حذّر وزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبد اللهيان) الأسبوع الماضي من أن "أيدي جميع الأطراف في المنطقة على الزناد"، وسط تقارير تُفيد بأن طهران أرسلت رسالة عبر قناة خلفية إلى واشنطن مفادها أن الغزو البري الإسرائيلي لغزة يمثل خطاً أحمر.
وقد يُفكر مُعظم المُراقبين على الفور في أن حزب الله هو الوسيلة الأساسية لإيران للرد في حالة تجاوز الخط الأحمر. ومع وجود ترسانة صاروخية تقدر بنحو 150 ألف صاروخ في جنوب لبنان وآلاف من قوات الكوماندوز المُتمرسين في القتال، فإن حزب الله يُشكّل بالفعل التهديد الأكثر إلحاحاً للمصالح الإسرائيلية والأميركية في المنطقة. ومع ذلك، فإن قُدرة طهران على إبراز القوة في جميع أنحاء الشرق الأوسط هي أوسع بكثير.
ومثل إسرائيل، فإن المملكة العربية السعودية، ثاني أهم حليفٍ إقليمي للولايات المُتحدة، لديها أيضاً وكيلٌ مُتشدد تدعمه إيران على عتبةِ بابها الجنوبية. حيث سيطرت حركة الحوثيين المسلحة -أنصار الله- على شمال اليمن، بما في ذلك الحديدة، أكبرُ ميناءٍ على البحر الأحمر في البلاد، في عام 2014. و في تلك المرحلة، كانت علاقات الحوثيين مع إيران فضفاضة إلى حدٍ ما، ولكن على مدارِ الحربِ الأهلية التي دامت ما يقارب عقدٍ من الزمن في اليمن أصبحت مصالح الطرفين مُتشابكة بشكلٍ وثيق.
وأصبحت قيادة الحوثيين، المُعزولة، تعتمد على طهران باعتبارها الداعم الدولي الوحيد للجماعة. أما بالنسبة لطهران، فيُعتبر الحوثيون وسيلةً مريحة لمضايقة المملكة العربية السعودية -منافستهم في الخليج العربي- حيث تقدم إيران، من بين أمور أخرى، التوجيه الاستراتيجي والمساعدة الفنية التي سمحت للحوثيين بتطوير قدراتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار بشكل كبير. ومن المهم و بشكل خاص قدرة الحوثيين اليوم على تهديد 10٪ من التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر، مما يوفر لطهران النفوذ لانتزاع التكاليف من الولايات المتحدة وداعمي إسرائيل الغربيين الآخرين إذا شعرت بزيادة المخاطر.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر زعيم الحوثيين (عبد الملك الحوثي) مثل هذا التهديد صراحةً، مُحذّراً من أن قواته ستُهاجم حركة المِلاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر بطائراتٍ بدون طيار وصواريخ، في حال تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً في حربِ غزة. وقال إن المجموعة مُستعدة تماماً للقيام بذلك وتقوم بالتنسيق مع الأعضاء الآخرين فيما يسمى بمحور المقاومة الإيراني في لبنان والعراق. وقد أثبت الحوثيون قُدرتهم على استهداف السُفن في البحر الأحمر، بعد أن ألحقوا أضراراً في السابق بالسُفن العسكرية وسُفن الشحن المارة قبالة الشاطئ.
وبعد عشرة أيام من التهديد العلني الذي أطلقهُ الحوثيون، قال البنتاغون إن سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية تعمل في شمال البحر الأحمر اعترضت ثلاثة صواريخ كروز وعدة طائراتٍ بدون طيار انطلقت من اليمن وحلّقت شمالاً على طول الساحل. و ادعى مسؤول حوثي كبير في وقت لاحق أن إسرائيل كانت الهدف، حيث أفادت التقارير أن قوات الحوثيين طورت صواريخ يمكن أن تصل إلى صحراء النقب وإيلات في جنوب إسرائيل.
و في حين أن الضرباتِ الحوثية المُحتملة ضد إسرائيل من غير المرجح أن تُشكل تهديداً عسكرياً خطيراً، إلا إذا تمكن صاروخ أو طائرة بدون طيار من الحوثيين من التهرب من أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية، فإن الرمزية ستكون هائلة بالنسبة لجمهور الحوثيين المحلي. ومن بين الأشياء القليلة التي توحد اليمنيين من جميع الأطياف هو دعمهم للنضال الفلسطيني، وهو ما يتحمّس فيه الحوثيون بشكلٍ خاص. حيث تُنظم الجماعة بانتظام مسيراتٍ حاشدة لدعم فلسطين، وقد أدرجت القضية الفلسطينية بشكل واضح في شعاراتها الثورية والمناهضة للإمبريالية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن خطاب الجماعة غالباً ما يخلط بين إسرائيل والولايات المتحدة باعتبارهما نفس الشيء، حيث يتم تصويرهما على أنهما قِوى استعمارية تحاول فرض هيمنتها على المنطقة.
ويبدو أن الرياض تعاني أيضاً من تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس في مواجهة الحوثيين. وقادت الرياض التحالف الإقليمي الذي شنَّ تدخُلاً عسكرياً ضد الحوثيين في عام 2015، ومنذ ذلك الحين و هي عالقة في مستنقع اليمن. و قد أرادت الرياض بشدة الخروج من الحرب لسنوات، لكن المحادثات السعودية الحوثية بشأن وقف شامل لإطلاق النار -والتي أظهرت مؤخراً نتائج واعدة- توقفت فجأة بعد أن بدأت إسرائيل قصفها الجوي لغزة في وقتٍ سابق من هذا الشهر.
وفي حين أن الصواريخ الحوثية والطائرات بدون طيار التي أسقطتها الولايات المتحدة هذا الشهر تسببت في قيام السعوديين بإغلاقِ المجال الجوي فوق جنوب نجران وأبها لمدة ثلاث ساعات، إلا أن رد فعل الرياض كان صامتاً إلى حدٍ ما. ومن المُرجح أن القيادة السعودية، التي ترغب في إبقاء الباب مفتوحاً أمام الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات، أعطت الأولوية للحفاظ على علاقاتٍ ودّية مع الجماعة المسلحة على أي مخاوف من مهاجمة إسرائيل.
ويبدو أيضاً أن الرياض تحاول عزل نفسها في حال امتدت الحرب بين إسرائيل وحماس واجتذبت لاعبين أكبر من كِلا الجانبين. حيث أعادت المملكة العربية السعودية وإيران تأسيس العلاقات في مارس/آذار بمساعدة الوساطة الصينية، وعندما بدأت جثث الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم الغارات الجوية الإسرائيلية في الظهور على القنوات الإخبارية الإقليمية هذا الشهر، عقد الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) وولي العهد السعودي الأمير (محمد بن سلمان) أول لقاء بينهما، في دعوة للحديث حول الصراع. وفي اليوم التالي، ظهرت تقارير عن تراجع الرياض عن محادثات التطبيع مع إسرائيل التي ترعاها الولايات المتحدة.
ولكن على المدى الطويل، يمكن للمرء أن يتخيل أنه عندما تسمح الظروف بذلك، سيكون السعوديون حريصين على العودة إلى المحادثات لتعزيز العلاقات الطبيعية مع أقوى قوة عسكرية وقوة نووية وحيدة في المنطقة. ويصدق هذا بشكلٍ خاص في ضوء إظهار إيران الحالي لنطاق تهديدها الإقليمي من خلال التعبئة الجماعية لوكلائها.
وفي نمط التصعيد الذي تولد منه الحروب الإقليمية، إذا شنت إسرائيل غزواً برياً لغزة، فمن المُرجح أن حزب الله سيدخل الحرب من لبنان. رداً على ذلك، إذا دخلت الولايات المتحدة -التي لديها مجموعة حاملة طائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط وأخرى في الطريق- الصراع مباشرة، فإن ذلك سيؤدي إلى تورط الحوثيين، و ذلك وفقاً لقيادة الجماعة.
وقد اهتزت سلاسل التوريد والأسواق العالمية في عام 2021 عندما انجرفت سفينة شحنٍ عملاقة وأغلقت قناة السويس لمدة ستة أيام، مما كلف الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 400 مليون دولار في الساعة. وبالتالي فإن قدراً متناسباً من الحركة الاقتصادية العالمية يمكن أن يكون في مرمى الحوثيين إذا انضمت الجماعة إلى الحرب الحالية، مع ما تؤدي إليه العواقب الاقتصادية في أوروبا وأماكن أخرى من تكاليف فورية يتحملها حلفاء إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، في العراق وسوريا، تقوم الجماعات المدعومة من إيران بمُضايقة القواعد العسكرية الأمريكية، مما يسلط الضوء على تعرض واشنطن الإقليمي. وصعد وزير الخارجية (أنتوني بلينكن) الأحد الماضي، قائلاً أن الجيش الأمريكي “سيرد بشكل حاسم” إذا تعرضت قواته في المنطقة لهجوم. و حسبما أفاد (جاريد زوبا) للمونيتور فإن قبل فجر يوم الجمعة، نفّذت طائراتٍ أمريكية ضربات ضد "منشأتين قالت إن الحرس الثوري الإيراني والجماعات التابعة له يستخدمهما في شرق سوريا، مما يمثل رداً سريعاً على سلسلةٍ من الهجمات المحلية الأخيرة التي أدت إلى إصابة 21 فرداً أمريكياً".
وفي ضربةٍ نادرة في ديسمبر/كانون الأول 2021، قتلت الولايات المتحدة السفير الإيراني لدى الحوثيين (حسن إيرلو) بغارة جوية. ومع ذلك، فيما يتعلق بالحوثيين، فمن غير الواضح مدى فعالية الحملة العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية. فبعد أكثر من ثماني سنوات من تعرضهم للقصف من قِبل أغنى دولة في المنطقة، المملكة العربية السعودية، المدعومة من أقوى جيش في العالم، الولايات المتحدة، لم يكن الحوثيون أقوى من أي وقت مضى.
إن ميليشيا الحوثي، التي كانت في يوم من الأيام عبارة عن عملية ضيقة الأفق ومتناثرة ذات علاقات فضفاضة مع إيران، أصبحت اليوم قوة لا يُستهان بها في الجغرافيا السياسية العالمية، حيث ترسخ محور إيران في البحر الأحمر.