بعد ثلاثة أسابيع من توجُّه المسؤولين في الشرق الأوسط إلى الصين لعقد اجتماعات رفيعة المستوى وتصدُّرهم عناوين الصحف، وصل زعماء ثلاث دول عربية - هم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد - إلى بكين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.
وأجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ محادثات فردية مع كل زعيم خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأعرب عن رغبته القوية في تعميق تعاون الصين مع بلدانهم. ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الصينية، تعهّد بتعزيز "مبادرة الحزام والطريق" في مصر، وتعزيز العلاقات مع قطر في مجال الطاقة، وتسريع المفاوضات المتعلقة بالتجارة الحرة مع بلدان الخليج.
لقد أصبحت الألعاب الأولمبية أيضاً بمثابة منبر لزيادة الحوار بين حكومات الخليج، حيث انضم زعيما قطر والإمارات العربية المتحدة إلى الرئيس شي لتناول وجبة غداء مشتركة في الخامس من شباط/فبراير. وكان هذا أول لقاء تفاعلي من نوعه بين الزعيمين منذ أنهت الإمارات ومصر والسعودية والبحرين في العام الماضي الخلاف الدبلوماسي مع قطر الذي استمر لفترة طويلة.
في البداية، أشارت تقارير إعلامية إلى أن الحاكم السعودي الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان سيحضر الاحتفالات الافتتاحية أيضاً، ولكن المسؤولَيْن السعوديَيْن الوحيدَيْن اللذين حضرا كانا سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر ووزير الرياضة السعودي الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل. ولم تذكر البيانات الصحافية السعودية الغياب الواضح لولي العهد، الذي ربما كان ذلك نتيجة للضغط الأمريكي. وبعد يومين من حفل الافتتاح، ذكرت وزارة الخارجية الصينية أنه لم يحضر بسبب "جدول أعماله".
من جانبها، لم ترسل الحكومة الإسرائيلية أي مسؤولين لحضور الألعاب. ورفضت وزيرة الثقافة والرياضة هيلي تروبر دعوة بكين، مشيرة إلى القلق بشأن الموجة المستمرة لمتحور "أوميكرون" من فيروس وباء "كوفيد-19". ولم تعلن أي دول من المنطقة رسمياً أنها ستنضم إلى المقاطعة الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة للحدث (والتي تتم مناقشتها أدناه).
•الرياضيون من الشرق الأوسط في الألعاب الأولمبية
على الرغم من أن كل بلد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد شارك في الألعاب الأولمبية الصيفية، إلا أن حضورها في الألعاب الشتوية أقل شيوعاً. وتُشارك ستة بلدان هذا العام هي: إيران وإسرائيل ولبنان والمغرب والمملكة العربية السعودية وتركيا. وقد أرسلت ما مجموعه 19 رياضياً، وهو عدد صغير مقارنةً بعدد الرياضيين الأولمبيين الذي بلغ هذا العام 2871 رياضياً. ولم يسبق أن فاز أي بلد من المنطقة بميدالية شتوية، واستمر هذا السجل حتى الآن في ألعاب بكين.
وتُشارك السعودية للمرة الأولى في دورة الشتاء، وأرسلت إلى هذه الألعاب رياضياً أولمبياً وحيداً هو المتزلج الألبي فايق عابدي. فقبل عامَين، شكّلت المملكة "الاتحاد السعودي للرياضات الشتوية" كجزءٍ من جهدٍ أوسع نطاقاً يهدف إلى توسيع قطاعَي الثقافة والترفيه في إطار خطة "رؤية 2030".
وفي أوائل عام 2021، أعلن "الاتحاد" أنه يبحث عن سعوديين يمكنهم التأهل للألعاب الشتوية، ثمّ عرض تمويل تدريب عابدي. وقد وُلد هذا الرياضي الذي يبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً في سان دييغو في الولايات المتحدة، ولكنه أمضى طفولته في السعودية، وتعلّم التزلج في لبنان وسويسرا قبل أن يبدأ دراسته الجامعية في ولاية يوتا الأمريكية، حيث كان يقصد المنحدرات باستمرار. وحين عاد إلى المملكة بعد تخرجه في عام 2020، صمم على متابعة التزلج على الرمال، ولكن "الاتحاد السعودي للرياضات الشتوية" تواصل معه وبدأ التدريب لخوض الألعاب الأولمبية الشتوية.
أما بالنسبة إلى البلدان المشاركة الأخرى، فقد شاركت إيران في الألعاب الأولمبية الشتوية إحدى عشر مرة منذ مشاركتها الأولى عام 1956، وأرسلت متزلجَيْن على جبال الألب هذا العام.
وأرسلت إسرائيل بعثة إلى كل دورة ألعاب شتوية منذ عام 1994، وتضم بعثتها هذا العام اثنان من المتزلجين على جبال الألب، وثلاثة متزحلقين على الجليد ومتزلج سريع واحد على مسار قصير. وشارك لبنان في كل دورة ألعاب شتوية تقريباً منذ مشاركته الأولى في عام 1948، وأرسل هذا العام متزلجَيْن ألبييْن ومتزلج واحد لاختراق الضاحية (متزلج عمق). وشارك المغرب في سبع دورات ألعاب أولمبية شتوية منذ مشاركته الأولى في عام 1968، ويمثّله متزلج ألبي واحد في بكين. أما تركيا فشاركت في كل دورة ألعاب أولمبية شتوية تقريباً منذ عام 1936، وتشمل بعثتها الحالية متزلجَيْن ألبييْن وثلاثة متزلجي عمق، ومتزلج سريع واحد على مسار قصير، وقافزاً تزلجياً واحداً. وشارك بَلَدان آخران من المنطقة في السنوات الماضية ولكن ليس في ألعاب بكين: فقد حضرت الجزائر في دورات الألعاب الأولمبية في عام 1992 و 2006 و 2010، بينما شاركت مصر في عام 1984.
•التداعيات على السياسة الأمريكية
كما ذُكر سابقاً، تَوجّه كبار المسؤولين من إيران وتركيا وأربعة بلدان خليجية إلى الصين في الأسابيع التي سبقت دورة الألعاب الأولمبية لمناقشة زيادة التعاون في القضايا المتعلقة بالاقتصاد والبنى التحتية والطاقة وقطاعات أخرى. وجاءت موجة النشاط الدبلوماسي هذه في ظل التدقيق المكثّف في علاقات بكين مع بلدان الشرق الأوسط. ففي أواخر عام 2021، على سبيل المثال، زعمت التقارير أن الصين كانت تساعد السعودية في برنامجها للصواريخ الباليستية، في حين قدّرت الاستخبارات الأمريكية أن موقعاً عسكرياً صينياً سرياً كان يجري تشييده في أحد المرافئ الإماراتية، مما دفع أبوظبي إلى وقف عملية البناء.
وقد تشير ردود الفعل الأمريكية الأخيرة على الاستثمارات الصينية في إسرائيل إلى طريقة استجابة إدارة بايدن إذا استمر شركاء أمريكا الآخرون في المنطقة في تعزيز علاقاتهم مع بكين. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، رفضت إسرائيل مناقصتَين من شركتين صينيتين لبناء سكة حديدية خفيفة في تل أبيب وسط ضغوط من الولايات المتحدة. ومن الضروري اعتماد تكتيكات مماثلة في المستقبل، بينما تحاول الإدارة الأمريكية إبقاء الحلفاء تحت سيطرتها وإبعاد تركيزها عن الشرق الأوسط في الوقت نفسه.
وفيما يتعلق بالاجتماعات الصينية مع زعماء المنطقة في بكين، قد تعيق عقبات مختلفة كلا الجانبين من ترجمة هذه المشاركة إلى اتفاقيات منفذة وشراكات معززة. وقد يُظهر حلفاء الولايات المتحدة تردداً في إغضاب إدارة بايدن، بينما قد تفضّل الصين التركيز على مشاركة دبلوماسية أعمق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من بين اعتباراتٍ أخرى.
ومع ذلك، إن واقع حضور ثلاثة من قادة الخليج البارزين إلى دورة الألعاب الأولمبية وسط مقاطعة دبلوماسية أمريكية هو نعمة بالنسبة إلى جدول أعمال الرئيس شي وهيبته. ففي السنوات الأخيرة، رفض بعض المسؤولين في الشرق الأوسط إدانة ما تشير إليه الولايات المتحدة بسياسات الإبادة الجماعية التي تمارسها الصين تجاه السكان المسلمين الأويغور في شينجيانغ (سنجان). لذلك من غير المفاجئ أنهم لم يوافقوا على مقاطعة تقودها الولايات المتحدة تركز على هذه القضية.
ويتعارض رد الفعل الدولي على المقاطعة الحالية بشكل حاد مع ما جرى في دورة ألعاب موسكو عام 1980، عندما انضمت 54 دولة إلى واشنطن في الانسحاب من المنافسة بشكلٍ كامل للاعتراض على الغزو السوفياتي لأفغانستان. وتضمنت القائمة البحرين ومصر وإسرائيل والمغرب والمملكة العربية السعودية والسودان وتركيا وتونس - والصين.
ومع وصول التوترات الدولية إلى مستويات خطيرة وسط تغير التيارات العالمية، يتضح أن الزعماء في الشرق الأوسط يتعاملون مع الألعاب الأولمبية كمرحلة أخرى لتعزيز مواقفهم وتحقيق التوازن بين الشراكات التاريخية ومصالحهم الاقتصادية والأمنية الحالية. وكما حصل مع مشروع السكة الحديدية الخفيفة في إسرائيل، يجب على واشنطن أن تُواصل تحقيق التوازن بين هدفَين من أهدافها الأساسية في المنطقة وهما: تحذير شركائها التقليديين من تعزيز العلاقات مع بكين، مع الحفاظ في الوقت نفسه على سمعتها كحليفة جديرة بالثقة.
*كارول سيلبر هي باحثة مساعدة في "منتدى فكرة" التابع لمعهد واشنطن.