يحلّ شهر رمضان هذه السنة، وسط ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، إذ غيّبت الحرب العديدَ من الطقوس والعادات المرتبطة برمضان، ومن بين ما غيّبته الحرب إجبار اليمنيّين على التخلي عن العديد من الأطباق والمأكولات المرتبطة بهذه المناسبة.
فعلى غير العادة، بدت مائدة الإفطار لدى ناجي قاسم (45 سنة)، خاليةً من معظم الأكلات والحلويات التي اعتادتها العائلة فيما مضى خلال الأيام الأولى لرمضان هذه السنة، باستثناء "الشفوت" و"العصيدة"، وهما أكلات شعبية مشهورة في رمضان وغيره.
يعمل قاسم عاملًا بالأجر اليومي بمهنة (النِّجَارة) في مدينة إب (وسط اليمن)، وبفعل حالة الكساد التي ضربت قطاع البناء والأعمال، مؤخرًا، يختبر قاسم مع زوجته وأطفالهما الثمانية حياة الحرمان ممّا اعتادوا عليه في هذا الشهر، يتحدّث قاسم لـ"خيوط"، عن حياة التقشُّف الإجباري الذي يعيشونه في رمضان هذا السنة، قائلًا: "تقتصر مائدة إفطارنا على وجبة الشفوت والعصيد".
•تقاليد وظروف
الجدير بالذكر، أنّ شهر رمضان يرتبط بالعديد من المأكولات، والأطباق التقليدية التي تعتبر من الطقوس الرمضانية المبهجة في اليمن. لكن الحرب التي تمرّ بها البلاد جعلتها تتلاشى وتغيب عن بيوت اليمنيّين بتوالي السنوات، حيث صار مجرد الصمود أمام قساوة الحياة ومتطلباتها الباهظة هي غاية معظم الأسر اليمنية.
في السياق، تشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، حيث تشير أحدث التقديرات إلى أنّ نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًّا في ظروف تشبه المجاعة، خاصة في المناطق المتضرِّرة من الصراع التي تفاقم فيها الجوع بشكلٍ مقلق، وتؤكّد هذه التقديرات أنّ نحو 21 مليون شخص؛ أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وحماية عاجلة.
وعلى الرغم من وضع الهدوء، وتوقُّف القتال الذي شهدته البلاد منذ أبريل/ نيسان 2022 (تاريخ إعلان الهدنة الإنسانية للمرة الأولى بين أطراف النزاع في اليمن)، فإنّ ذلك لم ينعكس على حياة المواطنين، ولم تساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية بمختلف المحافظات اليمنية سوى الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، أو مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا.
وتعليقًا على ذلك، يقول الباحث الاقتصادي، رشيد الحداد، لـ"خيوط"، إنّ الحرب قلبت حياة اليمنيين رأسًا على عقب، إذ فقدت الكثير من الأسر اليمنية بهجة رمضان، وخصوصيته، خاصةً أنّ هذا الشهر يتطلب تخصيص ميزانية مالية مضاعفة لتوفير متطلباته، لأنّ أولويات الأسر تتغير وَفقَ الطقوس والعادات اليمنية المتعارف عليها في رمضان.
ويضيف الحداد: "كان اليمنيّون قبل تسع سنوات من الحرب يمتلكون العديد من المدخرات، سواء مجوهرات، أو أراضيَ وأصول ثابتة، لكن الظروف المعيشية القاسية التي مروا بها أجبرتهم على بيع الكثير من المدخرات، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على استعداداتهم لاستقبال رمضان، وعلى حياتهم عمومًا في الوقت الراهن".
•موائد بلا أطباق
تزخر الطقوس التقليدية المتعارف عليها في اليمن، بالأكلات المتنوعة، والتي تختلف من منطقة لأخرى، حيث تنفرد كلّ محافظة بأكلاتها الخاصة المتوارثة، ومنها: السلتة، والزربيان، والصيادية، والسوسي، والمعصوب، والمندي، وغيرها من الأطباق التي يحرص اليمنيّون على تقديمها على موائدهم في رمضان.
علاوة على المقليات، مثل: السمبوسة، والكاتلس، والباجية، والفلوري، والمدربش، بالإضافة إلى الحلويات، مثل: بنت الصحن، والرَّواني، والكُنافة، والعوّامة، والقَطائف، والشّعوبية، والبسبوسة، والبقلاوة، والمحلبية، وغيرها.
نسبة إقبال اليمنيّين على شراء المواد الغذائية كانت في أدنى مستوى لها قبل دخول الموسم الرمضاني وفي الأيام الأولى للشهر، نتيجة الحالة المتردية التي يعيشها غالبية المواطنين.
لكن هذا التنوّع والثراء في الأطعمة والمشروبات، تأثّر كثيرًا بالوضع، حتى "أصبح رمضان هذا العام أصعب من سابقيه"، كما تقول نهى سالم (35 سنة) لـ"خيوط"، والتي تضيف: "معظم الأطباق والحلويات الرمضانية التي كانت تزين مائدة الإفطار في منزلنا، أصبحت من الماضي. لقد حلّ علينا رمضان هذه المرة ونحن في ظلّ ظروف صعبة جدًّا".
تعمل سالم معلمةً بمدرسة خاصة في مدينة عدن (جنوبي البلاد)، وهي المعيل الوحيد للأسرة، وتتقاضى مقابل عملها كمعلمة راتبًا شهريًّا يصل إلى نحو 120 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل 100 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار هناك. وتشير سالم أنّ هذا الراتب لا يكفي لتوفير متطلبات الحياة اليومية لأفراد عائلتها، لكنها تؤكّد أنّه برغم ارتفاع تكلفة المعيشة، وعجز معظم الأسر عن شراء الأطباق الرمضانية، إلّا أنّ غالبية المواطنين في المدينة يُبدون ابتهاجهم وحفاوة ترحيبهم برمضان.
•ضعف الشراء
تعج الأسواق اليمنية منذ بداية شهر رمضان، بالكثير من البضائع المتنوعة التي عادةً ما تشهد إقبالًا عليها في رمضان، لكنّ عددًا من التجار في محافظتَي صنعاء وإب، يؤكّدون عزوف المواطنين عن الشراء نتيجة تدهور أوضاعهم المعيشية.
ويتفق معهم الحداد، حيث أضاف في حديثه لـ"خيوط": "نسبة إقبال اليمنيّين على شراء المواد الغذائية كانت في أدنى مستوى لها قبل دخول الموسم الرمضاني، وفي الأيام الأولى لشهر رمضان لهذا العام، نتيجة الحالة المتردية التي يعيشها غالبية المواطنين".
ويعتقد الحداد: "أنّ أسعار السلع الغذائية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء، كانت مناسبة في هذه السنة، حيث إنّ القيمة الشرائية لم ترتفع كثيرًا، إضافة إلى وجود انخفاضات في بعض المنتجات بسبب فتح ميناء الحُديدة، الذي أدّى بدوره إلى تراجع أسعار القمح بنسب متفاوتة، مشيرًا إلى الاستقرار فيما يتعلق بـ: المعروض السلعي".
وفي حين يتحدث الحداد عن تراجع بعض أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بصنعاء، يكابد حمود العبادي (40 سنة)- موظف حكومي في التربية والتعليم، مرارةَ الحياة في رمضان، كمثل مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم منذ سنوات، والذين بات توفير أدنى متطلبات رمضان تفاقم معاناتهم.
يقول العبادي، لـ"خيوط": "كانت حياتنا مستقرةً أيام صرف الرواتب، حينها كُنت أهتم بشراء كافة مقتضيات صناعة المأكولات، والحلويات، والعصائر، التي كانت مائدتي عامرةً بها، غير أنّ ذلك أصبح من الماضي. الآن أترقب نصف راتبٍ يتيم يأتي في رمضان، أحاول من خلاله توفير ما يسدّ رمق الأسرة من الجوع".
•جيوب فارغة
في تعز (جنوب غربي اليمن)، لا يختلف الحال كثيرًا، حيث يشكو محمد الصبري (50 سنة)، سائق حافلة صغيرة داخل المدينة، بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا (جنوب غربي البلاد)، من أنّه بالكاد يغطي حاجة أفراد أسرته من الطعام، فهو كمعظم من أجبرتهم الظروف المعيشية تخلّى عن شراء السلع الكمالية.
يقول الصبري، لـ"خيوط": "ظروفنا قاسية، وبالكاد نتمكّن من شراء الأشياء الضرورية، وبالتالي فإنّ توفير وجبة الفطور ليست بالمهمة السهلة، بسبب ما نعيشه من بؤس؛ نحن بضيق لا يعلم به إلا الحيّ القيوم".
هذا، ويعاني سكان مدينة تعز من أوضاع قاسية، خصوصًا عقب انهيار العملة الوطنية مؤخرًا؛ إذ وصل سعر صرف الدولار إلى نحو 1100 ريال للدولار الواحد، ممّا تسبّب بارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ووصل سعر الـ50 الكيلو الدقيق إلى نحو 45 ألف ريال يمني؛ أي ما يعادل نحو 35 دولارًا أمريكيًّا، في حين تتضاعف أسعار السلع الغذائية الأخرى، وذلك بدوره انعكس سلبًا على طقوس المواطنين الرمضانية، وفاقم معاناتهم اليومية، وسطَ غياب تامّ للدور الحكومي.
من جانبه، يشكو جلال علي (47 سنة)، من تدهور وضعة المادي، فهو يقيم في صنعاء الواقعة تحت سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتي يعيش فيها المواطنون أوضاعًا معيشية متدنية وأزمات متتالية في المشتقات النفطية والغاز المنزلي، منذ أن أحكمت الجماعة سيطرتها على المدينة في سبتمبر/ أيلول من العام 2014.
يقول علي، لـ"خيوط": "أعمل بالأجر اليوميّ، ومع انعدام فرص العمل وجدت نفسي عاجزًا عن تأمين الغذاء لأفراد العائلة، وتحوّل شهر رمضان إلى عبء، تحوّلت مواسم العبادة والفرح إلى بؤس". مشيرًا إلى أنّ الأنشطة والمشاريع الخيرية هذا العام، يبدو أنّها شبه متوقفة، لا موائد إفطار جماعية، ولا توزيع وجبات غذائية إلى منازل الفقراء.