رحبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الجمهورية العربية السورية "بالإدانة التاريخية" للضابط السابق في المخابرات السورية، أنور رسلان، البالغ من العمر 58 عاما، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وقد وجدت محكمة كوبلنز الإقليمية العليا رسلان مذنبا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في "القتل والتعذيب والحرمان الجسيم من الحرية والاغتصاب والاعتداء الجنسي، بالإضافة إلى القتل في 27 حالة والتسبب بإصابة جسدية خطيرة في 25 حالة، لا سيما الاغتصاب الخطير والاعتداء الجنسي في حالتين اثنتين، والحرمان من الحرية لأكثر من أسبوع في 14 حالة و أخذ الرهائن في حالتين، والاعتداء الجنسي على السجناء في ثلاث حالات.
وتركزت محاكمة كوبلنز على الأحداث التي وقعت في الأيام الأولى للنزاع في 2011-2012.
•توفير زخم للعدالة الدولية
وفي بيان، أشادت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، بالإدانة "التاريخية" الصادرة عن المحكمة الألمانية، وحثت دولا أخرى على إجراء التحقيقات والملاحقة القضائية في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تشكل جرائم دولية، باستخدام مبادئ الولاية القضائية العالمية وخارج الإقليمية.
وقالت: "هذه المحاكمة دفعت بأنواع التعذيب المقزز والمعاملة القاسية واللاإنسانية حقا – بما في ذلك العنف الجنسي البغيض – التي تعرض إليها عدد لا يحصى من السوريين في مرافق الاعتقال، إلى دائرة الضوء التي تمس الحاجة إليها، مجددا".
اضافت:"إنها قفزة تاريخية إلى الأمام في السعي وراء الحقيقة والعدالة والتعويضات عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في سوريا على مدى أكثر من عقد."
وتابعت، أن حكم اليوم يجب أن يعمل على تحفيز جميع الجهود إلى الأمام لتوسيع شبكة المساءلة لجميع مرتكبي الجرائم "التي لا توصف والتي تميز هذا الصراع الوحشي."
وكان أنور رسلان متهما بالتواطؤ في تعذيب آلاف الأشخاص بين عامي 2011 و2012 في فرع الخطيب (الفرع 251) للمخابرات العامة السورية في دمشق.
وهي المرة الأولى التي يُدان فيها عضو سابق في المخابرات السورية في إطار حالات الولاية القضائية العالمية في دولة ثالثة فيما يخص النزاع القائم.
•رادع قوي لمنع الفظائع
وقالت باشيليت: "هذا مثال واضح على الكيفية التي يمكن بها للمحاكم الوطنية وينبغي لها أن تسد فجوات المساءلة عن مثل هذه الجرائم أينما ارتكبت، من خلال تحقيقات ومحاكمات عادلة ومستقلة تتم بما يتماشى مع القوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان." وأضافت أن هذا بمثابة رادع قوي ويساعد على منع الفظائع في المستقبل.
وكان هناك عدد من القضايا الجنائية والمدنية الأخرى ضد مسؤولين سابقين وأعضاء جماعات مسلحة غير تابعة للدولة متهمة بارتكاب جرائم، بما في ذلك في النمسا وفرنسا وهنغاريا والسويد وسويسرا وهولندا، وغيرها.
وأشارت مفوضية حقوق الإنسان إلى أنه في حالة سوريا، فإن العمل على المستويات الوطنية مهم بشكل خاص لأن سوريا ليست طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما فشل مجلس الأمن مرارا وتكرارا في إحالة الوضع إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بحسب البيان.
وأشادت باشيليت بالضحايا وأسرهم ومنظمات المجتمع الدولي الذين يصرّون على المطالبة بالعدالة "في وجه العقبات الهائلة" كما أشادت بدور الآلية الدولية المحايدة والمستقلة الخاصة بسوريا وكذلك لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، التي يسهّل دعمها للسلطات القضائية الوطنية عمليات المساءلة وتحقيق العدالة للضحايا والناجين.
وقالت باشيليت في ختام البيان: "توجه هذه الإدانة إشعارا لسلطات الدولة – بغض النظر عن مكان وجودك أو رتبتك، إذا ارتكبتَ التعذيب أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فستتم محاسبتك عاجلا أم آجلا، في بلدك أو خارجه."
من جانبها، رحبت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الجمهورية العربية السورية بما وصفته بالحكم التاريخي.
وفي بيان، قال رئيس اللجنة، باولو سيرجيو بينيرو: "تعتبر الأحكام المشابهة للحكم الصادر اليوم تقدما نحن في أمسّ الحاجة إليه لتحقيق العدالة للضحايا والناجين من جرائم الحرب في سوريا - على الرغم من أن سبل المساءلة لا تزال محدودة في سوريا وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
وكانت ألمانيا قد تبنت عام 2002 قانون الجرائم ضد القانون الدولي، الذي يسمح للمحاكم الألمانية بمحاكمة الجرائم ضد القانون الدولي المرتكبة في بلدان أخرى حيث لا يكون الجاني -أو الضحية- مواطنا ألمانيا بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. ويستبعد القانون مبدأ التقادم لهذه الجرائم.
وقال المفوض هاني مجلي: "لم تكن النتائج التي تحققت اليوم ممكنة بدون الجهود الدؤوبة للضحايا والجمعيات العائلية. وإذا أرادت الدول الأعضاء تحقيق العدالة للسوريين، فلا بد من دعم المشاركة الهادفة لتلك الأصوات السورية."
•الصراع لم ينتهِ بعد
وقالت المفوضة لين ولشمان: "إن تأثير النتيجة التي تم التوصل إليها اليوم هائل، لكن لا يجب أن ننسى أن الصراع والأزمة في سوريا لم ينتهيا بعد. وفي الوقت الحالي في سوريا، يقبع ضحايا التعذيب والاختفاء في الحبس الانفرادي في جميع أنحاء البلاد، ولا يزال عدد لا يحصى من السوريين ينتظرون أخبارا عن أحبائهم."
وتشير لجنة التحقيق بشأن سوريا إلى استمرار التعذيب وسوء المعاملة والاغتصاب والإكراه والأفعال التي ترقى إلى مستوى الاختفاء القسري في سوريا، كما هو موثق في أكثر من 20 تقريرا دوريا و13 تقريرا مواضيعيا، بما في ذلك تقريرها الأخير عن الاحتجاز الصادر في آذار/مارس 2021. وعلاوة على ذلك، يقدر أن أكثر من 100,000 شخص ما زالوا في عداد المفقودين بسبب النزاع.
وأشارت اللجنة إلى ضرورة مواصلة الجهود المبذولة لمحاسبة أولئك الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن مثل هذه الجرائم. ودعت الدول إلى دعم هذه الجهود من خلال ضمان توافر الموارد المالية الكافية وغيرها من الموارد والأطر التشريعية.
وتُلزم اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1984 لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الدول الأطراف بضمان اعتبار جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي. وهي مطالبة بإقامة ولايتها القضائية على التعذيب في حالة وجود الجاني المزعوم على أراضيها.