اليمن: كارثة الألغام الأرضية في البلد المحترب منذ ثماني سنوات
يمن فيوتشر - مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي- عادل دشيلة- ترجمة ناهد عبدالعليم: الجمعة, 02 سبتمبر, 2022 - 10:27 مساءً
اليمن: كارثة الألغام الأرضية في البلد المحترب منذ ثماني سنوات

بحسب المرصد اليمني لإزالة الألغام -وهي منظمة توثق حوادث الألغام والمتفجرات المصاحبة- قُتل 370 مدنياً بسبب الألغام الأرضية والعبوات الناسفة والذخائر المتفجرة زرعها الحوثيون في الفترة من منتصف 2019 إلى مايو 2022. 
بالإضافة إلى ذلك فقد وثق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان خلال الست السنوات الماضية مقتل أكثر من 1929 مدنياً، فضلاً عن تدمير وإتلاف أكثر من 2872 منشأة عامة وخاصة في عدد من المحافظات اليمنية، باستخدام  الألغام المضادة للأفراد أو المركبات.
كما أُجريت عمليات مسح وتطهير للأراضي في 21 محافظة و 233 مقاطعة، وأكثر من 23 مليون متر مربع من الأراضي خلال المرحلة الأولى من مشروع دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام,  وبدأت المرحلة الثانية في أكتوبر / تشرين الأول 2021، التي من المتوقع أن تستمر حتى نهاية ديسمبر / كانون الأول 2026.
 علاوة على ذلك، تشير آخر إحصائيات مشروع إزالة الألغام (مسام) السعودي -الذي انطلق في عام 2018 بهدف إزالة الألغام التي زرعها الحوثيون- أن عدد الألغام التي تم تفكيكها منذ بداية المشروع بلغ 322.789 لغم. 
وهناك تقارير تفيد أيضاً بأن اليمن يحتاج إلى ثماني سنوات تقريباً للتخلص تماماً من هذه الألغام، حيث أشار المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) إلى أن 75 بالمائة من المتضررين من الألغام سيعانون من إعاقات دائمة وتشويه وصدمات نفسية مدى الحياة.
كما تعاني اليمن من الألغام الأرضية منذ عقود نتيجة للصراعات السياسية والعسكرية المتكررة التي أدت إلى عدم الاستقرار.
حيث زرعت الأطراف المتصارعة الألغام الأرضية أثناء التمردات والحروب الأهلية في فترة الستينيات والتسعينيات.
و على الرغم من هذا التاريخ الطويل والمرهق -في مطلع القرن- إلا أن اليمن كانت أول دولة عربية تدمر مخزونها من الألغام المضادة للأفراد بالكامل.  
وبحلول عام 2007 أكد مصدر في المركز الوطني اليمني للأعمال المتعلقة بالألغام أن اليمن - من خلال توقعيها على معاهدة أوتاوا لإزالة الألغام التي تحظر زرع وتصنيع واستيراد الألغام ، وتدمير مخزونها من الألغام- اقتربت من إعلان نفسها  بلد خالٍ من الألغام.
 و مع تصاعد الصراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية ازداد زرع الألغام بشكل كبير لا سيما في عام 2014 عندما اقتحم الحوثيون صنعاء، و منذ ذلك الحين وحتى الإعلان الأخير عن الهدنة في أبريل 2022 ، تم زرع الألغام في مناطق الاشتباك في عدة محافظات يمنية وكذلك في مناطق قريبة من البحر الأحمر.  ولسوء الحظ أصبحت مهمة إزالة الألغام مهمة صعبة للغاية بسبب الطريقة غير المنظمة التي زرعت بها الألغام، مما جعل ذلك اليمن تتصدر قائمة الدول ذات سيادة الألغام الأرضية المحظورة دولياً.

 
•تأثير الألغام على المدنيين
 تشكل الألغام الأرضية والمتفجرات خطراً مباشراً على حياة المدنيين، وخاصة الأطفال، وبحسب الأرقام التي تم التحقق منها من قبل الأمم المتحدة قُتل و أصيب حتى أغسطس / آب 2021 ما يقارب 10 آلاف طفل نتيجة الصراع في اليمن، وكان عدد كبير منهم من ضحايا الألغام الأرضية.  
كما أفادت (منظمة حقوق الإنسان) أن ألغام الحوثيين تستمر في قتل المدنيين بشكل عشوائي وتسبب صدمات نفسية واجتماعية، و أن الرحالة والرُعاة والمزارعين والأطفال والنساء والمشردين وحتى الحيوانات لم يسلموا من شرور هذه المتفجرات الخطرة.
كما توجد للألغام تداعيات بعيدة المدى ليس فقط على العائلات الفردية، ولكن على المجتمع ككل، فالأسر التي تعتمد على الرعي والزراعة تفقد مصدر رزقها عندما يصبح المعيل الأساسي معاقاً أو مشوهاً بسبب الألغام الأرضية، بل إن العديد من المزارعين يمتنعون حتى عن حرث مزارعهم خوفاً على حياتهم.  علاوة على ذلك، أصبحت الأمراض العصبية والتشوهات الجسدية منتشرة في البلاد ، ولكن يكاد يكون من المستحيل علاجها بسبب نظام الرعاية الصحية الضعيف في اليمن الذي يكافح لتوفير الخدمات الطبية الأساسية، ناهيك عن مراكز الأطراف الصناعية الحديثة.

 

 •مسؤولية العشوائية
 زرع الحوثيون عشوائيا منذ بداية الصراع ألغاماً في مناطق الاشتباك في تعز وصعدة والحديدة ومأرب وأبين ولحج والضالع والجوف والبيضاء وصنعاء وشبوة ومناطق أخرى.
 يزعم مسؤول نزع الألغام اليمني أن الحوثيين زرعوا مليوني لغم في جميع أنحاء البلاد. وبالمثل ، أشار تقرير لصحيفة (نيويورك تايمز) إلى أن: " تقريباً كل الألغام الأرضية وغيرها من العبوات الناسفة المدفونة في اليمن يبدو أنها قد زرعها الحوثيون" ، وأشار منشور صادر عن (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) إلى: "  النطاق الهائل لاستخدام الحوثيين للألغام الأرضية "وأثارت أسئلة حول" مصدرها وإمداداتها، حيث أنه ليس من المفترض أن تمتلك اليمن مخزونات محلية من الألغام الأرضية. 
و كما أشار التقرير نفسه إلى التأثير طويل المدى لهذه الألغام، وخلص إلى أن عددها الهائل وتوزيعها غير المنتظم سيجعل إزالتها بطيئاً وخطيراً.
كما تنبع التحديات الأخرى من استمرار سيطرة الجماعات المسلحة على بعض مناطق البلاد، ونقص السجلات أو الأنماط الواضحة التي يمكن أن تساعد في تحديد مواقع الألغام، ونوعيتها المستخدمة، ونقص فرق إزالة الألغام المحترفة المدربة على الأرض، و  عدم وجود أجهزة حديثة لازمة لكشف الألغام ، فضلاً عن كثرة الأعاصير والفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى التي تشتت الألغام عن مواقعها الأصلية.
و يجب على اليمن الالتزام بمنع وقمع جميع الأنشطة المحظورة المتعلقة باستخدام الألغام الأرضية كونها دولة طرف في اتفاقية حظر الألغام. 
حيث تنص المادة 4 للولاية القضائية من المعاهدة المتعلقة بتدمير مخزون الألغام المضادة للأفراد بوضوح على أن "كل دولة طرف يجب أن تدمر ، أو تضمن تدمير، جميع مخزونات الألغام المضادة للأفراد التي تمتلكها، أو تحوزها، أو الموجودة في إطارها. وبالتالي يجب تقديم خرائط للألغام الموجودة، كما يجب القيام بحملة توعية شاملة بمخاطر الألغام لإعلام السكان بالمناطق المتأثرة بهذه المتفجرات وتزويد المجتمعات بالمعلومات حول مخاطرها بمجرد انتهاء الحرب.
و لسوء الحظ أن الجهود المحلية والإقليمية والدولية الحالية غير كافية للقضاء على مشكلة الألغام في غضون فترة زمنية قصيرة، أما جهود الحكومة اليمنية فهي متخلفة بسبب هشاشة مؤسسات البلاد، لذلك من الضروري أن تتعاون الدولة اليمنية بشكل وثيق مع المانحين الإقليميين والدوليين لتعيين هيئة واحدة مسؤولة عن رسم خرائط التضاريس التي توجد بها الألغام الأرضية، وتطهير هذه المناطق، وإبلاغ المجتمعات.
و باختصار ، ستظل الألغام الأرضية والعبوات الناسفة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد تحدياً هائلاً في حقبة ما بعد الحرب، مما يهدد حياة اليمنيين، ويتطلب هذا الأمر تدخلاً عاجلاً من المبعوث الأممي الخاص لليمن وفريقه المتخصص للتصدي للأخطار التي لا تزال قائمة في مناطق الاشتباك ومنطقة البحر الأحمر ومنطقة الحدود السعودية، كما يجب على المجتمع الدولي دعم مشروع إزالة الألغام في اليمن من خلال مساعدة المركز الوطني المتخصص ، وتدريب ونشر فرق إزالة الألغام المحلية والدولية ، وإنشاء هيئة مستقلة للتوعية بمخاطر الألغام الأرضية ، ووضع خطة عملية لما بعد الحرب ، وإنشاء صندوق لضحايا الألغام والمقذوفات الأرضية.


التعليقات