تحليل: الموازنة الدقيقة لتناقضات المجلس الانتقالي الجنوبي
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات-حسام ردمان(ترجمة غير رسمية) الاربعاء, 15 سبتمبر, 2021 - 02:37 صباحاً

 

 
 منذ ما يقرب من عامين في نوفمبر 2019، وقع المجلس الانتقالي الجنوبي، اتفاقية الرياض، وهي الصفقة التي تم التوصل إليها بوساطة سعودية لتقاسم السلطة بين المجلس والحكومة المعترف بها دوليًا بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي.  منذ ذلك الحين حاول المجلس الانتقالي الجنوبي أن يكون هو كل شيء لكل الناس، في محاولة لتحقيق التوازن بين أربعة أدوار متناقضة بطبيعتها: كيان سياسي رسمي يتقاسم السلطة مع الحكومة المعترف بها دوليًا ؛  حركة ثورية مسلحة تسعى إلى دولة جنوبية مستقلة، معارضة شعبية تقود احتجاجات الشوارع، والسلطة الحاكمة الفعلية عبر أجزاء من الجنوب.
في أوقات مختلفة خلال العامين الماضيين، حاول المجلس الانتقالي الجنوبي أداء واحد أو أكثر من هذه الأدوار المختلفة.  
بعد توقيع اتفاقية الرياض، تم الاعتراف بالمجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي من قبل حكومة هادي والمملكة العربية السعودية، لكن هذا لم يترجم إلى تماسك سياسي أكبر داخل التحالف المناهض للحوثيين، اذ تباطأت كل من حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي في تنفيذ الاتفاقية، واستمر التنافس حول الأدوار والتراتبية الزمنية.
 
•محبطًا ويتطلع إلى خلق حقائق على الأرض 
في اوائل عام 2020، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي أنه سيفرض حكمًا ذاتيًا على جميع المحافظات الجنوبية، وبينما لم يكن قادرا السيطرة على كل المحافظات الجنوبية، تمكن المجلس من السيطرة على عدن، ولحج والضالع وسقطرى، إلى جانب أجزاء من أبين، حيث انخرطت قواته هناك في قتال عنيف ضد القوات الموالية لهادي.  
بعد بضعة أشهر من المشاورات، تراجع المجلس الانتقالي الجنوبي عن سياسته التصعيدية ووافق على إعادة التواصل مع حكومة هادي بشأن تنفيذ اتفاق الرياض.
و في نوفمبر 2020، انضم المجلس الانتقالي رسميا إلى حكومة هادي، ووافق على خمسة من أصل 24 حقيبة وزارية إلى جانب محافظة عدن.
لكن في غضون أشهر، كان المجلس الانتقالي الجنوبي يدعو إلى الاحتجاجات خارج قصر المعاشيق مقر الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن، ضد تلك الحكومة نفسها.  
اقتحم المتظاهرون منزل رئيس الوزراء معين عبد الملك مما دفع اعضاء الحكومة إلى الفرار من عدن.
في مايو 2021، دعا زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في خطاب تلفزيوني الحكومة للعودة إلى عدن، لكن في نفس الخطاب  صوّر الزبيدي نفوذ الحكومة في سيئون وشبوة والمهرة على أنه "احتلال"، داعيًا أنصار المجلس إلى مواصلة احتجاجاتهم ضد السلطات المحلية هناك.  
ثم اعلن الزبيدي في يونيو / حزيران من جانب واحد، إعادة هيكلة قواته العسكرية والأمنية وربطها اسميا بوزارتي الدفاع والداخلية، كما أنشأ قوى جديدة باسم مكافحة الإرهاب.
هذا ما كان عليه العامان الماضيان داخل المجلس الانتقالي الجنوبي: تصعيد تلاه خطوات تصالحية حيث يحاول الائتلاف قياس ما سيتحمله المجتمع الدولي بالضبط، وكذلك مقدار الدعم الذي يحظى به على الأرض.
جزء من المشكلة هو أن أياً من الخيارات لا يمنح فعلا المجلس الانتقالي ما يريده. 
أدى الانضمام إلى حكومة هادي كجزء من اتفاق الرياض إلى تخفيف الضغط عن المملكة العربية السعودية، لكن داخل الحكومة لا يتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي بسلطة تذكر.  
لا يزال صنع القرار حكرا على الرئيس هادي وحلفائه داخل حزب تجمع الإصلاح. ونتيجة لذلك، عاد المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الضغط على هادي من موقع المعارضة، ومع ذلك فإن المجلس كان مثل دوره داخل الحكومة، قوي بما يكفي لفرض بعض التغييرات ولكنه أضعف من تحقيق أهدافه السياسية.
نجحت الوساطة السعودية في نزع فتيل التوتر في شبوة وأبين، لكنها لم تغير الديناميات في الجنوب.  يعتقد كلا الجانبين - المجلس الانتقالي وهادي - أنهما قادران على الفوز في المباراة الطويلة، ولذا فقد شرع كل منهما في حرب استنزاف مع الآخر.  كل هذا، بالطبع  يأتي على حساب تنشيط مؤسسات الدولة، ومحاربة الحوثيين، وتخفيف الانهيار الاقتصادي المستمر، حيث ينشغلان للغاية في التآمر ضد بعضهما البعض عن تقديم جبهة موحدة.
كما أدت الأدوار المتعددة والمتناقضة للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى تقويض قدرته على تصوير نفسه كقوة حاكمة بديلة ناجحة، وهددت باضعاف قاعدة دعمها، لا سيما في عدن.  
أدرك المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرًا هذه المخاطر وسارع إلى حلها من خلال إجراءات أكثر استقلالية، لا سيما في الاقتصاد والقضاء.
وعقد الزبيدي خلال الشهرين الماضيين اجتماعات مكثفة مع اللجنة الاقتصادية للمجلس الانتقالي الجنوبي وجمعية الصرافين الجنوبيين في محاولة للحد من المضاربة بالعملات.  
وفي سياق مماثل، قدم المجلس الانتقالي غطاءً سياسياً لمجموعة نقابية من السلطة القضائية تسمى  "نادي القضاة الجنوبي"، وفي فبراير 2021 وجه وحداته الأمنية للاستجابة لدعوات النادي بوقف عمل المحاكم في العاصمة المؤقتة، احتجاجًا على قرار الرئيس هادي بتعيين نائب عام مؤيد للإصلاح.  
لكن هذا التصعيد أصاب الحياة العامة بالشلل التام في المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي، واضطر نادي القضاة الجنوبي إلى إنهاء إضرابه في منتصف آب / أغسطس.  
في نفس الشهر، دعم المجلس الانتقالي هذا النادي في إنشاء الهيئة العليا لإدارة الشؤون القضائية، وهي هيئة معنية بالإشراف على القضاء في عدن.  
من المرجح أن يؤدي ذلك إلى زيادة تعقيد العلاقة بين أجهزة الدولة الرسمية والمؤسسات الموازية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
يحاول الانتقالي الجنوبي أيضًا تعزيز السلطات المحلية في عدن، التي تتبع محافظ عدن أحمد لملس، وهو القيادي الرفيع في المجلس، لملء الفراغ الناتج عن غياب الحكومة.  
يتم بذل جهد مماثل على الجبهة العسكرية، حيث يحاول المجلس الانتقالي إنشاء قنوات مستقلة للتمويل الذاتي للتعامل مع حقيقة أن الأجور مقطوعة من قبل المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية لمدة عام تقريبًا.
ومع ذلك يتعين على المجلس الانتقالي أن يحرص على عدم المبالغة في ذلك، اذ كان لا يريد عدم اغضاب المملكة العربية السعودية بلا داع، او تنفير المجتمع الدولي والأمم المتحدة لدرجة أنه لا يمكن في النهاية الاعتراف به كممثل للجنوب في أي مفاوضات سياسية.
يريد المجلس الانتقالي الجنوبي أن يُنظر إليه على أنه جزء من حل مشكلة اليمن. وهذا يعني أن عليه أن يلعب بهدوء مع هادي، وأن يبقى في حكومته وان يقدم له بعض الدعم الرمزي، لكن دون التنازل عن هدفه الرئيسي المتمثل في إقامة جنوب مستقل.  
لذا سيستمر المجلس في القيام بما اعتاد القيام به: اتخاذ خطوة في هذا الاتجاه ثم أخرى في اتجاه يبدو متناقضًا. كل ذلك بهدف عدم إبعاد الكثير من الجمهور الدولي أو المحلي.
يرتبط معيار نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي في سياسته الحالية بنقطتين رئيسيتين: قدرته على الوقوف كلاعب رئيسي في صيغة الصراع اليمني - والذي تحقق نسبيًا في الجنوب على الرغم من التهديدات العسكرية والسياسية المتزايدة من حوله -  وقدرته على التحول إلى نموذج للحكم يجذب التأييد الشعبي في المناطق التي يسيطر عليها، خاصة في العاصمة المؤقتة عدن.  
لكن المجلس الانتقالي سيظل يواجه صعوبات حقيقية في هذا الصدد، إذ لم يعد ممكناً عزل نجاحاته عن نجاحات أو إخفاقات الحكومة أو إبعاد نفسه عن تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي تشهده الدولة اليمنية.
 
 *حسام ردمان صحفي وزميل باحث في مركز صنعاء يركز على السياسة اليمنية الجنوبية والجماعات الإسلامية المتشددة.  
 


كلمات مفتاحية:

التعليقات