اليمن: تحديات اقتصادية عميقة لكن الفرص ممكنة بالشراكة مع القطاع الخاص
يمن فيوتشر - المركز اليمني للسياسات-آدم بارون الخميس, 24 فبراير, 2022 - 12:41 صباحاً
اليمن: تحديات اقتصادية عميقة لكن الفرص ممكنة بالشراكة مع القطاع الخاص

تعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن كما يشير الكثيرون، أسوأ كارثة إنسانية في العالم. هناك أسباب معقدة تقوض عمل المنظمات التي تعمل لتقديم المساعدة وتشكل تحديًا لها. تحدثنا مع منى لقمان رئيسة مؤسسة “الغذاء من أجل الإنسانية“ عن وجهة نظرها حول كيفية مواجهة هذه التحديات.

•كنتِ في عدن مؤخراً. كيف شهدتي التغييرات بالمدينة وكيف تنظرين إلى الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحًا؟
-كان انطباعي الأولي أن عدن أكثر استقرارًا مما توقعت. ومع ذلك، ما زال من المحزن رؤية المظاهر العسكرية في مدينة معروفة بسلمتيها وحضارتها. تمتلك عدن عددًا من المعالم الفريدة المعترف بها على نطاق واسع، والتي تعد مدخلات حيوية لمكانتها الاستراتيجية الصاعدة ضمن اليمن والإقليم: كمناظرها الطبيعية المدهشة وتراثها العمراني الغني، وطبيعتها المضيافة، وانفتاحها على التنوع. لدى عدن الكثير من البنية التحتية الأساسية، لكنها مع ذلك تحتاج إلى استثمارات كبيرة.
لسوء الحظ، كان ارتفاع تكاليف المعيشة، والمواصلات.. الخ في عدن صادمًا بالنسبة لي. يجب على الحكومة معالجة القيود التي تعطل الاستقرار الاقتصادي. تدل زيارة السفير البريطاني للقطاع الخاص بقيادة مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه على وعي بالدور الذي يلعبه القطاع الخاص في دعم اقتصاد البلاد خاصة في ظل الظروف الحالية التي يمر بها اليمن وإلى ضرورة خلق بيئة اقتصادية للقطاعات الحيوية وكيانات الأعمال لتمكينها من أداء الدور المنوط بها لدفع عجلة الاستثمار والتنمية وبالتالي إنعاش الاقتصاد.
بالنسبة للجانب الإنساني فالعائلات النازحة في اليمن تصارع للبقاء على قيد الحياة، وهي في المناطق الجنوبية بحاجة إلى حماية ومساعدة عاجلة لإنقاذ حياتها وتوفير مصدر رزق لها، ويشمل ذلك الغذاء والماء والمأوى والصحة. يجب أن ينصب الاهتمام والاستجابة الإنسانية على المناطق التي تشهد قدرًا كبيرًا من النزوح الناجم عن الفيضانات والصراعات بالإضافة إلى المجتمعات المضيفة والعائدين الذين غالبًا ما يتم تجاهلهم ويعانون أيضًا بشكل كبير.
في الوقت نفسه، أدت الأزمة الاقتصادية وتدهور القطاع الخاص وعدم دفع الرواتب في القطاع العام، فضلاً عن فقدان سبل العيش بشكل عام؛ إلى ترك الناس دون قدرة شرائية لشراء ما هو متوفر في السوق. وقد أدت التأخيرات الكبيرة في الواردات الغذائية وارتفاع الأسعار إلى زيادة تكاليف الغذاء. يجب أن يكون صرف الرواتب المنتظمة ومعالجة أزمة المحروقات على رأس الأولويات. لكن أولاً وقبل كل شيء، هناك حاجة إلى الاستقرار والأمن ومنع اندلاع العنف بشكل متكرر – والأهم من ذلك، فرض القانون والنظام.

•هل بإمكانك تحديد أهم التحديات الهيكلية التي تواجه المنظمات الإنسانية اليمنية؟
ما زال تقديم المساعدات الإنسانية يواجه عقبات ويزداد الوضع سوءاً بسبب الانهيار الاقتصادي. في مناطق كثيرة في البلاد توقفت عن العمل محطات المياه والكهرباء والمصانع والأسواق.
تشمل الاستجابات الإنسانية في اليمن أعدادًا كبيرة من الجهات الفاعلة الوطنية والدولية الذين يعملون بشكل متكرر في نفس المناطق الجغرافية ونحو نفس الأهداف العريضة. ومع ذلك، غالبًا ما يكون التنسيق والتعاون بينهم محدودًا في أحسن الأحوال -على الرغم من بعض الجهود- وكذلك الأمر بالنسبة للتنسيق بين المجموعات أو المجموعات الفرعية. أدى الفشل في التنسيق إلى حدوث فجوات في التغطية وإلى الازدواجية وعدم الكفاءة في الاستجابة للطوارئ. تجد العديد من المنظمات التي تديرها النساء صعوبة في الوصول إلى التمويل للأغراض الإنسانية مما يؤدي إلى عدم الكفاءة، خاصة وأن النساء والشباب في الخطوط الأمامية للاستجابة للمساعدات.
في الصراع اليمني، ساهمت الأطراف المتحاربة بتعطيل المساعدات الغذائية وحرف مسارها، فضلاً عن استخدام الفساد كأداة سياسية؛ مما أدى إلى تفاقم ما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. يتم احتجاز الإمدادات الغذائية والطبية في الموانئ وحدود الجبهات الأمامية بسبب البيروقراطية من كلا الجانبين المتحاربين، كما أنها لا تصل في كثير من الأحيان إلى المستفيدين المستهدفين. بدلاً من ذلك، يتم استخدامها للتربح أو لتعبئة المقاتلين في جبهات القتال.
تتزايد التهديدات وحوادث العنف -بما في ذلك الهجمات والاختطاف-ضد العاملين في المجال الإنساني. ونواجه أيضاً العديد من المعوقات الإدارية والبيروقراطية، لا سيما المتعلقة بتجديد التصاريح والتراخيص والمشاكل المصرفية نتيجة هيمنة الجهات غير الحكومية على البنوك. هناك أيضًا قضايا التلاعب بقوائم المستفيدين وإعاقة الأنشطة التي لا غنى عنها للبقاء، بما في ذلك فرض الضرائب على تحركات السلع الأساسية (غالبًا عدة مرات عند نقاط التفتيش). كما تفرض الوزارات “البيروقراطية” لا سيما في صنعاء ولكن أيضًا في مناطق الحكومة الأخرى. ما زالت القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية وحرية التنقل تشكل تحديًا رئيسياً وعلى وجه الخصوص في مدينة تعز المحاصرة. غالباً ما تكون التصاريح التي يتم الحصول عليها في صنعاء أو عدن غير ذات معنى خارج هاتين المدينتين، حيث تسيطر مجموعات مسلحة مختلفة في نهاية المطاف على وصول المساعدات الإنسانية. يتم استخدام العمل الإنساني كأداة من قبل طرفي الصراع.
تواجه الشركات المحلية التي تدعم المنظمات الإنسانية المحلية أيضًا تحديات؛ إذ إن اليمن يستورد 90٪ من غذائه ويستورد القطاع الخاص معظمه. يواجه قطاع الأغذية العديد من التحديات المشابهة لتلك التي تواجهها الشركات الأخرى في اليمن. وقد أدى نقص الوقود المتاح والإجراءات الضريبية المعقدة وانتهاء خطة تمويل واردات الغذاء الحكومية في عام 2020 إلى ارتفاع التكاليف بالنسبة لمنظمات القطاع الخاص.

•كيف يمكن للمنظمات الدولية المساعدة في التحول من المساعدات الطارئة إلى تنمية أكثر استدامة؟
يتم ذلك من خلال الاستثمار بشكل استراتيجي في رؤية طويلة الأجل للبلد. سيمكن المانحون البلاد من البدء في معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجهها وتمكين العائلات من البدء في تحصيل رزقها مرة أخرى. يمكنهم الدخول في شراكة مع المبادرات الأهلية والمنظمات والشبكات المجتمعية للنساء والشباب لزيادة التأثير والفعالية إلى أقصى حد – لا سيما أنهم سيتمكنون بعد ذلك من الوصول إلى المناطق النائية ومعرفة السياقات المحلية. يمكن أن يساعد ذلك في ضمان توفير تمويل مرن متعدد السنوات ورفع القيود على الوصول إلى التمويل الإنساني.
هناك حاجة إلى تخصيص غالبية تمويل المساعدة للقطاعات ذات التأثير المستدام، بما في ذلك دعم رواتب موظفي الخدمة المدنية، وتقديم المعونة النقدية للرعاية الاجتماعية، وأنشطة كسب العيش بما في ذلك في قطاعي الزراعة ومصائد الأسماك وتعليم الفتيات والفتيان والخدمات الصحية وتحسين خدمات الكهرباء والمياه ومكافحة تجنيد الأطفال في الصراع.

•ما هي الفرص والتحديات الرئيسية للشراكة بين القطاعين العام والخاص؟
تتمتع مؤسسات القطاع الخاص المحلية بفهم قوي لاحتياجات السكان. مع التأخيرات الممتدة في رواتب القطاع العام في جميع أنحاء اليمن يعد القطاع الخاص مصدراً مهماً لدخل المواطنين، حيث يدعم العديد من العائلات ويمكنهم من شراء المواد الغذائية. غالباً ما تشتري الوكالات الإنسانية المواد الغذائية من مستوردي القطاع الخاص مما يدر دخلاً للاقتصاد المحلي.
ومع ذلك، فإن نوعية النقاش لا سيما بين القطاعين العام والخاص بحاجة إلى أن تتحسن، كما يجب توضيح مسؤوليات كل من القطاعين الخاص والعام والاعتراف بها ومتابعتها. وبينما تحتاج الحكومة إلى بذل كل ما في وسعها لمساعدة القطاع الخاص، يحتاج القطاع الخاص إلى زيادة مساهماته في الاستقرار الاقتصادي. تتمتع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص بمكانة جيدة لدفع الاستثمار الأجنبي وقيادة التعافي عبر الاقتصاد، مما يتيح الوقت لازدهار مشاريع الأمن الغذائي طويلة الأجل.

•ما هي الاتجاهات والتحولات التي تعتقدين أن الجهات الفاعلة – المحلية والدولية – في قطاعي التنمية والإنسانية يجب أن تتوقعها؟
أدى الصراع متعدد الأوجه والمستمر في اليمن إلى إضعاف كل من الدولة والقطاع الخاص الرسمي. وقد سمح ذلك بظهور لاعبين جدد في “اقتصاد الحرب” الذي شكلته مصالح الأطراف المتحاربة، الأمر الذي يمثل تحدياً متزايداً للاستقرار والتنمية والاستجابة الإنسانية الفعالة. ستظهر العواقب المحسوسة في المستقبل ومن المرجح أن تساهم في المجاعات المستقبلية إذا تم تركها على حالها. يجب على المجتمع الدولي والشركاء المحليين ما في ذلك القطاع الخاص الحفاظ على نهج شامل للأمن الغذائي مع الاعتراف بأهمية البنية التحتية المتضررة والبيئة الاقتصادية السلبية.

*منى لقمان هي المؤسسة والرئيس التنفيذي لمؤسسة “الغذاء من أجل الإنسانية” وكثيرا ما تقدم إحاطات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقد دعت على الصعيد العالمي لوقف الحرب ولدعم العمل الإنساني ومشاركة المرأة في عملية السلام في اليمن. تعمل منى حاليًا على إصلاح وحوكمة قطاع الأمن مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن – DCAF
*آدم بارون كاتب ومحلل سياسي وعضو مجلس إدارة المركز اليمني للسياسات. كان يقيم في اليمن من 2011 إلى 2014.

-لقراءة الحوار من الموقع الاصلي
 

 


كلمات مفتاحية:

التعليقات