عاش أحمد الشهاري (30 سنة) ساعات عصيبة، مساء السادس من آذار/ مارس 2023، وهو في صالة قسم العزل في مستشفى السبعين في العاصمة صنعاء، في انتظار خروج طفله الرضيع من غرفة العناية المركزة التي أُدخل إليها جرّاء مضاعفات إصابته بمرض الحصبة.
الطفل البالغ من العمر عشرة أسابيع فقط لم يكن الوحيد الذي أصابته العدوى، إذ أصابت جميع أطفال أسرة الشهاري الذين لم يُطعَّموا باللقاح المضاد للحصبة، فنقلها إليهم ابن شقيق لهم يبلغ من العمر ثلاث سنوات.
يقول أحمد لرصيف22: "أفراد الأسرة من أبنائي وأبناء شقيقي الذين تزيد أعمارهم عن عشر سنوات ملقّحون، أما الأصغر عمراً، فقد توقفنا عن تلقيحهم تماماً منذ سنوات". والسبب في ذلك وفقاً لروايته أنه يسمع من الناس أحاديث مخيفة عما تسببه اللقاحات من أمراض مميتة للأطفال.
في قسم العزل ذاته، رقد خلال الأشهر الثلاثة الماضية عشرات الأطفال المصابين بالحصبة، وأيضاً بأمراض وبائية أخرى، كشلل الأطفال والسعال الديكي. ووفقاً لطبيبٍ مناوبٍ هناك، فإن القاسم المشترك بين غالبيتهم العظمى هو عدم تطعيمهم باللقاحات. وحين يعاتِب هو أو أحد زملائه ذويهم، يتلقّون ردّاً شبه موحد مفاده أن اللقاحات "مؤامرة صهيو-أمريكية".
المسؤول عن قسم العزل في مستشفى المحابشة في مديرية المحابشة في محافظة حجة، الطبيب أحمد الفلي يفيد بأن ردهتَي عزل فقط استقبلتا منذ منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، وحتى 5 آذار/ مارس 2023، قرابة 120 طفلاً مصاباً بالحصبة والحصبة الألمانية، وتوفي منهم تسعة أطفال، بعضهم وصل إلى المستشفى وهو متوفى أصلاً، والآخرون وصلوها في حالات حرجة، ولم تنجح الجهود التي بُذلت لإنقاذهم.
ويذكر الفلي لرصيف22 أن غالبية المصابين الذين يدخلون المستشفى هم من الأطفال غير الملقّحين، أما "الملقحون الذين يصابون بالمرض فيقاومونه ويتعافون سريعاً". وعن الأسباب التي تمنع الأهالي من تلقيح أطفالهم، يقول: "تختلف الأسباب التي نسمعها منهم، فالبعض يشتكي من بُعد مراكز التلقيح، وآخرون يجهلون أهمية اللقاحات، وهنالك مَن يرضخون لشائعات غير صحيحة يسمعونها عن مضار تسبّبها اللقاحات".
وتعزو مديرة برنامج التحصين في صنعاء الدكتورة غادة الهبوب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المُعدية منذ مطلع العام الجاري إلى إيقاف حملات إيصال اللقاحات منذ نهاية العام 2022، وذكرت أن آخر حملة تحصين وطنية نُفّذت كانت في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2021.
أم جود، من صنعاء، لديها خمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين سنة وثماني سنوات، أصيبوا معاً بمرض الحصبة، ورقدوا متجاورين يعانون من مضاعفات المرض في قسم العزل في مستشفى السبعين. تقول لرصيف22: "أردت تلقيح صغاري، لكن زوجي منعني من ذلك، لأنه يرى ذلك غير ضروري".
تتساءل وهي تضع كفّها على جبهة أصغرهم: "كيف ليس ضرورياً؟"، ثم تضيف بنبرة عتاب: "أزواجنا يمنعوننا من تحصين أطفالنا، وعندما يصابون بالأمراض نتحمل نحن النساء مشقّة الرقود في المستشفيات".
•الأمراض الوبائية تعاود الانتشار في اليمن
عام 2006، أعلنت منظمة الصحة العالمية اليمن دولةً خاليةً من فيروس شلل الأطفال، إلا أنها عادت لتؤكد انتشاره في السنوات التي تلت اندلاع الحرب.
وأعلنت المنظمة في 2020 عن انتشار متحور جديد من فيروس شلل الأطفال، وبدأت بحملات تلقيح للحد من انتشاره، إلا أنها واجهت لاحقاً قيوداً في المناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله الحوثية، وتم تأكيد ذلك في تقرير صدر عن الاجتماع السابع للجنة الفرعية الإقليمية المعنية باستئصال شلل الأطفال والتصدي لتفشّيه، نشرته المنظمة على موقعها الإلكتروني في 28شباط/ فبراير 2023.
وذُكر في التقرير أن الدول الأعضاء "تراقب بجزع الفاشية المطولة في اليمن والقيود المستمرة المفروضة على التصدي للفاشية بالتطعيم في المحافظات اليمنية الشمالية، وإذ تلاحظ كذلك أن فاشية فيروس شلل الأطفال الدائر المشتق من اللقاحات من النمط 2 المستمرة منذ عام 2017 هي أطول فاشية مستمرة من هذا القبيل في العالم".
وأشار التقرير إلى أن 197 طفلاً أصيبوا بالشلل بسبب فيروس شلل الأطفال في المحافظات اليمنية الشمالية، وهو ما يمثل نحو ثلث جميع الحالات العالمية لهذه السلالة في العام 2022، وأن جملةً من العوائق تواجه التطعيم ضد المرض، وهي: "محدودية الوصول إلى الفئات السكانية الأشد عرضةً للخطر، وضعف خدمات التمنيع، ووجود فجوات في تغطية حملات التطعيم التكميلي، والانتشار السريع للمعلومات المغلوطة والمُغرضة في المحافظات الشمالية في اليمن".
أما وزارة الصحة العامة والسكان في العاصمة صنعاء، والواقعة تحت سيطرة الحوثيين، فقد أعلنت في تقرير نشرته بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2022، عن تسجيل 226 حالة إصابة بشلل الأطفال خلال تلك السنة، مع 18،597 ألف إصابة بالحصبة، وسُجّلت بسببها 131 حالة وفاة.
حمدي شوعي، من أبناء قرية المرخام (مديرية المحابشة) في محافظة حجة، أصيب أربعة من أطفاله المتراوحة أعمارهم بين عامين وثمانية أعوام بمرض الحصبة، في منتصف شباط /فبراير 2023. يقول لرصيف22: "أكبرهم تجاوز المرض بعد ثلاثة أيام، كونه محصّناً باللقاح، لكن الثلاثة الآخرين الذين لم يتم تلقيحهم من قبل،- تدهورت حالتهم الصحية فنقلتهم إلى مستشفى مديرية المحابشة الذي يبعد عن قريتنا مسافة 15 كيلومتراً".
ويبرر عدم تلقّي أطفاله الثلاثة اللقاح بعدم وصول فرق التلقيح إلى بيوت القرية ومدرستها كما في السابق، ويعني قبل نشوب الحرب. ويضيف: "نحن لم نعد نهتم بأمر اللقاحات كي نذهب إلى مستشفى المديرية مثلاً، للحصول عليها، وبصراحة هذا حال جميع الأسر في القرية".
ويرى أنه نتيجةً لذلك، داهم وباء الحصبة السكان، ونُقل 15 طفلاً، فضلاً عن أطفاله، في اليوم عينه إلى المستشفى، مشيراً إلى أن ثلاثة أطفال من قريته وستةً آخرين من قرية مجاورة توفّوا جرّاء المرض.
•الحوثيون يحذّرون من خطورة اللقاحات
الشائعات المتداولة على المستوى الشعبي بشأن اللقاحات في الجزء الشمالي لليمن خلال السنوات الأخيرة تفيد بأنها "مؤامرة يهودية" و"تنتج عنها مضاعفات كالإصابة بالعقم".
ثمة جهات رسمية وغير رسمية تغذّي تلك الشائعات. في السادس من شباط/ فبراير 2023، عُقدت في العاصمة صنعاء ندوة عنوانها "خطورة اللقاحات على البشرية"، نظّمتها مؤسستا بنيان وصحتنا التابعتان لجماعة الحوثيين، تكرر فيها ترديد شعار "اللقاحات ليست آمنةً ولا فعالةً"، ونشرت وقائعها وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية التابعة للجماعة، كـ"المسيرة" و"الثورة".
اللافت في هذه الندوة هو الحضور الرسمي الرفيع المستوى، المتمثل في رئيس وزراء حكومة الحوثيين ونائبه ووزير الصحة ومدير مكتب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ومسؤولين آخرين، ما يعني أن هناك توجيهاً مركزياً بدفع الأهالي إلى مقاطعة اللقاحات لدوافع يتضح من سياق هذه الندوة أنها دينية وسياسية، فقد تضمنت الكلمات الملقاة محاور تحريضيةً مباشرةً ضد اللقاحات بعناوين فرعية مثل "اللقاحات تنشر الأوبئة"، و"أمراض ناتجة عن اللقاحات"، و"السيطرة اليهودية المالية"، و"تاريخ منظمة الصحة العالمية". وبدأ الباحث سليم السياني، الندوة، بمحاضرة له استهلّها بآيات قرآنية واقتباسات من شعارات زعيم الجماعة عن المقاطعة الاقتصادية لليهود.
وقال: "قاطعوا المواد والسموم التي صدّرها لنا اليهود، والتي تدخل أجساد اليمنيين فتصيبهم بالعُقم وبأمراض كثيرة جداً". ومن جملة ما قاله: "اللقاحات التي تأتي إلى اليمن هي من شركات صهيونية، ونقول بعالي الصوت إن هذه اللقاحات ليست آمنةً ولا فعالةً".
وفي محاضرة أخرى خلال الندوة، ذكر رئيس مؤسسة صحتنا، عبد العزيز الديلمي، وهو وكيل سابق لوزير صحة، أنه "استشعاراً بالذنب والخطورة فقد صمتُ شهرين متتابعين وتبت عن مناصرتي للقاحات خلال منصبي السابق في الوزارة"، وتابع: "أعتذر ممن لقّحتهم سابقاً، بمن فيهم أبنائي الكبار، أما أبنائي الصغار وأحفادي فلم ألقّحهم بعد العدوان وجائحة كورونا"، وشدد في محاضرته على ضرورة توعية الناس وتحذيرهم من خطر اللقاحات.
أما وزير الصحة طه المتوكل فاعتبر خلال مداخلة له في نهاية الندوة أن الحديث عن أهمية اللقاحات هي "أطروحات" تدخل "في إطار الرأي والرأي الآخر"، وأظهر استغرابه مما وصفه بضغط المنظمات وإصرارها على اللقاحات. وقال: "هناك ضغط منظماتي لضرورة تزويدنا باللقاحات، لكن عندما نطلب منهم أدويةً أخرى لإنقاذ الكثيرين من الموت، لا نلقى هذا الحرص والاهتمام".
وأضاف: "بالنسبة إلى اللقاحات، فنحن سنتيحها في المراكز الصحية، مجرد إتاحة لمَن يريدها ويصرّ عليها، وعليه أن يتحمل المسؤولية"، مقراً بوفاة 162 طفلاً وإصابة آلاف الأطفال بالحصبة خلال 2022، غير أنه يستدرك ليقول: "لكن لا ننسى أن العدوان قتل أربعة آلاف طفل أيضاً".
ويرى وزير الصحة في حكومة الحوثي أن بديل اللقاحات هو "العمل بإستراتيجية وطنية قائمة على المنطق القرآني وتوجيهات السيّد".
•سياسة مُمنهَجة وردّ فعل دولي
تلك الندوة لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبقتها ندوات وأنشطة وفعاليات أخرى كثيرة، حرّضت على منع التطعيم باللقاحات، كما الإعلام الرسمي المرتبط بجماعة الحوثي برامج ومقابلات في هذا السياق.
حملت تلك الندوات والفعاليات عناوين مثل: "مؤامرة اللقاحات الماسونية"، و"خطورة اللقاحات والتطعيم"، و"الطب اليهودي". ووصل الأمر إلى تبنّي خطباء مساجد هذه الطروحات، فضلاً عن مؤسسات حكومية.
يحدث ذلك على الرغم من وجود منتقدين ومعارضين للتوجه العام المعادي للقاحات، إذ نقل الناشط المدني زيد الثلايا، عبر منشور له على حسابه الخاص على فيسبوك، وبشيء من السخرية، ما قاله خطيب صلاة الجمعة في أحد جوامع صنعاء: "اللقاحات والمنظمات مؤامرة أمريكية تسبب العقم، والنساء لا يلدن ولادةً طبيعيةً ويحتجن إلى القيصرية بسببها"، وذكر أن الخطيب استدلّ في قوله بالآية القرآنية: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل".
أما البرلماني أحمد سيف حاشد، فذكر في منشور له أيضاً على فيسبوك: "من الكواليس: خرج أعضاء مجلس نواب صنعاء من قاعة الاجتماع بمجرد أن شاهدوا أن العرض لندوة ضد التحصين!! إنه توجّه لفرض التخلّف فرضاً".
وحذّر طبيب الطوارئ في مستشفى الثورة في صنعاء جمال عبد المغني، في منشور له على فيسبوك، من تحوّل وشيك لمرض الحصبة من مجرد حالات مرضية إلى وباء متفشٍّ بين الأطفال وبنحو كبير. وأوضح: "باختصار، مرض الحصبة عندنا في طريقه للتحول إلى وباء كورونا نفسه في ذروة انتشاره، إذا لم تكن هنالك خطط مدروسة مثل السماح بدخول أكبر كمية ممكنة من اللقاحات ما دام أنها موافِقة للمعايير الدولية، بالإضافة إلى السماح بنزول الحملات الميدانية للمتطوعين إلى البيوت وتلقيح الأطفال ضد أمراض الطفولة القاتلة".
ثم تابع مؤنّباً المحرّضين ضد اللقاحات: "أتمنى أن يكون أصحاب نظرية الأدوية المستخرجة من النفط مرتاحين الآن وهم يشاهدون هذا الكم الهائل من الأطفال المصابين بهذا الوباء!".
وعقب انتشار أخبار الإصابات الوبائية في اليمن، أصدرت السلطات المصرية تعميماً اشترطت فيه على الوافديين اليمنيين إلى الأراضي المصرية الحصول على جرعة من لقاح شلل الأطفال، وورد في التعميم الذي وزّعته شركة اليمنية للطيران، وحصل رصيف22 على نسخة منه: "اعتباراً من 27 شباط/ فبراير 2023، يجب على كل المسافرين من اليمن إلى مصر أو الزائرين الذين قضوا فترة أربعة أسابيع أو أكثر في اليمن، الحصول على جرعة من لقاح شلل الأطفال الفموي الثنائي التكافؤ (BOPV)، أو الحصول على لقاح شلل الأطفال سولك المعطل (IPV)، قبل الوصول إلى الأراضي المصرية".
طبيب القلب اليمني المقيم في ألمانيا مروان الغفوري علّق على التعميم المصري بقوله: "ستُقلّدها دول أخرى قريباً. جاء هذا القرار بعد أن منعت الدولة الإمامية في صنعاء اللقاحات بذريعة أنها مؤامرة يهودية".
ويضيف الغفوري: "حالياً ينتشر آل البيت (ويقصد الحوثيين الذين يعيدون نسبهم إلى بيت النبي) في المؤسسات، ليقدّموا محاضرات تقول إن أدوية الضغط والسكري منتجات بترولية! ليس لجنون آل البيتِ مِن قرار!".
•اعتدوا علينا وطردونا
تفيد مديرة برنامج التحصين في وزارة الصحة في حكومة الحوثيين غادة الهبوب بأن اللقاحات التي يحتاجها كل طفل هي الروتينية التي تقي من 11 مرضاً من الأمراض الوبائية التي تهدد حياة الأطفال، وهي: الحصبة والحصبة الألمانية، وشلل الأطفال، والسلّ، والسُعال الديكي، والدفتيريا، والتهاب الكبد البائي، والكزاز، والتهاب السحايا، والالتهاب الرئوي، والإسهال الفيروسي، وتؤكد على أن كل طفل يجب تلقيحه باللقاحات منذ ولادته حتى سنّ دخوله المدرسة لحمايته من هذه الأمراض.
وقالت الهبوب لرصيف22: "صحيح أن اللقاحات ما زالت متاحةً في المراكز الصحية، لكن الخطورة تكمن في إيقاف النشاطات الإيصالية إلى المناطق النائية التي تبعد ساعات عن أقرب مركز صحي، والتي يقطن فيها 70% من الأطفال المستهدفين المحتاجين إلى اللقاحات، والتي قد تكون حالات صفريةً لم تتلقَّ أي جرعة تلقيح، كون الولادات في هذه المناطق تقليديةً لا تتم في المراكز الصحية، وبهذا لا يحصل الأطفال ولا حتى على الجرعة الأولى من اللقاح".
وتضيف: "لو قلنا فَرَضاً أن النشاطات الإيصالية لم تُمنع بشكل رسمي، فإن الفِرق الميدانية عندها مخاوف من النزول إلى هذه المناطق في ظل هذه الحملات التحريضية ضد اللقاحات، والتي تعمل على بث الشائعات في أوساط عامة الناس وتجعلهم يرفضون تلقيح أطفالهم".
اختصاصية التحصين والمشرفة على حملات تحصين سابقاً في العاصمة صنعاء، سعاد أحمد (اسم مستعار)، تقول لرصيف22: "كنّا نواجه رفضاً غير طبيعيٍ من الأهالي للقاحات عندما كنا ننفّذ حملات التحصين، وكانوا يسألوننا لماذا لا تعلن قنوات التلفزيون أن اللقاحات مفيدة".
وتروي لرصيف22 أن هنالك مَن اتهمها هي وزميلاتها، بأنهن يُردن إصابتهم بالعقم بواسطة اللقاحات، وأنه اعتُدي عليهن في بعض القرى وطُردن منها، وتعلّق: "نخاف من أن ندخل إلى بعض القرى المعروفة بغالبيتها الحوثية"، ثم تتساءل: "كيف سنقدر على الذهاب لتطعيم الأطفال وكل القنوات والإذاعات وخطباء الجوامع يحرّضون ضدنا؟".
•دعاية وتضليل
الهبوب تؤكد أن اللقاحات آمنة وسليمة، وتقول: "لو أن هنالك شكّاً ولو بنسبة 1% في تلوث أي لقاح، فمن المستحيل السماح بدخوله إلى مخازن البرنامج". كما تؤكد على توافر الكوادر البشرية الكفوءة والمؤهلة، وكذلك توافر اللقاحات التي تزوّد منظمة اليونيسيف وزارة الصحة بها وبنحو كافٍ ومنظَّم و"بمعايير عالمية"، على حد تعبيرها.
وتشير إلى أن اللقاحات تخضع للفحص والمراجعة، وتخزَّن في مخازن مؤهلة جهّزتها منظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، وأن هذه المخازن تغطّي احتياجات العديد من المراكز الصحية في اليمن منذ سنوات.
وتستنكر الحملات التحريضية ضد اللقاحات، وتقول: "الوزارة أوقفت النشاطات الإيصالية، ويبقى الرهان على وعي الأهالي بأخذ أطفالهم إلى المراكز الصحية لتلقيحهم، لكن هذا الوعي يضلَّل بكل هذه الحملات في القنوات والإذاعات والمساجد".
وعن الندوات التي تقام للتحريض ضد اللقاحات، تقول مديرة برنامج التحصين "إنها تعتمد بيانات غير دقيقة، مجمّعةً من هنا وهناك، والقائمون عليها ليسوا مختصين ولا علاقة لهم بالمجال". وتتهم الإعلام الرسمي بأنه موجّه بالكامل لنشر الشائعات وتضليل وعي الناس، وفي المقابل: "لا يتم منحنا مساحةً للرد وتوضيح حقيقة الأمور من باب حق الرد، كما لا يتاح لنا، نحن والمختصين، الحديث وإبداء آرائنا حتى من باب الرأي والرأي الآخر".
وتدعو الهبوب الأهالي إلى عدم تصديق الشائعات ضد اللقاحات، وإلى ضرورة تطعيم أطفالهم وتحصينهم ضد الأمراض الفتاكة، وتخاطبهم بالقول: "منذ سبعينيات القرن الماضي والجميع يُلقَّحون ولم تظهر من حينها أي تقارير عن أعراض جانبية. في العام 2006، لقّحنا قرابة 10 ملايين طفل ضد الحصبة، فلماذا لم تظهر أي أعراض؟ بل بالعكس كانت الحالات تصل إلى قرابة 20 ألف طفل مصاب بالحصبة والوفيات بالآلاف قبل الحملة، وبعد تنفيذها انخفض العدد إلى ثماني حالات فقط".
وعملت منظمة اليونيسيف في اليمن جاهدةً، خلال شهر آذار/ مارس 2023، للرد على الشائعات المتعلقة باللقاحات، وذلك من خلال منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكدت فيها على سلامة اللقاحات وشددت على أهمية التحصين للوقاية من الأمراض.
ونبّهت المنظمة إلى أن البلاد تشهد تفشياً للحصبة وشلل الأطفال، وأن 80% من الذين يعانون من الحصبة أصيبوا لأنهم لم يتلقّوا اللقاح، وأن اليمن يتسلم سنوياً 25 مليون جرعة من اللقاحات المؤهلة من قبل منظمة الصحة العالمية، ولا توجد سوى تقارير عن آثار جانبية طفيفة ومؤقتة. وعادت للتأكيد: "اللقاحات آمنة وفعّالة"، في ما يبدو أنه ردّ منها على شعارات ترفعها جهات قريبة من الحوثيين عن اللقاحات مفادها أنها "ليست آمنةً ولا فعالةً".
الناشطة الحقوقية ورئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان رضيّة المتوكل، اتهمت السلطات في صنعاء بأنها "اتخذت على نفسها عهداً بألا توفر طريقةً للموت إلا وتذيقها لهذا الشعب الرابض تحت سلطتها". وقالت في منشور لها على فيسبوك عنونته بـ"الإخلاص في إنتاج الموت"، إن العشرات من الأطفال الذين لم يتلقوا التطعيم، يصلون إلى المستشفيات مصابين بمضاعفات شديدة وخطرة، منها التهابات صدرية وخيمة والتهابات في الدماغ جرّاء الإصابة بالحصبة، وأن عدداً كبيراً منهم فارق الحياة.
برأيها، "هذا كله بسبب توجه جماعة أنصار الله ودعايتها الإعلامية المسنودة حتى من وزير الصحة نفسه ضد اللقاحات". وختمت منشورها مخاطبةً الجماعة: "عيب... استحوا... خافوا الله على الأقل في هذه!".