في اليمن، التعليم والنزاع متشابكان. هذه الحالة المؤسفة ليست جديدة. في الواقع هي سابقة للحرب المستمرة منذ عام 2014 التي لم تؤد إلا إلى تفاقم المشكلة.
و نظرا لأن القطاع التعليمي منذ بداية الصراع مجزأ وانحدر كليًا إلى الحزبية والدعاية، مع قيام الأطراف المتحاربة بتعديل محتوى وطبيعة التدريس في الفصول الدراسية بما يتماشى مع أيديولوجياتهم الدينية والسياسية، فإنه يعمل الآن على إدامة الانقسام الاجتماعي.
وهكذا ولدت الحرب حالة كارثية حيث كان على قطاع التعليم أن يتعامل مع تطور أسوأ حتى من الاضطراب الدوري للسنة الدراسية وانخفاض مستويات التحاق الطلاب.
أصبحت المدارس في جميع أنحاء اليمن لجميع المقاصد والأغراض، مراكز للتلقين.
غالبًا ما يتم إعداد الطلاب الذين لا يزالون يحضرونهم للانضمام إلى صفوف واحدة أو أخرى من الفصائل المسلحة في البلاد وإن لم يكن ذلك بالضرورة في أدوار قتالية، حيث تتجلى هذه الظاهرة بشكل خاص في مناطق سيطرة أنصار الله المعروفة باسم جماعة الحوثي.
•إساءة استخدام طويلة الأمد للفصل الدراسي
كان تسييس التعليم في اليمن مشكلة بالفعل قبل اندلاع الصراع الحالي بوقت طويل.
بادئ ذي بدء، لم تكن المدارس الدينية التي سبقت المدارس العامة التي تديرها الحكومة وتتمتع بشرعية شعبية أكبر، مطالبة بالحصول على ترخيص ولا تخضع لأي نوع من الرقابة.
إن وجود شبكات من هذه المدارس بتوجهاتها المختلفة كليًا، لم ينتج عنه ببساطة معايير منسجمة.
وبسبب الحركات أو الأحزاب السياسية والدينية التي ساندتهم، فقد روجوا للتصادم، وعلى نحو متزايد للروايات الوطنية الخاصة، حتى أن الفصائل السياسية والدينية نجحت في التأثير على المناهج الأساسية للمدارس العامة في المناطق الواقعة تحت نفوذها وكل ذلك كجزء من تنافسها للسيطرة على البلاد.
بدأت أكثر شبكة المدارس الدينية انتشارًا وتأثيرًا في اليمن عندما كانت البلاد لا تزال منقسمة في منتصف السبعينيات، اذ أنشأت جماعة الإخوان المسلمين في شمال اليمن شبكة من "معاهد المعرفة" التي كانت ذات طبيعة دينية وركزت على تعليم تفسير الجماعة للفقه الإسلامي.
وعلى الرغم من توجهها الديني الصريح سُمح لهذه المعاهد بالعمل كمدارس عامة.
وقد أثبتت شعبيتها بشكل خاص بين السكان السنة في البلاد ولكن تم افتتاحها أيضًا في المناطق التي يسيطر عليها الشيعة الزيديون الذين انزعج الكثير منهم من هذا التطور.
في الوقت نفسه، بدأت شريحة من المجتمع الزيدي في الشمال الاهتمام بالتعليم المنظم.كان هذا الاهتمام جزئيًا ردًا على الغزوات التي حققتها المدارس التي يديرها الإصلاح والمدارس السلفية في المناطق ذات الغالبية الزيدية وقد تغذى ذلك الشعور بأن المدارس الدينية الزيدية الحالية لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
ولم يمض وقت طويل حتى أنشأت جماعة زيدية تدعى "الشباب المؤمن" مدارس غير رسمية في عطلة نهاية الأسبوع، وجلسات دراسية في عدد من أيام الأسبوع، ومخيمات صيفية. و سيكون لهذا أهمية كبيرة بالنسبة للمستقبل، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن حركة الشباب المؤمن استوعبت في نهاية المطاف من قبل حركة الحوثيين المتنامية.
علاوة على ذلك ابتداء من عام 2004، انخرط الحوثيون في سلسلة من التمردات ضد الحكومة التي بلغت ذروتها في الحرب الحالية. وقد شارك في هذه النزاعات، بأعداد متزايدة، خريجو المدارس غير الرسمية التي أنشأتها حركة الشباب المؤمن.
أخيرًا كان لجماعات أخرى مثل السلفيين والصوفيين مدارسهم الخاصة أيضًا بعد أن استفادت من الثغرة التي سمحت للمدارس الدينية (البحتة) بالعمل دون ترخيص أو إشراف.
وكانت أبرز مدرسة للسلفيين هي مركز دار الحديث الذي رعته السعودية في دماج و حارب طلابه الحوثيين عام 2014 في مواجهة مسلحة أطلق عليها اسم حرب دماج.
أما الصوفيون فقد عملوا في الغالب في محافظات حضرموت والحديدة وتعز، وكانت الحركات الصوفية استثناء من الحكم اليمني.
وعلى الرغم من أنهم مثلهم مثل أي شخص آخر، قاموا بتلقين عقيدة لطلابهم، إلا أن التلقين نادراً ما كان من النوع الذي يشوه غير المنتمين لهم.
اضافة إلى ذلك، دعا الصوفيون إلى طاعة حاكم اليوم. وبالتالي فقد تقرب الصوفيون أنفسهم من صالح الذي كان يدعم في أوقات مختلفة جميع المجموعات الأخرى الموجودة على الساحة تقريبًا في محاولة لإثارة صراعهم مع بعضهم البعض وتعزيز قبضته على السلطة.
لكن صالح استقر على الصوفيين باعتبارهم حليفه الأكثر موثوقية بعد أن جاءت استراتيجية فرِّق تسد بنتائج عكسية أكثر من مرة.
ابتداء من عام 2000، افتتحت العديد من المدارس الصوفية في المناطق الحضرية بدعم من الحكومة، وقدمت تعليمًا دينيًا يتوافق مع آراء وسياسات صالح.
•آثار الحرب
تسييس التعليم في اليمن أفسح المجال للعسكرة التي نراها اليوم. اذ تستمر الاختلافات السياسية والدينية في الروايات الوطنية المتضاربة التي تتجلى الآن أيضًا في ساحة المعركة.
إذا تم فحص دوافع مقاتلي اليوم فإن أحد أهمها هو التلقين العقائدي الذي تلقوه في المدارس غير الرسمية أو مراكز التعلم.
يغرس هذا النوع من التعليم قناعات أيديولوجية لا هوادة فيها لدى الطلاب، الذين يدخلون بعد ذلك في سوق عمل خال من الوظائف.
ونتيجة لذلك ينتهي الأمر بالعديد من هؤلاء الخريجين الجدد للانضمام إلى الجناح السياسي أو المسلح للحزب أو الحركة التي تدير مدرستهم.إنها حلقة مفرغة.
علاوة على ذلك، دمرت الحرب قطاع التعليم الحكومي في اليمن الذي لم يكن أبدًا قويًا في الاساس، وغالبًا ما كان عرضة لضغوط الجهات الفاعلة المحلية القوية، لذلك فإن قطاع التعليم الحكومي في اليمن الآن في حالة من الفوضى. بسبب الغارات الجوية التي نفذها التحالف العربي بقيادة السعودية أو هجمات الحوثيين، تضررت مئات المدارس كليًا أو جزئيًا.
وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عام 2018، فإن أكثر من 2500 مدرسة خارج الخدمة تمامًا، حيث تم إغلاق 27 في المائة منها، وتعرض 66 في المائة لأضرار و 7 في المائة تستخدم الآن كملاجئ نازحين أو تحت سيطرة المليشيات لأغراضهم الخاصة.
في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، خضعت بعض المدارس التي تضررت من جراء القصف للترميم على يد الهيئات الحكومية وسط ضجة كبيرة.
لكن العديد من السكان المحليين يعتبرون هذا التجديد بمثابة حيلة دعائية أكثر من أي شيء آخر، إن لم يكن ذلك لمجرد أن معظم هذه المدارس لا تزال تعاني من نقص في المعدات الضرورية، التي دمر الكثير منها في القصف ولم يتم استبدالها أبدًا، مع الوقف شبه الكامل لبناء المدارس في جميع أنحاء اليمن منذ عام 2011.
إن الخسائر التي ألحقتها الحرب بالطلاب باهظة للغاية. علاوة على ذلك أدى الوضع الاقتصادي الصعب إلى إحجام الآباء عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، حيث لا يستطيع الكثيرون تحمل تكاليف النقل أو حتى القرطاسية، حتى أن بعض الآباء يقومون بتشغيل أطفالهم من أجل توفير الدخل الإضافي الذي تمس الحاجة إليه للأسرة.
في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يجب على الآباء مواجهة العبء الإضافي المتمثل في تكاليف التعليم، حيث حوّل الحوثيون عديد المدارس العامة إلى مؤسسات خاصة.
وفقًا لتقرير صادر عن اليونيسف في فبراير 2021، يحتاج أكثر من 8 ملايين طفل يمني إلى دعم تعليمي طارئ مما يعني أنهم بحاجة إلى مجموعة من التدخلات التي تسمح باستمرار التعلم المنظم في حالات الطوارئ أو الأزمات أو عدم الاستقرار على المدى الطويل، حيث مليونا طفل لا يحصلون على التعليم على الإطلاق.
قفز هذا الرقم بنسبة 120 في المائة منذ عام 2015، عندما كان أقل من 900 ألف طالب لا يذهبون إلى المدرسة، بينما تتحدث بعض الدراسات المحلية الان عن رقم أعلى يقترب من 3 ملايين.
نظرًا لأن 70 بالمائة من سكان البلاد يقيمون في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون فإن تأثير المأساة هناك أكبر. وبحسب الحوثيين أنفسهم، فإن 400 ألف طفل يضافون سنويًا إلى قائمة الأمية.
فصل آخر في الكارثة هو ما يواجهه المعلمون اليمنيون، اذ كان على هؤلاء المعلمين في البداية مواجهة التخويف والعنف من قبل الفصائل المسلحة بما في ذلك مداهمات المدارس.
لكن المشكلة الأكثر شيوعا هي عدم انتظام دفع الرواتب، التي وصفتها اليونيسف بأنها "أحد أكبر التحديات" للتعليم في اليمن لأنه يدفع المزيد والمزيد من المعلمين إلى ترك وظائفهم.
في الواقع هناك ما يقرب من 4 ملايين طفل معرضون لخطر فقدان الوصول إلى التعليم بسبب انخفاض عدد المعلمين.
المشكلة أكثر حدة في الجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون من البلاد والذي يضم أكثر من 170 ألف معلم، أو ثلثي العدد التقديري للمدرسين في اليمن.
لم يتلق هؤلاء المعلمون رواتب شهرية منتظمة منذ ما يقرب من أربع سنوات - وقد تدخلت وكالات المعونة الدولية في بعض الأحيان لدفع رواتبهم - واستقال الكثير منهم بحثًا عن طرق أخرى لإعالة أنفسهم وعائلاتهم، وبالتالي فان استبدالهم سيكون صعبًا مع عدم وجود برامج تدريب مستدامة للمعلمين. و باستثناء القلة التي تديرها وكالات دولية مختارة تعمل في اليمن، فإن أي مجموعة من المعلمين المؤهلين الجدد ستظل غير ذات أهمية من الناحية العددية.
إن تسريع تآكل جودة التعليم يبدو ايضا ظاهرا في زيادة السيطرة الفئوية على المدارس والتدخل في مناهجها.
اسميا تشرف الحكومة المعترف بها دوليًا على التعليم في الجزء اليمني الذي أفلت من سيطرة الحوثيين وفيه نحو 30 بالمائة من السكان، و يقع مقرها من الناحية النظرية في مدينة عدن الجنوبية ولكنها تعمل إلى حد كبير خارج المملكة العربية السعودية ومصر.
ومع ذلك في بعض المناطق التي يفترض أنها تسيطر عليها الحكومة، فإن منظمة انفصالية تسمى المجلس الانتقالي الجنوبي هي قوة حقيقية على الأرض.
على سبيل المثال يسيطر المجلس الانتقالي على عدن ويحتفظ بعلاقاته الدبلوماسية والعسكرية الخاصة مع الإمارات العربية المتحدة.
و على هذا النحو فقد كانت قدرة الحكومة غير فاعلة عندما يتعلق الأمر بإعادة توجيه المدارس والهيئات التعليمية في مناطقها.
في شمال اليمن، قام الحوثيون الذين يعاني نظامهم التعليمي من ضائقة مالية، بتحويل نظام المدارس العامة الحكومية الذي كان معفيًا من الرسوم الدراسية سابقًا إلى نظام يفرضون فيه رسومًا على التسجيل.
وقد أدى ذلك إلى تسرب جماعي للطلاب الذين لا يستطيع آباؤهم دفع مثل هذه المدفوعات. ومن المثير للقلق أن الحوثيين قد غيروا بعض محتوى المناهج الدراسية في هذه المدارس التي لا تزال ظاهريًا حكومية.
وطرأت معظم التغييرات على الصفوف من الأول إلى السادس، خصوصا مواد الدراسات القرآنية، والثقافة الإسلامية واللغة العربية والتربية الوطنية، والتاريخ.
لم تقتصر التغييرات على إعادة كتابة أو إضافة مواد لتعكس بشكل أفضل الأيديولوجية الدينية للحوثيين لكنها ذهبت إلى حد الترويج لسياساتهم. في الواقع، يتم تقديم المقاتلين الحوثيين الذين قُتلوا في الحرب للطلاب كنماذج يحتذى بها.
في كتب الرياضيات المدرسية على سبيل المثال، تم إدراج صور البنادق جنبًا إلى جنب مع المعادلات الرياضية في محاولة خرقاء لإحداث انطباع لا شعوري لدى الطلاب.
إذا زاد نفوذ الحوثيين في المدارس العامة الواقعة في رقعة واسعة من الأراضي حيث تهيمن الجماعة، فإنه هذا النهج سيصبح أقوى في المدارس التابعة للجماعة والتي كانت تعمل كمدارس نهاية الأسبوع، وجلسات دراسية، ومخيمات صيفية، وهنا يتم التلقين علنيًا بدءًا من التجمع الصباحي، حيث يُطلب من الطلاب ترديد شعارات الحوثيين.
كما نفذ الحوثيون مؤخرًا ما يسمونه "تعميق الهوية الدينية" من خلال سلسلة من الإجراءات مثل حظر الاختلاط بين الجنسين في المدارس، ومنع الحفلات المدرسية (بما في ذلك حفلات التخرج) واستبدال الأغاني والموسيقى بالأناشيد الدينية والترانيم التي أقرتها الجماعة.
ويحاضر المسؤولون الحوثيون بشكل منتظم الطلاب عن الجهاد الذي تمارسه الجماعة ضد معارضيها.
ويتلقى الطلاب في مراحل متقدمة من الدراسة تلقينًا أكثر كثافة استعدادًا للخدمة في أي عدد من القدرات ضمن حركة الحوثيين.
هؤلاء الطلاب أجبروا على الاستماع إلى الخطب الدينية لمؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي، الذي قتلته القوات الحكومية في عهد صالح عام 2004 بعد أشهر من المواجهات المسلحة.
كما أن الأحزاب والجماعات المسيطرة على المناطق الخاضعة للحكومة تتعدى على التعليم ففي جنوب اليمن انتزع المجلس الانتقالي السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن من القوات الحكومية في عام 2018.
في أكتوبر 2019 أطلق المجلس ما يسمى بلجنة إدارة المناهج، بهدف مراجعة وتعديل التعليم حتى يكون اكثر توافقا مع نظرتهم.
ووفقًا للمجلس الانتقالي الجنوبي فإن هذا المسعى يستهدف "دروسا دخيلة وكاذبة ومبرمجة ليمننة الجنوب واستبدالها بدروس تحمل الطابع والهوية والتاريخ الجنوبي". بالتوازي مع ذلك، ينظم المجلس الانتقالي الجنوبي محاضرات وأنشطة منتظمة في المدارس للترويج لأهدافه السياسية.
في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بشكل مباشر يسود وضع مماثل في المدارس العامة فالحكومة ضعيفة ووزارة التربية والتعليم منقسمة، مما يجعل الطلاب عرضة للتجنيد السياسي من قبل الفصائل داخل التحالف الحكومي.
وعلى الرغم من الحالة المزرية لوزارة التعليم الحكومية، إلا أنها تدعي على نحو غير محتمل أنها تدير التعليم في جميع المحافظات.
ويروي الواقع على الأرض قصة مختلفة مثل رواتب معلمي المدارس الحكومية غير المدفوعة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
•ما الذي يجب إنجازه؟
لقد انهار التعليم في اليمن على الأقل بقدر ما يفهم بالمعنى التقليدي، وأسوأ ما في هذا الانهيار هو تشرذم وتسييس النظام التعليمي في البلاد. سواء في الشمال أو الجنوب في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو الحكومة أو المجلس الانتقالي الجنوبي يذهب الطلاب إلى المدرسة ويحضرون الفصول الدراسية ويتنقلون بين المستويات التعليمية، لكنهم يخرجون بقليل من التعليم الحسن النية.
في الواقع يظل العديد من الذين تخرجوا أميين وظيفيا. فشلت المؤسسات التعليمية في إعداد الطلاب للتفاعل مع متغيرات واحتياجات اليمن.
في الوقت نفسه لا تقوم هذه المؤسسات بإعدادها للأنظمة التعليمية استفادة من معايير وتجارب الخارج، اذ يعمل التعليم في معظم أنحاء اليمن اليوم على النهوض بالأجندات السياسية والدينية للأطراف المتحاربة التي تحتاج إلى مجندين ملتزمين أيديولوجيًا بالإضافة إلى وقود للمدافع.
وللتخفيف من حدة الموقف من الأفضل للأطراف المعنية اعتماد نهج المسار المزدوج. تتمثل الخطوة الأولى في إنشاء ائتلاف نوعي تحت رعاية مجموعة من المنظمات غير الحكومية الدولية غير المنحازة سياسياً وتعمل بالفعل في اليمن وتتلقى تمويلاً من الخارج، ويمكنها الحصول على المزيد من هذا التمويل.
سيؤمن هذا الانموذج خدمات المعلمين المتمرسين لانشاء قطاع تعليمي يشمل مواد التعليم العام الأساسية.
للمساعدة في ضمان ذلك، سيخضع المعلمون المكلفون بتنفيذ المنهج لعملية تدقيق صارمة.
لكن قد تجعل الطبيعة غير المحايدة سياسياً للمنظمات غير الحكومية الدولية من الصعب عليها الحصول على إذن من السلطات على الأرض لإنشاء وإدارة مدارس من هذا النوع.
يمكن تحقيق ذلك على أفضل وجه في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة مثل حضرموت أو المهرة أو شبوة حيث الوضع الأمني مستقر والتنسيق مع السلطات المحلية سهل نسبيًا.
ومع تزايد وعي اليمنيين العاديين بأن جودة التعليم في بلدهم قد تدهورت، سيبادر الكثيرون منهم لإرسال أطفالهم إلى هناك.
لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تصبح هذه المدرسة المبتدئة المقترحة موضع حسد اليمنيين القريبين والبعيدين، الأمر الذي من شأنه أن يسهل بدوره الحصول على إذن لفتح المزيد من هذه المدارس، ربما في مناطق أخرى وهي عملية من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء مدرسة تعليمية جديدة.
تتمثل الخطوة الثانية التي من شأنها أن تكمل الخطوة الأولى، في قيام الاتحاد او الائتلاف المقترح برعاية المنظمات غير الحكومية الدولية بالسعي وراء بدائل للتعليم التقليدي داخل الفصل الدراسي. في السنوات الأخيرة أدى ظهور التعلم الرقمي في جميع أنحاء العالم إلى خلق فرص غير محدودة من الناحية النظرية للمجتمعات المهمشة.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن بعض المدارس الخاصة في اليمن التي تميل إلى تلبية احتياجات الطبقة العليا والأجانب الميسورين في البلاد قد نجحت في استخدام التعلم الإلكتروني أثناء جائحة فيروس كورونا.
ستوسع نطاق التعليم ليشمل آلاف الطلاب اليمنيين بخلاف أولئك الذين يمكنهم الالتحاق بالمدارس التقليدية - سواء تلك التي تعمل بالفعل أو تلك التي ستديرها المنظمات غير الحكومية الدولية في المستقبل.
تعتبر المرافق الداخلية المجهزة بأجهزة الكمبيوتر والوصول إلى الإنترنت ضرورية لنجاح مراكز التعلم الإلكتروني هذه ولكنها تتطلب عددًا أقل من الموظفين وتمويلًا أقل من المدارس التقليدية. البنية التحتية للإنترنت في اليمن ضعيفة نسبيًا، ولكن يمكن للمنظمات غير الحكومية الدولية الاستفادة من الإنترنت منخفض السرعة والمتوفر على نطاق واسع، أو حتى الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، والذي يمكن لمؤيديها توفيره.
و في حين يمكن للمدرسين إلقاء محاضرات من مناطق أخرى من البلاد أو حتى من خارج اليمن فقد يسهل هذا في النهاية اختراق المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين لا يرغبون في السماح للمدارس التقليدية غير المنتسبة لهم بالعمل في وسطهم ولكنهم قد يجدون مراكز التعلم الإلكتروني أقل تدخلاً.
تم تصميم نهج المسار المزدوج هذا لبلد قد يشهد عدة سنوات أخرى من الصراع.
في الواقع فشلت معظم جولات المفاوضات بين الأطراف المتحاربة في تحقيق نتائج ملموسة، ويبدو أن أي نوع من الحلول حتى الجزئية بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.
وبالتالي فإن توقعات النهاية السريعة للقتال ليست واقعية ومع استمرار الجمود السياسي الاشتباكات المسلحة وتكثيفها في بعض الأحيان سيعاني قطاع التعليم أكثر.
الأمر الأكثر إلحاحا، إذن هو متابعة مبادرة تحمي الطلاب وتضمن تعليمهم حتى في خضم الحرب. إن إنشاء قطاع تعليمي جديد ومستقل في اليمن يستفيد جزء منه من إمكانات التعلم عن بعد من شأنه أن يزيد من فرص نجاح المشروع. وسيضمن النجاح عدم حرمان جيل كامل من اليمنيين من الحق الأساسي في التعليم.
في النهاية سيقدم ذلك أيضًا نموذجًا للتعليم غير الإيديولوجي الذي قد يعتبره العديد من اليمنيين جديراً بالمحاكاة، وبالتالي المساهمة بتغيير المشهد التعليمي في البلاد.
*أحمد ناجي باحث غير مقيم في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت ، حيث تتركز أبحاثه حول اليمن.