سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، وبعد خمس سنوات، خسر الرئيس عبدربه منصور هادي عاصمته المؤقتة عدن لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي؛ بالتالي تحتاج الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا إلى عاصمة لها. يحتاج مجلس الوزراء، الذي يقضي معظم وقته في المنفى بالرياض وغيرها من العواصم الإقليمية، إلى وجود له داخل اليمن إذا كان يأمل في توحيد البلاد وأن يحظى بشرعية، وحقيقة أن عددًا من الوزراء موجودين في عدن، وهي معقل مجموعة سياسية منافسة، أمر محرج على أقل تقدير. هناك عدد قليل من المدن الآمنة في اليمن التي تتمتع بوضع جيد يؤهلها لأن تكون عاصمة جديدة؛ والمكلا هي الخيار الأفضل.
تُعد المكلا، مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن، رابع أكبر مدينة على مستوى البلاد. هي مدينة حضرية ساحلية، مع كثافة سكانية منخفضة بما فيه الكفاية لاستيعاب النمو، وفيها ميناء نشط ذو مساحة يساعد في التوسع على طول بحر العرب، الذي يضم بدوره واحدًا من الممرات الملاحية الأكثر ازدحامًا في العالم. بمجرد وجود الحكومة فعليًّا في المدينة، يمكن أن تصبح المكلا العاصمة الاقتصادية والسياسية لليمن، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تنشيط التجارة عبر الطرق البرية إلى عُمان والسعودية، وعلى الصعيد الدولي عبر الممرات البحرية إلى الشركاء التجاريين في شرق آسيا.
على عكس كبريات المدن اليمنية الأخرى، لا تعاني المكلا من شح في الموارد المائية. ويحد حضرموت، التي تشكل أكثر من ثلث أراضي اليمن، كل من مأرب وشبوة والمهرة، وتنتج ما يقرب من ثلثي النفط والغاز المصدّر من اليمن. تتمتع المحافظة أيضًا بتنوع اجتماعي واسع النطاق، وهو مقياس للتنوع الاقتصادي المتمثل في صناعة صيد الأسماك والإمكانات السياحية بعد الحرب، إلى جانب كونها موطنًا لبعض من أفضل الجامعات اليمنية.
لم تعد صنعاء، وعدن، والحديدة -أكبر ثلاث مدن يمنية -خيارات مجدية، وحتى انتهاء الحرب لن يجعلها بالضرورة أكثر ملاءمة. تقع العاصمة الرسمية صنعاء تحت سيطرة جماعة مسلحة، ومن المرجح أن تنفد مواردها المائية في غضون عقود قليلة بسبب الآثار المتوقعة لتغيّر المناخ وسنوات من أعمال الحفر واستخدام المياه الداخلية بشكل غير سليم. وما تزال مسألة إيجاد وسيلة مستدامة ميسورة التكلفة لإمداد المدينة التي تقع على علو مرتفع بسكانها البالغ عددهم 4 ملايين نسمة أمرًا بعيد المنال، مما يجعل النمو غير مستدام.
أما عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا منذ عام 2015، فإن السنوات القليلة الماضية أثبتت أنها غير قادرة على استعادة دورها التاريخي كمركز يحتضن جميع اليمنيين. وعلى ما يبدو، لا يمكنها حتى احتضان كافة الجنوبيين. هناك عدد من الجماعات المسلحة المتناحرة في عدن، وبات من الصعب السيطرة على الوضع الأمني. تداعت البنية التحتية لعدن، التي تضررت بشدة جراء الحرب منذ عام 2015، وسيستغرق إصلاحها عقودًا من الزمن، فضلًا عمّا تعانيه المدينة من مشاكل خطيرة تتعلق بالنفايات والصرف الصحي. تتسم عدن بالاكتظاظ السكاني ونقص الموارد. بالإضافة إلى ذلك، فإن النهب والإهمال اللذين عانت منهما عدن على أيدي نخب شمالية، وصنعاء على وجه الخصوص، بعد الحرب الأهلية عام 1994 طغت على صورتها العالمية، وبهذه الذريعة حوّل أمراء الحرب المسلحون الذين ظهروا منذ عام 2015 عدن إلى مدينة يخشاها اليمنيون. في السنوات الأخيرة، تعرّض السكان من ذوي الأصول الشمالية للتهديد والطرد من المدينة.
أما الحديدة، وهي مدينة على طول ساحل البحر الأحمر، فتعاني من مشاكل أمنية أقل من عدن أو صنعاء. ويمكنها توفير احتياجاتها المائية من خلال تحلية المياه، غير أنها تخضع حاليًّا لسيطرة الحوثيين، وفقدت الكثير من مكانتها الاقتصادية السابقة وبنيتها التحتية. دُمر القطاع التجاري المتمركز حول المدينة الساحلية إلى حد كبير بعد عام 1990، حيث أصبح ميناء عدن، وليس ميناء الحديدة، الميناء الرئيسي بعد الوحدة. تُعد الحديدة الآن من بين أفقر المدن في اليمن.
اختيار عاصمة بديلة
قبل بضع سنوات، اقتُرحت تعز كعاصمة محتملة لأسباب جغرافية وثقافية وتاريخية، لكن المدينة المكتظة بالسكان وبجغرافيتها غير صالحة للتوسع، عانت من الدمار الاجتماعي والاقتصادي خلال الحرب. الوضع الأمني غير مستقر، وهو مماثل للوضع في عدن من حيث وجود جماعات مسلحة غير نظامية. كما تعاني المدينة من عجز في توفير ما يكفي من المياه لسكانها. ستتفاقم هذه المشكلة مع تنامي عدد السكان، ويُعزى ذلك في الغالب إلى ضعف البنية التحتية، التي ظلت مهملة لعقود وتدهورت بسرعة أكبر خلال الحرب.
خلال السنوات القليلة الماضية، دار حديث عن إنشاء عاصمة جديدة في محافظة مأرب أو محافظة شبوة، بحيث تحل مدينة مأرب أو عتق محل صنعاء. هذا ببساطة غير عملي، ومجرد أضغاث أحلام. بخلاف الوضع العسكري المتنازع عليه هناك، فإن مساحة مدينة مأرب لا تكاد تكون مساوية لمديرية واحدة في المكلا. كما أن أغلب أراضي محافظة مأرب صحراوية. تُعد البنية التحتية غير متطورة داخل المدينة، ويقطنها اليوم حوالي مليون نسمة. لم تتمكن مأرب من توفير الخدمات للأعداد المتزايدة من الأشخاص النازحين داخليًّا والمقدر عددهم بحسب المنظمة الدولية للهجرة بنحو مليون نسمة في مختلف أنحاء المحافظة. كما أن المدارس ومراكز الرعاية الصحية القائمة قليلة العدد وغير مجهزة بشكل مناسب.
تشهد شبوة وضعًا مماثلًا على الرغم من أنها موطن للمنشأة الأكثر أهمية اقتصاديًّا في اليمن، وهي مصفاة بلحاف، غير أن ثروة شبوة من النفط والغاز لا تكفي لجعل المحافظة مناسبة لاستضافة عاصمة وطنية. تعاني مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، من ضعف البنية التحتية، وكمدينة مأرب، تقع في وسط الصحراء، وهي موطن لجماعات قبلية قوية قد تستاء من أي توسع حضري.
المكلا
رغم مزاياها السياسية والاقتصادية والبنية التحتية الجيدة نسبيًّا، والرقي والتميز الذي تتمتع به المدينة، لم تستقطب المكلا اهتمامًا دوليًّا يذكر، ربما باستثناء السعودية. فقد حصل العديد من المغتربين الحضارم على الجنسية السعودية منذ تشكيل المملكة الحديثة. وعلى مر السنين، أنشأوا شبكات مالية وتجارية قوية في السعودية، مع الحفاظ على روابط قوية بمجتمعهم المحلي في حضرموت.
ولعل السبب الأكثر أهمية لإعلان المكلا كعاصمة جديدة، وإبقائها كذلك بعد الحرب، هو إفساد خطط الأطراف التي ترغب في تشرذم اليمن، مثل الحوثيين في الشمال أو المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب. علاوة على ذلك، من شأنه أن يساعد على ردع القوى المهيمنة في مختلف أنحاء اليمن عن فرض سلطة مركزية. إن منع التشرذم والمركزية من المكلا من شأنه أن يعيد تشكيل علاقات اليمنيين مع بعضهم، وأن يساعد في معالجة تظلمات مواطني البلاد وإبراء جروحهم.