اليمن: الصم والبكم.. إرادة تشق طريقها إلى قمّة التفوق
يمن فيوتشر - بشرى الجرادي: الإثنين, 14 نوفمبر, 2022 - 03:21 مساءً
اليمن: الصم والبكم.. إرادة تشق طريقها إلى قمّة التفوق

[ العين الاخبارية - ارشيف ]

"ألف مبروك يا علي، لقد حصلت على المركز الأول قسم الأدبي على مستوى الجمهورية".. هذا مضمون رسالة  من  رسائل كثيرة تدفقت على هاتف علي العليشوا أحد الطلاب الذين ينتمون لشريحة الصم والبكم.
يقول علي العليشوا، وهو من أبناء محافظة عدن، بانه غمرته فرحة كبيرة، حين كان يتلقّى رسائل التهاني بتفوقه، بينما كان في طريق عودته إلى المنزل من دورة تدريبية.
وحصد العليشوا، الذي كان ملتحقا بثانوية خديجة بالمنصورة في مدينة عدن، المركز الأول في القسم الأدبي على مستوى الجمهورية بنسبة بلغت 95,63 بالمائة.
واعتبر علي نجاحه تتويجاً لفئة الصم والبكم التي استطاعت أن تواجه التحديات والصعوبات وتكون رقمًا صعبًا ومميزًا، وأثبت أن الإعاقة ليست في الجسم وإنما في الإرادة والعقل.

شغف ودعم
يقول علي العليشوا لـ"يمن فيوتشر"
إن إيمانه بنفسه وبقدراته وشغفه بالدراسة جعله يتجاوز كل الصعوبات التي واجهته في دراسته، إضافة إلى أنه درس في مدراس الدمج والذي سهل عليه الكثير.
ويدين علي بالفضل لوالديه اللذين بذلا "جهودا كبيرة لدعمي ووصولي إلى هذه المرحلة وها أنا اليوم احتفل بنجاحي وحصولي على المركز الأول في الثانوية العامة القسم الأدبي على مستوى الجمهورية".
أسباب التفوّق ذاتها، هي ما جعلت "غصون حمود" تتفوّق وتصبح طبية وتحصل على ماجستير إدارة صحية ومستشفيات، بعد تغلبها على الصعوبات التي واجهتها خلال فترات الدراسة الاساسية والثانوية.
تقول غصون، وهي أيضاً من فئة الصم والبكم: ساعدني التحاقي بمدارس دمج كثيرا في تجاوز صعوبة التعامل مع الآخرين وأيضا فهم واستيعاب الدروس. إضافة إلى تشجيع أسرتي وحصولي على فرصة للالتحاق بالدراسة الجامعية.

صعوبات أكبر
ورغم النجاحات التي حققتها هذه الفئة حينما أتيحت لها فرصة الالتحاق بالدراسة الابتدائية والأساسية والثانوية إلا أنها وجدت صعوبات أكبر بعد الثانوية العامة لعدم وجود جامعات يمنية تختص بهذه الفئة وتوفر لها الفرص والأجواء المناسبة للالتحاق بالدراسات العليا كفئة مستحقّة.
وبالرغم عن ذلك تحدى الكثير منهم المستحيل وخلقوا فرصًا للإلتحاق بالجامعة رغم القيود التي واجهوها في الكثير من الجامعات الحكومية والخاصّة التي تضع شروطًا وتتيح تخصصات إجبارية غير مرغوبة لديهم الأمر الذي يحرم الكثير منهم الدراسة الجامعية.
واشتكى عدد من المنتمين لشريحة الصم والبكم الذين تواصلنا بهم " عبر تقنية التراسل الفوري "ماسنجر" أن الجامعات الحكومية تفرض عليهم شروطًا قاسية عند التحاقهم بها منها أن يدرس تخصص معين دون غيره وإن كان لا يتوافق مع رغبة الشخص، وفوق ذلك يشترط عليه دفع رسوم المترجم الخاص بهذه الفئة.
إضافة إلى قيود وشروط أخرى ذكرها المنتمون لهذه الفئة في مختلف المحافظات وقالوا إنها واجهتهم عند التحاقهم بالجامعات الحكومية أو الخاصة.
واكد الكثير منهم أن الجامعات ترغمهم على الالتحاق بتخصصات لا يرغبون بها أو تفرض عليهم شروطاً لا يستطيع معظمهم تحقيقها.

•"لا استسلام"
تقول غصون حمود (35 عاما) ومحافظة إب "قضيت فترة طويلة لم أجد جامعات تستقبلني بعد الثانوية، وهو ما جعلني أشك في قدرتي على استكمال مشوار تعليمي ونجاحي وتحقيق حلمي كطبيبة إلا أني لم أستسلم للمعوقات".
تضيف في حديثها بعد رحلة معاناة وخوفاً من تبعات الفشل والاستسلام اضطررت للإلتحاق بمعهد صحي وحصلت على دبلوم صيدلة. 
تتابع لـ"يمن فيوتشر": بعدها التحقت بجامعة آزال للتنمية البشرية وحصلت منها على الشهادة الجامعية والماجستير تخصص إدارة صحية ومستشفيات، وهذه الفرصة حرم منها ويحرم الكثيرون من فئة الصم والبكم.
علي العليشوا، هو الآخر قال إنه يريد أن يدرس حاسوب في جامعة عدن إلا أن الجامعة تعيق التحاقه بهذا التخصص للحصول على البكالوريوس وتشترط عليه أن يدرس دبلوم سنتين فقط.
ويضيف وفقاً لهذه الشروط لا يحق لي الحصول على البكالوريوس وهو شرط يفرض علي وعلى كثير من فئة الصم والبكم الذين يضطرّون لدراسة تخصصات لا يرغبون بها ويحرمون من شهادات كان من الأجدر أن يحصلوا عليها كغيرهم من الأشخاص المقتدرين.

نجاح رغم التحدّيات
عائشة الجبري، أحد المنتمين لهذه الفئة بمحافظة تعز، تغلّبت على كل التحدّيات التي واجهتها في مسيرتها التعليمية وباتت الآن ناشطة مجتمعية وحقوقية ومؤسسة ورئيسة مبادرة وئام الشبابية ومدربه متخصصة في بناء القدرات.
قالت لـ"يمن فيوتشر": حينما قررت الالتحاق بجامعة تعز قسم إعلام كان شرطهم لقبولي في الجامعة أن يدرس معي زوجي وإن رسبت سيكون أيضًا هو راسبًا وإن نجحت نجحنا جميعاً".
ولا تختلف تجربة عائشة عن تجارب غيرها من افراد هذه الشريحة فيما يتعلق ب "فرض تخصص دون غيره أو دفع رسوم المترجم الذي قد لا يقدر الكثير من هذه الفئة على دفعها وحتى بوجود جامعات خاصة". 

سر النجاح
الإرادة والطموح ليسا وحدهما سبب تفوّق الكثير من المنتمين لـ"الصم والبكم" فكثير ممن قابلناهم وتواصلنا بهم " أكّدوا أن نجاحهم في الدراسة ما كان ليتم لولا دعم وتشجيع الأسرة".
يقول علي العليشوا، إن الصعوبات التي واجهته في سنوات الدراسة لم تشكّل عائقاً أمامه بسبب الدعم والتشجيع الذي كانت يتلقّاه من والديه وخصوصاً والدته التي رافقته ودعمته في كل الظروف والأحوال. يضيف": كانت والدتي دائمًا تقف إلى جانبي وتدعمني وتقوم بمتابعة دروسي وبذلت جهودًا كبيرة من أجل أن أصل إلى ما وصلت إليه من نجاح وتفوق".
فيما تؤكد أم علي العليشوا، للحديث حول طفولة علي وشعورها بتفوّقه، وفي البداية قالت إنها صدمت حينما اكتشفت أن ولدها لا يسمع إلا أنها تغلّبت على ذلك الشعور بالدعاء والصبر واستطاعت أن تواجه الإعاقة بجلادة"
وتحدثت كيف استطاع "علي" بفضل إرادته ودعمها وتشجيعها تجاوز الإعاقة ومشاركة الأطفال ألعابهم وشغبهم ومواجهة بعض حالات التنمّر، ومزاحمتهم في كراسي الدراسة وتحقيق النجاح.
وحول الدراسة تضيف ام علي ": عندما بدأنا بتدريسه أدخلناه مدرسة بالدمج كنت أنا معه دائمًا في كل مرحلة أقوم بتلخيص الدروس له وأقوم بمتابعته أولًا بأول في كل مراحل تعليمه.
موضحة أن "علي" كان طفلًا ذكيًا، وكان يذاكر ويجتهد، ويحب الدراسة وشغوف جداً في كل مراحل دراسته. معبرة عن سعادتها الغامرة بتفوّقه، وقالت إن الفضل يعود لله أوّلاً وللمدرسات.
واعتبرت أم علي، نجاح ولدها كافيًا "لنعلم أن هذه الفئة لا يعيقها عن النجاح فقدان السمع أو النطق أو البصر وإنما غياب العزيمة والنجاح والذي ينبغي إن وجد لدى أحد هؤلاء الأطفال أن يقوم الأهل بمساعدته في تجاوزها.
ودعت "أم علي"، أسر الأطفال المنتمين لهذه الفئة الوقوف إلى جانبهم ودعمهم وتشجيعهم لتجاوز الإعاقة وجعلهم أشخاصاً فاعلين في الحياة كغيرهم من الناس.
ومن جانبها، طالبت عائشة، الحكومة والجهات المحلية والدولية ذات العلاقة وكل من له قدرة ويحمل على عاتقه المسؤولية تجاه المجتمع أن يهتموا بدعم فئة الصم والبكم وأن يمنحوهم الفرصة ليتعلموا ويثبتوا قدرتهم على المشاركة بمسيرة البناء والتنمية.
وأكدت أن الإعاقة ليست سببًا للفشل، وإن فئة الصم والبكم لديهم إرادة وتميز، ونجدهم يسابقون غيرهم ويثبتون قدرتهم على التميز والإبداع وجدارتهم للمجتمع والجهات التي تحاصرهم وتحرمهم من الفرص التي ينبغي أن يحصلوا عليها.


التعليقات