تحليل: واقع اليمنيين بين القمع الحوثي والاعتداء الاسرائيلي
يمن فيوتشر - درج-أفراح ناصر: السبت, 10 أغسطس, 2024 - 05:09 مساءً
تحليل: واقع اليمنيين بين القمع الحوثي والاعتداء الاسرائيلي

تفتقر جماعة الحوثي إلى الشرعية، إذ أتت إلى السلطة بالقوة وانقلبت على مؤسسات الدولة، مما يخلق فجوة كبيرة بينها وبين إرادة الشعب اليمني، وتستغل الجماعة حب اليمنيين للقضية الفلسطينية لتحقيق أهدافها السياسية، لكن أليس من الأجدر بالشعب اليمني أن يحب نفسه ويهتم بمصالحه الوطنية أولاً؟
في أحد صباحات صنعاء الهادئة الشهر الماضي، استيقظ يوسف ليجد منزله محاطاً بجنود جماعة الحوثي المسلحة. اقتيد من بيته من دون سابق إنذار، تاركاً خلفه أسرته في حالة من الرعب والقلق، لا يعرفون أين أخذوه، يوسف كان يعمل في إحدى وكالات الأمم المتحدة، ويسعى جاهداً، لتقديم المساعدة للمحتاجين، لكن هذا العمل النبيل جعله هدفاً للاستهداف الحوثي.
لم يكن يوسف (اسم مستعار) وحده، فقد شنّت قوات الأمن الحوثية سلسلة من المداهمات في صنعاء والحديدة وحجة، واعتقلت ما لا يقل عن 27 موظفا من بينهم يوسف، تم اتهامهم بالتجسس والعمالة وأقيمت جلسات استجواب ومحاكمات صورية تفتقر لأبسط المعايير القانونية العادلة. 
هذه الاعتقالات قد تكون الأكبر لكنها ليست المرة الأولى، فمنذ استيلاء الجماعة على العاصمة صنعاء في 2014 نفذت مئات الاعتقالات، العشرات من المعتقلين يواجهون خطر الإعدام، حيث  تستخدم السلطات الحوثية محاكمات جائرة بتهم تجسس ملفقة، كوسيلة لقمع المعارضين السياسيين، وإسكات المعارضة السلمية، أو كأداة تخويف. 
مؤخراً، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي اليمنية بحملة إلكترونية واسعة، أطلقها ناشطون يمنيون تحت وسم “المحاكمات الحوثية تصفية للخصوم”، تنديداً بأحكام الإعدام التي أصدرتها الجماعة بحق العشرات من المخطوفين في سجونها في صنعاء وفي عدد من المحافظات اليمنية، واستجابت الحملة لنداء العائلات التي يواجه أبناؤها خطر الإعدام، مسلطة الضوء على الانتهاكات المروعة التي ترتكبها الجماعة.
ليس هناك لدى شرائح واسعة من الرأي العام العالمي والإقليمي اطلاع كاف على تلك الانتهاكات. 
اليوم يصفق كثيرون خصوصاً في المنطقة العربية للعمليات التي شنتها جماعة الحوثي ضد اسرائيل. يغيب عن المتحمسين لما يقوم به الحوثي من خطف سفن واحتجاز رهائن وقصف بالصواريخ أن اليمنيين يعيشون بين مطرقة العنف الحوثي وسندان العدوان الإسرائيلي، مما يتركهم في حالة من الرعب وعدم اليقين حول مصيرهم مستقبلهم أحبائهم. 
وفي خضم الصراعات الإقليمية والدولية المستمرة، تبرز الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على اليمن، كعامل جديد يزيد من تعقيد الوضع المتأزم في البلاد، بعد أن ضربت طائرة بدون طيار إيرانية الصنع أطلقها الحوثيون على تل أبيب في 19 يوليو/ تموز الماضي، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ما لا يقل عن 10 آخرين، قامت إسرائيل بهجمات انتقامية على “أهداف عسكرية” حسب الوصف الإسرائيلي في مدينة الحديدة الساحلية الغربية في اليمن، التي تسيطر عليها جماعة الحوثي المسلحة، فقُتل ما لا يقل عن 7 أشخاص وجُرح على الأقل 80 شخصاً، ومنذ بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تُعد هذه الهجمات الإسرائيلية، هي  الأولى على الأراضي اليمنية، مما يهدد بفتح جبهة جديدة في المنطقة، حيث تواجه إسرائيل وكلاء إيران.
هذه الهجمات استهدفت منشآت حيوية من مرافق تخزين الوقود ومحطة الطاقة في المحافظة،  مما ساهم في تدهور في الأوضاع الأمنية والإنسانية في اليمن، وإلى المزيد من تعقيد الوضع السياسي بلا شك، ويثير تساؤلات حول تأثيرها على التوازنات الإقليمية والمحلية.

 

تعزيز نفوذ الحوثيين
أدت الهجمات الإسرائيلية إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي اليمني، فقد استغلت جماعة الحوثي، هذه الهجمات، إضافة إلى قدرتها على التصعيد العسكري بشكل عام، لتعزيز موقفها العسكري والسياسي، وساهمت الهجمات في بروزها كلاعب دولي، مما دفع السعودية بشكل أساسي، إلى تبني موقفاً أكثر حذراً في التعامل معها، لتجنب التصعيد الإقليمي، علاوة على ذلك، أدت الهجمات أيضاً إلى تعزيز شروط الجماعة في عملية السلام الهشة في اليمن، مقابل خصومها مثل السعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في أي اتفاقية سياسية قادمة. 
رأينا ذلك في رضوخ السعودية والحكومة للموقف الحوثي، ضد عدم المشاركة في أي عملية سياسية، من دون إلغاء القيود الاقتصادية التي قامت بها الحكومة مؤخراً ضد الجماعة، في يوم 23 يوليو/ تموز أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، أنه اتفق الطرفان المتحاربان على حل القضايا المالية المعلقة، كما اتفقا على إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من كلا الجانبين، والامتناع في المستقبل عن اتخاذ قرارات أو إجراءات مماثلة.  
يبدو أن هناك ارتباطاً بين الاتفاق والضربة الإسرائيلية الأخيرة على ميناء الحديدة، الضربة فاقمت الوضع الهش في اليمن، حيث يُعد الميناء نقطة دخول حيوية لاستيراد الوقود والمساعدات، بينما يرى مراقبون أن الاتفاق هو عبارة عن خضوع الحكومة للضغط السعودي، لكن ليس هناك أي دليل رسمي على هذه المزاعم، وبكل الأحوال التغير في الموقف السعودي تجاه الحوثيين؛ الذي أصبح أكثر ليونة ويعمل على حل سلمي للنزاع، قد يؤدي إلى خلق فرص جديدة للحوثيين لتعزيز نفوذهم، والحصول على نصيب الأسد في أي اتفاق سياسي قادم، لحل الأزمة اليمنية بين الفصائل اليمنية على حساب التوصل إلى اتفاق سلام شامل عادل ودائم، يتماشى مع تطلعات كل اليمنيين. 

 

تداعيات طويلة الأمد
التأثيرات البيئية للهجمات الإسرائيلية كانت كارثية، تصاعد الدخان لنحو يومين فوق الحديدة، جراء  الحريق الهائل الذي تسببت به الغارات، وتسرب ما يزيد عن 50 ألف برميل من النفط إلى المياه الساحلية، مما أدى إلى تلوث مساحات شاسعة من السواحل اليمنية، هذا التلوث يؤثر بشكل مباشر على حياة الصيادين والمحاصيل الزراعية، ويهدد الأمن الغذائي لملايين اليمنيين، بالإضافة إلى ذلك، فإن الانبعاثات السامة الناتجة عن تفجير المنشآت النفطية، ستؤدي إلى زيادة معدلات الإصابة بالأمراض التنفسية المزمنة في المناطق المحيطة، التي هي أصلا في ارتفاع مستمر، وفقاً لدراسة أجرتها وزارة الصحة في ديسمبر/ أيلول 2022 في صنعاء، تشير إلى أن عدد الإصابات المسجلة بالأمراض التنفسية بلغت على الأقل ثلاثة ملايين حالة.
التلوث البيئي في اليمن ليس مشكلة جديدة، لكن الهجمات الإسرائيلية أضافت بُعداً جديداً على هذه الأزمة، التسربات النفطية والانبعاثات السامة قد تستمر في التأثير على البيئة لفترة طويلة.
التأثيرات الإنسانية للهجمات، لا تقل خطورة عن التأثيرات السياسية والبيئية، فالوضع الصحي في اليمن، الذي كان يعاني من تدهور مستمر، يتفاقم بشكل ملحوظ، بسبب التلوث البيئي الناتج عن هجمات كهذه. اليمن يعاني بالفعل من أزمة صحية حادة، حيث تقدر الأمم المتحدة أن 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن 50% من المنشآت الصحية تعمل بشكل جزئي أو متوقف تماماً، والوضع أكثر مأساوية في الحديدة، حيث تعاني أكثر من 70% من الأسر في الحديدة من الفقر، مما يجعلها واحدة من أكثر المناطق فقراً في اليمن، أضف إلى ذلك، البنية التحتية الضعيفة والخدمات الأساسية المتدهورة، التي تزيد من معاناة سكانها. 

 

في مهب الريح
ليس بجديد على إسرائيل قصف أراضٍ عربية، فقد استهدفت لبنان وسوريا والعراق منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الآن، انضمت اليمن إلى هذه القائمة، الرأي العام اليمني منقسم حول كيفية استدرجت جماعة الحوثي البلاد إلى مواجهة مع العدوان الإسرائيلي؛ البعض يستنكر هجمات إسرائيل بغض النظر عن الظروف، بينما يستنكر آخرون هجمات إسرائيل وجماعة الحوثي معاً.
تفتقر جماعة الحوثي إلى الشرعية، إذ أتت إلى السلطة بالقوة وانقلبت على مؤسسات الدولة، مما يخلق فجوة كبيرة بينها وبين إرادة الشعب اليمني، وتستغل الجماعة حب اليمنيين للقضية الفلسطينية لتحقيق أهدافها السياسية، لكن أليس من الأجدر بالشعب اليمني أن يحب نفسه ويهتم بمصالحه الوطنية أولاً؟
تعهدت جماعة الحوثي برد عنيف على إسرائيل بعد الهجمات على الحديدة، مما يعكس إصرارها على لعب دور دولي، ومع ذلك، تفتقر الجماعة إلى الخبرة السياسية الطويلة في الحكم، لتقييم المواقف ونتائجها بشكل صحيح. 


التعليقات