في غضون أسبوع فقط، انتقلت طالبان من حركة تسيطر على بضعة أراض في أفغانستان إلى بسط السيطرة على كامل الدولة. جذب الانهيار السريع للحكومة الأفغانية أنظار العالم، وكان له صدى خاص لدى اليمنيين، الذين شهدوا انهيارًا مماثلًا عام 2014 حين سيطرت جماعة الحوثيين المسلحة على العاصمة صنعاء.
في أفغانستان، لاذ الرئيس أشرف غني بالفرار من البلاد بحقائب مليئة بالنقود، حسبما أفادت التقارير، وهو الأمر الذي نفاه. في اليمن، وُضع الرئيس عبدربه منصور هادي قيد الإقامة الجبرية واستقال من الرئاسة تحت وطأة الضغط قبل أن يفر من صنعاء ويدعو الدول المجاورة لليمن إلى التدخل عسكريًّا.
وكما هو الحال في أفغانستان، حيث اقتحم مقاتلو طالبان منازل المسؤولين الأفغان الأثرياء، استرجعت ذاكرة اليمنيين أيضًا المشهد ذاته حين اقتحم الحوثيون عام 2014 منازل أبرز خصومهم مثل حميد الأحمر وعلي محسن الأحمر. يزعم كل من الحوثيين وطالبان أن الحكومات التي أطاحوا بها حكومات فاسدة. وكلاهما لديه وجهة نظر.
كانت كل من حكومة غني الأفغانية وحكومة هادي اليمنية مدعومة من قوى خارجية، الولايات المتحدة في حالة أفغانستان، والسعودية في حالة اليمن. ربما لا ينبغي أن يكون من المستغرب وجود كلا الرئيسين في المنفى، وأن يعاني جيشا كلاهما من ظواهر مشتركة مثل الجنود الوهميين أو الجنود المدرجين مرتين في القوائم.
وأثار المشهد السائد في أفغانستان خلال الشهر الماضي عددًا من التساؤلات لدى اليمنيين بشأن حالة الحرب ومستقبل بلادهم.
بصفة عامة، انقسم اليمنيون إلى ثلاث فِرَق من خلال مراقبتهم للأحداث المتكشفة في أفغانستان. ينظر الحوثيون -إلى جانب بعض الشخصيات اليسارية- إلى انتصار طالبان باعتباره أحد أوجه المقاومة التي انتصرت على الاحتلال الأميركي. وهذا يتسق مع سردية “المقاومة” الإيرانية، التي تميل إلى تصوير كل ما يحدث في العالم على أنه صراع بين “الغرب” والمقاومة المحلية.
أما التحالف المناهض للحوثيين، فاعتبر أن استيلاء طالبان على السلطة هو الخطوة الأولى نحو جرّ أفغانستان مرة أخرى إلى حرب أهلية طاحنة وإلى الأيام المظلمة لحُكم طالبان الوحشي في تسعينيات القرن الماضي.
ولكن كان لجماعات أخرى من تلك المناهضة للحوثيين وجهة نظر أقل تشددًا تجاه طالبان، تدعي أن الحركة غيرت نهجها في العشرين عامًا التي انقضت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول والغزو الأميركي. يوالي الكثير من الذين يتبنون هذا الموقف تجاه طالبان جماعة الإخوان المسلمين الإقليمية. يعتبر حزب الإصلاح فرع الأخيرة الرئيسي في اليمن، ولكن الحزب نفسه لا يتبنى هذا الموقف رسميًّا تجاه طالبان.
وعلى غرار الحوثيين، يرى الكثير من موالي جماعة الإخوان المسلمين في انتصار طالبان انتصارًا أفغانيًّا على الولايات المتحدة. ولكن على النقيض من الحوثيين، الذين يميلون إلى النأي بأنفسهم عن حركة طالبان، تدافع جماعة الإخوان المسلمين عن الحركة.
هذا الموقف المتناقض لجماعة الإخوان -سواء في المنطقة أو في اليمن- يثير الدهشة بشكل خاص. فالجماعة ترفض سردية الحوثيين حول كونهم حركة وطنية تجابه عدوانًا خارجيًّا وتتهمهم بالانقلاب على مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) واستيلائهم على السلطة بالقوة، في حين يشيدون بطالبان للأمر نفسه.
اتخذت كل من هذه الفِرَق وجهة نظر معينة عن الأحداث في أفغانستان، واعتمدت كل منها نَهْج استخلاص الدروس من استيلاء طالبان على السلطة.
اعتبر التحالف المناهض للحوثيين انهيار الحكومة في أفغانستان جاء كنتيجة مباشرة للانسحاب الأمريكي غير المدروس وسنوات من الفساد في حكومة غني. وكانت النتيجة سيطرة ميليشيا دينية متشددة على البلاد. السؤال الذي يطرحه كثيرون في هذا الفريق الآن هو: ما الذي قد يحدث في اليمن إذا قررت السعودية الانسحاب فجأة؟ هل سيسيطر الحوثيون، مثل طالبان، على بقية البلاد في غضون أسابيع؟
بوسع المرء أن يجادل أن استيلاء طالبان على السلطة يُعزا إلى التدخل الأمريكي أكثر مما يُعزا إلى الانسحاب الأمريكي. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، أخفت طالبان إلى حد كبير طابعها العقائدي أو المذهبي، تحت عباءة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي. ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للحوثيين، الذين استخدموا الحرب التي تقودها السعودية في اليمن لصالحهم، وتعاملوا مع التحديات الداخلية التي تواجه حُكمهم من خلال التركيز على وجود قوة خارجية تلقي القنابل باستمرار.
الدرس الذي استخلصه الفريق الموالي للحوثيين من الأحداث المتكشفة في أفغانستان هو أنه في حالة انتصار الحوثيين الكامل في اليمن، فإن الآلاف سوف يفرون من البلاد، كما حدث في أفغانستان. على غرار طالبان، يمثل الحوثيون طائفة وأيديولوجية معينة تحاول فرض آرائها على بقية المجتمع. هل يمكن للحوثيين الصمود أمام مثل هذا السيناريو لـ”هجرة الأدمغة” في اليمن؟ وهل يمكن لطالبان الصمود أمام ذلك في أفغانستان؟
يبدو أن ما تدركه كل هذه الفِرَق المنقسمة آراؤها في اليمن بعد رصدها للأنباء الواردة مؤخرًا من أفغانستان هو أن: ما حدث هناك يمكن أن يحدث هنا. فلا يمكن أن يستمر التدخل الأجنبي إلى الأبد، لا سيما عندما يعوقه حلفاء ضعفاء وفاسدون ينأون عن المجتمع الذي يزعمون أنهم يمثلونه.
في حال انسحاب القوات العسكرية السعودية، سيكون لدى الحوثيين القدرة على التوسع في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك مناطق ومدن الجنوب، حتى ولو توّهم بعض الجنوبيين بوجود خط أحمر دولي عندما يتعلق الأمر بالجنوب. وفي حال انسحب التحالف من اليمن، فإنه لن يعود مجددًا بسرعة.
وكما هو الحال في أفغانستان، فإن غياب الدعم الجوي الخارجي للقوات الموالية للحكومة سيتيح لجماعة الحوثيين ضمان النصر بسرعة. ولكن شأنهم شأن طالبان، سيتعين على الحوثيين فرض سلطتهم في مختلف أنحاء البلاد. لا يمكن الحُكم بعد على ما ستؤول إليه الأوضاع في أفغانستان، ولكن ثمة شك أن ينجح الحوثيون في تنفيذ مثل هذا المشروع السياسي باليمن.
يسيطر الحوثيون على المناطق القبلية الزيدية في الشمال، حيث تتمتع الجماعة بقاعدة شعبية. كما يسيطرون على بعض المناطق الشافعية مثل إب والحديدة، وكلاهما مناطق يسهل نسبيًّا الهيمنة والسيطرة عليهما. غير أن الوضع يختلف في المناطق القبلية السنية المحيطة بمأرب وشبوة، أو في المناطق الحضرية المُعقدة مثل تعز وعدن، وكذلك في المناطق الجنوبية مثل الضالع ولحج، حيث توجد مجتمعات محلية مسلحة وغاضبة إزاء أي محاولة من جانب الشماليين لفرض الهيمنة.
إن أي توسع عسكري للحوثيين في هذه المناطق لن يؤدي إلاّ إلى المزيد من المعارك القتالية. وسينضم الشباب إلى الجماعات المسلحة، التي قد تكون بعضها من الجماعات الدينية المتطرفة أو الجماعات الإرهابية. وسيشهد اليمن نوعًا من حركات التمرد الإقليمية المماثلة بطبيعتها للمعارك التي خاضها الحوثيون ضد نظام صالح بين 2004 و2010. غير أن هذه المرة، الحوثيون لن يكونوا هم المتمردين.
من نواح عديدة، تدق أفغانستان ناقوس الخطر لدى اليمنيين من جميع أطراف الصراع الحالي. سيُراود الفريق المناهض للحوثيين القلق بشأن مستقبلهم في حال انسحب السعوديون. وسيكون لدى الفريق الموالي للحوثيين نموذجًا لكيفية الاستيلاء السريع والسهل على دولة بأكملها. لكن من الأهمية بمكان أن يدرك كليهما أنه بقدر تردي الأوضاع في اليمن حاليًّا، فإن الأمور قد تنحدر للأسوأ -بالنسبة لجميع الأطراف وللشعب وللجميع.
ميساء شجاع الدين هي زميلة غير مقيمة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. نشرت كتاباتها وتحليلاتها في العديد من وسائل الإعلام، مثل موقع جدلية، والسفير العربي، وصحيفة العربي الجديد، وموقع المونيتور. شجاع الدين حاصلة على ماجستير في الدراسات الإسلامية من الجامعة الأميركية بالقاهرة، حيث ركزت أطروحتها على صعود التطرف الزيدي في اليمن*.