أشاد الرئيس بايدن بزيارته إلى السعودية الأسبوع الماضي مواجها انتقادات لاجتماعاته السلمية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وغيره من الحُكام المستبدين، بينما أشار إلى التقدم نحو إنهاء حرب المملكة الخليجية في اليمن.
ووصف الرئيس بايدن، تأمين الالتزام السعودي بدعم تمديد الهدنة، بالنجاح، كما طلب بتمديد الهدنة التي استمرت حتى الآن أربعة أشهر تقريباً بوساطة الأمم المتحدة، وتعتبر هي الصفقة التي أسفرت عن أطول فترة توقف للقتال منذ دخول التحالف العسكري بقيادة السعودية الصراع في عام 2015 - كمثال على ما فعله، وتسمى بـ"القيادة الأمريكية النشطة ذات المبادئ" في الشرق الأوسط.
ولكن مع انتهاء صلاحية تلك الهدنة في 2 أغسطس تبدو الأطراف المتحاربة متباعدة، ونفوذ الدول الغربية على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران لا يزال ضعيفاً ولا يلوح حتى الآن في الأفق حل سياسي للصراع، مما يزيد هذا من حِدة الأسئلة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تنجح جهود السلام المدعومة.
وقال مُضيفاً إن المخاطر قوية بشكل كبير، ففي حين أن الهدنة الحالية أوقفت معظم الغارات الجوية وأعمال العنف الأخرى التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين، فقد أدى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا إلى تعميق الكارثة الإنسانية التي تتفاقم ببطء في اليمن، ودفع عشرات الآلاف إلى ما يشبه المجاعة.
كما قال أن هدنة رمضان في اليمن قد توفر فترة راحة للمدنيين، لكن لا يقين في انعدام مخاطرها المبطنة.
حيث أنه في حالة اليمن ومع هشاشة الوضع والظروف، فإن كل انتهاك للهدنة يُزيد من مخاوف الانهيار المفاجئ والعنيف.
كما أثار قصف الحوثيين يوم الأحد على أحد أحياء مدينة تعز، والذي أسفر عن مقتل طفل واحد على الأقل وإصابة 11 طفلاً آخرين، ومعظمهم دون سن العاشرة، نقطة اشتعال مخاوف من هذا القبيل.
وبحسب ما نشرت الأمم المتحدة و(منظمة مواطنة) الحقوقية، فقد انتشرت أيضاً صور الأطفال الجرحى وأحذيتهم المُلطخة بالدماء على الإنترنت، مما أثار غضباً ساخطاً وأثار إدانة شديدة من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن (هانز جروندبرج) الذي توسط في الهدنة ويحاول الآن التفاوض على نسخة موسعة منها.
وقبل محادثات بايدن مع القادة العرب في مدينة جدة السعودية، حثه المدافعون عن حقوق الإنسان على الضغط على ولي العهد السعودي بشأن ما وصفته وكالات المخابرات الأمريكية بأن له دور في مقتل جمال خاشقجي، الكاتب في "واشنطن بوست" في 2018، إلى جانب سجل المملكة في مضايقة وسجن المعارضين.
وقد سخر بعض النقاد من محاولة البيت الأبيض في الفترة التي سبقت زيارة بايدن لتسليط الضوء على جهوده لإنهاء الحرب - والتي تضمنت 18 شهراً من العمل الدبلوماسي وراء الكواليس - باعتبارها ورقة رابحة لزيارة كانت تهدف بشكل رئيسي إلى التئِام الصدع مع دول الخليج وتعزيز إمدادات النفط العالمية.
وتحدث مسؤول في مجموعة غير حكومية -اشترط عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية- قائلاً: "إن الإدارة فشلت في الاعتراف علناً بدور السعودية في الحرب وسجلها في قصف المدنيين اليمنيين".
كما أضاف: "إنهم يستغلون حرب اليمن للتلويح بملف حقوق الإنسان في السعودية، وهو في الحقيقة وَحدهُ ما يُخِلّ باليمن وأجندة حقوق الإنسان".
وفي حين بدأ الصراع في عام 2014، عندما سيطر الحوثيون -وهم جماعة مسلحة من شمال اليمن خاضت عدة حروب ضد الحكومة المركزية، على العاصمة اليمنية صنعاء- فإن التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات قام بالتدخل العام التالي بهدف هزيمة الحوثيين وإعادة الرئيس هادي للبلاد.
وفي غضون بضع سنوات، استقرت الحرب في مأزق دموي بين الحوثيين والقوات المدعومة من السعودية، تاركة ما يقرب من 30 مليون شخص في اليمن تحت رحمة العديد من المخاطر المميتة: الضربات الجوية والقصف والألغام الأرضية والجوع والفقر.
وكانت الهدنة التي أُعلنت في أبريل/نيسان هي الأولى منذ عام 2016، ورافقتها استقالة الرئيس اليمني (عبد ربه منصور هادي) الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه كان عقبة أمام تسوية الصراع.
كما قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية (وقد تحدث مثل غيره من المسؤولين شريطة عدم الكشف عن هويته للتحدث بصراحة): "إن المحادثات نجحت في تأمين التزام صريح من القادة السعوديين - تم التعبير عنه بشكل خاص للوفد الأمريكي الزائر - بأن المملكة ستدعم تمديد الهدنة ستة أشهر، وهو أمر يعتقد الدبلوماسيون أنه أمر بالغ الأهمية لمنحهم مساحة للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة".
وقال أيضاً : "إن بايدن أراد الابتعاد عن هذه الاجتماعات بالكثير من الأشياء، وكانت إحداها أن يشعر بقوة أن السعوديين ملتزمون، والنقطة التي ذكرناها لم تكن فقط تجديد الهدنة وحسب ولكن للبناء عليها وتمديدها".
لكن دبلوماسيين ومحللين قالوا إنه من غير المرجح أن تكون السعودية بحاجة إلى الكثير من الحث الأمريكي.
حيث استنتجت المملكة منذ وقت ليس بطويل أنها بحاجة إلى تخليص نفسها من الحرب، الذي يُعد مستنقع للسعوديين، الذين لم ينجحوا في ترك الحوثيين مهزومين أو حتى في إضعافهم، وأدى هذا إلى سنوات من الانتقادات وحسب بشأن سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
وقد قدم تمديد الهدنة للسعوديين شيئاً أرادوه بشدة؛ وهو: وقفة في الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة عبر الحدود استهدفت أيضاً الإمارات شريكة السعودية في تحالف عسكري يقاتل الحوثيين. حيث شنَّ المتشددون الحوثيون في اليمن هجوماً جديداً على الإمارات.
وقالت ميساء شجاع الدين، الباحثة اليمنية في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية: "الحرب انهكتهم اقتصادياً وسياسياً"، في إشارةٍ إلى السعوديين. وأضافت: "أن ولي العهد يريد مناقشة أي موضوع آخر غير اليمن".
حيث يعزو خُبراء يمنيين الهدنة، التي أُعلنت لأول مرة في أبريل/نيسان وتم تمديدها لشهرين آخرين في يونيو/حزيران، إلى حسابات السعودية المتغيرة وكذلك حسابات الحوثيين، الذين كافحوا قبل الهدنة للاستيلاء على مدينة مأرب الاستراتيجية.
وقد أسفرت الهدنة عن العديد من الإنجازات البارزة، بما في ذلك زيادة وصول شُحنات الوقود إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، وإعادة فتح مطار صنعاء لرحلات دولية محدودة، وانخفاض كبير في الخسائر المدنية والنزوح نتيجة للعنف.
لذلك كانت الهدنة نقطة تَحوّل بالنسبة لليمن. حيث قال (جروندبيرج) عن الهدنة في بيان هذا الشهر: "لقد أحدثت فرقاً ملموساً في حياة الناس".
ولكن بالطبع كانت هناك العديد من العقبات، بما في ذلك رفض الحوثيين إعادة فتح الطرق عبر محافظة تعز، مما جعل السفر عبر اليمن يستغرق وقتاً طويلاً وخطيراً.
وبخصوص الرحلات الجوية اليمنية؛ رفضت مصر -وهي إحدى الدولتين اللتان تسمحان برحلات جوية دولية من صنعاء- حتى الآن قبول أكثر من رحلة طيران واحدة خلال الهدنة، مما دفع بايدن إلى مناشدة شخصية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسماح لمزيد من الأشخاص المشرفين على الأمر، الذي قال هو الآخر: "أن هناك أيضاً جهد جاري لتوسيع قائمة الوجهات من صنعاء".
وبعد محادثات بايدن في جدة مباشرة، قال مسؤولون حوثيون إنهم رفضوا تمديد الهدنة مرة أخرى، ووصفوها بأنها "مخيبة للآمال". وقال ذات المسؤولون أيضاً أنهم يأملون في أن يقبلوا في نهاية المطاف تمديد الهدنة، ولكن ربما ليس لفترة طويلة كما سعت الأمم المتحدة وإدارة بايدن.
كما قالت شجاع الدين مع استمرار الجدل: "الجميع يتحدث عن هدنة وليس تسوية سياسية".
حيث تكاد العملية السياسية أن تكون أكثر تعقيداً بكثير، وذلك من خلال النظر إلى الانقسامات التي نشأت عن الصراع الطويل والتشاؤم من أن الحوثيين سيقدمون أي تنازلات، وبالنظر إلى السلطة والأراضي التي حصلوا عليها.
وقالت شجاع الدين أيضاً: "إنه لم يكن واضحاً على الإطلاق أن الولايات المتحدة لديها الرغبة في مواجهة تلك التعقيدات".
وقيل أن الولايات المتحدة من الممكن أن تستخدم نفوذها للضغط على السعودية والإمارات لمساعدة اليمن في حقبة ما بعد الحرب، من خلال إعادة بناء البنية التحتية التي ساعدتا في تدميرها، لكن الأمريكيين ليس لديهم نفوذ على الحوثيين.
كما يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم أجروا محادثات مباشرة وغير مباشرة مع نظرائهم الحوثيين، وأنهم يأملون في نهاية المطاف في إشراك إيران - التي يقولون إنها تواصل تقديم الأسلحة والدعم للحوثيين - في عملية السلام.
كما أشاروا إلى أن طهران أصدرت مرتين بيانات دعم بشأن الهدنة.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية: "سيأتي على الأرجح وقت يكون فيه من المناسب ضمهم". لكنه أضاف: "لا أعتقد أن أي شخص مقتنع حالياً بأن هذا هو الوقت المناسب".
وأضاف: "إذا كان بإمكاننا تمديد الهدنة وتوسيعها، أعتقد أن ذلك سيعطينا حقاً الثقة في أن أطراف النزاع ترى حقاً أن هذه هي اللحظة في الحرب لبدء رسم حل طويل الأجل".
ووفقاً لتحليل جديد من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإنه من المتوقع أن يعاني أكثر من نصف اليمنيين من انعدام الأمن الغذائي في الأشهر المقبلة، بما في ذلك أكثر من 160 ألف شخص يواجهون "ظروفاً شبيهة بالمجاعة".
لكن الوكالة التي تواجه ارتفاعاً في أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا، قطعت بالفعل الحصص الغذائية لليمنيين بسبب نقص التمويل.
ففي الفترة التي قبل الحرب اشترت اليمن التي تعتمد على الاستيراد أكثر من 30% من قمحها من أوكرانيا، وحصة كبيرة أخرى من روسيا، وفقاُ لجماعات إغاثية.
بينما كان التجار اليمنيون قادرين على شراء طن من القمح الأوكراني غير المطحون مقابل 240 دولاراً.
وكما تقول المجموعات كان الخيار التالي الأفضل الآن، وهو القمح الأسترالي الذي يُعد بسعر 470 دولاراً للطن. وقد أدى ذلك بالفعل إلى ارتفاع أسعار الخبز مع كميات أقل.
وفي حين أن اتفاقاً جديداً توسطت فيه الأمم المتحدة لاستئناف شحنات الحبوب الأوكرانية، والذي تم الإعلان عنه يوم الجمعة، والذي بدوره يمكن أن يساعد في تخفيف أزمة الإمدادات، إلا أن ذلك لن يحدث على الفور، فبعد أقل من يوم من إعلان الصفقة في اسطنبول، ضربت الصواريخ الروسية ميناء أوديسا الأوكراني، وهو الأمر الذي يشكل تهديداً على الاتفاقية.
وقد قال (سكوت بول)، كبير مديري السياسات الإنسانية في منظمة أوكسفام أمريكا: "أن الاستجابة للأزمة المتفاقمة في اليمن لم تكن كافية".
وقال أيضاً: "المانحون بحاجة إلى زيادة مساهماتهم الآن، لذا على أطراف النزاع تجديد الهدنة والتأكد من أنها تقدم مزيداً من الإغاثة في مرحلتها التالية كجزء من الطريق نحو السلام المستدام".