اليمن: النزوح والعنف.. ثنائي يطارد النساء
يمن فيوتشر - غدير عارف: الخميس, 27 أكتوبر, 2022 - 09:01 مساءً
اليمن: النزوح والعنف.. ثنائي يطارد النساء

[ Getty ]

"أعيش حياة قاسية لا تخلو من العنف بعد أن وجدت نفسي وأسرتي مجبرين عن النزوح والتنقل بحثًا عن الأمان. لم أكن أعرف حياة كهذه من قبل"، بهذه العبارة تلخص أم عماد حال النساء النازحات في اليمن.
نزحت أم عماد (39 عاما) وأسرتها المكونة من ستة أشخاص، ثلاث مرات منذ بدء الحرب في اليمن عام 2015.
كانت الأسرة تستقر في منطقة عصيفرة شمالي مدينة تعز (جنوب غرب البلاد)، وعندما تفجر القتال بين طرفي النزاع اضطرت إلى النزوح باتجاه شرق المدينة، التي تعتبرها تقارير حقوقية بأنها إحدى أكثر المدن اليمنية تأثّرا بالحرب المستمرة منذ ثماني سنوات.
تقول "عشنا أياما معدودة قبل أن تقترب الاشتباكات والقصف من المنطقة، حيث تعرضت للإصابة بشظية مدفعية، وقررنا النزوح إلى محافظة ذمار، استقرينا هناك لنصف عام ولأن وضعنا صعب وتعرضنا للمضايقات من قبل المؤجر اضطرينا للنزوح مرة أخرى والبقاء في مدينة القاعدة (تابعة لمحافظة إب)".
في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة يزداد استضعاف النساء النازحات وتعرضهن للعنف.
 وتعتبر النساء إلى جانب الأطفال الأكثر تضررًا في حالات النزوح حيث يضطرن للعيش في مخيمات تفتقر إلى أدنى وسائل الراحة والسلامة والأمن من الإساءة الجسدية والعاطفية والعقلية.
وتشكل النساء والأطفال 77 في المائة من النازحين داخليًا في اليمن، الذين يُقدر عددهم بنحو 4.3 مليون شخص، وفق تقارير حقوقية. 

•"تحرش" وتهمة "التخابر"
في كل رحلة، كانت تتعرض أم عماد للعنف بأشكال عدة، سواء من قبل المجتمع المستضيف أو أحد أطراف الصراع.
"في إحدى المرات كنت أقف في طابور للنساء للحصول على المساعدات الإنسانية في مركز لتوزيع الإغاثة، جاء مسلحون وأطلقوا الأعيرة النارية وأثناء الهروب تدافعت النساء فسقطت على الأرض وكسرت يدي"، تستذكر أم عماد تلك الحادثة بنبرة يختلجها الشعور بالاسى. 
واشارت الى انها باتت العائل الوحيد للأسرة، بعد أن أصبح زوجها عاطلا عن العمل، إثر إصابته بمرض مزمن، وتدهور حالته الصحية.
ولكي توفر الاحتياجات الضرورية لأسرتها لجأت أم عماد للعمل في بيع الفطائر الشعبية. 
في السوق كانت أيضًا تواجه عنفا من شكل آخر من قبل مرتادي السوق: "منهم من كان يحاول التحرش بي ومنهم من يتلفظ عليّ بألفاظ سوقية".
وتتذكر انه "ذات مرة قدم مسلحون يطلبون مني دفع مبلغ مالي كعرصة (جباية) للمكان الذي اجلس فيه وعندما رفضت، وجه لي أحدهم تهمة التخابر لصالح الطرف الآخر (التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن) ".
اضافت "هددني بالحبس لكن الناس تدخلوا ومنعوهم من ذلك".
منذ ذلك الحين تركت أم عماد العمل في السوق لا سيما بعد أن "حصلت على مساعدة من إحدى المنظمات وفاعلي خير بدعمها بماكينة خياطة تعمل عليها من المنزل"، حد قولها، مضيفة "لو لم تكن الحرب لما تعرضت لكل هذا التعب".
وأجبرت الحرب معظم النساء للقيام بمسؤوليات رب المنزل، إذ يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن ما يقرب من 26 في المائة من الأسر النازحة تتولى مسؤوليتها الآن نساء، مقارنة بنسبة 9 في المائة اندلاع  الصراع.
ونظرا لعدم الإبلاغ عن حوادث العنف التي تتعرض له النساء النازحات بشكل كاف، فإن العدد الحقيقي للضحايا بشكل عام غير معروف.
لكن تقديرات أممية تشير إلى أن نحو 6.5 مليون امرأة وفتاة بحاجة إلى خدمات لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي له في عام 2022. 

أسباب وتأثيرات
يعد العنف ضد النساء من أهم الظواهر المتأصلة في اليمن، كما ترى لطيفة جامل، وهي رئيس المركز الأمريكي للعدالة (حقوقي غير حكومي). 
وترجع جامل ذلك إلى "الفقر والعادات والتقاليد التي تم تأصيل الكثير منها دينيا، وربطها بمفهوم العيب والشرف، إضافة إلى الحرب وما أنتجته من نزوح وانقسامات مجتمعية متعددة طائفية ومناطقية وطبقية".
وترى ان النزوح بسبب الحرب، هو "أحد أشد أنواع العنف قسوة (...) فبسببه تتحمل المرأة مختلف الأعباء، ومنها إعالة أسرتها سواء في حال وجود الزوج أو في غيابه إما للذهاب إلى القتال أو الهجرة أو البطالة".
تؤكد "تقع على المرأة مسؤوليات داخل وخارج المنزل، حيث تضطر للعمل مقابل أجور زهيدة نقدية أو عينية".
وتضيف: "في مخيمات النزوح، تُجبر العائلات بناتهن على الزواج في سن مبكرة، ويحدث أيضا الزواج القسري، وذلك من أجل تخفف العائلات من مسؤولية إعالتهن، ونتيجة هذا الزواج تتحول الفتاة للعمل بما يشبه السخرة لدى أسرة زوجها التي تكون فقيرة غالبا"..
في الأعوام الأخيرة؛ تطورت مظاهر العنف ضد النساء في مخيمات النزوح؛ في ظل انعدام الحماية القانونية والمجتمعية لهن لأسباب تتعلق بغياب الدولة، وتراجع دور الأجهزة المنفذة للقانون أو غيابها، بحسب جامل، التي ترى أن الآليات القانونية المحلية لحماية النساء من العنف يشوبها الكثير من القصور.
تشير إلى أن "كثير من النصوص وأنواع العنف يقف القانون ضد المرأة، بسبب أن صيغته جرت في ظروف وسيطرة قوى سياسية واجتماعية لا تؤمن بالمرأة كإنسان كامل يملك الحقوق الطبيعية الكاملة بالمساواة مع الرجل".

حلول مقترحة
بدوره يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات المحامي توفيق الحميدي، إن "الحرب ساهمت بانهيار نظام الحماية الحكومي والمدني، وأجبرت أكثر من 800 ألف امرأة على النزوح ، وهذا ساهم في انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة".
يضيف: "انتشار النقاط المسلحة ساهم في تعرض العديد من النساء للعنف سواء الجسدي أو اللفظي".
منذ بداية الحرب وحتى نوفمبر 2021، قُتل وأُصيب أكثر من 1620 امرأة، وفق اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية حكومية مدعومة من المجتمع الدولي.
ولإيقاف العنف ضد النساء النازحات، يقترح الحميدي "وقف الحرب أولا، كونها المدخل الاساسي لإيقاف أي انتهاك، بالإضافة إلى بناء أنظمة الحماية المدنية والقانونية بصورة جيدة وإصدار تشريعات تحمي المرأة من الاعتداء وتردع المعتدين، إلى جانب نشر الثقافة التي تعزز مفاهيم المساواة والحقوق والحريات".

"تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/ JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".


التعليقات