عندما كانت لميس في التاسعة من عمرها، فقدت ساقيها في انفجار لغم أرضي أثناء اللعب مع أصدقائها في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن. على الرغم من مأساتها، أظهرت لميس قدرة عظيمة على التكيف، حيث أصبحت واحدة من مؤسسي جمعية الناجين من الألغام والقذائف فرع عدن، لتتجاوز المشكلة التي سلبتها قدرتها على الحركة. تشغل لميس حالياً منصب المديرة التنفيذية للجمعية.
قد يتوقع المرء أن تصاب امرأة يمنية محصورة في كرسي متحرك بالاكتئاب، أو أن تشعر بانتهاء حياتها، لكن لم تكن هذه حالة لميس، بالعكس تماما؛ فهي تكرس وقتها الآن لدعم الناجين من الألغام، خاصة النساء منهم، بتمكينهم اقتصادياً عبر تدريبهم على سبل كسب العيش، ومساعدتهم على إنشاء مشاريعهن الخاصة.
من المهم لفت الانتباه في اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام، إلى التحدي الُملَّح للألغام الأرضية في اليمن؛ بالإضافة إلى النزاع المسلح في البلاد منذ عام 2014، والذي خلق أسوأ كارثة إنسانية في القرن.
في شهر يناير/كانون الثاني 2023، تم رصد 41 حادثة انفجار ألغام في تسع محافظات يمنية، أسفرت عن مقتل 32 مدنياً بشكل مأساوي، بينهم 14 امرأة وطفل، وإصابة 42 آخرين، بينهم ايضا 15 امرأة وطفل.
تسببت هذه الحوادث في إعاقات مدى الحياة للعديد منهم.
منذ عام 2014، زرع المتمردون الحوثيون أكثر من مليون لغم أرضي في جميع أنحاء البلاد وفقا لمشروع مسام، "مشروع إنساني متعدد الأطراف"، أطلقته السعودية بهدف إزالة الألغام الأرضية في اليمن، حيث تعاني 18 من أصل 23 محافظة في البلاد من تهديد الألغام. نجح المشروع في إزالة ما يقارب 400 ألف لغم في جميع أنحاء اليمن.
•الأثر المدمر للألغام الأرضية على النساء والفتيات اليمنيات
لانتشار الألغام على نطاق واسع في اليمن تأثير غير متناسب على النساء والفتيات في اليمن مقارنة بتأثيره على الرجال؛ مما يسلط الضوء على الحاجة الُملِّحة لاتخاذ إجراءات لحماية سلامة ورفاهية المرأة اليمنية.
بالنظر إلى أن الرجال في اليمن غالباً ما يكونون في الخطوط الأمامية لجبهات القتال أو بعيداً عن بيوتهم لكسب العيش، عادة ما تحمل النساء مسؤولية رعاية أسرهن؛ أمر صعب، خاصة بالنسبة لأولئك اللواتي يعشن في المناطق الريفية الفقيرة، واللواتي تعانين محدودية فرص التعليم والرعاية الصحية.
هؤلاء النساء أكثر عرضة لخطر الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة؛ فهن لا تتنقلن لجلب الماء، والحطب، وتربية الماشية فحسب، بل يضطرن إلى مغادرة مناطقهن الآمنة لكسب العيش، مثل العمل في جمع المواد القابلة لإعادة التدوير، مما يزيد من مخاطر التعرض للألغام الأرضية.
ما يزيد الطين بلة أنه في الثقافة اليمنية، غالباً ما ينظر إلى النساء ذوات الإعاقة على أنهن عبء، مما يزيد من فرص تجاهلهن كزوجات محتملات، وهذا يضاعف من الصعوبات التي يجابهنها أصلاً. بالنسبة لهؤلاء النساء، يمكن أن تؤدي الإعاقة إلى صدمة عاطفية مدى الحياة بالإضافة إلى الإصابة الجسدية.
•كيف تفاقم الألغام الأرضية وتغير المناخ الأزمات الإنسانية
لا تشكل الألغام الأرضية تهديداً للناس فحسب، بل للحيوانات والبيئة أيضاً، لأنها تجعل الأراضي الزراعية غير صالحة للاستخدام، وتقطع الوصول إلى الموارد في المناطق النائية. غالباً ما تمنع حقول الألغام الوصول إلى الأرض، أو القرى المجاورة، أو شاطئ البحر، أو حتى أجزاء أخرى من المجتمع.
يتفاقم الخطر الذي تشكله الألغام بسبب الفيضانات والأمطار الغزيرة المتفرقة الناتجة عن تغير المناخ في اليمن، حيث يمكن لمياه الفيضانات المفاجئة أن تكشف عن الألغام الأرضية وأن تجرفها إلى مناطق مأهولة بالسكان. كما تهدد الألغام الأرضية مصادر المياه والزراعة، كما تعمل على تسريع الخطر الكارثي المتمثل في نفاذ المياه النظيفة في اليمن بشكل كامل. صرحت هيومن رايتس ووتش أن الحوثيين استخدموا الألغام الأرضية لحرمان الناس من الموارد المائية والغذائية.
حقيقة أن العاملين في نزع الألغام دائماً ما يكونون ضحايا للألغام الأرضية، إلا إن غالبية الضحايا هم من المدنيين. بحسب دراسة أجراها المركز الأمريكي للعدالة، قُتل 2526 مدنياً في الفترة بين يونيو/حزيران 2014، وفبراير/شباط 2022 نتيجة الألغام الأرضية في اليمن. مع ذلك، تجادل المنظمات المحلية في اليمن بأن هذه الأرقام المبلغ عنها متواضعة للغاية، وأن عدد القتلى الفعلي بسبب الألغام الأرضية أعلى من ذلك بكثير. وفقاً لمنظمة سجلات الألغام الأرضية اليمنية، في تعز، المحافظة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في اليمن، قُتل 3,263 مدنياً منذ عام 2015، تضم نسبة 47% من النساء والأطفال.
•محاولات خجولة للتغيير والخطوات المستقبلية
تستمر أزمة الألغام الأرضية في اليمن بالرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية والمحلية، مثل خدمة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، والمركز التنفيذي اليمني للأعمال المتعلقة بالألغام، وشبكة الناجين من الألغام، لكن لم يحدث هناك أي تقدم بسبب رفض الحوثيين لتوفير الخرائط لإزالة الألغام.
وفقاً لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، مع أن الهدنة أدت إلى انخفاض كبير في الخسائر الناجمة عن النزاع المسلح، "اليوم، ترجع أغلب الخسائر المدنية المرتبطة بالنزاع إلى الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة".
في سبتمبر/أيلول 2022، أصدرت 30 منظمة إنسانية بياناً مشتركاً للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعت فيه إلى اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الأثر الناجم عن الألغام الأرضية في اليمن ودعم الناجين.
أشار معهد كارنيغي للسلام الدولي في مقال نشره في سبتمبر/ أيلول 2022 وجوب حضور اليمن، كدولة طرف في اتفاقية حظر الألغام، ومنع الأنشطة المحظورة المتعلقة باستخدام الألغام الأرضية، على أن تقدم خرائط للألغام الموجودة.
يجب أن يشمل اتفاق السلام النساء وأن يدعم الضحايا منهن. يمكن للمبادرات المحلية مثل خارطة طريق السلام النسوية من مبادرة مسار السلام المساعدة في دمج النساء في عمليات السلام، وتسليط الضوء على أن نزع الألغام مهم لبناء الثقة لتحقيق السلام المستدام.
بالإضافة إلى ذلك، يجب فرض عقوبات على أولئك المسؤولين عن زرع الألغام، وفقاً لمعاهدة أوتاوا التي وقعت عليها اليمن. دون هذه الأحكام، سيستمر الشعب اليمني في المعاناة من عواقب هذه الحرب لعقود قادمة.