يقول ولي العهد السعودي إنه "ببساطة لا يهتم" ولا يعنيه ما إذا كان جو بايدن يسيء فهمه.
بدلا من ذلك، يتطلع الأمير لاستخدام قوة النفط التي يمتلكها لتحقيق أهدافه، التي تقول مصادر مطلعة على طريقة التفكير في الرياض إنها تتمثل في اعتراف الرئيس الأمريكي بأن ولي العهد هو الحاكم الحقيقي للمملكة وبأن له الذراع الطولى في حرب اليمن باهظة التكلفة.
وأضافت المصادر أن هذا هو أحد أسباب مقاومة الأمير محمد بن سلمان للضغوط الأمريكية لضخ مزيد من النفط لتخفيض الأسعار التي قفزت منذ أن شنت روسيا هجومها على أوكرانيا، فضلا عن حفاظ الرياض على اتفاقها النفطي مع موسكو.
قال أحد المصادر المطلعة على تفكير الحكومة السعودية لرويترز "السعوديون أيضا لهم مطالب قبل تلبية أي من الطلبات الأمريكية، يأتي على رأسها ملف اليمن والاعتراف بولي العهد حاكما فعليا للمملكة".
اهتزت العلاقات المتينة بين الرياض وواشنطن عندما أصدر بايدن تقريرا مخابراتيا أمريكيا يزجّ باسم الأمير محمد في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، ووضع نهاية للدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في حرب الرياض باهظة التكلفة على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.
حتى هذه اللحظة، يرفض بايدن التحدث إلى الأمير محمد مباشرة، ويقول إن نظيره هو الملك سلمان البالغ من العمر 86 عاما، رغم أن الأمير الشاب هو من يدير في واقع الأمر شؤون المملكة وكانت تربطه علاقة وثيقة مع سلف بايدن الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفي مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" نُشرت يوم الخميس، قال الأمير محمد إن هدفه هو تعزيز العلاقة التاريخية بين الرياض وواشنطن، لكنه أضاف أنه لا يعنيه ما إذا كان بايدن يسيء فهمه.
ونقلت المجلة عن ولي العهد قوله "ببساطة لا أهتم.. التفكير في مصالح أمريكا شيء يرجع لبايدن".
لم ترد السلطات السعودية على طلبات رويترز للتعليق. وينفي الأمير محمد التورط بأي صورة من الصور في مقتل خاشقجي.
وتشدد الرياض مرارا على قوة شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتؤكد أن سياستها النفطية تقوم على أساس الالتزام باستقرار السوق وتأمين الإمدادات بدوافع آليات السوق الأساسية.
•ورقة ضغط وحيدة
لم تتراجع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها وفي مقدمتهم روسيا عن تخفيضات الإنتاج التاريخية التي فرضتها في 2020 لتعزيز الأسعار، بعد أن كانت جائحة كورونا تسببت في تراجع غير مسبوق للطلب في السوق العالمية.
لكن، منذ اقتحام القوات الروسية للأراضي الأوكرانية في الأسبوع الماضي وفرض عقوبات غربية قاسية على موسكو، قفزت أسعار النفط لأعلى مستوياتها منذ 2012 مدفوعة بمخاوف تعطل الإمدادات، في ظل عدم وجود فائض طاقة عالمي يُذكر لضخ مزيد من الخام.
تريد واشنطن من تحالف المنتجين، المعروف باسم أوبك+ زيادة الإنتاج بوتيرة أسرع مما هو عليه الحال منذ أغسطس آب، لكن قلة قليلة فقط من الدول هي التي لديها فائض طاقة، من بينها السعودية والإمارات.
توجه آموس هوكستين المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة إلى الرياض الشهر الماضي لإجراء محادثات حول سبل التصدي للتأثيرات المحتملة على أسواق النفط في حالة وقوع غزو روسي لأوكرانيا، وهو ما حدث بعد ذلك بأسبوع واحد.
قال مصدر آخر مطلع على طريقة التفكير السعودية "ورقة محمد بن سلمان الوحيدة هي السياسة النفطية للضغط على الأمريكيين لإعطائه ما يريد.. الاعتراف والأسلحة (لحرب) اليمن".
والتزم تحالف أوبك+ يوم الأربعاء بخططه طويلة الأمد للزيادة التدريجية في الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر، وليس تسريع وتيرة تعزيز الإمدادات.
وكتب جيمس دورسي وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية "تسعى السعودية... لعدم الظهور بصورة المعارض للمصالح الروسية. وبذلك، يمكنها أن تضرب عصفورين بحجر، فتبقي الباب مفتوحا أمام موسكو، وترد، بقدر ما، على رفض الرئيس جو بايدن التواصل مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
وفي إشارة تدلل على حرصه على أن يكون جزءا من الحوار مع واشنطن، ألغى الأمير محمد رحلة للصين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية كي يضمن وجوده بجانب والده عندما اتصل بايدن بالملك سلمان بن عبد العزيز في التاسع من فبراير شباط، حسبما قالت ثلاثة مصادر لرويترز.
وقالت وسائل إعلام حكومية إن الملك تحدث، في المكالمة التي تناولت قضايا الطاقة وإيران واليمن، عن الحفاظ على استقرار السوق وشدد على ضرورة الحفاظ على اتفاق أوبك +.
قال دبلوماسي مقيم في الرياض "الوضع لا يزال على حاله، نظير لنظيره، لكن نظرا لصعوبة الموقف بالنسبة للولايات المتحدة الآن، فقد تحدث تنازلات"، مضيفا أن الأمير محمد يريد اعترافا رسميا من الولايات المتحدة ودعما من واشنطن في حملة الرياض باليمن المستمرة منذ سبع سنوات.
وردا على طلب للتعليق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "في حين أن قضايا الطاقة والأمن لها اعتبارات سياسية مهمة لكلا البلدين، إلا أننا لن نناقش تفاصيل ترتيباتنا الدبلوماسية الخاصة".
وأضاف "كما أشرنا بشكل معلن، أجرينا مناقشات مع السعودية حول نهج تعاوني لمواجهة ضغوط السوق المحتملة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا".
•محاولة البقاء على الحياد
و قالت المصادر ومحللون إن السعودية ودول الخليج الأخرى لا يمكنها البقاء على الحياد بين حلفائها الغربيين وروسيا لفترة طويلة، وإنها ستختار في نهاية المطاف أمريكا ضامنة الأمن للمنطقة خصوصا مع فرضية وجود مخاطر عقوبات ثانوية بخصوص أوكرانيا.
وقال مصدر كبير بصناعة النفط إن الرياض ومنتجي النفط الخليجيين الآخرين قد يتمسكون في الوقت الحالي بموقف الحياد بما يسمح لأوبك+ بمواصلة العمل.
ففي آخر مرة انهار فيها اتفاق المنتجين، دخلت الرياض وموسكو في حرب أسعار ومعركة شاملة على حصة في السوق مما ترتب عليه انخفاض الأسعار، ولحق الضرر في نهاية الأمر بأوبك ومنتجي النفط الأمريكيين على حد سواء.
و يقول منتجو أوبك الآخرون إن ارتفاع الأسعار مدفوع بالتوتر الجيوسياسي وليس بالآليات الأساسية الحاكمة للسوق، وإن العودة المحتملة لإيران في حالة إحياء اتفاقها النووي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد كميات الإنتاج.
وقال دبلوماسي غربي في الرياض "الرد الذي تلقيناه من السعوديين مفاده أنهم ينظرون إلى اتفاق أوبك+ مع روسيا على أنه التزام طويل الأمد، وأنهم ليسوا مستعدين لتعريض هذا التعاون للخطر... في الوقت الذي يوضحون فيه أنهم يقفون مع الغرب على صعيد التعاون الأمني".
يضيف أنهم "يحاولون البقاء على الحياد قدر الإمكان، لكن الآن بعد أن وصل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين حد الغزو الشامل، ربما لم يعودوا يملكون هذه الرفاهية".
•من ليس معنا فهو ضدنا
لدول الخليج أيضا مصالح تجارية وجيوسياسية مع روسيا، التي وقف رئيسها إلى جانب ولي العهد عندما نبذه الزعماء الغربيون بسبب الضجة التي أعقبت مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
لكن الغرب هو الذي أرسل القوات لتحرير الكويت في حرب الخليج في 1990 و1991، ودافع عن الرياض عندما غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت.
ولا تزال الرياض ودول الخليج الأخرى تحتمي بالمظلة الأمنية الأمريكية، حتى في الوقت الذي تتحرك فيه لتنويع الشركاء الدفاعيين، انطلاقا من تصور بأن التزام الولايات المتحدة آخذ في التراجع.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن "الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز الدفاعات السعودية.. بيننا أيضا حوار قوي حول مساعدة المملكة على تحسين قدراتها في الدفاع عن أراضيها ضد التهديدات الأمنية من اليمن وأماكن أخرى في المنطقة".
وقال دورسي إن المشكلة بالنسبة لقادة الخليج تتمثل في أن أوكرانيا يمكن أن تفتح باب المشاكل عندما تستحضر القوى الكبرى على جانبي الصراع عبارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول "من ليس معنا فهو ضدنا".
في مقال ذي أتلانتيك، ألمح ولي العهد إلى أن دولا أخرى مثل الصين على أهبة الاستعداد للتواجد على الساحة إذا توترت العلاقات مع واشنطن.
وقال "أين الإمكانيات الواعدة في العالم اليوم؟.. إنها في السعودية. إذا كنت تريد أن تخسرها، فإنني أعتقد أن آخرين في الشرق سيكونون سعداء للغاية".