حين يزور الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية هذا الأسبوع، ستكون الحرب في اليمن على قائمة المسائل التي سيناقشها في القمة التي تجمعه مع قادة دول المنطقة، لكن القضية اليمنية ستكون قضية ثانوية في نقاشات القمة، وأهميتها لن تتجاوز تداعياتها الأمنية على محيط اليمن. تندرج هذه المقاربة في إطار السياسة الأميركية التقليدية التي تتناول الملف اليمني من منظور ما يعنيه اليمن للدول المجاورة له وللولايات المتحدة، وليس لليمنيين أنفسهم. وهذه سياسة لا تفضي إلى إرساء أي استقرار فعلي في اليمن أو المنطقة. لذا، على بايدن أن ينتهج استراتيجية جديدة تركّز تحديدًا على اليمن، وتتعاون بموجبها الولايات المتحدة ودول الخليج معًا، ولا سيما السعودية والإمارات، من أجل إعادة تعزيز الاستقرار الداخلي وإعمار ما خلفته الحرب، ليس فقط لأن هذه مسؤوليةٌ يجب أن تتحمّلها هذه الدول الثلاث باعتبارها شاركت في الحرب، بل أيضًا لأنها الوسيلة التي من شأنها تحقيق الاستقرار في اليمن والجوار على المدى الطويل.
بدأ الصراع في اليمن نتيجة ضعف الحكومة اليمنية. فقد استغلّت حركة أنصار الله (المعروفة بالحوثيين) الفراغ القائم ونفّذت عمليات عسكرية عدة لتوسيع رقعة نفوذها في مناطق اليمن الشمالية، حتى نجحت في القيام بانقلاب عسكري مكنها من إحكام سيطرتها على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014. وتصاعدت وتيرة الحرب حين أطلق التحالف بقيادة السعودية حملة عسكرية في آذار/مارس 2015 بهدف إلحاق الهزيمة بالحوثيين ولمساعدة الحكومة اليمنية على استعادة سلطتها. لكن بعد سبع سنوات، اتّسعت رقعة الصراع وبات يشكّل تهديدًا على المنطقة بأسرها، ولا سيما حين بدأ الحوثيون باستهداف الأراضي السعودية والإماراتية بالصواريخ البالستية وبشنّ هجمات بالطائرات المسيّرة. أدّى الفشل في حلّ الصراع اليمني خلال فصوله الأولى إلى تحويله إلى قضية أمنية خطيرة تلقي بظلالها على كامل المنطقة، وخصوصًا بعد التدخل المتنامي لكلٍّ من إيران والتحالف بقيادة السعودية.
تأتي زيارة بايدن في سياق هدنة تم التوصل إليها مؤخرًا في اليمن، وتتزامن مع عدة أزمات عالمية ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، على رأسها أزمة إمدادات الطاقة. حاولت الولايات المتحدة سابقًا كبح الارتفاع الكبير في أسعار النفط من خلال إقناع السعودية ودول خليجية أخرى بزيادة إنتاجها النفطي، وهو الأمر الذي لم توافق عليه الرياض. إذ تترافق ردة الفعل هذه مع برودة في العلاقات بين إدارة بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومردّها جزئيًا، بحسب السعودية، إلى لامبالاة واشنطن بأمن حلفائها في المنطقة، ولا سيما بعد تزايد هجمات الحوثيين.
لكن تبعات الغزو الروسي أعادت توجيه بوصلة المصالح الأميركية مجدّدًا نحو منطقة الشرق الأوسط. لذا، يتمثّل الهدف الأساسي لزيارة بايدن في توطيد علاقات بلاده مع دول المنطقة من أجل التوصّل إلى حلٍّ بشأن أزمة الطاقة. لكن المشكلة الكامنة في هذه الاستراتيجية بالنسبة إلى اليمن هي أن بايدن ينوي مناقشة الملف اليمني مع زعماء دول المنطقة باستثناء اليمنيين أنفسهم.
سيشارك بايدن، في إطار زيارته إلى السعودية، في قمة دول مجلس التعاون الخليجي زائد ثلاثة (مصر والعراق والأردن). لكن رئيس مجلس القيادة الرئاسي – أي الحكومة التي تحظى باعتراف دولي في اليمن، والتي دعمت واشنطن تشكيلها - لن يكون من بين المشاركين في القمة. لا تبدو السعودية، التي تستضيف هذه القمة، متحمّسة كثيرًا لإدراج حليفها اليمن في الاجتماعات المزمعة، ما يشي بأن أكثر ما يهم الدول المنخرطة في الشأن اليمني ليس الاستقرار الداخلي لليمن، بل كيف ستؤثّر التطورات الأمنية هناك على مصالح هذه الدول.
وبحسب البيت الأبيض، سيناقش بايدن "دعم اتفاق الهدنة في اليمن بوساطة الأمم المتحدة" مع دول مجلس التعاون الخليجي زائد ثلاثة، إذ تضع الإدارة الأميركية الهدنة كهدف في تعاملها مع الحرب في اليمن. لكن فائدة الهدنة تكمن فقط في مدى قدرتها على إحراز تقدّم إيجابي لاحق على المستويات كافة، وليس على صعيد الأمن الإقليمي فحسب. في غضون ذلك، ورغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على بدء سريان الهدنة، لا يزال أحد البنود الرئيسة فيها، والمتمثّل في فتح الطرق في محافظة تعز، متعثّرًا، فيما يعمد الحوثيون إلى استغلال غياب الغارات الجوية لتعزيز قواتهم على الأرض. ونظرًا إلى التقارير التي تفيد بحدوث انتهاكات متزايدة للهدنة، يبدو أنها عرضة للانهيار في أي لحظة، ما يهدّد الاستقرار داخل الحدود اليمنية وخارجها. لذا، لن يسهم أي اتفاق محتمل بين الحوثيين والسعودية، من دون إشراك الحكومة اليمنية ومكوناتها، في حلّ القضايا التي تؤثر على مجريات الحرب محليًا، بل سيُغرق ذلك البلاد أكثر في الفوضى، ولن تتمكن الجهود الدولية أو الإقليمية عندئذٍ من تهدئة موجة الصراع المتوقع.
لا تَعتبر الولايات المتحدة الصراع المحلي في اليمن أولوية، ولا تملك الإدارة الأميركية نفوذًا كافيًا على الحوثيين قد يسهم في حلّه. علاوةً على ذلك، تنفّذ واشنطن منذ أكثر من عقد هجمات على اليمن باستخدام الطائرات المسيّرة الموجّهة، في إطار حربها على مجموعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية. وشكّلت هذه الحرب العامل الأبرز في رسم معالم السياسات الأميركية تجاه اليمن، ولا تزال هذه المقاربة الأمنية هي السردية المهيمنة في الإدارات الأميركية المتعاقبة. لكن مشكلة هذه المقاربة لا تكمن فقط في العدد الكبير من المدنيين الذين قتلوا خلال هذه الهجمات، بل أيضًا في سوء تقدير مدى تأثيرها على الديناميكيات المحلية اليمنية. فعلى سبيل المثال، لطالما تعاونت الولايات المتحدة مع الحوثيين في بعض المناطق ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عملًا بمبدأ "عدو عدوي هو صديقي". صحيحٌ أن هذا الأمر قد يكون مفيدًا على المدى القصير، لكن يبدو واضحًا أن توسّع انتشار الحوثيين في بعض المناطق بالتزامن مع انهيار الحكومة الشرعية، سيعزّز سردية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على المدى الطويل.
يحتاج اليمن أن تعمل إدارة بايدن على تطبيق سياسات تتعدّى المقاربة الأمنية الصرفة. فهذه السياسات يمكن أن تشمل إعادة الحياة إلى طبيعتها في المدن والقرى الواقعة خارج مناطق الصراع، إذ إنها ستفكّك سردية الحرب وتحدّ من الميل إلى ممارسة أعمال العنف. يمكن كذلك أن تساعد الولايات المتحدة اليمن على إنعاش قطاعاته الأكثر إنتاجيةً، بما فيها قطاعَي النفط والزراعة، وفتح موانئه المغلقة، الأمر الذي سيحقق إيرادات ثابتة تسهم في تسديد رواتب الموظفين الحكوميين، والتخفيف من اعتماد اليمن على المساعدات الإنسانية. إضافةً إلى ذلك، قد يسهم توفير الدعم إلى السلطات المركزية والمحلية على السواء في إعادة بناء نظام حكم مستدام وخاضع للمساءلة. وفيما سينصبّ تركيز بايدن على أسعار الطاقة، عليه أن يغتنم الفرصة خلال زيارته لتحويل سياسة كلٍّ من الولايات المتحدة ودول الخليج نحو مساعدة اليمن على تجاوز محنة الحرب، ما قد يؤدّي دورًا كبيرًا في إرساء الاستقرار على مستوى المنطقة الأوسع.
* أحمد ناجي باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركز أبحاثه على الشؤون اليمنية.
للاطلاع على المقال من موقعه الأصلي زيارة الرابط التالي: