تقرير: اليمنية عُلا… كل جرائم العنف والتعذيب في جسد طفلة
يمن فيوتشر - درج- صفية مهدي: الثلاثاء, 08 أغسطس, 2023 - 05:22 مساءً
تقرير: اليمنية عُلا… كل جرائم العنف والتعذيب في جسد طفلة

“ما تعرضت له الطفلة علاء عنف مركب، أولاً لأنها فتاة، ثانياً لأنها في رعاية زوجة الأب، والأب شائع ومسكوت عنه باعتبار أن زوجة الأب لن تكون أحن عليهم من أمهم”، وصولاً إلى قيام العم ببيعها كجارية. 

لم يسلم جزء واحد من جسد الطفلة اليمنية عُلا، ولا يمكن الكلمات أن ترقى الى التعبير عن هول الجريمة التي تعرضت لها ذات الـ11 ربيعاً، من كسر الأعضاء إلى الحروق إلى الاغتصاب والبيع، وصولاً إلى عقد زواج مزيف العمر بمسن.

 كل الجرائم التي يمكن تخيلها، ولم يشهد اليمن غالبيتها في تاريخه المنظور، انكشفت لتتحول صدمة كبرى يتجاوز صداها المجتمع اليمني، الذي يترقب اقتياد الجناة إلى محاكمة تنصف الطفلة ومعها الإنسانية المستباحة بأبشع الطرق، التي لا نشهدها حتى حتى في عالم الحيوانات المتوحشة التي تحافظ بالحد الأدنى على صغارها.

وعلى مدى الأيام الأخيرة، انتشرت قضية عُلا التي ظهرت في مقاطع فيديو مسجلة تروي وتعرض آثار التعذيب والاعتداءات في أماكن متفرقة من جسدها الطفولي، وما يزيد الصدمة أن الاعتداءات الوحشية لم تتم بأيدي عصابة إجرامية تُمارس القتل والخطف، بل إن الكسور والحروق والندبات التي عدّدها التقرير الطبي بـ31 نوعاً، حصلت من أسرتها، وتحديداً والدها وزوجته وعمها، شارك فيها الثلاثة على الأقل، وصولاً إلى المسن الذي اشتراها واعتدى عليها بمبلغ لا تصل قيمته الى الـ 400 دولار. 

ساحة الجريمة كانت إحدى القرى النائية في مديرية “مزهر”، بمحافظة ريمة الجبلية والواقعة إلى الغرب من صنعاء، وقد تكشفت بعدما نجحت عُلا بالفرار إلى منزل أحد الوجهاء، الذي بدوره أبلغ الجهات الأمنية وظهر معها في تسجيل مصور، وهو يشرح جانباً من معاناتها ويطالب بالإنصاف. وتكشف مجمل التفاصيل الأولية عن أنها نجت من القتل، الذي كان الحيلة الأخيرة لمرتكبي الجريمة لمنع تسرب القضية إلى الرأي العام، كما أن لعُلا شقيقة فارقت الحياة تحت القتل والتعذيب على يدي عمتها. 

تقول عُلا، “كانت تحرقني وتخبطني بالسلك وانا داخل لجن وتربطني وتسلقني بماء دافئ”، وذلك بعد وضعها في “شوالة” (جونية – كيس القمح)، وتضيف “هذه يدي كسرتها لي” باستخدام “المفرس” (أداة الحراثة)، كما كانت تضرب رأسها في الجدران، وكسرت جزءاً من أسنانها وحلقت شعرها، وضربت مسماراً في ركبتها، فيما كان الأب “يساعدها”. 

عقب الإبلاغ عن حالتها، ونقلها إلى المستشفى، كشف التقرير الطبي الصادر عن مستشفى الثلايا في ريمة (مركز المحافظة)، عن فظائع ما تعانيه الطفلة، إذ سرد 31 نوعاً من آثار التعذيب والحروق والكدمات، وحتى مؤشرات تعرضها للاغتصاب. كما سرد التقرير الذي راجعه “درج”، النتائج بدءاً من كسر في مرفق اليد اليسرى، وكسر اثنتين من أسنانها الأمامية، وسبع ندبات في جبهة الرأس، وعشرات الندبات متعددة الأحجام في يديها وكتفيها الأيمن والأيسر، وندبات في الأذن اليسرى وفي الشفاه العليا وخلف الرقبة،  وندبات أخرى في الظهر وفي العمود الفقري والفخذ، وحروق وصلت تأثيراتها إلى المهبل، والى عينيها أيضاً، إذ أكد التقرير ميل حدقة العين اليسرى إلى أسفل الأنف، وأشار إلى أن “كل الندبات الموجودة ناتجة من حروق”.

كشفت الوثائق أيضاً، عن عقد زواج مؤرخ في كانون الأول/ ديسمبر 2022، للطفلة مع رجل يدعى محمد عبدالجليل الأهدل، وهو الشخص الذي قام بشرائها بمبلغ 200 ألف ريال يمني، وأخذها إلى العاصمة صنعاء وجمع من وُصفوا بأنهم “شهود زور” قالوا إن عمرها 19 عاماً. 

 


اعتقال… ولكن

بالتزامن مع تسرب القضية إلى وسائل الإعلام الاجتماعي، بادرت الأجهزة الأمنية في المحافظة، الى القبض على عدد من المتهمين، وهم والد الطفلة والشخص الذي اشتراها (وتزوجها)، ووفقاً للمحامي وضاح قطيش فإن “الأب والزوج وأحد شهود عقد الزواج تم ضبطهم و إيداعهم سجن البحث الجنائي، وتم إرسالهم الى نيابة الجبين محافظة ريمة للتحقيق معهم تمهيداً لمحاكمتهم”، كما صدرت أوامر قهرية من وكيل نيابة الجبين الابتدائية بضبط وإحضار زوجة الأب وزوج العمة والشاهد الثاني في عقد الزواج الباطل والأمين الشرعي الذي أبرم العقد”. 

 

عنف مركب وقانون الطفل

في حديثها لـ”درج”، تقول الخبيرة الاجتماعية الدكتورة نجاة الصائم، “ما تعرضت له الطفلة علاء عنف مركب، أولاً لأنها فتاة، ثانياً لأنها في رعاية زوجة الأب، والأب شائع ومسكوت عنه باعتبار أن زوجة الأب لن تكون أحن عليهم من أمهم”، وصولاً إلى قيام العم ببيعها كجارية. 

وترى أن ظاهرة العنف ضد الأطفال تزايدت بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، “نظراً الى عدم  وجود عقاب رسمي أو مجتمعي تجاه زوجة الأب والأب والأسر عموماً، التي توجد فيها مثل هذه الحالات، وعدم تطبيق قانون الطفل، خصوصاً في ما يتعلق بمصلحة الطفل الفضلى، والذي يحدد البيئة الآمنة  للطفل سواء كانت الأم أو الأب، وعدم تحمل الآباء مسؤوليتهم، تحديداً في حالة الزواج من أخرى”. 

وتشدد الصائم على أنه “للحد من تزايد هذه الظاهرة، لا بد من تطبيق قانون الطفل وعقاب أي شخص يقوم بتعنيف الأطفال”، و”في حال انفصال الأبوين يتم تحديد أين يعيش الطفل وفقاً لمصلحته”، وبالطبع فإن “الأوضاع التي تمر بها البلاد من حروب وأوضاع اقتصادية مأساوية، تنعكس بالدرجة الأولى على حياة الأطفال”. لذلك، فإن “على المسؤولين تحمّل مسؤوليتهم  في إنهاء الحرب وتحسين حياة المواطنين عموماً والأطفال بخاصة”. وفقاً للصائم. 

 


جريمة وحشية 

ترى الحقوقية وضحى مرشد أن التسع سنوات حرب في اليمن ألقت بظلالها، مع التدهور الاقتصادي، على الواقع الاجتماعي في اليمن، والذي “يلحقه الانهيار الأخلاقي والقيمي قطعاً”، وتدفع ثمنه النساء والأطفال بخاصة، في ظل غياب التشريعات القانونية للعنف الأسري والجندري وانتهاك الطفولة”، كما أنه “تحت الذريعة الفقهية، يتم تعذيب واغتصاب وقتل الكثير من الأطفال من ذويهم، في ظل تساهل القانون مع المجرمين”. 

وتؤكد  مرشد “الجريمة الوحشية التي تعرضت لها الطفلة ما بين التعذيب المتكرر ومن أشخاص عدة وباستخدام أدوات حادة وبالحرق والتشويه، ثم البيع كجارية وتزويجها وتزوير عمرها من 11 عاماً إلى 19 عاماً، وأخيراً محاولة قتلها بعد انفضاح أمر المجرمين، إضافة الى تصريح عُلا في الفيديو المنتشر بأن لديها أختاً أيضا تم قتلها على يد زوجة أبيها، تلك الطفلة التي مر مقتلها عابراً في الترند ولم يعرف إلى الآن اسمها”. 

وتتابع، “نقف هنا أمام جرائم مركبة عدة، وما لا يعرفه البعض أن علا كانت تتعذب لأكثر من سنة في ظل تواطؤ وصمت المجتمع من  أهل وجيران، بخاصة في مجتمع صغير كالقرية”، وترى أن “الأدهى أن عاقل القرية الذي أنقذها بعد هروبها، قد توجه فعلًا الى السلطات الأمنية (سابقاً) التي لم تحرك ساكناً إلا بعد أن تحولت القضية إلى رأي عام”، كما أنه “لا تزال حتى اللحظة زوجة الأب والعمة والقاضي الذي زور عقد الزواج والشهود خارج أسوار السجن”. 

وتشدد مرشد على أن “الحلول تكمن في تحرير القانون من سطوة الأحكام الدينية، وفي إيجاد مأوى للنساء والأطفال المعنفين وأقسام شرطية نسائية متخصصة بالإبلاغ عن العنف الأسري، ووضع خط ساخن لهذه الحالات، وكانت هذه المواد ضمن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لولا حدوث الانقلاب الذي عطل ودمر كل شي للأسف”. 

الجدير ذكره، أنه وفقاً للمحامي وضاح قطيش الذي يتابع القضية، وصلت عُلا إلى صنعاء مع الأسرة التي لجأت إليها، في وقتٍ لا تزال القضية في صدارة اهتمامات اليمنيين في شبكات التواصل الاجتماعي، وفي ظل مطالبات بإنزال أقسى العقوبات تجاه الجريمة غير المسبوقة، وهو ما سيتم الكشف عنه في الإجراءات المرتقبة قضائياً بعد القبض على عدد من الجناة، والأمر القهري بالقبض على ما تبقى منهم.


التعليقات