تحليل: كيف يمكن ان تكون القوة العسكرية المتنامية للحوثيين ضارة بهم في نفس الوقت؟
يمن فيوتشر - ذا سيتزن-اشيا بارفين*-ترجمة خاصة: الخميس, 30 سبتمبر, 2021 - 05:15 مساءً
تحليل: كيف يمكن ان تكون القوة العسكرية المتنامية للحوثيين ضارة بهم في نفس الوقت؟

إن إعدام تسعة أشخاص من قبل الحوثيين في اليمن ومحاولتهم المتزايدة لتوسيع نطاق سيطرتهم الإقليمية في مناسبة العام السابع لاستيلاء الجماعة المتمردة على العاصمة صنعاء، ذي دلالة مهمة في مسار الحرب التي أدت إلى جر إحدى أفقر دول العالم إلى معركة طويلة الأمد، مع  خسائر فادحة في صفوف المدنيين.
منذ صعودهم السياسي، عمل الحوثيون على تعقيد مسار اليمن ما بعد انتفاضة الربيع، ونجحوا في مقاومة الضغوط المتعددة من مختلف القوى المحلية والوطنية والإقليمية والدولية مع استمرارهم في بسط سيطرتهم.
ومن الأمثلة على ذلك الإعدام العلني في 18 سبتمبر / أيلول لتسعة أشخاص بتورطهم المزعوم في مقتل مسؤول حوثي كبير، حيث تم تنفيذه في تحد للدعوات الصادرة عن الهيئات الحقوقية وبعض الحكومات المطالبة بمحاكمة عادلة.
إن هجوم الحوثيين على الحكومة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس المحاصر عبد ربه منصور هادي، لازاحتها من باقي المناطق الرئيسية بما في ذلك محافظة مأرب الشمالية الغنية بالنفط، دليل إضافي على نمو الجماعة المتمردة.
بدعم من إيران استفاد الحوثيون بالطبع من ضعف حكومة هادي التي تتمتع بنفوذ شبه معدوم في اليمن. كانت الأهداف المتباينة لبعض عناصر التحالف المناهض للحوثيين بقيادة السعودية عاملاً آخر مكّن الحوثيين من بسط سيطرتهم.
تدخل التحالف الذي تقوده السعودية عسكريًا في اليمن في مارس 2015 لاحتواء صعود الحوثيين المدعومين من إيران وهو الصراع الذي أوقع اليمن واليمنيين في نزاع دموي طويل الأمد.
ويستميت الحوثيون على موقفهم منذ ست سنوات ضد التحالف الذي تقوده السعودية بدعم من المجتمع الدولي، وقد نجحوا في تحسين مكانتهم من حركة معارضة صغيرة، إلى لاعب سياسي مهم في الوقت الحاضر وربما في اليمن ما بعد الصراع.
ومع ذلك، هل يمكن للحوثيين أن يظلوا غير مبالين بالضغط الدولي المتزايد على المملكة العربية السعودية وإيران لحل الصراع في اليمن، اضافة الى التشرذم والمعاناة الإنسانية الناجمة عن الصراع الذي طال أمده؟
وينتمي الحوثيون إلى "قبائل" مختلفة تعيش بشكل رئيسي في محافظة صعدة الشمالية المتاخمة للسعودية.  حركة الحوثي هي فرع من حركة إحياء الزيدية التي ظهرت في التسعينيات كرد فعل على انتشار السلفية المدعومة من الدولة والسعودية في المناطق التي اعتبروها معاقلهم.
قبل الإطاحة بهم في الستينيات، حكم الأئمة الشيعة الزيديون شمال اليمن لما يقرب من ألف عام (893-1962).  
و استندت حركة الحوثي إلى النهضة الزيدية لمحاربة قمعها الثقافي وتهميشها السياسي والاقتصادي.  يسمون أنفسهم على اسم زعيمهم المؤسس حسين الحوثي، ويشكلون ربما مع طائفتهم الاوسع نحو 40 بالمائة من الشعب اليمني.
قبل انتفاضة 2011، خاض الحوثيون ستة حروب في سبع سنوات مع نظام الرئيس علي عبد الله صالح.  أشعلت انتفاضة 2011 الأمل في أن يتمكن الحوثيون من المطالبة بنصيبهم في إدارة البلاد ومواردها.
لكن العملية الانتقالية، التي تم تشكيلها بشكل أساسي من خلال إجراء بعض التغييرات التجميلية في النظام القديم، فشلت في معالجة الدوافع الأساسية للانتفاضة: الفقر، والبطالة، وارتفاع الأسعار، والأحقاد العميقة لحركات المعارضة من الجنوب (الحراك) والشمال (الحوثيون).
ظل الحوثيون غير واثقين من الحكومة الانتقالية، وأثارت الخطة الفيدرالية التي قدمتها لاقليم ازال الحبيس الذي يضم محافظة صعدة، غضب الجماعة، التي اعتبرت الخطة محاولة متعمدة لحرمانهم من فرصة النمو اقتصاديًا وسياسيًا.
في غضون ذلك، ازداد السخط الشعبي ضد الحكومة الانتقالية بقيادة هادي.  
ركب الحوثيون موجة الغضب الشعبي للإطاحة بالحكومة والاستيلاء على العاصمة في سبتمبر 2014. لكن تقدمهم جنوبا قاد إلى تدخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما دفع اليمن إلى مستنقع أعمق.
نمت العلاقة بين الحوثيين وإيران اكثر في أعقاب استيلاء الحوثيين على صنعاء، كنتاج للتغيير الذي أحدثته الانتفاضات العربية عام 2011، حيث استغلت طهران الاحتمالات التي أتاحتها الانتفاضات الشعبية بشكل استراتيجي للحفاظ على سبل نفوذها وتوسعها في المنطقة.  
وحافظت إيران على علاقاتها مع الحوثيين طوال الوقت، حيث ورد أنها قدمت بعض الدعم للمتمردين خلال الحرب الأهلية في الستينيات عندما قاتل أنصار الإمامة الزيدية ضد الجمهوريين.
بعد ثورة 1979 في إيران، اصطفت حركة الحوثي تدريجياً مع موقف إيران المناهض للولايات المتحدة، كما يتضح من الشعار الإيراني الشعبي الذي تبنته الجماعة - "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل".  
وبذلك أصبحت الحركة جزءًا من الكتلة المعارضة للنظام الإقليمي الذي أقامته الولايات المتحدة وحلفاؤها بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
بعد استيلاء الجماعة المتمردة على صنعاء توطد التحالف بين الحوثيين وإيران مع تجاوز الأخيرة، شرط اعتراف المجتمع الدولي للتعامل مع حكومة امر الواقع في أجزاء من البلاد.
ساعد صمود الحوثيين وتوسعهم إيران على التفوق على خصمها الإقليمي المملكة العربية السعودية، وهو ما يتجلى في التعويل على دور أوسع لطهران لإخراج البلد المنهار من المستنقع الدموي.
ومع ذلك، لا يمكن لإيران ولا الحوثيين أن يغضوا الطرف عن التكلفة الاقتصادية للمعركة المستمرة، وزيادة الضغط الدولي مع تغيير القوة في الولايات المتحدة.
لا يستطيع الحوثيون حكم البلاد لفترة طويلة بالاعتماد على الدعم الخارجي والهجوم العسكري.  قد تكون قوتهم العسكرية المتنامية ضارة سياسياً بالنسبة لهم على المدى الطويل لأن أكثر من 29 مليون شخص في اليمن يرون أن الصراع الذي طال أمده يساعده ويحفزه عناد الأطراف المتحاربة كمصدر لمعاناتهم.
أيضًا، على عكس إيران، تتمتع المملكة العربية السعودية بقرب جغرافي من اليمن، وقد كان ذلك عاملاً مهمًا في تمكين الرياض من رعاية العناصر المختلفة داخل الحكومة وخارجها والتأثير على الشؤون الداخلية للبلاد.
هناك عدد من الحسابات التي من شأنها أن تبقي المملكة العربية السعودية في حالة تأهب شديد وتحرص على محاربة النفوذ الإيراني في اليمن، كما كان الحال على الأقل منذ عام 2015.
على أقل تقدير، لا يمكن للرياض تجاهل عدد من الهجمات التي شنها الحوثيون على مواقعها الحيوية بما في ذلك منشآت أرامكو النفطية وبعض المطارات والقواعد العسكرية.
إذا استمرت اليمن في كونها أرضًا لحرب بالوكالة بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين، فلن يُسمح للحوثيين بإدارة حكومة مستقرة.
و أثارت المحادثات الأخيرة التي عُقدت في بغداد بين إيران والسعودية التكهنات بأن الخصمين اللدودين قد يتنازلان عن مساحة لحل الصراع في اليمن.
إذا أقنعت الضغوط الدولية والتكلفة الاقتصادية للبقاء في الحرب المملكة العربية السعودية بالبحث عن مخرج لائق من اليمن، فستجد إيران أيضًا صعوبة في الاستمرار بتحمل اثار الضغط الأمريكي والعبء المالي المتراكم للعقوبات الاقتصادية المعوقة على المدى الطويل.
لذلك يحتاج الحوثيون إلى البناء على هذه التطورات والدخول في حوار جاد مع الأطراف المتصارعة.
في حين أن خوض جماعة الحوثيين لحرب مستمرة بدعم خارجي قد يساعد في احتواء بعض الجماعات الصغيرة أو هزيمتها على المدى القصير، غير انه لا يمكن هزيمة قوات مثل المجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال الذي تدعمه الإمارات، وجماعات إيديولوجية قوية أخرى لديها تحفظات جدية على حكومة تقودها الجماعة.
لهذا تحتاج القوات المناهضة للحوثيين إلى التخلص من ترددها والخروج من شرانقها الأيديولوجية من أجل بناء ثقة متبادلة فيما بينها اولا، والدخول في مفاوضات جادة مع الحوثيين لمعالجة القضايا العالقة.  
ومن دون ذلك فمن المحتمل أن تفتح خيارات وبدائل اخرى لحل النزاع، قد تساعد على وضع التكهنات حول تقسيم اليمن، موضع التنفيذ ليس فقط إلى دولتين ولكن إلى دويلات صغيرة للراحة والنسيان.


* أشيا بارفين طالبة دكتوراه في جامعة جواهر لال نهرو.


التعليقات