أثارت تقارير المحادثات المباشرة بين المملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين في اليمن الآمال في تحقيق اختراق دبلوماسي نحو إنهاء الحرب المدمرة التي استمرت تسع سنوات في البلاد.
استمد العديد من المراقبين التفاؤل من جهود السلام المتجددة وأشهر من الهدوء النسبي على الأرض، والتي صمدت بعد الهدنة الرسمية التي انتهت في أكتوبر / تشرين الأول 2022.
ومع ذلك، هناك مؤشرات مقلقة على أنه بدلاً من التفاوض بحسن نية، يستغل كل من الحوثيين والرياض العملية لكسب الوقت والنية الحسنة الدولية. على عكس التقارير الإعلامية المتفائلة وتصريحات الدبلوماسيين، تشير التطورات على الأرض وطبيعة المحادثات نفسها إلى أن السلام الدائم في اليمن لا يزال بعيد المنال.
* بوادر أمل خادعة؟
في يناير / كانون الثاني، أفادت وسائل إعلام مقربة من الحوثيين أن السفير السعودي محمد الجابر زار العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون لإجراء مفاوضات مباشرة مع قيادة الحوثيين بشأن إحياء وقف إطلاق النار المتعثر وإيجاد حل سياسي للحرب. جاء ذلك بعد أيام من زيارة وفد من عُمان، توسط في الأزمة، للمدينة وسط تقارير تفيد بأن السعودية والحوثيين يتجهون نحو اتفاق سلام.
أخبر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانز غروندبرغ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في منتصف يناير / كانون الثاني أنه خلال المناقشات مع أصحاب المصلحة، رأى "خطوة محتملة للتغيير" في مسار الحرب. كما أشار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود إلى إحراز تقدم في جهود الوساطة.
يبدو أن كل هذه التقارير تشير إلى اختراق نحو السلام بفضل الجهود الدبلوماسية جنباً إلى جنب مع شهور من الهدوء النسبي على طول الخطوط الأمامية في اليمن. لكن إلقاء نظرة فاحصة على الوضع على الأرض يشير إلى أن الحرب لم تنته بعد.
كبداية، أعلنت الحكومة المعترف بها دولياً في أواخر يناير / كانون الثاني أنها شكلت "قوات درع الوطن" تتكون من أفراد مدربين تدريباً خاصاً. كما دعت الحكومة المجتمع الدولي إلى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، مستشهدة بهجمات الجماعة على منشآت نفطية في شرق وجنوب البلاد أواخر العام الماضي. هناك أيضاً توترات متزايدة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، مع وجود خلاف بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي منذ تحرك قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حضرموت ضد رغبات السلطات الإقليمية.
وشن الحوثيون من جانبهم هجمات في مأرب وتعز والضالع في كانون الثاني / يناير الماضي، فيما تشير مصادرة الحكومة اليمنية والبحرية الأمريكية لأسلحة من بينها طائرات مسيرة متجهة للحوثيين إلى استمرار الجماعة في تخزين ترسانتها. علاوة على ذلك، فإن الوضع الاقتصادي المزري في اليمن ساء كثيرا.
لا يشير أي من هذا إلى أن الأطراف المتحاربة تتفاوض بحسن نية. بدلاً من ذلك، يبدو أنهم يكسبون الوقت ويستعدون لجولة جديدة محتملة من الصراع. إذن، إلى أي مدى من المرجح أن تؤدي المحادثات السعودية الحوثية، التي أشادت بها وسائل الإعلام، إلى عملية سلام حقيقية؟
* لا حرب ولا سلام
عندما انتهت الهدنة في 2 أكتوبر، دخل اليمن في حالة "لا حرب ولا سلام" مدعومة من جميع الأطراف. في وقت كتابة هذا التقرير، ساد سلام نسبي لمدة أربعة أشهر، على الرغم من الانتهاكات الطفيفة التي تم حلها بسرعة.
هذه "اللاهدنة"، وهي منطقة رمادية لم تشهدها اليمن منذ بداية الحرب، أشارت للمجتمع الدولي أن جميع الأطراف تريد التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الصراع في اليمن. وقد أدى ذلك إلى الضغط على الحكومة اليمنية وقيادة التحالف الذي تقوده السعودية للدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب.
بدأت المحادثات بين السعودية والحوثيين في 12 أكتوبر / تشرين الأول، عندما زار وفد سعودي صنعاء، ظاهرياً للتفاوض على تبادل الأسرى. سرعان ما اكتسبت المحادثات بوساطة عُمانية زخماً، وبعد ثلاثة أشهر من النشاط الدبلوماسي المكثف، ظهرت تقارير تشير إلى أن صفقة سياسية قد تكون في الأفق. وبحسب ما ورد تضمنت القضايا المطروحة على الطاولة فتح الطرق وتخفيف الحصار عن ميناء الحديدة والفتح الكامل لمطار صنعاء وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على الحدود السعودية اليمنية.
ومع ذلك، تُظهر المعلومات المسربة حول المحادثات أنهم غارقون في المناقشات حول قضايا هامشية مثل الهجمات على منشآت النفط، وتوزيع عائداته، ودفع رواتب موظفي الدولة المعلقة منذ فترة طويلة، وإنهاء الحصار على المطارات والموانئ. في حين أن هذه القضايا مهمة، إلا أنها كلها عواقب للحرب، وليست القضايا الجوهرية التي تسببت فيها.
وهذا يشير إلى أن كل جانب منخرط في هذه المحادثات كمناورة سياسية لخدمة مصالحه الخاصة. يبدو أن السعودية تجري مفاوضات مباشرة مع الحوثيين لامتصاص الضغط الدولي الذي تواجهه لإنهاء الحرب. قد تتيح المحادثات لها أيضاً فرصة لكسب الحوثيين وفصلهم عن خصمهم الإيراني اللدود. علاوة على ذلك، تسمح المحادثات الجارية بالإبقاء على حالة "عدم الهدنة".
تريد الرياض تجنب التصعيد، بمعنى أنه مقابل تعليق غاراتها الجوية، لن تواجه بعد الآن هجمات بطائرات بدون طيار أو صاروخية داخل أراضيها. وهذا بدوره يسمح لها بشكل أفضل بضمان تدفق موثوق لصادرات النفط.
من جانبهم، تمثل المحادثات فرصة للحوثيين لاكتساب الشرعية السياسية الدولية كطرف يمني في مفاوضات مع لاعب أجنبي رئيسي، مع فائدة إضافية تتمثل في تقويض الثقة بين الحكومة المعترف بها دولياً وداعمها الرئيسي. على المستوى العملي، يمكن للمحادثات أن تمنح الحوثيين انتصارات في قضايا مثل دفع الرواتب والحصول على حصة من عائدات النفط دون إجبارهم على تقديم تنازلات كبيرة. كما أنهم يكسبون الوقت لإعادة التجمع وتعزيز سيطرتهم على المناطق التي يسيطرون عليها، مع التنصل من مسؤولياتهم في تقديم الخدمات وفتح الطرق أمام المدن المحاصرة. أخيراً، تفيد المفاوضات الجماعة بالسماح لها بإبلاغ مؤيديها أنها فازت بتنازلات من الرياض.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست الجولة الأولى من المحادثات المباشرة بين الحوثيين والسعودية. ففي عام 2016 ادت المفاوضات إلى تبادل الأسرى وتسليم الحوثيين خريطة لحقول الألغام قبل انهيار المحادثات مرة اخرى.
في عام 2019، أجرى الجانبان محادثات سرية تهدف إلى وقف التصعيد، لكنها لم تسفر عن أكثر من مناورة سياسية لكسب الوقت لإعادة التجمع.
لا يوجد ما يشير إلى أن المحادثات الأخيرة ستؤدي إلى نتائج مختلفة. في أحسن الأحوال، قد يرون تجديداً لوقف إطلاق النار الرسمي. يبدو أن كلا الجانبين على طاولة المفاوضات لأسباب سياسية، باستخدام مشاركتهما والضجيج الإعلامي المصاحب لامتصاص الضغط من الجهات الدولية التي تعتقد أن السلام في اليمن من شأنه أن يخفف من أزمة إمدادات الطاقة التي سببتها حرب روسيا وأوكرانيا.
* التكهن سلبي؟
أي محادثات لا تشمل جميع الأطراف الرئيسية في الحرب اليمنية لن تؤدي إلى سلام دائم. وبدلاً من ذلك، سوف يحفزون على استخدام القوة لفرض الحقائق على الأرض، مما يزيد من تفتيت الوضع في اليمن.
في الواقع، من المرجح أن يزداد الوضع سوءاً. تفجر الصراع في اليمن بعد سنوات من الحرب، مما أدى إلى ظهور حركات إقليمية وطائفية تشكل عقبات كبيرة أمام الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل. هذه الحركات مدعومة بموارد اقتصادية وعسكرية هائلة من شأنها أن تقوض أي مفاوضات لا تعكس مصالحها.
ومع ذلك، حتى لو شاركوا مؤقتاً في المناقشات، فمن المرجح أن يتحول كل طرف إلى الأعمال العسكرية مرة أخرى. الدبلوماسية، بالنسبة للأغلبية، هي في الأساس نوع آخر من الحرب.