تحصد الالغام منذ اندلاع الحرب في اليمن ارواح مئات اليمنيين سنويا، اذ لا يكاد يمر يوم دون سقوط ضحايا لبذور الموت التي تترصدهم في كل مكان.
وحتى اولئك الذين يحالفهم الحظ في الافلات بصعوبة من بين مخالبها القاتلة، يكون مصيرهم في الغالب الانضمام الى اكثر من ثلاثة ملايين شخص من ذوي الاعاقة في اليمن.
وتذهب احصائيات الأمم المتحدة الى ان اكثر من 1424 مدنيا قتلوا خلال أربع سنوات جراء الألغام والذخائر التي لم تنفجر من مخلفات الحرب في اليمن.
في حين ذكرت هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة حقوقية دولية، نقلا عن مشروع رصد الأثر المدني، بأن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة التي زرعها الحوثيون تسببت بسقوط أكثر من تسعة آلاف ضحية في صفوف المدنيين منذ بداية الصراع في اليمن قبل ثمان سنوات.
وحسب فريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الامن الدولي، فإن الاستخدام العشوائي للالغام الارضية والاجهزة المتفجرة اليدوية الصنع من قبل الحوثيين هو استخدام متوطن ومنهجي.
في يناير الماضي قال المشروع السعودي لنزع الالغام في اليمن (مسام) انه فكك قرابة 300 الف لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة في اليمن منذ انطلاقه منتصف العام 2018.
وكشف المشروع السعودي عن تطور مقلق لمهارات وتقنيات جماعة الحوثيين في صناعة الالغام والعبوات الناسفة، ما ضاعف الخسائر البشرية في صفوف المدنيين وخبراء نزع الالغام خلال الفترة الاخيرة.
وفي وقت سابق الشهر الماضي، اعلن المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لنزع الألغام، العميد أمين العقيلي، ان فرق نزع الالغام فككت خلال اسبوعين فقط اكثر من 14 ألف لغم وعبوة ناسفة في المناطق التي تم طرد المقاتلين الحوثيين منها مؤخرا في محافظتي شبوة ومأرب.
وسيطرت جماعة الحوثيين المدعومة من ايران على مديريات بيحان شمالي غرب محافظة شبوة للمرة الثانية في سبتمبر 2021، قبل ان تتمكن حملة عسكرية ضخمة مدعومة من السعودية والامارات في ديسمبر من استعادتها مجددا.
وشرع الحوثيون منذ اللحظة الأولى لسيطرتهم على تلك المديريات، التي تضم بيحان وعسيلان وعين، في زراعتها بالألغام والمتفجّرات وحوّلوها إلى فخاخ قاتلة خلال أسابيع، حسبما ذكرت مصادر في دائرة الهندسة العسكرية التابعة للقوات الحكومية.
ولم تتمكن كثير من الأسر النازحة حتى الان، العودة إلى منازلها خوفاً من الألغام المزروعة في الطرقات والمزارع والأماكن العامة، التي تسببت بسقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح سواء من أبناء المنطقة أو من المسافرين عبرها إلى المحافظات الشرقية وإلى الخارج.
وخلال الأسبوع الأول من يناير، قال البرنامج الوطني لنزع الألغام إن فرقه الميدانية انتزعت أكثر من 700 لغم وعبوّة من مناطق في عسيلان وحدها، معلناً عن مقتل 5 أشخاص وإصابة آخرين بانفجار ألغام خلال يومين.
• على بعد خطوة
كان الحوثيون قد سيطروا على شبوة للمرّة الأولى بعد انقلابهم على الحكومة اليمنية واجتياحهم العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
وأواخر 2015 استعادت القوات الحكومية أجزاء واسعة منها بما فيها مدينة عتق (عاصمة المحافظة) قبل أن تعلن تطهيرها كاملة نهاية 2017.
وقال الصحفي الميداني لمشروع مسام، وليد الجعوري، "ليمن فيوتشر" ، إن الفرق الهندسية كانت على بعد خطوة من إعلان شبوة خالية تماماً من الألغام لولا هجوم الحوثيين الأخير الذي انتهى بسيطرتهم على المديريات الثلاث.
واكد ان الحوثيين تعمّدوا تفخيخ تلك المديريات بالألغام للمرّة الثانية وبكثافة أكبر، بعد ان كانت الفرق الهندسية نجحت خلال ثلاث سنوات من العمل الميداني المتواصل في انتزاع ما نسبته 99% من الألغام المزروعة في محافظة شبوة.
و تنوعت الالغام المزروعة بين الغام مضادة للدروع وأخرى فردية متعددة الأحجام والأشكال.
و تعمّد الحوثيون زراعة الألغام بكثافة وبشكل عشوائي في القرى والمزارع والطرق المؤدية إليهما وإلى المدارس وآبار المياه، حسبما افادت مصادر محلية.
ويقول الصحفي الميداني في مشروع مسام، وليد الجعوري، ان تلك المناطق تحتاج الى ثلاث سنوات اخرى من الجهود البشرية والقدرات المادية لتطهيرها من الالغام مجددا.
•الخبراء في مقدّمة الضحايا
وأكدت المصادر التي تحدّث إليها معد التقرير، أن الألغام التي زرعها الحوثيون مؤخّراً أكثر تطوراً وأشد تعقيداً وفتكاً بالمدنيين وتدميراً لممتلكاتهم.
ووفقا للمصادر فان الألغام التي عثر عليها كانت على شكل صخور وفي هيئة كتل رملية وفقاً لطبيعة الأرض وتضم موادا شديدة الإنفجار.
يقول الصحفي الميداني لمشروع مسام وليد الجعوري، إن الحوثيين استخدموا تقنيات متطورة في هذه الألغام جعلتها ذات خطورة عالية على المدنيين، ومنها دواسات كهربائية، ضغط الإنفجار عليها أقل من 10 كيلو جرام بهدف إحداث المزيد من الضحايا بما فيهم الأطفال.
وذكر إن الالغام التي زرعت بأشكال خادعة في الطرقات والأماكن العامة في شبوة ومأرب والحديدة تسببت بسقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح ومعاق.
واشار الى ان من بين الضحايا نحو 30 قتيلا و35 جريحا من خبراء نزع الألغام، موضحاً أن هذه الكلفة ليست بسبب أخطاء ارتكبها الخبراء أثناء عملهم وإنما نتيجة التقنيات الفتّاكة التي استخدمها الحوثيون في صناعة الالغام.