لقد أصبح واضحًا منذ فترة أن دولة اليمن محطمة – محطمة بشكل لا رجعة عنه، ولا يمكن إصلاحه، مثل شخصية همبتي دمبتي بعد سقوطه العظيم. وتمامًا مثل هامبتي دمبتي، لا يمكن إعادة تجميعها مرة أخرى، لا من قبل الأمم المتحدة، ولا الولايات المتحدة، ولا من قبل أيٍ من الجماعات اليمنية المسلحة على اختلاف أنواعها. يقر بذلك، إلى حد بعيد، كل الخبراء والمسؤولين في البلاد، إلا أن سياسة الولايات المتحدة لا تقبل بذلك.
بدلاً من ذلك، تعمل الولايات المتحدة على استخدام مواردها الدبلوماسية المحدودة في مسعىً لتحقيق هدف غير واقعي يتمثل في إعادة توحيد البلاد على حساب ما هو ممكن حقًا في اليمن. ويعد هذا ضربًا من الجنون، لأن فشله مضمون كنهج سياسي. كما أنه يعد أمرًا خطيرًا، لأن الممكن الآن قد لا يكون كذلك بعد عامين أو ثلاثة.
بشكل عام، يتجه مستقبل اليمن لواحد من مسارات ثلاثة مختلفة: سيناريو الحلم، أو سيناريو التقسيم، أو سيناريو الكارثة.
في سيناريو الحلم، تنتهي الحرب، ويعاد تشكيل اليمن كدولة واحدة موحدة. ويصبح الحوثيون، الذين يسيطرون حاليًا على الكثير من مرتفعات اليمن الشمالية، إحدى الجهات السياسية الفاعلة في الدولة المعاد تشكيلها، ولكنهم لن يكونوا الجهة السياسية الفاعلة الوحيدة.
لقد أعربت الولايات المتحدة، من خلال مبعوثها الخاص لليمن تيموثي ليندركينج (Timothy Lenderking)، عن استعدادها للقبول بالحوثيين كلاعب سياسي بارز في اليمن. في أبريل/نيسان 2021، بعد فترة وجيزة من تعيينه مبعوثًا خاصًا، أدلى ليندركينج بشهادة أمام الكونجرس، “لم يعد هناك من يقترح استبعاد ممثلي الحوثيين من أي تسوية مستقبلية – عبارة شعبية تتردد منذ بدء الصراع. هناك قبول بدور بارز للحوثيين في حكومة ما بعد الصراع، إذا كان لهم مشاركة هادفة في عملية سياسية سلمية مثل أي جماعة أو حركة سياسية أخرى”.
تتمثل المشكلة طبعًا في أن الحوثيين لا يريدون فقط “دورًا بارزًا”، إنهم يريدون أن يكونوا هم حكومة ما بعد الصراع في الشمال، إن لم يكن في اليمن بأسره.
في سيناريو التقسيم، يتم إضفاء الطابع الرسمي على التقسيم الحالي بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والأجزاء التي لا تخضع لهم في اليمن، حيث تنقسم البلاد إلى شمال وجنوب. وتعد اليمن بالفعل دولتين منفصلتين في العديد من النواحي. فبسبب قرار يفتقر لبعد النظر اتخذه الرئيس عبد ربه منصور هادي في عام 2016 بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، انقسم البنك إلى نسختين؛ يسيطر الحوثيون على إحداهما، وتسيطر الحكومة على الأخرى، ولم تعمل أي منهما بشكل فعال.
ليس من المستغرب أن يسفر وجود مصرفين مركزيين عن نشوء اقتصادين منفصلين. على سبيل المثال، في أبريل/نيسان، تم تداول الدولار الواحد عند حوالي 1,200 ريال يمني في عدن مقارنة بحوالي 600 ريال يمني في صنعاء. وقد أدى إيداع سعودي في البنك المركزي في عدن في بداية الأمر لتقريب السعرين من بعضهما بعضًا. لكن كما أدلت غادة الطاهر مضوي، القائمة بأعمال مدير الشؤون الإنسانية في اليمن في الأمم المتحدة، بشهادتها أمام مجلس الأمن في يونيو/حزيران، “فإن مكاسب شهر أبريل/نيسان قد تم محوها بالكامل تقريبًا، وعادت أموال الناس لتفقد قيمتها مرة أخرى”.
كما أن هنالك فوارق حكومية. لقد سمحت سيطرة الأمر الواقع في صنعاء لعدة سنوات للحوثيين بإعادة هيكلة الوزارات والهيئات الحكومية، وإعادة تنظيمها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. لقد ثبت استحالة التراجع عن هذه التغييرات في كثير من الحالات على المدى القريب على أقل تقدير.
على الرغم من أن سيناريو الانقسام بغيض بالنسبة للكثيرين، سواء من اليمنيين أم الأطراف الخارجية، ممن لا يرغبون بمكافأة جماعة الحوثيين على عدوانهم، إلا أنه أقل الخيارات سوءًا.
الوضع الأسوأ بالنسبة لليمن، والولايات المتحدة، والعالم هو سيناريو الكارثة. في هذا المستقبل المحتمل، ستتم تجزئة اليمن إلى دويلات عنيفة تحت سيطرة أمراء حرب أقوياء في فترة معينة. في ظل وضع كهذا، ستعمل الجماعات المسلحة المختلفة في اليمن بشكل متواصل على الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي والسيطرة عليها، ما من شأنه أن يفتح المجال أمام تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية للانتعاش مجددًا، وإثارة تدفقات ضخمة من اللاجئين والنازحين داخليًا، وتعريض ممرات الملاحة العالمية عبر البحر الأحمر للخطر. يجب تفادي هذا المستقبل بأي ثمن.
نظرًا للمخاطر المرتبطة بسيناريو الكارثة، بالإضافة إلى عجز إدارة الرئيس جوزيف بايدن على مدى العامين الماضيين عن ممارسة أي تأثير على الحوثيين أو إحلال السلام الشامل، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع الاستمرار بالعمل كالمعتاد والرجاء بإعادة توحيد اليمن مرة أخرى بطريقة أو بأخرى.
وفي حين تم تمديد الهدنة الحالية التي انتهت في الثاني أغسطس/آب الجاري، إلا أنه من غير المرجح أن تفضي إلى سلام كامل. والحوثيون ليسوا على وشك التفاوض بشأن ترك السلطة في صنعاء، فالسعودية وحلفاؤها المحليون عاجزون عن هزيمتهم عسكريًا. ولن تتورط الولايات المتحدة على الأرض لترجيح كفة الميزان. وهذا يعني أن الحرب قد يطول أمدها لتزهق المزيد من الأرواح، وتتسبب في وضع إنساني أسوأ، ولا سيما مع استمرار ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا.
كلما طال أمد الحرب، زاد خطر تشرذم التحالف المناهض للحوثيين مرة أخرى ليفضي إلى قتال داخلي. عندما بدأ الصراع في عام 2014، كانت حربًا ذات شقين بين الحوثيين والحكومة اليمنية، ولكن مع تنامي القتال ازداد عدد الجماعات المسلحة، لتشمل المجلس الانتقالي الجنوبي ذا التوجهات الانفصالية، وألوية العمالقة، وجماعة من حلفاء الحوثيين السابقين بقيادة طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
في الوقت الراهن، توحدت معظم هذه الجماعات المناهضة للحوثيين، مبدئيًا، كجزء من مجلس القيادة الرئاسي. لكنه ليس من المرجح لهذه الوحدة أن تستمر إلى ما لا نهاية. يتكون التحالف المناهض للحوثيين ببساطة من أجزاء كثيرة للغاية – مع الكثير من التاريخ والعديد من الأهداف المتضاربة – ما يزيد من صعوبة الحفاظ على جبهة مشتركة.
إذا أرادت الولايات المتحدة تجنب سيناريو الكارثة في اليمن، ينبغي عليها أن تحول اهتمامها من التركيز على المحاولة الفاشلة في إحياء الدولة اليمنية الواحدة إلى إرساء الأساس ليمن منقسم. صحيح أن هذا الأمر غير مرغوب فيه، لكنه قابل للتحقيق على العكس من سيناريو الحلم.
وهذا النهج لا يخلو من المخاطر. أولاً، التحرك باتجاه تقسيم اليمن قد يعجل من انهيار مجلس القيادة الرئاسي، الأمر الذي سيقوض القوى المتحالفة حاليًا ضد الحوثيين. ومن شأن هذا الانهيار أن يمهد الطريق للحوثيين للاستيلاء على مأرب بأكملها، وهو ما تحاول الجماعة فعله منذ أوائل عام 2020.
ثانيًا، من المرجح أن يتسبب أي تحول في سياسة الولايات المتحدة الرسمية بعيدًا عن دعم اليمن الموحد في إثارة غضب أعداد كبيرة من اليمنيين، بمن في ذلك هؤلاء المتواجدون في شمال اليمن، والذين يخشون الحكم الحوثي الذي لا ضوابط له. ومع ذلك، فإن طريقة حكم الحوثيين ربما تكون الآن أقوى مما ستكون عليه في أي سيناريو لما بعد الحرب. لقد بذل الحوثيون الكثير في محاربتهم للقوى الخارجية، ولكنهم قاموا كذلك بعزل مجموعات رئيسية في شمال اليمن، ولا سيما النخب القبلية.
أخيرًا، من المرجح أن يتذمر أصحاب الشأن الرئيسيون في الكونجرس إلى جانب المجتمع المدني من تخلي الولايات المتحدة عن شمال اليمن لصالح الحوثيين. لكن بعد سنوات من الحرب، وإزهاق أرواح مئات الآلاف، وعجز أي مجموعة من القوات المناهضة للحوثيين عن طرد الحوثيين من صنعاء، ليس من الواضح ما الذي ستفضي إليه المزيد من هذه الممارسات.
من الناحية الدبلوماسية والخطابية، سيكون من الأسهل والأكثر أمانًا للولايات المتحدة أن تواصل ما كانت تفعله على مدار العديد من السنوات الماضية، بيع بعض الأسلحة (الهجومية أو الدفاعية) للسعوديين، وعمل نوع من الضجيج بشأن الوحدة، والمراقبة من خلف الكواليس في حين تتواصل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم دون ضوابط. ولكن في مرحلة من مراحل المستقبل القريب، سوف تصبح الفجوة بين الواقع على الأرض والسياسة الأمريكية كبيرة جدًا لدرجة أنه لن يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى التخلي عن سيناريو حلم إعادة توحيد اليمن. إذا انتظرت الولايات المتحدة فترة طويلة، فلن يتوفر لها حتى خيار متابعة التقسيم – وبدلاً من ذلك ستجد نفسها عالقة في سيناريو الكارثة.
•جريجوري دي جونسون
عضو سابق في فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن