ليس سوى مشهد محرج آخر رأيناه مرارًا وتكرارًا على مدى العشرين عامًا الماضية؛ الإعلان عن مقتل أو اعتقال زعيم إرهابي، ليظهر بعد أيام أو أسابيع حيًّا وطليقًا. هذه المرة كان فريق مراقبة القاعدة التابع للأمم المتحدة هو من ارتكب الخطأ.
قال تقرير لفريق الأمم المتحدة في 3 فبراير/شباط 2021، إن زعيم القاعدة في جزيرة العرب خالد باطرفي “أُلقي القبض عليه خلال عملية في مدينة الغيضة في محافظة المهرة في أكتوبر/تشرين الأول (2020)”. بعدها بأيام، نشر التنظيم تسجيلًا مرئيًّا ظهر فيه باطرفي حرًا، وبهدف عدم حصول أي لغط حول تأريخ الفيديو، تطرق باطرفي إلى اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي في 6 يناير/كانون الثاني 2021.
ما الذي حدث؟ كيف أخطأت الأمم المتحدة بهذا الشكل؟ وما الذي يحدث مع القاعدة في جزيرة العرب في اليمن؟
لم يخطئ فريق الأمم المتحدة بخصوص حصول مداهمة، ففي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، رصدت القوات الأمنية في محافظة المهرة خلية لتنظيم القاعدة، وعند مداهمتها اندلعت اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل ثلاثة مسلحين وأسر بقية أفراد الخلية.
جاءت هذه المداهمة لتزيد من حالة عدم اليقين والانقسام داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والتي ابتُليت بها الجماعة طوال العام الماضي. ففي يناير/كانون الثاني 2020، قُتل قاسم الريمي، زعيم التنظيم، في غارة أمريكية بطائرة دون طيار. وفي غضون أسابيع، سمى التنظيم باطرفي خلفًا للريمي. ولكن هذا القرار لم يرق لجميع أعضاء التنظيم إذ شهد اضطرابات كبيرة داخل صفوفه السنة الماضية.
وبعد بضعة أسابيع من المداهمة في أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الأذرع الإعلامية لتنظيم داعش في اليمن استسلام خالد باطرفي لقوات الحكومة اليمنية التي سلمته بدورها إلى السلطات السعودية. وبعد ذلك، نشر تقرير الأمم المتحدة في فبراير/شباط الذي لم يزعم فقط أنه قد أُلقي القبض على باطرفي، بل وقال أيضًا إن الرجل الثاني في قيادة التنظيم، سعد بن عاطف العولقي، قُتل خلال المداهمة.
ليس واضحًا ما إذا كان العولقي قد قُتل فعلًا أو أن فريق الأمم المتحدة ارتكب خطأً ثانيًّا بالإعلان عن مقتله، في حين أكدت مصادر أمنية لي أنه على الرغم من ادعاءات فريق الأمم المتحدة، لم يُلقَ القبض على باطرفي.
يبدو أن فريق الأمم المتحدة ارتكب هذا الخطأ استنادًا إلى هوية خاطئة. (قد لا يكون هذا خطأ الفريق نفسه إذ أنه لا يملك تفويضًا بالتحقيق ويعتمد على المعلومات التي يحصل عليها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة). وفقًا لمصادر أمنية تحدثت معها، فإن أحد الجهاديين الذين أُلقي القبض عليهم خلال العملية في أكتوبر/تشرين الأول اسمه عارف باطرفي، اسم العائلة كان كافيًّا للفت انتباه الضباط اليمنيين والأمريكيين، وبعد التحقيق تبين أنه مجرد مجنّد ينحدر من محافظة حضرموت، ولا تجمعه أي صلة قرابة مع زعيم التنظيم ذي الجنسية السعودية.
ليست هذه المرة الأولى التي تشير فيها التقارير بالخطأ إلى اعتقال زعيم جماعة متطرفة في المهرة، ففي عام 2019، أعلن التحالف بقيادة السعودية إلقاء القبض على زعيم تنظيم داعش في اليمن “أبو أسامة المهاجر” في عملية بمدينة الغيضة. ولكن مصادر أمنية وأخرى محلية أشارت إلى أن زعيم داعش في اليمن، واسمه الحقيقي “خالد المرفدي”، أُلقي القبض عليه خلال عملية استخباراتية في محافظة مأرب عام 2019.
ولكن يبدو أن الاهتمام الجهادي في المهرة قد تنامى. فخلال الفترة الممتدة من أعوام 2011-2017، اعتمد تنظيم القاعدة على تمركزه في حضرموت وشبوة وأبين كي يتحكم بطرق التهريب. وبحسب موظفين أمنيين، فإن تنظيم القاعدة أعاد تنشيط خلاياه في المهرة بعد دحره من هذه المحافظات خلال العامين 2016-2017؛ كون المهرة بوابة التهريب الأساسية شرقي اليمن.، وأفادت مصادر متعددة أن خالد باطرفي سبق وأن زارها في أكثر من مناسبة.
يبدو أن التنظيم يريد تحقيق هدفين في المهرة. أولًا تعزيز مصادر تمويله للمال والسلاح، وثانيًّا تعظيم نفوذه التنظيمي عبر تهريب السلاح على أفرع القاعدة في القرن الأفريقي وتحديدًا حركة الشباب المجاهد. ما يزال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمثابة القائد الرمزي لأجنحة القاعدة في غرب أفريقيا والقرن الأفريقي.
يعود هذا إلى الموقع التاريخي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في العالم الجهادي ولكون باطرفي أحد المرشحين لخلافة أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، في يوم ما. حتى قبل أن يخلف الريمي، تولى باطرفي خلال العامين الماضيين الإشراف على تطهير صفوف التنظيم والتخلص من الجواسيس والمخبرين، ما أدى إلى إعدام العشرات. ولعل هذا الأمر هو ما أدى إلى نشوب الخلافات داخل التنظيم.
يعتقد بعض المحللين أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضعيفًا وعلى وشك أن يُهزم، وتقرير الأمم المتحدة عن اعتقال باطرفي ومقتل العولقي يتناغم بشكل جيد مع هذه السردية. تستند هذه السردية حول تدهور التنظيم إلى عاملين: عدم قدرة التنظيم مؤخرًا على ضرب أهداف خارجية، وشائعات عن وجود نزاعات داخلية. حاول باطرفي تفنيد هذا الأمر في الفيديو إذ أكد أن التنظيم في المقام الأول والأخير في حالة حرب مع الولايات المتحدة.
وكما يوضح ظهور باطرفي، فإن القاعدة في جزيرة العرب بعيدة كل البعد عن كونها كيان مفكك.
#يمن_فيوتشر
---------
* حسام ردمان هو زميل باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. تتركز أبحاثه على الحراك الجنوبي والجماعات الإسلامية المسلحة في اليمن.