حثت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الثلاثاء، سلطات الحوثيين على إلغاء حكم الإعدام بحق الناشطة الحقوقية فاطمة العرولي وإنهاء قمعهم المتصاعد لحرية التعبير وحقوق المرأة.
وقالت المنظمة الحقوقية إن "النيابة الجزائية المتخصصة" في صنعاء، والخاضعة لسلطة الجماعة، أدانت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2023، فاطمة صالح العرولي (35 عاما) وحكمت عليها بالإعدام بتهمة التعامل مع العدو، في إشارة إلى الإمارات.
وتقع صنعاء وجزء كبير من شمال اليمن تحت سيطرة الحوثيين منذ العام 2014.
أشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن العرولي، وهي الناشطة والرئيسة السابقة لمكتب اليمن لـ"اتحاد قيادات المرأة العربية" التابع لـ"جامعة الدول العربية"، لم تتمتع بأي تمثيل قانوني في المحاكمة، ولم تتمكن عائلتها من الاتصال بها إلا مرتين منذ اعتقالها في أغسطس/ آب 2022.
قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في "هيومن رايتس ووتش": "بلغ القمع ضد النشطاء الحقوقيين وناشطات حقوق المرأة في مناطق سيطرة الحوثيين مستويات جديدة مرعبة، إذ يقمع الحوثيون حقوق الإنسان والحريات بدل تزويد الناس تحت حكمهم بالضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء".
تحدثت "هيومن رايتس ووتش" مع أربعة أشخاص لديهم معرفة مباشرة بقضية العرولي وظروف احتجازها، منهم شقيقها محمد ومحامٍ حاول تمثيلها، وراجعت وثائق المحكمة وتقارير أخرى تخص قضيتها.
قالت المصادر إن العرولي اعتُقلت في 12 أغسطس/آب 2022 عند نقطة تفتيش خاضعة لسيطرة الحوثيين في مديرية الحوبان في محافظة تعز بينما كانت في طريقها من عدن إلى صنعاء. قال محاميها إنها كانت قد عادت لتوها من زيارة والدتها في الإمارات، مكان مولدها ومقر إقامة عائلتها حاليا. اتصلت العرولي بشقيقها عند نقطة التفتيش لتخبره أن الحوثيين أوقفوها، وانقطعت أخبارها عن أسرتها لغاية يناير/كانون الثاني 2023.
قالت رسالة وجهها مقررون خاصون من الأمم المتحدة إلى وزير خارجية الحوثيين إن "جهاز الأمن والمخابرات" التابع للحوثيين أخفى العرولي قسرا ولم يمكّنها من الحصول على محام، ومنذ احتجازها لم تتمكن من الاتصال بأسرتها إلا مرتين. أضافت الرسالة أن سلطات الحوثيين "أنكرت في البداية أي علم لها باعتقالها أو مكانها عندما سأل محاميها عنها".
في 31 يوليو/تموز، علم محامي العرولي أن الحوثيين اتهموها بمساعدة جهة معادية (الإمارات)، بحسب لائحة الاتهام الرسمية الصادرة في 31 يوليو/تموز عن النيابة الجزائية المتخصصة، والتي اطلعت عليها "هيومن رايتس ووتش". تذكر الوثائق أن العرولي جُنّدت للعمل مع ضباط مخابرات إماراتيين يشرفون على الحرب في اليمن، وأنها وافقت على تزويدهم بمعلومات ومواقع حساسة للجيش واللجان الشعبية اليمنية. لم يقدم الادعاء أي دليل علني يدعم هذه الاتهامات.
سبق للعرولي أن انتقدت السلطات اليمنية على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، ونشرت بشكل منتظم أيضا حول حقوق المرأة والطفل وتجنيد الأطفال في النزاع بين الحوثيين والحكومة اليمنية المدعومة من التحالف بقيادة السعودية والإمارات.
نشر محامي العرولي في 19 سبتمبر/أيلول على وسائل التواصل الاجتماعي موافقة الأخيرة في جلسة الاستماع الأولى لها ذلك اليوم على توكيله للدفاع عنها. أضاف أنه أخبر القاضي أنه موجود لتمثيلها، وهي أكدت الأمر، لكن أمره ضابط مخابرات لاحقا بمغادرة قاعة المحكمة عندما أخبر العرولي بأن عليها طلب نسخة من قضيتها والتهم الموجهة إليها. أضاف أنه أثناء مغادرته قاعة المحكمة، سمع القاضي يقول للعرولي إنها لن تحتاج إلى محامٍ لأنه لن يتمكن من فعل شيء لها.
قال أحد المصادر إن هذا "يحدث بانتظام" منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في العام 2014، مضيفا: "عندما يعتقل جهاز الأمن والمخابرات أحدهم، فإنهم يقدمونه إلى المحكمة ويطلبون منه الاعتراف بكل شيء، [ويخبرونه] بأنهم سيعذبونه حتى يعترف بالتهم الموجهة إليه".
قالت المصادر إنه، لاحقا، لم يتمكن أفراد أسرتها ولا المحامون من الاتصال بها قبل محاكمتها التي كانت في 5 ديسمبر/كانون الأول. خلال المحاكمة، حكمت النيابة الجزائية المتخصصة على العرولي بالإعدام، مشيرة إلى اعترافها بتجنيد أشخاص لدعمها في جمع المعلومات الاستخبارية لصالح الإمارات، فضلا عن انتحالها شخصية امرأة أخرى. من غير الواضح ما إذا كانت العرولي قد اعترفت، وفي أي ظروف، إن كانت قد فعلت.
قال شقيقها إن آخر اتصال هاتفي أجرته عائلتها معها كان قبل جلسة سبتمبر/ أيلول. قال المحامي: "حاول شقيقها زيارتها عدة مرات. كتبتُ رسالة لأخيها ليقدمها إلى السلطات تطلب منهم السماح له بزيارة أخته، لكن ظل جهاز الأمن والمخابرات يرفض السماح لها بمقابلة أي شخص. كانوا يزعمون أنها لا ترغب في مقابلة أي أحد".
قال محاميها إن عائلتها قدمت عدة طلبات رسمية لزيارتها، منهما طلبان في ديسمبر/كانون الأول 2022 ومارس/آذار 2023 اطلعت عليهما "هيومن رايتس ووتش". منع جهاز المخابرات إجراء الزيارتين رغم موافقة النائب العام على كلا الطلبين.
يصعب معرفة الظروف التي تواجهها العرولي أثناء الاحتجاز، نظرا لتعذّر التواصل معها. قال محاميها إنها قالت في جلسة سبتمبر/أيلول إنها كانت محتجزة في غرفة صغيرة فيها عفن وبلا نافذة. أفاد شخص كان في قاعة المحكمة يومها بأنها أخبرت القاضي أن غرفتها "سيئة ومتعفنة لدرجة أنني لا أستطيع حتى الصلاة فيها".
كما تمكن أحد إخوة العرولي من التحدث معها لفترة وجيزة خلال جلسة سبتمبر/أيلول. قال شقيقها محمد إن أخته أخبرت شقيقهما أنهم حقنوها بمواد مجهولة، وأرته كذلك كدمات قالت إنها بسبب الضرب الذي تعرضت له على رأسها. قال محمد إن شقيقه أشار إلى أن أخته "كانت تبدو مريضة ومرهقة وضعيفة، ويُحتمل أنها فقدت تقريبا 10 و15 كيلوجراما". أضاف محمد أن شقيقته لديها مرض السكري، وأنها سألت خلال المحاكمة عما إذا كان بإمكان أسرتها إحضار الدواء والمال لها، لكن رفض القاضي هذا الطلب.
لم تتمكن "هيومن رايتس ووتش" من الحصول على معلومات أكثر حول حالة العرولي في السجن. بحسب تقرير المقررين الخاصين للأمم المتحدة، "من غير المعروف تحت أي ظروف استُجوبت السيدة العرولي، ولا كيف عوملت أثناء احتجازها".
تحدثت منظمات عديدة، منها "هيومن رايتس ووتش"، عن انتهاكات منهجية في سجون الحوثيين. وجد "فريق الخبراء المعني باليمن" التابع لمجلس الأمن الدولي في تقريره لعام 2023 أنه "يتعرض السجناء المحتجزون لدى الحوثيين للتعذيب النفسي والجسدي المنهجي، بما في ذلك الحرمان من التدخل الطبي لعلاج الإصابات الناجمة عن التعذيب الذي يتعرضون له، والذي أدى إلى إصابة بعض السجناء بحالات عجز دائم وحالات وفاة". وجد التقرير أيضا أن النساء المحتجزات "يتعرضن للتعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة... [ويتعرضن] أيضا للاعتداء الجنسي، وفي بعض الحالات يخضعن لفحوص العذرية، وكثيرا ما يُمنعن من الحصول على السلع الأساسية، بما في ذلك منتجات النظافة الصحية النسائية".
قال محمد: "تعيش الأسرة بأكملها فترة صعبة للغاية حاليا. تشاهد والدتي... وهي امرأة عجوز، ابنتها الوحيدة تتعرض للاعتقال، والتعذيب، والحكم بالإعدام، وأبناء العائلة مصدومون مما حدث. الأسرة بأكملها خائفة الآن بشأن ما سيحدث لفاطمة، وكذلك ما سيحدث لنا إذا عدنا إلى الوطن [في اليمن]".
بحسب "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة العام 2014، حكموا على 350 شخصا بالإعدام وأعدموا 11 منهم. في 18 سبتمبر/أيلول 2021، أعدمت قوات الحوثيين 9 أشخاص، بينهم شاب عمره 17 عاما، في ميدان التحرير في صنعاء. قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إنه "حُكم على المتهمين بالإعدام في عملية قضائية انتَهَكَت حقوقهم الدستورية، ولم تحترم معايير المحاكمة العادلة بموجب القانون الدولي".
كما قام الحوثيون باحتجاز وإخفاء قسري وإساءة معاملة العشرات، بينهم معارضون سياسيون، وطلاب، وصحفيون، ونشطاء. وثّقت "مواطنة لحقوق الإنسان"، وهي منظمة مجتمع مدني يمنية، 1,482 حالة اعتقال تعسفي و596 حالة إخفاء قسري على يد سلطات الحوثيين بين 2015 وأبريل/نيسان 2023.
تُلزم المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها "الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، الذي صادق عليه اليمن، الدول التي تعتمد عقوبة الإعدام بعدم استخدامها إلا في "الجنايات بالغة الخطورة"، وفي ظروف استثنائية.
تعارض "هيومن رايتس ووتش" عقوبة الإعدام في جميع البلدان وفي جميع الظروف. عقوبة الإعدام تتفرّد في قسوتها ونهائيتها، ويشوبها التعسف، والتحيز، والخطأ في كافة الأحوال.
قالت جعفرنيا: "شيئا فشيئا، يحوّل الحوثيون حياة المدافعين عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان إلى جحيم في المناطق تحت سيطرتهم. ينبغي للحوثيين منح فاطمة محاكمة عادلة فورا وإنهاء قمعهم الواسع بحق النساء والنشطاء الحقوقيين تحت سيطرتهم".