في فبراير، قام الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، تيم ليندركينج، أحد أفضل وأذكى ايادي وزارة الخارجية في الشرق الأوسط، برسم الفكرة القصيرة لانهاء حرب اليمن ليتم تعيينه مبعوثًا خاصًا لإدارة بايدن هناك.
منذ ذلك الحين، لم يتم اتهامه فقط بالفشل في المهمة التي لا يُحسد عليها المتمثلة في التوسط لإنهاء الحرب المستمرة منذ سبع سنوات بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران وحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، بل كما لوانه كان مسؤولاً أيضًا عن تعثر جهود احتواء أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض.
للأسف في كلا الروايتين، الأمور لا تسير على ما يرام.
ليندركينج ليس هو المسؤول. اذ تعتمد الدبلوماسية الناجحة على النفوذ الفعال الذي تفتقر إليه واشنطن.
من المؤكد أن الولايات المتحدة يمكنها الضغط على المملكة العربية السعودية، لكن الرياض هذه الأيام لا تحتاج إلى أي إقناع من اجل إنهاء الحرب.
في الواقع في السنوات الأخيرة، انخرط السعوديون بكل المقاييس في محادثات حسنة النية حول مستقبل اليمن، بما في ذلك مع العدو اللدود إيران.
تكمن المشكلة في الحوثيين الذين أثبتوا تمردهم باستمرار ويلعبون الآن للحصول على الوقت بينما يحرزون تقدما بطيئا، لكنه ثابت في ساحة المعركة. في الواقع ليس لدى الحوثيين حافز كبير للجلوس على طاولة المفاوضات عندما تكون حكومة هادي وقوات حلفائها المحليين منقسمة وغير مسلحة بشكل كاف، وكثيراً ما تقاتل بعضها البعض، في سلسلة من الظروف التي لم يتمكن السعوديون من تصحيحها.
إن ميل الحوثيين نحو الحل العسكري بدلاً من حل تفاوضي يؤتي ثماره، فبعد عامين من حملتهم العسكرية في مأرب المحافظة الإستراتيجية، بات المتمردون على وشك التغلب على كليهما. المنطقة الغنية بالنفط هي من بين المناطق الرئيسية الأخيرة في الشمال المتنازع عليها من قبل حكومة هادي وبوابة لشبوة، وهي محافظة أخرى يسيطر عليها هادي وتتمتع بموارد طاقة وبنية تحتية مهمة.
سيكون انتصارًا باهظ الثمن، حيث ورد أن الحوثيين فقدوا آلاف المجندين، العديد منهم أطفال في هذا الجهد، لكنه سيمثل نقطة تحول.
إذا هزموا الجيش الوطني اليمني المدعوم من السعودية في أحد معاقله الرئيسية الأخيرة في الشمال وسيطروا على مركز الطاقة في اليمن، ربما سيكون الحوثيون قد انتصروا في الحرب.
بالنسبة للرياض وواشنطن والشعب اليمني، فإن هذا يمثل أسوأ سيناريو. حتى لو انتهت الحرب، سيظل الوضع الإنساني حرجًا، حيث لا يزال ثلثا سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليونًا يواجهون المجاعة ويعتمدون على برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة للحصول على القوت اليومي. وفي الوقت نفسه، سيسيطر وكلاء إيران على دولة عربية أخرى وستظل المملكة العربية السعودية عرضة لهجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار من جارتها الجنوبية.
اليمن مشكلة أخرى من الجحيم لإدارة بايدن. كما هو الحال مع أفغانستان، من المرجح أن تواجه حكومة الولايات المتحدة قريبًا تحدي دولة فاشلة أخرى بقيادة منظمة إسلامية متشددة بخرافات الألفية، حتى لو كان الحوثيون شيعة اسميًا.
العواقب المحتملة كبيرة. ليس فقط من ان الحوثيين قد يستمرون في استهداف حلفاء الولايات المتحدة في الخليج عسكريًا، ولكن ايضا إذا خسر التحالف السعودي المهتز مدينة الحديدة اليمنية وبقية ساحل البحر الأحمر يمكن للحوثيين أيضًا بسهولة تعطيل أكثر من 6 ملايين برميل من النفط والمنتجات البترولية يوميًا تمر عبر مضيق باب المندب أحد أهم نقاط الاختناق في العالم.
اضافة إلى ذلك رفض الحوثيون السماح بإصلاح أو التخلص من ناقلة النفط اليمنية القديمة ذات الهيكل الواحد التي كانت راسية كمخزن نفط عائم على بعد خمسة أميال من الساحل، مهددة بكارثة بيئية تنتظر الحدوث.
إذا غرقت السفينة البالغة من العمر 45 عامًا فقد يتسرب مليون برميل من النفط إلى البحر الأحمر مما يحد من الوصول إلى الموانئ، ويؤثر على محطات تحلية وإمدادات المياه العذبة لما يصل إلى 10 ملايين شخص ويقطع فرص الاصطياد السمكي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
لا يوجد حل جيد لليمن. مثل إدارتي ترامب وأوباما من قبله، حاولت ادارة البيت الأبيض الحالية وفشلت في إقناع الطرفين للذهاب نحو حل تفاوضي.
المفتاح الآن هو تشكيل التصرف في ما سيكون حتمًا تقريبًا أول دولة يهيمن عليها الإيرانيون في شبه الجزيرة العربية منذ عدة قرون.
في السراء والضراء هناك احتمالات معدومة أن تحاول إدارة بايدن إحباط انتصار كامل للحوثيين، إما من خلال العمل مع السعوديين لتسليح وتنظيم حكومة هادي وحلفائها المحليين بشكل أفضل أو عن طريق إصدار أوامر للجيش الأمريكي بالتدخل المباشر.
بعد النهاية المحتملة للحرب سيكون من واجب الولايات المتحدة احتواء الأذى الإيراني في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين، والحفاظ على سلامة الشحن في البحر الأحمر، وتقويض طموحات الحوثيين الإقليمية في المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من كراهية الرئيس الأمريكي جو بايدن الواضحة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فإن أول عمل تجاري سيكون تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة.
على مدى العامين الماضيين حسنت المملكة العربية السعودية بشكل ملحوظ قدرتها على مواجهة تهديد الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار.
لكن للاستمرار في القيام بذلك ستطلب الرياض التزامًا أمريكيًا بتجديد ترسانتها الدفاعية، بما في ذلك بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ والصواريخ المضادة للطائرات المستخدمة لاستهداف الطائرات بدون طيار.
خطوة أخرى تتمثل في قيام بايدن بإعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو التصنيف الذي ألغاه عند توليه منصبه.
في حين أن وضع الحوثيين موضوع نقاش، أعتقد أن وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو كان محقًا عندما وصفهم رسميًا بالإرهابيين، فالجماعة تقصف عمدًا المستشفيات وتنشر جنودًا أطفالًا، وفي 30 ديسمبر 2020 حاولت قتل جميع أعضاء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
لكن في حين أن التصنيف الإرهابي ربما استوفى المعايير، فمن غير الواضح أنه كان سيؤثر في النهاية على سلوك الجماعة أو يحد من مواردها المالية.
إلى جانب المساعدة الدفاعية الثنائية للسعوديين، يجب على إدارة بايدن أن تسرع بدءًا من الآن، تحسباً لنهاية الحرب بإنشاء آلية أمنية متعددة الأطراف في البحر الأحمر لاعتراض شحنات الأسلحة غير المشروعة، ووقف الاتجار بالبشر وغيره، ومنع مضايقة الشحن، بما في ذلك عن طريق زرع الألغام، في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر.
إذا تم تقديمه كجهد دولي واسع النطاق لمكافحة جميع القضايا الأمنية المتعلقة بالشحن العالمي في خليج عدن وحوله، بعبارة أخرى عدم تأطيرها على أنها مهمة خاصة باليمن تستهدف الحوثيين وإيران فقط، فقد تكتسب المبادرة زخمًا .
ولهذه الغاية، يجب على الإدارة أن تستكشف ما إذا كان يمكن توسيع واجبات مهمة مكافحة القرصنة الحالية المعروفة باسم فرقة العمل المشتركة 151.
ربما الأهم من ذلك، منع إيران من استكمال مشروعها بالكامل لإعادة إنشاء كيان شبيه بحزب الله على الجبهة الجنوبية للسعودية.
بمجرد سيطرة الحوثيين، ستحتاج إدارة بايدن إلى إعادة تنشيط حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن عام 2015.
وسيتطلب ذلك جهودًا مستمرة وإضافية للحظر البحري بالإضافة إلى إنفاذ الحظر المفروض على الحركة الجوية لمنع تهريب المعدات العسكرية الإيرانية المتطورة.
على الرغم من جهود إدارة بايدن لإعادة بناء اتفاق نووي أفضل مع إيران، فإن تنشيط حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة قد يتطلب أيضًا من واشنطن معاقبة طهران لاستمرارها في تزويد وكيلها بأسلحة مزعزعة للاستقرار.
في حالة فشل إدارة بايدن فإن الخطر ليس فقط أن المزيد والمزيد من الأسلحة المتقدمة مع المكونات الإيرانية سيتم توجيهها من اليمن نحو الرياض، بل ان قلقا من نوايا الحوثيين وإيران، دفع الإسرائيليين مرتين هذا العام الى نشر بطاريات دفاع صاروخي باتريوت، والقبة الحديدية ضد الصواريخ والطائرات بدون طيار المحتمل تسييرها من اليمن.
لا يزال من الممكن أن تتحد حكومة هادي مع الفصائل اليمنية المعارضة للحوثيين لشن هجوم مضاد، وان يبدأ السعوديون بقوة في تسليح اليمنيين في مأرب لمنحهم فرصة للفوز وإلا ستنعكس الثروات، والقوة بشكل كبير.
لكن النتيجة المحتملة هي أن أعداء واشنطن سينتصرون في هذه الحرب عاجلاً وليس آجلاً.
و بالنظر إلى المسار القاتم، فقد حان الوقت لإدارة بايدن لصياغة خطة بديلة للتعامل مع اليمن الذي يسيطر عليه وكلاء إيران.
*ديفيد شينكر هو زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومساعد سابق لوزارة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة ترامب.