تحليل: مزالق إستراتيجية المملكة العربية السعودية المتمحورة حول الأمن في اليمن
يمن فيوتشر - مركز كارنيجي للشرق الأوسط- احمد ناجي- ترجمة: ناهد عبدالعليم: السبت, 15 أكتوبر, 2022 - 11:55 مساءً
تحليل: مزالق إستراتيجية المملكة العربية السعودية المتمحورة حول الأمن في اليمن

الملخص
تعثر نهج المملكة العربية السعودية الموجه نحو الأمن تجاه اليمن، حيث فشل التحالف الذي تقوده السعودية في هزيمة الحوثيين عسكرياً أو حتى في استعادة الحكومة التي أطاحت بها الجماعة.
علاوة على ذلك، فإن عسكرة السعودية للحدود مع اليمن قد أضر بالاقتصاد اليمني - مع عواقب سلبية على المملكة العربية السعودية بشكل حاسم- فأمنها مرهون باستقرار اليمن وازدهاره الاقتصادي. وعلى هذا النحو يجب على الرياض المساهمة في إنعاش الاقتصاد اليمني المحتضر، سواء في المناطق الحدودية أو في قطاع الزراعة الداخلية.

المواضيع الرئيسية
لطالما رعى اليمنيون مظالم تاريخية ضد المملكة العربية السعودية، فقد حدثت خسارة عسير ونجران وجيزان منذ ما يقارب قرن، لكنها لا تزال تخلق الاستياء حتى اليوم. و لقد أثبت الحوثيون مهارتهم في الاستفادة من مثل هذا الاستياء وكذلك الاستياء الناتج عن الحملة العسكرية السعودية والسياسات ذات الصلة.
ازداد الميل السعودي لرؤية اليمن من خلال عدسة أمنية بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء في عام 2015، و فشل التدخل العسكري اللاحق بقيادة السعودية في تحقيق أهدافه وسارع في انهيار الدولة اليمنية.
أدت عسكرة الرياض للمناطق على جانبي الحدود السعودية اليمنية، والقيود المفروضة على دخول البضائع اليمنية إلى الأراضي السعودية، والقمع ضد المواطنين اليمنيين في المملكة إلى تعطيل الحياة المجتمعية والاقتصادية عبر الحدود، ولم تفعل شيئاً يذكر لتحسين المستوى المحلي السعودي. و يُعد فصل المناطق الحدودية اليمنية عن المناطق النائية هو ما يحاول السعوديون القيام به، و هو أمر غير مجدٍ.

توصيات
 وبدلاً من مواصلة أو حتى تكثيف نهجها الأمني ​​الفاشل والمستهلك بالكامل، يجب على المملكة العربية السعودية أن تتمحور نحو استراتيجية تهدف إلى الإنعاش الاقتصادي للمناطق الحدودية، حيث تعد إعادة تنشيط وتقوية اللجان الاقتصادية التي تم تشكيلها عند توقيع معاهدة جدة عام 2000 بداية جيدة وكذلك إنشاء منطقة تجارة حرة.
الاستثمار في القطاع الزراعي اليمني أمر حتمي من شأنه أن يخدم الغرض الثلاثي المتمثل في دعم الاقتصاد اليمني، وتشجيع المزارعين اليمنيين والعمال المهرة على البقاء في بلدهم، وتزويد السوق السعودي بسلع بأسعار معقولة أكثر من تلك المستوردة من أي مكان آخر.
 إذا تم تنشيط القطاع الزراعي في اليمن سيقوم بتوظيف نسبة كبيرة من السكان مرة أخرى، و يمكن للرياض أن تتحمل تسهيل متطلبات الدخول لليمنيين، لأن أولئك الذين يرغبون في الانتقال إلى المملكة العربية السعودية سيكونون عمالاً غير مهرة، مما سيجعل الرياض تعتمد على العمالة الأجنبية غير الماهرة في البناء، والتي يجري العمل على تنفيذ مشاريع ضخمة منها، ولا يوجد سبب يمنع اليمنيين من ملء الوظائف مرة أخرى في هذا القطاع.

المقدمة
عاد سالم في فبراير / شباط 2022 وهو رجل يبلغ من العمر 25 عاماً من محافظة إب اليمنية، إلى عائلته في نعش، حيث قتل سالم في إحدى المعارك، وكانت وحدته قد انخرطت في معركة مع الجيش السعودي في محافظة الجوف الحدودية، حيث تم نشره مع آخرين من قبل جماعة أنصار الله، وهي جماعة زيدية شيعية متمردة تدعمها إيران وتعرف باسم الحوثيين، وبعد دفنه انضم العديد من أفراد مجتمع سالم المباشرين إلى الحوثيين من بينهم أحد أشقائه وستة رجال آخرين من عائلته.
ومنذ الوهلة الأولى ظهر سالم كمرشح غير محتمل للتجنيد في صفوف الحوثيين -في محافظة إب الواقعة في غرب وسط اليمن بعيدة عن معقل الحوثيين في شمال غرب البلاد- وسالم مثل معظم سكان المحافظة، كان سُنياً شافعياً، ومع ذلك كان وحيدًا.  
وقد كانت غزوات الحوثيين تشكل خارج المجتمع الزيدي ومناطق نفوذهم التقليدية بُعداً مُهماً، وإن لم يكن معروفاً بشكل كافٍ  للصراع المستمر في اليمن -الذي اندلع في عام 2014 واستقطب جهات فاعلة إقليمية في العام التالي.
و غالباً ما يصمم الحوثيون روايتهم لجذب اليمنيين -بغض النظر عن مناطقهم الأصلية ومعتقداتهم الدينية- الغاضبين من التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن ومن عسكرة الرياض للمناطق الحدودية اليمنية وحتى التعدي السعودي التاريخي على الأراضي اليمنية. وتتجنب هذه الرواية الشعارات الطائفية التي يستخدمها الحوثيون عند استهداف الزيديين، وتركز بدلاً من ذلك على قضية الدفاع عن سيادة اليمن، وبالتالي تغذي المشاعر الوطنية المشتركة بين الجميع.
و في الواقع، أدت السياسات الأمنية السعودية الصارمة الأخيرة إلى جانب المظالم اليمنية التاريخية بشأن اغتصاب المملكة العربية السعودية المتصور للأراضي اليمنية منذ عقود، إلى استياء عميق، مما أدى إلى انضمام الآلاف من الشباب الشافعي السنّي إلى الحوثيين؛ وقد أدى هذا إلى تعقيد استراتيجية الرياض لإخضاع الحوثيين، ويبدو أنه لعب أيضاً دوراً في إقناع السعوديين بالقبول بوقف إطلاق النار في ربيع عام 2022 واغتنام الفرصة لتخليص أنفسهم جزئياً على الأقل، من ذاك المستنقع.
لكن الصورة الأكبر هي الأكثر أهمية للاستيعاب، والتي تتضمن هناك العديد من المؤشرات على أن استراتيجية المملكة العربية السعودية المتمحورة حول الأمن قد فشلت، والعلامة الأكثر وضوحا على ذلك هي الحالة التي يجد اليمن نفسه فيها اليوم. حيث تُعد اليمن تقريبا دولة فاشلة وتعتبر السعودية من الأطراف التي تتحمل مسؤولية هذا التطور السيء.
علاوة على ذلك، تسليح أعداء السعودية اليمنيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار!.. لذلك فإن أي محاولة من جانب السعوديين لحماية بلدهم من خلال إنشاء مناطق عازلة أو بناء جدران حدودية من غير المرجح أن يكون لها التأثير المطلوب، و من أجل تحقيق الأمن الحقيقي يجب على السعودية أن تتوقف عن التفكير في العسكرة خاصة وأن سياساتها في هذا الصدد تولد معارضة من اليمنيين، وتبدأ في التفكير في دعم الاستقرار السياسي الضئيل في اليمن ودعم المشاريع الاقتصادية فيها، وجعلها دولة تفيد اليمنيين والسعوديين. هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق الأمن الدائم للمناطق الحدودية السعودية مع جارتها، والسعودية نفسها بشكل خاص.

اليمن المزروعة تاريخيا

في الاستفادة من المشاعر المعادية للسعودية بين اليمنيين من المجتمعات الزيدية والشافعية في البلاد على حد سواء لم يقُم الحوثيون بالتركيز ببساطة على الإجراءات الأمنية السعودية الأخيرة التي أثرت على اليمنيين العاديين الذين يعيشون في المناطق الحدودية، أو طرد الرياض لآلاف العمال اليمنيين من المملكة العربية السعودية، كما يكمن أيضاً في جوهرها الاعتقاد بأنه -منذ عقود- ونتيجة لتوازن القوى غير المتكافئ بين المملكة العربية السعودية واليمن كانت الأولى-السعودية- قادرة على احتلال الأراضي التي كانت تاريخياً جزءاً من الأخيرة -اليمن-، وقد حدث هذا في أوائل الثلاثينيات، ولا تزال المناطق المعنية (عسير وجيزان ونجران) اليوم داخل حدود المملكة العربية السعودية.
لم تمر أفعال السعوديين في ذلك الوقت دون اعتراض، حيث قامت المملكة المتوكلية اليمنية بالمقاومة والتي بدورها طالبت بالأراضي الثلاثة، وأشركت جارتها الأكبر في سلسلة من المواجهات العسكرية، (وفي نفس الوقت تقريباً، حددت الاتفاقية الإنجليزية السعودية الحدود بين المملكة العربية السعودية وجنوب اليمن، والتي كانت لا تزال تحت الحكم البريطاني). لقد تعلق الأمر بمسألة الأراضي المتنازع عليها ، وهو أمر تم تأكيده عندما تم ترسيم الحدود عام 1937، تماشياً مع أحكام المعاهدة، واعتبرت منطقة عسير وجيزان ونجران داخل أراضي المملكة العربية السعودية.
وقد أدى فقدان عسير ونجران وجيزان الى إثارة غضب اليمنيين ، لا سيما من المناطق المجاورة التي بقيت داخل اليمن. وتم تقسيم المجتمعات وحتى العائلات بسبب الحدود، حتى لو لم يكن الأمر صعباً، إلا أن منطقتين من هذه المناطق مأهولة بأعداد كبيرة من المسلمين الشيعة. فالإسماعيليون هم الأغلبية في نجران، بينما تعيش مجتمعات مهمة من الزيديين في نجران وجيزان. وكان النظام الملكي معادياً سياسياً للمملكة اليمنية التي يهيمن عليها الزيديون.  ومن وجهة نظر مجتمعية، كان من الصعب بشكل خاص قبول فقدان جيزان لليمنيين في الشمال، ومعظمهم من الزيديين.  فهذا سيتسبب لظهور محنة الزيديين والإسماعيليين في المملكة العربية السعودية القمعية لاحقاً بشكل بارز في أيديولوجية الحوثيين.
وفي ذلك الوقت أكدت الحكومة اليمنية التي تفاوضت على معاهدة الطائف من موقف ضعف لتفادي الانتقادات الموجهة لسلوكها أنه وفقاً للمعاهدة نفسها لم يتم تصورها على أنها نهائية وكان هذا صحيحاً. حيث نصّت المادة 22 على أن الاتفاقية ستظل قابلة للتجديد كل عشرين عاماً، وقد تم التجديد الأول في عام 1953، ومع ذلك قامت المملكة العربية السعودية لاحقاً بالرفض على تجديد المعاهدة، وأصرت على أن ترسيم الحدود كان نهائيًا وأن بند التجديد يتعلق بأمور أخرى وكان هذا وفقاً للإتفاقية.
نتيجة لذلك ظلت قضية الحدود مشكلة متفاقمة وليس فقط بين المملكة العربية السعودية واليمن الشمالي ذي الأغلبية الزيدية (الدولة الخلف للمملكة اليمنية، التي تأسست عام 1970).  في عام 1969، فقد قاتلت المملكة العربية السعودية وهزمت جنوب اليمن في حرب على بلدة الودية الحدودية، التي انتزعها الجيش السعودي من جنوب اليمن بمجرد حصول الأخير على استقلاله عن بريطانيا في عام 1967، وبعد توحيد شمال وجنوب اليمن في عام 1990، وهو تطور أعطى دفعة كبيرة للقومية اليمنية، أدى الخلاف الحدودي (الذي شمل حتى بعداً بحرياً) أحياناً إلى مناوشات بين الجيشين السعودي واليمني، ولمنع تصعيد الأمور، سعت حكومتا البلدين للتوصل إلى اتفاق شامل ودائم، وقامتا على توقيع معاهدة جدة عام 2000.
وأدت بدرورها معاهدة جدة إلى ترسيم صحيح للحدود، وهو رسم أكثر تفصيلاً بكثير من معاهدة الطائف، وحل النزاع الحدودي بين البلدين رسمياً. ونظراً لأنه لم يكن هناك شك في تنازل المملكة العربية السعودية عن السيطرة على عسير ونجران وجيزان فقد انتهى الأمر بتكريس جزء كبير من الطائف حتى أثناء إزالة الغموض عنها، وفي واقع الأمر نصت المادة 1 على أن الطائف كانت جزءاً أساسياً من معاهدة جدة  هذه المرة. و في محاولة لإرضاء مواطنيها، وعدت الحكومة بأن الاتفاقية الجديدة مع المملكة العربية السعودية ستقوم بفتح حقبة من الازدهار الاقتصادي.
وشهدت المناطق الحدودية اليمنية نمواً اقتصادياً، حيث يرجع ذلك في جزء كبير منه إلى انتشار الأسواق الحدودية التي ظهرت بشكل عضوي خلال النصف الثاني من القرن العشرين وتوسعت بشكل كبير خلال العقد ونصف العقد الأول من هذا القرن، و بعد أكثر من عقد بقليل من توقيع معاهدة جدة أثناء الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح في عام 2011 قام العديد من اليمنيين برفع شعارات تدعو إلى عودة الأراضي المفقودة إلى الحكم اليمني، و استمرت قضية الأراضي اليمنية المغتصبة في الظهور في الخطاب الشعبي، وأصبحت الدعامة الأساسية للسرد التاريخي للحوثيين.

ترى المملكة العربية السعودية أن اليمن يمثل مشكلة أمنية
تبرز اليمن في الخليج بأكثر من طريقة، بادئ ذي بدء إنها جمهورية بين الممالك والإمارات، كما أنها دولة ذات سمات ديمقراطية أكثر من جيرانها - ولا سيما المملكة العربية السعودية- نتيجة لذلك نظر الأخير إلى اليمن بعين الريبة وليس من قبيل المصادفة أن اليمن ليس عضوا في مجلس التعاون الخليجي الذي يضم سائر دول شبه الجزيرة العربية.
ولعقودٍ من الزمان قامت المملكة العربية السعودية بالاعتماد على ما كان يُعرف باسم اللجنة الخاصة، وهي طائفة واسعة من زعماء القبائل اليمنيين والسياسيين التابعين للسعودية، للحفاظ على مصالحها في اليمن، ويدل وجود مثل هذه البيئة على اعتقاد السعودية بحقها في التدخل في الشؤون اليمنية، فغالباً ما كشفت إجراءات اللجنة الخاصة عن أولويات الرياض، والتي كانت تتمثل في احتواء وإعادة توجيه الاتجاهات السياسية، سواء كانت ديمقراطية أو غيرها والتي تهدد النظام السياسي الموالي للسعودية في اليمن، وكان هذا النهج النخبوي في التعامل مع المجتمع اليمني محط استياء من قبل العديد من اليمنيين.
و في 2011 تحولت الشكوك السعودية إلى تخوف، كما أيضاً انتشر  في ذلك العام الربيع العربي في الخليج، وقامت الرياض بقمع الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية، وبناء على طلب المنامة، تدخلت عسكرياً أيضاً لفعل الشيء نفسه في البحرين. وفي اليمن كان نظام صالح غير قادر على قمع الاحتجاجات المتزايدة ودعا الرياض للمساعدة في التوسط مع المعارضة اليمنية، وقام السعوديون آنذاك بالرد بتقديم مبادرة لنقل السلطة إلى حكومة جديدة، مع احتفاظ صالح بالسيطرة على 50٪ من أعضائها، كما سيحصل صالح على حصانة كاملة من الملاحقة القضائية. بالإضافة إلى ذلك ، دعت المبادرة إلى حوار وطني بين القوى السياسية اليمنية الرئيسية.
و أثبتت المبادرة عدم فعاليتها إلى حد كبير وسط الكثير من الخلاف بين الفصائل اليمنية التي كان داعموها الإقليميون يتطلعون إلى مزيد من النفوذ، وأكثر فأكثر بدأت الرياض تخشى أن تؤدي التطورات في اليمن إلى استيلاء شعبي على الحكومة، والأسوأ من ذلك إعادة إشعال الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية، وفي نهاية الأمر -بدعم من السعودية- قُمع صالح بقوة الاضطرابات التي ألهمها الربيع العربي.
ولكن بعد ذلك بوقت قصير كان على صالح أن يتعامل مع اندلاع مشكلة طاحنة منذ فترة طويلة.  
ففي عام 2014  شن الحوثيون الذين اشتبكوا مع الحكومة على مدى سنوات ، تمرداً شاملاً، و في سبتمبر / أيلول استولوا على صنعاء، وطردوا الحكومة اليمنية من مقر سلطتها، وكانت هذه بالنسبة للسعوديين هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وخلصت الرياض بعدها إلى أن اليمن الغارق في أزماته لم يعد آمناً، بل إنه يشكل خطراً أمنياً على المملكة العربية السعودية، فقد أصبح جزء كبير من البلاد الآن في أيدي ميليشيا مسلحة مدعومة من قوة إقليمية وهي إيران، التي كانت المملكة العربية السعودية على خلاف معها، وبسبب حرمانها من القدرة على التلاعب بالمشهد السياسي اليمني من خلال امثال اللجنة الخاصة التي انحسر نفوذها بعد صعود الحوثيين واستيلائهم على صنعاء قررت الرياض اللجوء إلى القوة.
و في مارس / آذار 2015 قامت السعودية في اليمن على رأس تحالف عسكري قوامه قوات من عدة دول عربية بالتدخل، كما بدأ السعوديون في عسكرة جزء كبير من حدودهم مع البلاد. و في البداية كان هذا يتألف من انتشار مكثف لقوات الأمن وتشديد إضافي للقيود التي تحكم الدخول إلى المملكة العربية السعودية عبر المعابر الحدودية، وبعد ذلك بوقت قصير تم توسيع الإجراءات لتشمل تجنيد آلاف اليمنيين لمساعدة القوات السعودية على حراسة الحدود، وفي الوقت نفسه بدأت الرياض في وضع قيود مشددة على عدد كبير من المنتجات اليمنية المخصصة لأسواقها، وكانت الوظيفة الرئيسية لجميع هذه التدابير هي منع شبكات التهريب والاتجار بالبشر من اختراق الحدود، والجدير بالذكر أن السعوديين لم يتخذوا مثل هذه الإجراءات فقط في المناطق المقابلة التي يسيطر عليها الحوثيون، ولكن أيضاً أجزاء من الحدود التي كانت تسيطر عليها حليف المملكة العربية السعودية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
ولم تقتصر الاستراتيجية الأمنية على الحدود في مدن جيزان ونجران وأبها وخميس مشيط بجنوب السعودية، ومن بين مدن أخرى سعت السلطات السعودية إلى تقليص عدد العمال اليمنيين نظراً لقربهم من هذه المدن ومعرفتهم بثقافتهم وتقاليدهم، وفضّل عشرات الآلاف من اليمنيين تاريخياً العمل هناك. 
ومع ذلك، تم القبض على العديد منهم الآن في شبكة أمنية، و تم ترحيل بعضهم بسبب الإقامة والعمل في المملكة العربية السعودية بشكل غير قانوني -كانت في السابق جريمة تميل السلطات إلى التغاضي عنها عندما يتعلق الأمر بمواطنين يمنيين- وآخرون لأسباب واهية، مثل الاشتباه في التعاطف مع الحوثيين، كما رفعت الرياض الرسوم التي يتعين على اليمنيين الملتزمين بالقانون دفعها للحصول على تصاريح الإقامة وتجديدها، و أجبر هذا العديد من اليمنيين الذين يعانون من ضائقة مالية على مغادرة المملكة العربية السعودية، حتى لو كان ذلك يعني العودة إلى اليمن الذي كان ينزلق إلى الحرب .
حتى أن نهج الأمن السعودي الشامل استلزم هندسة ديموغرافية لسكانها في المناطق الحدودية، فقد بدأت هذه الممارسة قبل تدخل الرياض في اليمن في عام 2015، لكنها نمت في نطاقها بعد ذلك. و في منتصف عام 2015 كانت مدينة أبها -وهي مدينة في عسير-  تستضيف سعوديين من قرى عسير الحدودية نقلتهم السلطات، و وفقاً لأحد التقارير -في نفس العام- وتزامناً مع الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن قامت الرياض بإخلاء 15 ألفاً من سكان 96 قرية حدودية.
وعندما يتم إجلاء سكان قرية سعودية في المنطقة الحدودية ونقلهم إلى أماكن أبعد في الداخل فإن السبب الرسمي لمثل هذا الإجراء هو حمايتهم؛ و أعلنت السلطات السعودية أنها قلقة من أن القرية المعنية تقع في مرمى نيران الحوثيين.  
بعد ذلك عاد الإسماعيلون عبر الحدود إلى اليمن وانضموا إلى حركة الحوثيين، ونتيجة لهذا سعت السلطات السعودية إلى إبعاد مجتمعاتهم الشيعية جسدياً عن تلك الموجودة على الجانب اليمني من الحدود.

ما الذي أحدثه نهج المملكة العربية السعودية الأمني ​​المركزي - وكيف يمكن عكسه
من الناحية السياسية والعسكرية كان تدخل التحالف الذي تقوده السعودية غير ناجح بشكل واضح، وكان الهدف المزدوج للتحالف هو هزيمة الحوثيين واستعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى السلطة، ومع ذلك في السنوات السبع التي انقضت منذ إطلاق التحالف حملته قام الحوثيون بتوسيع المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم ولم تعد الحكومة المعترف بها دولياً إلى صنعاء بعد. واليوم يحكم الحوثيون ما يقرب من 30 في المائة من البلاد و التي تضم 65 في المائة من سكان اليمن، بينما تحتفظ الحكومة المعترف بها دولياً بالسيطرة على بقية الأراضي الوطنية من خلال مجموعة متنوعة من الجماعات، التي ولاء بعضها إلى اليمن. 
في الواقع المفارقة هي أن حملة التحالف الذي تقوده السعودية عملت على ترسيخ وتعزيز الروابط فيما بعد بين الحوثيين وإيران. حيث اعتبرت إيران الحرب فرصة لتوسيع أجندتها في اليمن من خلال تزويد الحوثيين بالأسلحة والخبرة العسكرية، وقد مكن ذلك طهران من تقويض أمن الحدود السعودية وتسوية حسابات مع الرياض، وكان للحوثيين أسبابهم الخاصة لزيادة تعاونهم مع إيران واعتمادهم عليها في نهاية المطاف فبعد الاستيلاء على صنعاء والتدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية وجد الحوثيون أنفسهم معزولين عن جميع دول المنطقة تقريباً، مما اضطرهم إلى تعزيز علاقتهم مع إيران. 
واليوم يتم توفير أو تمويل معظم الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون من قبل الإيرانيين، وهذه الأسلحة هي التي مكّنت الحوثيين من شن هجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ على الأراضي السعودية، الأمر الذي يرفع في الحال من مكانة الجماعة العسكرية ويظهر نفوذ إيران المتزايد. بالإضافة إلى ذلك وجهت إيران وسائل الإعلام والهيئات الدبلوماسية وجماعات الضغط السياسية في الخارج لدعم الحوثيين ومنحهم بالتالي انكشافاً سياسياً دولياً.
كان الفشل المزدوج للتحالف والذي تضمن تكبد خسائر عسكرية كبيرة في جزء كبير منه نتيجة للأجندات المتضاربة لركائزه -المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- منذ اليوم الأول للحملة.  
وفي حين برزت المملكة العربية السعودية كداعم قوي للحكومة اليمنية، ساعدت الإمارات العربية المتحدة في تشكيل قوة انفصالية في الجنوب بذراع عسكري يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي ليكون بمثابة وكيل من نوع ما لأبو ظبي، ولتعقيد الأمور أكثر اندلع الصراع بين وكلاء التحالف في عدن وشبوة وسقطرى ومناطق أخرى، مما أضعف عمليات التحالف ومنح الحوثيين فرصة ممتازة للتوسع في عدة مناطق، بما في ذلك مأرب وشبوة والساحل الغربي. كذلك تصاعدت التوترات بين القوات الموالية للحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي في يوليو 2019، عندما أعلنت الإمارات انسحابها من اليمن. 
و في أبريل 2022 اتفق السعوديون والإماراتيون على تشكيل مجلس قيادة رئاسي، من المفترض أن يجمع تحت جناحه كل الجماعات التي ترعاها أو تساعدها أي من البلدين، وتوجيه طاقاتها المشتركة ضد الحوثيين، وليس من المؤكد على الإطلاق أن المجلس التشريعي سيثبت قدرته على توحيد الأجندات المتضاربة لأعضائه المتباينين ​​ودحر تقدم الحوثيين.
ومن وجهة نظر المملكة العربية السعودية فإن أحد أكثر الإخفاقات إثارة للقلق في السياسات التي تتمحور حول الأمن في البلاد هو أن الحوثيين استفادوا من المشاعر المعادية للسعودية -القديمة والجديدة- بين اليمنيين، ويتضح هذا بشكل خاص في المواجهات التي حققها الحوثيون خارج معقلهم التقليدي، ولزيادة التجنيد في أوساط السنّة، الذين لا يملك الخطاب الديني الذي يغرسه الزيديون سوى فرصة ضئيلة في أن يتردد صداها، اعتمد الحوثيون على مزيج من المظالم التاريخية والاستياء المعاصر، وهذا الأخير لم ينجم فقط عن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية نفسها ولكن أيضاً بسبب سياسات الرياض المتعلقة بأمن الحدود وترحيلها لليمنيين لأسباب تتعلق إما بالأمن الداخلي أو بسعودة القوى العاملة.
وهنا يدخل إلى الصورة (سالم)الشاب من محافظة إب الذي انضم للحوثيين وقتل في المعركة، كان (سالم) على دراية بالعديد من أسباب استياء اليمنيين من المملكة العربية السعودية، إن لم يكن كلها، وقد أثارها البعض. على سبيل المثال، وفقاً لعائلته، كان يشعر منذ فترة طويلة بقوة أن اليمن يجب أن يستعيد أراضيها التي أصبحت جزءاً من المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فإن المظالم التاريخية وحدها لم تكن كافية لحمله على حمل السلاح. ما تسبب في انفجار استياء (سالم) الغاضب هو السياسة السعودية المعاصرة، المتعلقة بالحدود والمحلية، وعلى الصعيد المحلي كانت هناك تجربة (سالم) المريرة في المملكة العربية السعودية، وكان قد عمل هناك لمدة عامين قبل أن ترحله السلطات إلى اليمن في 2014 لدخوله المملكة العربية السعودية بشكل غير قانوني. 
وبالعودة إلى اليمن وجد (سالم) وطنه ينهار، وكان بالنسبة له الدور السعودي في تفكك اليمن واضحاً،  فلم يكن السعوديون فقط على رأس التحالف الذي كان ينفذ هجمات على الأرض ويمطر القنابل من الجو، ولكن الرياض كانت تعيد هندسة مناطقها مكانياً وديموغرافياً داخل اليمن، لا سيما في المناطق الحدودية، من خلال مشروع عسكرة.
بدأ (سالم) يبحث حوله ليرى ما إذا كان أي من مواطنيه يقاوم السعوديين وأفعالهم في اليمن، الحوثيون يناسبون القانون منذ بداية التدخل بقيادة السعودية في عام 2015 بدأوا في توزيع لوحات ترخيص السيارات في نجران وعسير وجيزان، مع إدراج الثلاثة على أنها محافظات يمنية.  في ذلك الوقت وجد بعض اليمنيين الذين لم يتبنوا أيديولوجية الحوثيين مثل هذه المبادرة مشجعة، معتبرين إياها دليلاً على أن الجماعة قد تجاوزت أصولها الضيقة والطائفية واتخذت موقفًا قوميًا يمنيًا.  انجذب التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية والمزيد من اليمنيين من خارج معقل الحوثيين وكثير منهم من السنة، نحو الحوثيين معتبرين إياهم حركة مقاومة وطنية.
وكان (سالم) أحد هؤلاء اليمنيين.
و  في عام 2017، انضم إلى ما يسمى باللجان الشعبية الحوثية -وهي مجموعات من المقاتلين المحليين المتطوعين- بعد خمس سنوات قتل في معركة.
كان للتدخل العسكري للرياض - بتركيزه الفريد على هزيمة الحوثيين- تأثير آخر أثبت على الفور تقريبًا أنه ضار بالمصالح الوطنية السعودية.  
وفي تكثيف الصراع بين الدولة اليمنية والحوثيين جذبت الحملة التي تقودها السعودية انتباه الجميع بعيدًا عن الجهات الفاعلة الأخرى في اليمن المجزأ بشكل متزايد وشجعتهم على الضرب.  
وفي أبريل 2015  -أي الشهر الذي تلا التدخل- حقق تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) نجاحًا عسكريًا غير مسبوق عندما هاجم مدينة المكلا وسيطر عليها بسرعة. 
و القاعدة في شبه الجزيرة العربية هي عدو لدود للمملكة العربية السعودية، التي تهدف إلى الإطاحة بنظامها الملكي. 
مما اضطر السعوديون وحلفاؤهم إلى تحويل موارد كبيرة من حملتهم المناهضة للحوثيين الى مسألة طرد القاعدة في شبه الجزيرة العربية من المكلا. وقد تحقق هذا الهدف في أبريل / نيسان 2016. لكن المفارقة هي أن هذه الحملة الناجحة كانت بقيادة الإمارات والقوات اليمنية التي ساعدت في تشكيلها، كما تمكن الإماراتيون من تعزيز نفوذهم في اليمن ، وهو تطور أزعج المملكة العربية السعودية.
ومن الجانب الإنساني كان للحملة التي تقودها السعودية عواقب وخيمة، مع وجود العديد من المناطق اليمنية على شفا المجاعة على الدوام كما دمرت الاقتصاد اليمني، كما دمرت الغارات الجوية العديد من المنشآت التجارية وعطلت الاقتصاد في العديد من المحافظات اليمنية، وتم إغلاق أكثر من ربع (26 بالمائة) من جميع الشركات الصغيرة في اليمن منذ مارس 2015، و أغلقت معظم الشركات (95 بالمائة) ذلك لأنها تعرضت لأضرار جسدية، بالإضافة إلى ذلك استهدفت العمليات العسكرية الكثير من وسائل النقل وجعلتها غير قابلة للتشغيل من بينها البنية التحتية ذات الصلة، بما في ذلك الطرق الرئيسية والجسور ومحطات البنزين.
و كانت العواقب غير المباشرة واسعة النطاق، حيث جعلت الحرب من الصعب للغاية على العديد من الشركات الخاصة تصدير منتجاتها، لأسباب لوجستية وكذلك تراجع الشهية بين المستوردين الأجانب للمخاطرة بالتعامل مع الشركات في بلد مزقته الحرب، مما دفع هذا عدداً كبيراً من رجال الأعمال اليمنيين إلى مغادرة البلاد والبحث عن فرص في الخارج، كما أدى تدفق رأس المال المرتبط بمثل هذا النزوح الجماعي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، ترك آلاف اليمنيين عاطلين عن العمل خلال أصعب الظروف. 
إن مصير الأسواق الحدودية اليمنية الشهيرة -التي جعلت مناطق مقفرة متاخمة للسعودية مزدهرة اقتصادياً- يرمز إلى الفشل بين البلدين.  
الأسواق التي أصبحت في العقد الأول من هذا القرن نقطة جذب لكل من اليمنيين والسعوديين - سواء رواد أعمال أو عمال مهاجرين أو عملاء - سقطت أولاً ضحية توسع الحوثيين ثم عسكرة الرياض للمناطق الحدودية. فلم تعد الأسواق الحدودية موجودة اليوم فقد أجبرت الحرب العشرات منهم على الإغلاق.  وتقع معظم هذه المناطق في الشمال الغربي، حيث كانت المواجهات العسكرية بين القوات التي تقودها السعودية والحوثيين شرسة بشكل خاص، و انتقلت أسواق أخرى إلى الداخل وحصلت على عقد إيجار جديد للحياة - ولكن في هذه العملية فقدت سماتها الرئيسية كمراكز تجارية عبر الحدود.
كما لو أن هذا لم يكن كافياً ، فقد أصبحت الرياض تعمل على خطة لإحياء مشروع الحاجز الحدودي المتوقف منذ فترة طويلة في جيزان، مقابل محافظة صعدة اليمنية، وحتى إنشاء منطقة عازلة داخل محافظة حجة اليمنية، وتقوم باتفاقيات الحدود اليمنية، لا سيما معاهدة جدة، التي تنص على أن كلا جانبي الحدود يجب أن يبقيا خاليين من العسكرة وأن رعاة الماشية لهم الحق في العبور ذهاباً وإياباً. والأهم من ذلك، أنه لن يكون له تأثير يذكر على أمن الحدود نفسه، فلا تستطيع المناطق العازلة والجدران الحدودية ردع الطائرات بدون طيار والصواريخ. 
وكل ما يمكنهم فعله -لا سيما في الحالة السعودية اليمنية- هو إلحاق الضرر بالنسيج الاجتماعي بين المجتمعات الحدودية وتعميق مظالمهم، والتي قد يسخرها الحوثيون أو غيرهم لاحقًا لأغراضهم الخاصة.
والجدير بالذكر أن خسارة الأسواق الحدودية والتغيرات الأخرى في الاقتصاد الحدودي لم تؤثر على المجتمعات الحدودية اليمنية فقط، فقد حطمت هذه التطورات النظام البيئي الاقتصادي للعديد من المجتمعات الحدودية السعودية، ومع تضاؤل ​​فرص التجارة القانونية إلى حد كبير، تحول أفراد المجتمعات الحدودية السعودية -مثل نظرائهم في اليمن- إلى التهريب، وغالباً ما استندوا إلى العلاقات التجارية التي أقاموها مع اليمنيين على مر السنين، وتقويض أمن المملكة العربية السعودية من خلال تهريب الأسلحة وأشياء أخرى كثيرة إليها.
بالإضافة إلى ذلك فإن القيود الأمنية التي فرضتها السعودية على الحدود اليمنية وعلى العمال اليمنيين لم تنجح في وقف تدفق اليمنيين إلى السعودية. ولم يستطع سوق العمل في اليمن التخفيف من مشكلة البطالة أكثر من أي وقت مضى، و التي كانت تتزايد عبر جميع شرائح المجتمع اليمني تقريباً،  وقد ساهم ذلك في هجرة العديد من اليمنيين إلى السعودية، و على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليها ما أصبح مشروعًا غير قانوني، كما أدى انتشار الاتجار بالبشر، وعدد الأشخاص على جانبي الحدود المشاركين في الأعمال التجارية، والسهولة النسبية التي يتم بها تهريب الأشخاص عبرها إلى انخفاض التكاليف، وفي المقابلات ذكر العديد من سكان الحدود أنه قبل الحرب كانت تكلفة تهريب شخص من اليمن إلى السعودية 2000 ريال سعودي (533 دولارًا أمريكيًا). ونتيجة الحرب، انخفض هذا الرقم إلى 700 ريال (186 دولارًا).
ومع ذلك، تواصل المملكة العربية السعودية بإصرار اتباع استراتيجيتها التي تتمحور حول الأمن، الأمر الذي أدى إلى تسريع تفتيت اليمن وتقسيمه إلى مناطق نفوذ مختلفة.
و إن الإجراءات التي تتخذها الرياض على طول الحدود أو فوقها مباشرة تعطل بشكل مباشر حياة المجتمعات المحلية، وتؤثر بشكل غير مباشر على اقتصاد اليمن ككل، ولا تعزز الأمن الداخلي السعودي.  
وإن فصل المناطق الحدودية اليمنية عن المناطق النائية ، وهو ما يحاول السعوديون القيام به من خلال العسكرة ومشروع المنطقة العازلة، يكاد يكون مستحيلاً.
ففي وقت كتابة هذا التقرير، وعلى الرغم من ظهور المجلس التشريعي، كان انهيار الدولة اليمنية مستمراً،  إذا لم تعيد الرياض توجيه جهودها نحو إحداث إصلاح سياسي واقتصادي في اليمن، فسيستمر انهيار الأخير بل ويزداد وتيرته، وهي نتيجة من شأنها أن تهدد أمن المملكة العربية السعودية بشكل أكبر.
ونظرًا لأن النهج الأمني ​​للمملكة العربية السعودية المتمحور حول الأمن في اليمن قد زرع دمارًا اقتصاديًا وأزمة إنسانية واستياءاً واسع النطاق، وربما كان الأمر الأكثر إلحاحًا على الإطلاق، مزيدًا من عدم الاستقرار، فإن الأمر يتطلب إطارًا جديدًا للسياسة. قد يستلزم أوضح خيار مربح للجانبين اعتماد برنامج إنعاش اقتصادي، حيث ستستفيد المملكة العربية السعودية تقريبًا بقدر استفادة اليمن، بما في ذلك على الجبهة الأمنية في الواقع، وذلك نظرًا لنية السعوديين الظاهرة لتقليص عملياتهم العسكرية في اليمن مقابل إنهاء الحوثيين للهجمات على الأراضي السعودية، و يصبح هذا هو الخيار المعقول الوحيد. فالانسحاب السعودي الذي لا يتضمن نوعًا من الاتفاق أو على الأقل تفاهم ضمني مع الحوثيين يمكن أن يشجع الأخير على محاولة الاستيلاء على المزيد من البلاد، وبالتالي دفع اليمن إلى دوامة أخرى من الصراع، والتي من مصلحة الرياض تفادي مثل هذه النتيجة، ولهذه الغاية يجب على السعوديين العمل مع أي عدد من اليمنيين بدءًا من حلفائهم، وفي النهاية مع الحوثيين أنفسهم، لوضع البلاد على طريق التعافي.
ويمكن أن تبدأ الرياض بإعادة إنشاء وتعزيز اللجان الاقتصادية السعودية اليمنية المشتركة التي تم تشكيلها عندما تم توقيع معاهدة جدة في عام 2000، لكن ذلك لم يكن نشطًا على الإطلاق.  وفي بادئ ذي بدء، يمكن أن تدخل توصيات اللجان الخاصة بمشاريع الإنعاش الاقتصادي في المناطق الحدودية حيز التنفيذ في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية - والتي تحتفظ المملكة العربية السعودية بعلاقات وثيقة معها.  
لاحقًا إذا توصل السعوديون إلى تفاهم مع الحوثيين، فيمكن تنفيذه في مكان آخر.
وعلى الرغم من أن إحياء الأسواق الحدودية يجب أن يمثل الهدف النهائي للجان الاقتصادية، إلا أنه من المسلم به أن هذا مشروع طموح، ففي غضون ذلك قد تنظر اللجان في اتخاذ مشاريع أكثر تواضعًا من شأنها أن تجني نتائج مفيدة اقتصاديًا، وإن كان ذلك على نطاق أصغر. ويستلزم أحد هذه المشاريع إنشاء المملكة العربية السعودية لمنطقة تجارة حرة (واحدة) داخل أراضيها، ولكن في مكان ما على طول حدودها مع اليمن.  كما يمكن للسعوديين أن يأخذوا حذرهم من المنطقة الحرة المازونة، التي أنشأتها عمان على حدودها الجنوبية الغربية مع محافظة المهرة اليمنية -لقد استفاد سكان المهرة وخارجها بشكل كبير من هذه الرئة الاقتصادية. 
وإذا أطلقت الرياض مخططًا مشابهًا على أراضيها، فستحتفظ بالإشراف على الأمور الأمنية مع تحفيز التجارة بين اليمنيين والسعوديين.
كما أن الاستثمار في قطاعات اقتصادية معينة في المناطق الداخلية من اليمن سيساعد أيضًا على استقرار المجتمعات التي خرجت من صفوفها بسبب الحرب واندثرت، لا سيما إذا كان ذلك مصحوبًا برفع أو تخفيف القيود المفروضة على استيراد السلع اليمنية -من أهم هذه القطاعات هي الزراعة- حيث تفتخر اليمن بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في ما يقرب من 65 في المائة من أراضي البلاد التي لا تخضع لسيطرة الحوثيين، كما تسيطر المملكة العربية السعودية وحلفاؤها المحليون أو وكلائها.
و يمكن للمؤسسات الزراعية في هذه المناطق توفير العمل لآلاف المزارعين والعمال كما كان الحال قبل الحرب، ففي ذلك الوقت كانت المناطق الغربية والجنوبية من البلاد تصدر مجموعة متنوعة من المنتجات الزراعية، بما في ذلك الفاكهة والحبوب. ويمكن لهذا أن يصبح هذا حقيقة مرة أخرى، ولكن فقط من خلال الاستثمار وكذلك إعادة فتح الأسواق السعودية أمام المنتجات الزراعية اليمنية.
وإذا تم تنشيط القطاع الزراعي في اليمن وظّف مرة أخرى نسبة كبيرة من المزارعين والعاملين الزراعيين ذوي الخبرة في البلاد، فسيكون لدى هؤلاء العمال المهرة حافز قوي للبقاء في البلاد. نتيجة لذلك يمكن للمملكة العربية السعودية تحمل تسهيل متطلبات دخول اليمنيين دون خوف من تشجيعهم عن غير قصد على الخروج من اليمن -حيث تشتد الحاجة إليهم- وإلى المملكة العربية السعودية. 
ومن المرجح لهؤلاء اليمنيون أن يقفزوا على فرصة الانتقال إلى المملكة العربية السعودية و سيكونون عمالاً غير ماهرون: نفس الأشخاص الذين تعتمد عليهم الرياض في البناء.  
وتقليدياً شكل اليمنيون نسبة كبيرة من القوى العاملة في هذا القطاع، لا سيما في جنوب المملكة العربية السعودية. وتعد المملكة العربية السعودية اليوم لديها عدد من المشاريع الاقتصادية واسعة النطاق التي تتطلب عشرات الآلاف من العمال، وليس هناك سبب وجيه لعدم تمكن اليمنيين مرة أخرى من ملء الوظائف المعروضة.
وما يجب على السعودية أن تدركه هو أن أمنها مرهون إلى حد كبير باستقرار اليمن وازدهاره الاقتصادي. ولعل من المفارقات أن يؤدي النهج الأمني ​​الضئيل فقط إلى قدر بسييط من الأمن، كما يتضح من التطورات التي حدثت حتى الآن. 
وإن الاستمرار في اتباع هذا النهج -الذي كان له بالفعل آثار سلبية واسعة النطاق- من شأنه أن يسبب المزيد من الفوضى، ويولد استياءًا أكبر، ويؤدي إلى زيادة أخرى في المجندين في حركة الحوثيين.

الاستنتاج
مع دخول الصراع في اليمن عامه الثامن، فإنه يعمق الانقسامات القائمة ويخلق انقسامات جديدة ويمتص المزيد والمزيد من اليمنيين إلى المعسكرات المتحاربة، كما إن استمرار الحرب داخل اليمن بعد الانسحاب السعودي المتوقع من شأنه أن يدفع الدولة نحو الانهيار، وهذا الأمر الذي سيهدد بدوره الدول المجاورة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية نفسها، بأي عدد من الطرق.
ومن غير المرجح أن يتبدد الاستياء من المملكة العربية السعودية لمجرد أن السعوديين قرروا، بعد حملة عسكرية استمرت لسنوات في اليمن وتاريخ أطول من التدخل في الشؤون اليمنية سحب جيشهم من البلاد.
في الواقع، ستكون هناك حاجة إلى المزيد لتهدئة اليمنيين المنفردين من السياسات السعودية السياسية والعسكرية والاقتصادية، لا سيما تلك التي كانت سائدة في السنوات القليلة الماضية، وسيقع العبء على الرياض للقيام بالتسكين، وإلا فقد يتحول اليمن إلى أفغانستان أخرى، بلد تخلت عنه القوى الخارجية وتركته ينهار من الداخل. 
ويتوجب على المملكة العربية السعودية التحرك الآن، قبل فوات الأوان، للتوصل إلى تفاهم مع الفصائل اليمنية، بما في ذلك الحوثيين، وبالتالي المساهمة في استقرار اليمن ودعم اقتصاده المنهك.


التعليقات