. ففي الماضي، كانت هناك مجموعات كثيرة في المنطقة تعارض إسرائيل. على سبيل المثال، زار قائد الميليشيا العراقية (قيس الخزعلي) لبنان في عام 2017 وتعهد حينها بدعم حزب الله ضد إسرائيل. كما أرادت العديد من الجماعات التي تدعمها إيران محاربة إسرائيل. لكنهم نادراً ما قاموا بالتنسيق على هذا في الماضي. وبدلاً من ذلك، بدا أن إسرائيل هي التي تملك المبادرة، ويبدو أنها نجحت في احتواء حماس وكانت تشن "حملة بين الحروب" في سوريا لمنع التمركز الإيراني. وتعهد القادة والمسؤولون الأمنيون الإسرائيليون بمواجهة التهديدات الإيرانية. لكن جماعات مثل حماس كانت لديها خطط أخرى.  حيث قال (صلاح العاروري) -القيادي البارز في حماس- في أغسطس/ آب 2023، إنه قد تكون هناك “حرب إقليمية” إذا استمرت التهديدات الإسرائيلية.  واعتقدت إيران أيضاً أن الاحتجاجات الداخلية في إسرائيل تُضعف البلاد.
و من المرجح انه هناك عمليتان قيد التنفيذ في الأيام التي سبقت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. واعتقدت إسرائيل أنها قادرة على مواجهة "أخطبوط" التهديدات الإيراني باستخدام تفوقها في تكنولوجيا الدفاع المتقدمة. وفي المقابل، اعتقدت إيران أن الأخطبوط يمكن أن يتسبب في نهاية المطاف في تعثر العملاق العسكري الإسرائيلي، و لقد قام هجوم حماس بعكس هذا الواقع.  حيث استخدمت حماس شاحنات صغيرة، ودراجات نارية، وجرافات لاختراق سياج عالي التقنية بقيمة مليار دولار كان من المفترض أن يكشف التهديدات على الحدود. واستغرقت القوات الإسرائيلية بعض الوقت للوصول إلى المجتمعات المدنية، مما مكّن حماس من قتل 1400 شخص.
وفي الأيام التالية، بدأت الجماعات الموالية لإيران مثل حزب الله هجماتها. فقد أطلق حزب الله قذائف هاون وأطلق نيراناً مضادة للدبابات. و منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قامت بمهاجمة  إسرائيل كل يوم، و بالمقابل إسرائيل ترد بشكلٍ متناسب. وقالت مؤسسة الدفاع إنها مستعدة للحرب في الشمال لكنها حذرت (نصر الله) من التصعيد أكثر. وفي الوقت نفسه، كثّف الحوثيون المدعومين من إيران في اليمن هجماتهم، و بدأوا الهجمات في 17 أكتوبر/تشرين الأول ونفذوا عدة هجمات بالصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. مما جعل ذلك إسرائيل تُطلق نظام صواريخ آرو، الذي تم تطويره بالاشتراك مع الولايات المتحدة، لوقف صاروخ باليستي للحوثيين، ونجحت مقاتلاتها الشبح من طراز إف-35 في إسقاط صاروخ كروز للحوثيين.
إن الهجمات على إسرائيل من لبنان وسوريا واليمن والمعركة في غزة معرضة الآن لخطر التحول إلى صراع أكبر، وهذا يُعتبر في مصلحة إيران. وقد سعت الولايات المتحدة إلى ردع هذا الاحتمال من خلال نشر حاملات طائرات في المنطقة.  وكانت إسرائيل أيضاً فعالة في عدم تصعيد هجماتها مع حزب الله وعدم الرد على هجمات الحوثيين حتى الآن. ومع ذلك، فإن قدرة إيران على جمع كل هذه المجموعات معاً تعني أنها تستطيع القيام بذلك في المستقبل، مما سيتعين على إسرائيل معالجة هذا التهديد متعدد الجبهات. فعلى سبيل المثال، أجبرت هجمات حزب الله إسرائيل على إخلاء المجتمعات المحلية على الحدود الشمالية، بما في ذلك مدينة واحدة، حيث لا يمكن لإسرائيل أن تعمل إذا اضطرت إلى إجلاء عشرات أو مئات الآلاف من الأشخاص في كل مرة تختار فيها إيران استخدام حزب الله أو مجموعة أخرى لتهديد البلاد. كما تريد إسرائيل التركيز حالياً على تدمير حماس في غزة.
و تريد إيران استخدام هذه الحرب لجمع وكلائها. وحقيقة أنها أطلقتها أيضاً على القوات الأمريكية في العراق وسوريا تظهر أن هذا يمثل بالفعل صراعاً إقليمياً بالنسبة لإيران. 
وترى إيران أن إسرائيل والولايات المتحدة مرتبطتان وتحاول إثارة حرب إقليمية ضد البلدين. وهذا يقلب الاستقرار في المنطقة الذي بدا وكأنه بدأ في الظهور في أعقاب هزيمة داعش.  و لقد وصلت حرب إيران ضد إسرائيل الآن إلى مرحلة جديدة، وهذا يؤثر على المنطقة بأكملها.  و يجب أن يُنظر إلى الميليشيات الوكيلة لإيران في المستقبل على أنها أكثر من مجرد مجموع أجزائها. فإن قدرة إيران على تفعيلها طوال الشهر الذي بدأ بهجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر هي دليل على كيفية نجاح إيران في توحيد كل هذه الجماعات.


التعليقات