لم يكن المواطن علوي عبدالقادر، من سكان مدينة عدن، يعلم قبل ذهابه إلى سوق خور مكسر، أن أسعار الأسماك المرتفعة ستحول دون قدرته على شراء قوت عائلته ووجبتهم اليومية، وتجعله يعود بأكياس شبه فارغه لخفة وزن نوعية الأسماك التي استطاع شراءها.
وتتكالب الأوجاع والمآسي تباعًا على أبناء عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، فلم تقف عند حد الأوضاع الأمنية التي تعصف بالمدينة منذ العام 2015، بل وصلت إلى تزايد الانهيار الكبير في الأوضاع المعيشية لغالبية سكان المحافظة.
وتزخر عدن، الغنية سواحلها، بالثروات البحرية والأسماك، إلا أن المواطن فيها وصل به الحال للامتناع عن شراء قوته ووجبته اليومية من السمك بسبب الارتفاع المهول في أسعارها مؤخرًا إلى مستويات تفوق قدرات المواطنين على توفيرها.
•معاناة مستمرة
تتكدس أسواق الصيد في مدينة عدن بالأسماك المتنوعة بأسعار متفاوتة، والتي من أهمها سمك الثمد، أكثر الأصناف حضورًا في أسواق عدن، والذي زاد سعر الكيلوجرام منه إلى نحو 10 آلاف ريال.
وعلى الرغم من القرارات الكثيرة الصادرة عن السلطات المعنية في المدينة بتخفيض أسعار السمك وتثبيته عند أسعار محددة، آخرها القرار الصادر عن الهيئة العامة للمصائد السمكية في خليج عدن "مركز حراج الدويكارد"، إلا أن تلك القرارات بتثبيت الأسعار بقيت معلقة من دون تنفيذ.
في السياق، تقول أنيسة محمد لـ"خيوط"، إنها لم تستطع شراء السمك منذ مدة بسبب ارتفاع أسعارها بصورة خيالية وتدهور الأوضاع المعيشية، وصعوبة الحصول على أبسط الاحتياجات اليومية الأساسية.
وتضيف: "السمك جزء رئيس في وجباتنا كعدنيين، ولم نعد نستطيع توفيره، حتى مرة في الأسبوع، الأمر أصبح ضربًا من الجنون، وما عدنا نتخيل إلى أين ستؤول بنا الأمور".
تتابع حديثها: "لا نعلم نحن الشعب ما الذي يجري وكيف وصل بنا الحال إلى هذا المستوى المتدهور، لكننا نحمّل الحكومة وجميع المسؤولين كل ما يجري للناس الغارقين وسط دوامة من الأزمات ولم يعد باستطاعتهم القدرة على تحملها".
•لعبة العملة
انعكس تهاوي العملة الوطنية المتواصل منذ بداية العام الحالي على ارتفاع أسعار مختلف السلع الغذائية والاستهلاكية، ومنها أسعار الأسماك التي تستمر بالارتفاع دون توقف.
الصياد أحمد بن عامر، أحد الصيادين في عدن الذين يرجعون هذا الارتفاع في أسعار الأسماك بدرجة رئيسة إلى التدهور الكبير الذي يشهده الريال اليمني وانخفاض سعر صرفه مقابل العملات الأجنبية، إضافة إلى ارتفاع الوقود والذي أثّر كثيرًا على عملية الاصطياد.
يقول بن عامر لـ"خيوط"، إن أسعار الوقود أثرت عليهم كصيادين بشكل كبير، إذ يستهلكون في رحلة الصيد الواحدة ما يقارب 310 لترات من البنزين، تصل تكلفتها إلى أكثر من 160 ألف ريال، إلى جانب "الزيت" الخاص بقوارب الاصطياد، والذي ارتفع سعر الباكت الواحد منه إلى 54 ألف ريال، من 32 ألف ريال.
ونظرًا لعدم وجود وكالات لبيع المحركات البحرية في اليمن - بحسب حديث بن عامر- يضطر الصياد إلى شرائها من خارج اليمن بالعملة الأجنبية. مثلًا محرك 60 حصانًا يصل سعره إلى 22 ألف ريال سعودي، مضاف إليها تكلفة النقل إلى اليمن، وهذه تعد عقبة كبيرة يواجهها الصيادون.
بالمقابل، يواجه الصيادون مشاكل أخرى عند حصول أي عطل في المحرك، إذ يتم اللجوء إلى الخارج لشراء قطع الغيار، وهنا يتوقف الصياد عن عمله حتى يتم إصلاح المحرك؛ الأمر الذي يكبدهم خسائر فادحة ويتسبب في عزوف كثير منهم عن الذهاب إلى البحر لممارسة الاصطياد.
ويرجح الصياد بن عامر، انخفاض عدد الصيادين الممارسين للمهنة خلال السنوات الخمس الماضية، بنسبة يقدرها بنحو 40 %، بسبب هذه الأزمات المتفاقمة.
كما تسببت الحرب الدائرة في اليمن، منذ أكثر من ست سنوات، في انخفاض حجم الإنتاج السمكي بنسبة تزيد عن 50 %، بينما تراجعت الصادرات إلى أقل من 70 ألف طن سنويًّا منذ اندلاع الحرب.
•انعدام الرقابة المحلية
لم يتوقف الأمر على تدهور الأوضاع الاقتصادية، والانفلات الأمني الذي تشهده مدينة عدن، بل إن الحال قد وصل إلى إهمال واضح من قبل الجهات والسلطات المعنية في ضبط عملية البيع والشراء في المدينة لكافة القطاعات والخدمات والسلع الغذائية والاستهلاكية، وكان للقطاع السمكي النصيب الأكبر في هذا الإهمال.
مصادر خاصة في السلطة المحلية بمحافظة عدن، فضّلت عدم ذكر اسمها، أكّدت لـ"خيوط"، أن تجار بيع الأسماك أهم أسباب ارتفاع أسعارها؛ نتيجة لقيامهم بوضع هامش ربح يزيد عن 50 %.
وأضافت المصادر أن بائعي الأسماك يشترونها من الصيادين بمبالغ منخفضة مقارنة بالأسعار التي يضعونها في عملية البيع، مثلًا يأخذ البائع منهم الكيلو الواحد لسمك الثمد، بمبلغ قدره 3500 ريال أو 4000 ريال، ويقدم على بيعه بما يقارب 10 آلاف ريال يمني.
وفي حديثنا مع عدد من الصيادين، أكدوا أن أحد أسباب ارتفاع أسعار بيع السمك في عدن يعود إلى تصديرها بطريقة عشوائية من قبل الشركات الصغيرة إلى الدول المجاورة، ومع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية التي قلصت هوامش ربحهم، أصبح الكثيرون منهم يفضلون إرسال إنتاجهم من الصيد إلى الخارج مقابل العملة الصعبة.
وعلى الرغم من صدور تعميم رسمي من وزير الزراعة والري والثروة السمكية في الحكومة المعترف بها دوليًّا، اللواء سالم السقطري، مطلع أكتوبر الحالي، وإجراءات تنفيذية من قبل محافظ عدن أحمد لملس، بإيقاف خمسة من مراكز خاصة بالإنزال السمكي في منطقة رأس عمران غرب عدن، باعتبارها مخالفة إلا أن هذا القرار لم يغير شيئًا على أرض الواقع، ولا تزال أسعار الأسماك في ارتفاع كبير يومًا بعد آخر.